التداولية

منهج لساني و استراتيجية لتحليل الخطاب

سعد بولنوار

[email protected]

ماجستير دراسات نقدية معاصرة ( الجزائر )

1- توطئة :

تعد المناهج المعاصرة من الأهمية بمكان , أن صارت تستشعر كنه الأدبب و اللغة بما يقارب المفهوم العلمي, وذلك في تناولها للقضايا بدقة و وضوح , وتعد التداولية - باعتبارها استراتيجية هامة في تحليل الخطاب - أقدر و أصلح هذه المناهج بما تتيحه من إجراءات فعالة وهذا يعني " الجمع بين المنهج البنائي الوصفي و المنهج التفسيري .... لأننا نحتاج إلى تفسير الظواهر الثقافية أكثر من وصفها , وأن الوصف وحده يعزل الأثر الأدبي عن المجتمع والتاريخ"[1] , أي أن العملية الإبداعية أو اللغوية لا تتحقق إلا في ظل تواصل حقيقي بين باث ومتلق - ولا أقصد بالحقيقي التواصل العيني لكن أن يكون المؤلف من ضمن اعتبارات الناقد - فضلا عن طبيعة الأثر الأدبي أو النص " لأن أي عملية تواصلية لا تكاد تتم في غياب الشروط التداولية فملفوظات الخطاب لا تنفصل هي الأخرى عن أسيقة التلقي : ومنها الباث والمستقبل والجمهور والنسق وشكل الخطاب والمقام والقناة والموضوع والغرض ومفتاح التقويم "[2] , وعلى هذا الأساس يمكن أن نلج إلى الجانب النظري لهذا المنهج من خلال أصوله الفلسفية و روافده المنهجية التي بني عليها , وكذا ما يسهم من الوجهة اللسانية في صقل بعض المفاهيم التداولية .

2 - الأصول والمنطلقات :

2-1 - الإطار الفلسفي :

 تعتبر الفلسفة التحليلية المنبع الأول الذي انبثقت منه أولى البوادر التداولية , والمتمثلة في : " الأفعال الكلامية " , وهذه الفلسفة تفرعت عنها فلسفات أخرى ساهمت في بلورة النظرية التداولية بصورة عامة .

وكان الفيلسوف الألماني ( غوتلوب فريجه ) رائد هذا الاتجاه من خلال التحليلات اللغوية التي أجراها على العبارات اللغوية وعلى القضايا مميزا فيها بين " مقولتين لغويتين تتباينان مفهوميا و وظيفيا وهما : اسم العلم و الاسم المحمول , وهما عماد القضية الحملية "[3] وذلك في كتابه : أسس علم الحساب فاسم العلم في نظر ( فريجه ) هو الذي يشير إلى فرد معين أما المحمول فإنه يقوم بوظيفة التصور , وقد اعتبر الفلاسفة أن ما جاء به ( فريجه ) يعد انقلابا جديدا وذلك بما يتجلى في رؤيته الدلالية التي تميز بين اسم العلم و الإسم المحمول وبين المعنى والمرجع ، كما ربط بين مفهومين تداوليين هامين هما : الإحالة والإقتضاء ، ويمكن إجمال مفهوم الفلسفة التحليلية في جملة من المطالب و الإهتمامات والتي تتلخص في ثلاثة[4]] :

- ضرورة التخلي عن أسلوب البحث الفلسفي القديم وخصوصا جانبه الميتافيزيقي .

- تغيير بؤرة الإهتمام الفلسفي من موضوع (( نظرية المعرفة )) إلى موضوع (( التحليل اللغوي )) .

- تجديد وتعميق بعض المباحث اللغوية , ولا سيما مبحث (( الدلالة )) ، والظواهر اللغوية المتفرعة عنها وقد تفرعت الفلسفة التحليلية إلى ثلاث اتجاهات وهي[5] :

- الوضعانية المنطقية Positivisme logique , بزعامة رودولف كارناب.

- والظاهراتية اللغوية Phénoménologie du Langage , بزعامة إدموند هوسرل.

