مَن هو الشَّاعر
جعفر عبد الله الوردي
من هو الشاعر ؟ هل الذي يحفظ بحر البسيط ويجيد تفاعيل المتقارب ؟! أم هل الذي درس علم العروض وجوازاته ؟!
يحق لنا أن نسأل هذا السؤال في عصرنا هذا؛ لأن الشعر لم يعد عند الكثير من الشعراء إلا أداة لأغراض شخصية أو مجونية أو ما إلى ذلك.
هل الشاعر الذي يجلس في بيته ويتذكر حبيبته ومكالماته معها وهمسها في أذنه فيصيح قائلا: أوحشتني بصوتها أسماء !
هل هو الذي يقضي هذه الموهبة بين أظفار شعر النساء وعلى أرصفة الشوارع ووراء أضواء السيارات !
لا ليس ذلك الشاعر، على أني لا أقول بأنه يجب على الشاعر ألا يتغزل وأن لا يصف بل إن بعض هذا الشعر يكون جد جميل.
لكن أن يقيد موهبته ويحجز حريته على هذه الكلمات وهذه التعابير، فهذا هو الشلل الدماغي بعينه وغيره مرض عارض.
أما والأنكى من تلك كلها من يستجدي بشعره ويبيع ماء وجهه لدريهمات يصفطها ويكذب بها على قائلها ليحضى زهير من عطاء هَرِم !
بئس الشعر إن كان ذاك، وبئست الموهبة إن اقتصرت على تلك..
الشاعر هو الذي يحكي هموم أمته، ينسج آلام شعبه، يصفع بكلماته وجوها عاتية، يردع بنظمه أناسا باغية، يتصدر مسيرة الإيمان والإصلاح، فيعزز القيم، ويرفع الهمم..
الشاعر من يبيع طموحه ومواهبه لأمته بثمن انتسابه لها، يجنّد نفسه جبهة يصد كل حاقد، ويردع كل متجاسر على القيم والمبادئ والأعراف الصحيحة.
هذا هو الشاعر وإلا فلا، وإنني لأسمع صوت أحمد مطر وهو يردد كلاما هو الحقيقة فيقول:
(كفرتُ بالشعر الذي لا يُوقظ الظلمَ ولا يحرك الضَّمائر
لعنتُ كلَّ كلمة لم تنطلق من خلفها مسيرة
ولم يخطَ الشعب في آثارها مصيره
لعنت كل شاعر ينام فوق الجُمَل الندية الوثيرة
وشعبه ينام في المقابر
لعنت كل شاعر يستلهم الدمعة خمراً
و الأسى صبابة
والموت قشعريرة
لعنت كل شاعر يغازل الشفاه، و الأثداء ، والضفائر
في زمن الكلاب و المخافر
ولا يرى فوهة بندقية حين يرى الشفاه مستديرة
و لا يرى رمانة ناسفة حين يرى الأثداء مستديرة
و لا يرى مشنقة حين يرى الضفيرة
لعنت كل شاعر لا يقتني قنبلة
كي يكتب القصيدة الأخيرة)!
حق له أن يلعن إذا كانت الشعراء هي من تسعى في خراب الأمة وتَجمُد عند ما يطلب منها نصرة الدين والأمة والمبادئ.
فلتنتحرْ يا شعرُ إن كنتَ الذي يأويْ إليك الخائنُ المرتابُ
فلتنتحر إنَّ الحياة ذميمةٌ إنْ كان للطَّاغين نَحوك بَابُ
أو فلتَعشْ إنْ كنتَ ثَورةَ قَائلٍ يَحيي بِها شباننا مَن غَابوا