أشكال الترويح المعاصرة
يحيى بشير حاج يحيى
ينظر الإسلام للناس على أنهم بشر ، فهو دين واقعي يأخذ بعين الاعتبار رغبات هؤلاء البشر وطبيعتهم الإنسانية ، معترفاً بمتطلبات الفطرة البشرية دون تضييق أو شطط ، ضمن حدود الآداب التي رسمها وفي نطاق الالتزام بما شرع الله تعالى .
ولما كان للترويح في هذا العصر أشكال متعددة ، كان لابد للمسلم أن يكون له موقف منها ، منطلقاً من عقيدته ، وما ارتضته شريعته ! ويمكن قصر هذه الأشكال على ثلاثة أمور :
أولاً : ما تقدمه وسائل الإعلام ـ وهي كثيرة متعددة بتعدد وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحيفة وآلة تسجيل وفيديو وغير ذلك .
وسنقصر الحديث على بعض الوسائل التي يتحكم بها الإنسان كآلة التسجيل ، والفيديو .
فهل ما يستعمله كثير من الناس ، من أشرطة صوتية أو تصويرية يتوافق مع ما أباحه الإسلام ، أم يتجاوز حدوده ، ويخرج على آدابه ؟!
ومن هذه الوسائل ، الكتاب الذي لا ينكر دوره أحد ، سواء أكان قصة أم شعراً أم فكراً ، مع ما للقراءة من فائدة ومتعة لو استغلت فيما يعود بالنفع على القارئ .
وللمسلم بداهة موقف واضح من القصص الخليعة ، والروايات الجنسية ، والأشعار المكشوفة ، كذلك الحال بالنسبة للكتب الفكرية التي تحمل في ثناياها انتقاصاً من دور العقيدة في الحياة أو تهجماً على حدود الدين ، أو دعوة للإباحية ، أو استهزاء بالحجاب ، أو تحريضاً على الفاحشة ، وتسهيل إتيانها .
ومن أشكال الترويح ـ اليوم ـ السياحة ، سفراً إلى البلاد العربية أو الأجنبية في العطل والمواسم ..
إن الأصل في الترويح هو تجديد الهمة ، وتغيير الأجواء ، لا الانسلاخ عن الأخلاق ، والانغماس في الملاهي ، والتبذير ، وإنفاق المال في غير وجوهه الشرعية ..
فالمسلم الواعي ، العارف قدر نفسه ، الموقر للدين الذي يتشرف بحمل اسمه والانتساب إليه ، يعرف لماذا يسافر ؟ وإلى أين ؟
ثم كيف يستفيد من هذه السياحة ؟ ماذا يتعلم ؟ ماذا يأخذ ؟ وماذا يدع ؟ وإلا كان هذا الترويح مضيعة للوقت ، مفسدة للخلق ، منقصة للمروءة وتضييعاً لحدود الله ، وخروجاً على آداب الإسلام ، فالمعصية معصية سواء أكانت في الشرق أم في الغرب ، وليس يغير من شناعتها أن لا يرى مرتكبها مَنْ يعرفه !!
وكذلك من أشكال الترويح ـ اليوم ـ الرياضة بأنواعها ، والإسلام يحضّ على القوة فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، والنبي صلى الله عليه وسلم صارع " ركانة " فغلبه ، فكان ذلك سبباً في إسلامه ، وحضّ على الرمي وتعلم ما ينفع .
إن الرياضة التي أقرها الإسلام هي التي تنمي الجسد والروح معاً ، ويعود نفعها على الفرد والمجتمع ! التي لا تستهلك وقت الإنسان ، ولا تتعدى تعاليم الإسلام ، ولا تصبح مجالاً للتنافس غير المشروع ، ولا تكون سبباً في إضاعة المال ..
فهل كل أنواع الرياضة ـ اليوم ـ مما يتوافق مع شرع الله ؟ وهل جعلها غاية في ذاتها مما يقره الإسلام ، مع نسيان ما فرض على الإنسان من واجبات ؟!
الأصل في الترويح ليس مجرد قضاء أوقات الفراغ ، وممارسة اللهو ، ولكن فيما يعود على الإنسان من الفوائد الجسمية والروحية والعقلية .
وعندما تنتفي هذه الفوائد ، ولا يتحقق الإنسان بها ، فأي نفع بعد ذلك يكون في هذا الترويح ؟!
إن الإسلام دين التوازن ، وهو يلبي حاجات الإنسان كلها ضمن دائرة ما شرع ! والمؤمن عاقل ، والعاقل إنسان متوازن .