- وفلسفة اللغة العادية Philosophe Du Langage Ordinaire , بزعامة فيتنغشتاين

 وما يهمنا في هذا الصدد هو هذا الإتجاه الأخير الذي يصب في المنحى التداولي ، باعتبار أن ظاهرة الأفعال الكلامية ما هي إلا نتاج تولد من النقد الذي وجهه ( لودفيغ فتنغشتاين ) للمبادئ التي قامت عليها الوضعانية المنطقية , وكذلك " الحديث عن طبيعة اللغة المعنى في كلام الرجل ( الإنسان ) العادي "[6] , فالمعنى هنا ليس ثابتا إذ أنه يتغير بحسب مقامات الأحوال , وهو الأمر الذي أسهم في نشوء عدة قضايا لغوية من أهمها : الإحالة , والاقتضاء* , و الاستلزام الحواري , ومفهوم الافتراض المسبق . و من جهة أخرى نجد أن للمفاهيم التداولية الأخرى أصولا فلسفية رصينة , فقد انبثقت " نظرية المحادثة " من فلسفة ( غرايس ) التي يدور موضوعها في " مبدأ التعاون "وما ينجر عنه من مسلمات حوارية , وولدت " نظرية الملاءمة " من رحم علم النفس المعرفي حيث أنها تفسر الملفوظات , وظواهرها البنيوية في الطبقات المقامية المختلفة .

2 – 2 – المناهج النقدية و اللسانية :

 أثارت قضية الدليل في المنحى اللساني والسيميائي الكثير من الدراسات والجدل حول طبيعة تشكل عناصره وكذا الوظيفة التي يؤديها هذا الدليل في نظرهم , وعلاقة الدليل بالفكر والمرجع , ولا مناص من الرجوع إلى التصورات الجادة التي عبرت عن آراء أصحابها , ومن هذه التصورات , تصورات من (ش . س . بيرس ) و ( شارل موريس ) و ( ك . بوهلر ) , وهي بالإجمال أرضية صلدة لتشكل المفاهيم التداولية باعتبارها منهجا لسانيا قبل أن تكون منهجا نقديا لتحليل الخطاب .

2 – 2 – 1- تصور ( ش . س . بيرس ) :

 أسهم الفيلسوف الأمريكي ( شارل ساندرس بيرس ) بقسط وافر في بلورة النظرية التداولية وذلك من خلال فعالية الذوات في رؤيتهم للعالم , والإدراك الحاصل عن هذه العلاقة عبر رؤية كونية شاملة , وذلك من خلال ثلاث مراحل مرت بها هذه النظرية [7] :

1- مرحلة الاستلهام من الكانطية ( 1851- 1870 ) , وهي المرحلة المتميزة بمراجعة المقولات الكانطية في سياق منطق أرسطي ثنائي .

2- مرحلة منطقية صرفة ( 1870- 1887 ) وفيها يقترح " بورس " تعويض المنطق الأرسطي بمنطق العلاقات , هذا الأخير الذي سيصبح مرتكز تصوره الثلاثي لمراتب العلامة .

3- مرحلة سيميوطيقية ( 1887 – 1914 ) , وفي هذه المرحلة سيطور " بورس " نظريته الجديدة حول مراتب العلامة , من خلال كتاباته في هذه الفترة , والمعتبرة اليوم المرجع الأساسي في نظريته السيميوطيقية , وعلى الأخص منها : رسائله إلى "الليدي ويلبي " ( L.WELBY ) : 1903 – 1911 , والمقالات المنتقاة .

