طل وأخواتها

فداء الدين السيد عيسى

فداء الدين السيد عيسى/ السويد

[email protected]

يقول أرباب اللغة أن *إنَّ المكسورة و كذلك أختها أنَّ المفتوحة* وغيرها من حروف إنَّ عندما تدخل على الجملة الأسمية فإنها توكد اتصاف المعنى في المبتدأ والخبر فترفع الخبر وتنصب المبتدأ. وكذلك يقولون أن هذه الحروف سميت بالمشبهة لأنها اتصفت بشئ فريد ألا وهو أن كل حرف منها يتضمن معنى الفعل... يا لمساحات اللغة العربية ما أجملها, ما أعمقها وما أندرها بين اللغات. لكن لو سمح لي عمالقة اللغة وأساطنة النحو وكذلك ملوك الحرية واباطرة العزة أن أضيف حروفا إنسانية تميزت تميزا واضحا بين الحروف الوطنية الأخرى فصارت علما سميناه طل وأخواتها. يا لطل من حرف اذا دخل على الواقع المظلم اضاء فيه كل جوانب الحرية و الانطلاق فوكد -بتشديد الكاف-  في قلب كل حر مضئ أن خير هذه الأمة دائما مرفوع وأن مبتدأ الظلمة والظلام فيها منصوب, فكانت طل وأخواتها متضمنة كل أفعال الثائرين بل كانوا هم الفعل نفسه, الثائرون على الحرام الاجتماعي والسياسي

طل التي لم تكمل العشرين من عمرها تخيف وأخواتها أجهزة الأمن والشرطة فيسارع أولئك الظلاميون إلى محاولة خائبة لإطفاء النور الملوحي بحبس الفتاة التي طالما دأبت في مدونتها على معالجة الواقع المرير على طريقة فتاة التسعة عشر ربيعا, ولم لا؟ وهل سورية لعائلة معينة وطبقة محددة؟ أم أنها للجميع صغارا وكبارا؟ نساءا ورجالا؟

وكم حاولت وبطريقتها أيضا أن تخط ولو كلمات من أجل أم القضايا فلسطين, جرح الأمة النازف وعرضها المهدور, لكن النظام السوري لم يتعود على ذلك, فذهب يغطي بثوبه العفن ضوء الشمس و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟, لقد اعتقلوا طل وآيات ومن قبلهم استاذهم المالح, ومن قبله المفكر السوري الاحمد وغيرهم كثير منهم من عرفنا ومنهم من لم نعرف, ومسلسل النظام السوري التعسفي والدموي لم يتوقف لحظة واحدة, ومن بين كل هذا الصراخ الفاضح نكاد نسمع صوتا مزعجا يقول: طل خطر على الحرية؟ وأقول إن أصل الخطر في اعتقال أمثال طل لمجرد كلمة قالتها وتعبير بسيط خطته أناملها. إن الحرية لا يقودها إلا الأحرار المكافحون, اما خفافيش الظلام فمكانهم بين الحفر او في مزابل التاريخ. وكم تحتاج سورية أمثالك يا طل تعيدين فيها نبض عزتها من جديد وتبثين بين شعبها أملا يقول: إن شام الوليد وحمص خالد لا تقبل الظلم, وسيخرج من بين الأمة من يقف في وجه الحمقى اللذين دمروا الأمة وباعوا الجولان وخذلوا الشعب وسرقوا الثروات, لا بد لهذا الليل المظلم أن ينتهي وتشرق الشمس من جديد, شمس الحرية والعزة والكرامة , وتختفي فيه أجهزة المخابرات القمعية والتي زادت في سورية على أكثر من 15 جهاز مخابرات مختلف يتحكم في الشعب كم يريد ويأكل في جسد الأمة كما يشتهي ومن ثم يقف المواطن على حافة الرصيف وحيدا جائعا يتفرج على هذا المشهد الذي بات مسلسلا قديما عند المساكين في هذا الوطن وما أكثرهم

لي في هذا المقال كلمات اوجهها لعينات في هذا الوطن

أولا: لمن في قلبه مقدار ذرة من كرامة من أعوان النظام السوري سياسيون كانوا ام أجهزة امن, برلمانيون كانوا أم كتاب وادباء,إعلاميون كانوا أو فنانين, ولكل من يعين هذا النظام ولو بكلمة, أقول: أيها المساكين من لكم بعد موتكم غير أعمالكم الصالحة وشعبكم وأمتكم؟ خرجتم بجاهاتكم وسياراتكم ورجالاتكم واموالكم وما علمتم ان هذا كله إلى نهاية إلا ما قدمتموه من خير لشعبكم وامتكم وأنفسكم, فكونوا في صف الشعب وفي خندق واحد مع الاحرار. ألم تقراوا قول الشاعر

 أتيت القبور فناديتها ...أين المعظم والمحتقر

وأين المدل بسلطانه...وأين العظيم اذا ما افتخر

تفانوا جميعا فما مخبر...وماتوا جميعا ومات الخبر

فيا سائلي عن اناس مضوا...أما لك فيما مضى معتبر

تروح وتغدوا بنات الثرى...فتمحوا محاسن تلك الصور

ثانيا: للشعب المناضل وإخوان طل من المكافحين والمجاهرين بالحق ومن في قلبهم غضب, أقول: استمروا فأنتم أمل سورية الوقاد وأمل شعبكم الذي ينتظر ثورتكم وينتظر غضبكم فقوموا من سبات الخوف وقولوا لهذا النظام لا للظلم, لا للدكتاتورية, لا للقمع, لا للإعتقالات التعسفية, لا للفساد, لا للفقر, لا للجهل ومئة ألف لا أخرى في وجه الظالمين, وتذكروا بأنكم يوم تلقون أمتكم وأنتم قد قمتم ولبيتم نداءها حينذاك تستعذبون كل عذاب وتستسهلون كل صعب فانتم عشاق الحرية, وفيكم قول الشاعر:

أتينا كارهين لها فلما...عشقناها خرجنا كارهينا

وما بالعيش سلوتنا ولكن...أمر العيش فرقة من لقينا

ثالثا: للنظام المستأسد الخائب أقول: ليل الظالمين قصير وعمر الدول المريضة أقصر, الناس من حولك تنفض, ومحبيك يتناقصون, والغرور يقتل صاحبه, وكم من ملوك ظنوا أنهم باقون فما هي إلا لحظات حتى باتت ممالكهم هالكة, فلا تنسينكم شهوة الحكم قدرة الله وقضائه, وفيكم قال الشاعر: فيا حسرتا كيف انطوى العمر مسرعا...صرفناه في عود ولهو ومرقص

فراجعوا نفسكم وارجعوا لشعبكم وتصالحوا مع نخب شعبكم المثقفة ومع عمال بلدكم وكادحي الشعب المسكين, وضعوا أيديكم في أيدي الوطنيين والمصلحين. إن لم تفعلوا فانتظروا المد الثائر من أبناء وبنات الأمة المخلصين

 رابعا:إلى طل الكريمة أقول: ما أجمل العيش في سجن وقمع إذا كان هذا في سبيل الحرية والكفاح والشعب المسكين: في كفه شعلة تهدي وفي دمه...عقيدة تتحدى كل جبار

فاصبري وصابري وثقي بأن كل الأحرار من هذه الامة لن يرضوا لحرائرهم ما تعانين. الفرج قريب, وأمة تعتقل حرائرها لا تستحق الريادة

اختم بقول امرؤ القيس:

 ولو أنني أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليلا من المال

ولكنني أسعى لمجد موثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي