نحو مجتمع متسامح
نحو مجتمع متسامح
عدنان عون
لو فاءت البشرية اليوم الى حضارة الاسلام لفاءت الى ظل ظليل و ركن ركين ولعاشت في وحدة انسانية جميلة و اخاء جميل رائع ينعم معهما الناس بالتعاون و التسامح ويضمنان السعادة و الرخاء و الامن و الاستقرار .
إن الإسلام يربي الإنسان الصالح الذي تشرق فيه أنوار الهداية و تتجسد فيه أخلاق الفضيلة ، ومعالم النزعة الإنسانية ، ويكون حيثما وجد، رحمة وسلاماً .. كيف لا وقد حرره الإسلام من كل تصور ينأى به عن الحقيقة ، ومن كل طبع يجافيه عن الآخرين ، ومن كل خلق يباعده عن الفضيلة ؟ .
إن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) هو المعلم والمربي لهذا المسلم ، وإن القرآن العظيم هو منهج حياته ، فلا غرابة أن يتخلق بأخلاق الفضيلة ، ويسمو بسلوكيات شريفة، يستعلي بها عن كل ما من شأنه أن يهبط به عن ذلك السمو .
لقد تلقى المسلم عن منهجه الرباني " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" وتلقى من توجيهات رسوله ومعلمه ( صلى الله عليه وسلم ) " ليس المؤمن بالطعّان ولا باللّعان ولا الفاحش ولا البذيء" . " وإذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك، ودع عنك أذى الخادم " .
كانت الدول الأوروبية ترى أن من حقها القيام على أمور كل دين يدخل تحت سلطتها، تراقب أتباعه وأعمالهم ، وتعاملهم معاملة لا يتحملها الصبر وكثيراً ما عملت جاهدة على إخراجهم من دينهم، ولكنها عجزت فسارعت إلى اضطهادهم وطردهم .
ولو عدنا إلى واقع المسلمين في ظل الحكم الإسباني لرأينا العجب العجاب فكم من قتيل غيبته محاكم التفتيش ؟ وكم من طريد شردته سلطاتها الحاقدة ؟ .
إن انتصار الإسلام في معاركه لم يزده إلا جمالاً وجلالاً ، ولم تأخذه نشوة النصر بعيداً عن أخلاقه وتعاليمه، بل كانت معاملته الحسنة لأهالي البلاد جاذبة لهم إلى الإسلام واعتناقه .
وقد ترك نصارى الشام للتاريخ كلمات تنبئ بما كان يتلقاه هؤلاء من معاملة سامية جعلتهم يخلدونها على صفحات التاريخ الإنساني حين قالوا : " لأنتم أيها المسلمون أحب إلينا من الروم الذين هم على ديننا" .
وما ذلك إلا لما رأوا من جميل أخلاق المسلمين وحسن معاملتهم لهم .
لقد رغب الإسلام و أوصى بأهل الذمة خيراً ورهب وحذر من أي إيذاء أو جرح لمشاعرهم ، في قول الرسول الكريم " من آذى ذمياً فقد آذاني " .
وليس هذا فحسب بل حفظ لهم أموالهم وضمن حقوقهم ومنحهم حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر ، وزادهم إحساناً حين أسقط عن غير القادرين الجزية ، ما يغنيهم عن ذل السؤال .
واسألوا التاريخ ! هل عرفت البشرية سماحة مثل سماحة الإسلام وسمواً كسمو أخلاقه ؟ لقد قدم وفد نجران إلى النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزلهم مسجده وأمدهم بكل ما يحتاجون وكتب لهم كتاب الصلح ، وأمر المسلمين بالوفاء لهم ما لم يخونوا أو يغدروا .
وكان خلفاؤه من بعده ينهجون نهج الوفاء لهم ، ويحفظون عهدهم ، ويراعون حقوقهم ويوم اضطر الخليفة الراشدي لإجلائهم عن الجزيرة العربية كيلا يجتمع فيها دينان ، ويكون المسلم عندئذ عرضة للفتنة والتأثر بهم ، لم يتركهم سدى، بل اشترى منهم الأرض وعوضهم عنها ، وأنزلهم الشام والعراق ، وأوصى أمراء الأمصار بحسن معاملتهم ودوام رعايتهم ، ومما خلده التاريخ ، أن نفرا منهم شكوا إلى عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) ما يعانون من ضيق الأرض ، ومزاحمة الدهاقين لهم ، فكتب الخليفة إلى عامله ( الوليد بن عقبة ) بإنصافهم ، ووضع بعض الجزية عنهم وحين رفعوا إلى هارون الرشيد شكايتهم عن تعسف عمال الجزية كتب إلى أمرائه بتخفيف الجزية عنهم وقبولها منهم مباشرة ودون وساطة العمال .
إن الجاهلية الأوروبية رغم تمدنها وحضارتها لا تزال وهي تدعي رعاية حقوق الإنسان عاجزة عن الارتقاء إلى مستوى معاملة الإسلام للرقيق وليست ثورة ( سبارتاكوس ) في تحرير الرقيق إلا صورة للمأساة التي يعيشها الرقيق في ظل حضارات قهرت الإنسان و أهانت إنسانيته .
وسيظل الإسلام مهما زاحمته الحضارات ، دين الحياة الإنسانية الطيبة الذي يجسد حقائق التربية الإيمانية للإنسان ، ففي منهجه وتوجيهات نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) والتى نحن أحوج ما نكون إليها اليوم ، أن " أفضل الإيمان الصبر والمسامحة ".
و لنتدبر قوله تعالى : " ويدرؤون بالحسنة السيئة " . لترى كيف يرد الشر بالخير ؟ وقوله تعالى : " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل " .
لترى كيف وثق روابطنا المقدسة ، وقوله تعالى " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " . لنرى أن العدل الإسلامي عدل مطلق إيجابي و أن الناس جميعاً أمامه سواء .
إن الإسلام دين سلام ومسامحة ودعوة خير ، والخير ينير النفس ويزين القلب ويقوي الإرادة الخيّرة ، وإن الشر يدنس ويفسد ويعمي ، فهل عرف التاريخ الإنساني أعظم من الإسلام ديناً و أسمى خلقاً و أجمل سماحة ، وأكثر رحمة .
اللهم خلقنا بأخلاق الإسلام واجعلنا هداة مهديين ..