 وبهذا الطرح يمكننا أن نعتبر أن هذه المراحل الثلاث إنما تتمثل في فلسفات إتكأ عليها التنظير البرسي , فمن الفلسفة التطورية إلى الواقعية وصولا إلى الفلسفة البراغماتية , و أساسها يكمن في معارضة الواحدية ( Monisme ) , و الثنائية ( Dualisme ) ، وذلك " انطلاقا من أن الفكر ليس معرفة خارج الموضوع المراد معرفته ( شيئ / طبيعة ) ولكنه سيرورة في الأشياء , في تطور خلاق معها "[8] , ويمكن اختزال الدليل إلى ثلاث محاور رئيسية نستخلصها من قول ( برس ) نفسه :

" الدليل أو الوحدة الممثلة Representem ( الماثول ) هو شيء موجود ههنا من أجل شخص ما لغرض ما , وذلك على نحو من الأنحاء , والدليل هذا يتوجه إلى شخص ما , أي أنه يحدث في فكر هذا الشخص دليلا مساويا أو قد يحدث فيه دليلا أكثر تطورا , وهذا الدليل المحدث ( بفتح الدال ) أسميه : مؤول الدليل الأول Interprétant ( المؤولة ) , والدليل موجود هنا من أجل شيء ما : هو موضوعه وهو موجود هنا من أجل هذا الموضوع لا من حيث كل علاقاته بل من حيث إحالة على نوع من الفكرة التي أسميها أحيانا قاعدة الوحدة الممثلة Base De Representem "[9] ، محددا في هذا صيغ الوجود التي تتمثل في [10]:

1- الأولانية : هي نمط الوجود الذي يقوم على واقع كون : موضوع / ذات (Sujet ) هي موضوعيا كما هي , دون اعتبار أي شيء آخر , إنها وجود الشيء أو الذات في ذاتها .

2- الثانيانية : هي نمط الوجود الواقعي الفعلي المتجسد ( المتعلق بمقولتي الزمان والمكان ) والوجود المتجسد يرتبط ويتعلق بعالم الموجودات , من هنا فالثانيانية تعني صيغة الوجود المتعلق بما قبله .

3- الثالثانية : هي نمط الوجود المتوقع بناء على كون الحدث أو الشيء المتوقع الوجود محكوما بقانون يضبطه , والقول بالقانون يعني إمكانية التعميم .

 وهي فروع تناسب حسب ترتيبها , الأبعاد الثلاثة للدليل : 1- الممثل , 2- الموضوع – 3- المؤول .

موضوع (2)

 ممثل (1)

 (3) مؤول

2– 2 – 2 : تصور (شارل موريس ، المولود عام 1901 ) :

وكما هو معلوم , فقد بسط ( شارل موريس ) الكثير من آراء ( بيرس )كما طور بعض مفاهيمه النظرية , ومن ذلك رؤيته للتصنيف الوارد في الثلاثية السالفة الذكر بالمعاني التالية ( إيقون , مؤشر , رمز ) " أصل هذا الاختزال ليس هو ( بيرس ) بل ( شارل موريس ) منبع كثير من التبسيطات ، المنتشرة بين السيميوطيقيين داخل وخارج الولايات المتحدة"[11]. وهذا ما يتجلى بوضوح تام في أعماله التي تدرجت في بعث طروحاته المتسمة بالجدية "تأسيس نظرية الدليل ( 1938 ) التمييز بين التركيب ( دراسة قواعد توافقات الأدلة ) والتداولية ( دراسة قواعد استعمال الأدلة على اعتبار الدوافع ) "[12] .

 ومن هذا المنطلق فإن الأمر يقتضي أن ننظر إلى الأشياء المدلول عليها والمؤولات على اعتبتار أنها "سيرورات سلوك فالجسم من حيث هو جسم يفعل في المحيط وينفعل به , علما بأن وظيفة المحيط وأهميته عاملان حاسمان في إرضاء حاجاته ومن ثم فإن هناك تفاعلا بين هاذين العاملين "[13] , فهو يختلف مع ( بيرس ) في هذا الطابع السلوكي الذي يميز نظريته , و سيرورة الدليل أو ما يعرف ب Sémiosis ( التسويم ) تحتوي في نظره على أربعة عناصر هي[14] :

- العنصر الذي يقوم مقام الدليل أو " الناقل " Porteur .

- العنصر الذي تتم إحالة الدليل عليه أو " المدلول عليه " .

- عنصر " الأثر " Effet الذي يحصل لدى المرسل إليه والذي يبدو له وكأنه الدليل أو المؤول .

- المؤول Interprète .

 وبطبيعة الحال لا يوجد هناك انتظام ما يسهم في تراتبية هذه العناصر عند كل سيرورة سيميائية , فهي تتداخل بصورة لا يمكن الفصل بينها محدثة تعقيدا كبيرا وهذا بدوره يطرح ثلاث توجهات , فالتوجه الأول يكمن في الدراسة التركيبية أي العلاقات التي تنتظم الأدلة فيها ، والثاني يتجسد في العلاقات القائمة بين الأدلة والأشياء التي تحيل عليها وهذا هو البعد الدلالي , ثم عندما نكون في مرحلة شرح وتفسير تأثير استعمال تلك الأدلة نجد أنفسنا في خضم اللسانيات التداولية ، ويمكن تبيان ذلك في هذه الخطاطة :

الأدلة :

 الدراسة التركيبية اتجاهات البحث الأشياء المدلول عليها:

الدراسة الدلالية.

المؤولون المستخدمون :

الدراسة التداولية

 ومن هذا المنظور , يعتبر ( موريس ) بأن البنية اللغوية أو الأدلة التي نستخدمها ذات ثلاث وظائف أساسية كما سبق وأن رأينا في الخطاطة السابقة وبالنسبة للرؤية التداولية هي عبارة عن نظام من السلوك "في كل مرة يستوجب ( دليل ما ) اتخاذ موقف لدى المتلقي , سواء كان هذا الموقف إيجابيا أو سلبيا إزاء حدث ما أو شيء ما أو مقام ما "[15]

2 – 2 – 3 تصور الدليل عند ( كارل بوهلر ) :

 ينطلق عالم النفس اللغوي الألماني بصورة كلية من لبنات التيار التقليصي البنيوي , بحيث يقف منهجه ضد التقسيم الثنائي للدليل عند( دي سوسير ) وبالمقابل يقترح (كارل بوهلر) في نموذجه التبليغي ثلاث وظائف أساسية للدليل " أيا كانت الكيفية التي نعالج بها الأشياء فإن سييل البحث اللغوي التاريخي يمر عن الفعل اللغوي Acte De Langage بوصفه مصدر كل ما هو تاريخي في اللغة , وهو في حاجة إلى نظرية في النشاط اللغوي "[16] .

 فنلاحظ أن الدليل عند (بوهلر ) يتجاوز التصورات السابقة في أنه محور العملية التواصلية ضمن وظائف تعتبر أساسية للنشاط اللغوي في إطار الاستعمال ويمكن تبيان ذلك في هذه الخطاطة :

مرجع

وظيفة التمثيل

وظيفة التعبير وظيفة النداء

المرسل الدليل المرسل إليه

 فكما هو مبين يقوم الدليل بتمثيل العالم الخارجي , وبما أن المرسل يستخدمه من أجل الإبانة عن غرضه فإنه يضطلع بوظيفة التعبير , وبطبيعة الحال فإن الدليل يتوخى أثرا على المرسل إليه باعتبار أنه موجه إليه وذلك ما يسمى بوظيفة النداء .

2-3- النظرية التواصلية :

 إن الوظيفة الأساسية لأي لغة من اللغات هي الوظيفة التواصلية بين مرسل و مرسل إليه , و على هذا المبدأ بنى أغلب اللسانيين نظرياتهم فيطلق عليها ( رومان ياكبسون ) وظيفة إقامة الاتصال ، ويقول ( أندري مارتينيه ) في هذا الصدد " وفي نهاية المطاف فإن التبليغ أي التفاهم المتبادل هو الجدير بالاعتبار كوظيفة مركزية لهذه الوسيلة التي هي اللسان "[17] وهناك من جعل التواصل في حد ذاته هو الموضوع الجدير بالدراسة والتنظير , ومن هؤلاء ( يورغن هابرماس ) ضمن ما يسمى بمدرسة ( فرانكفوت ) ويهدف مشروع ( هابرماس ) إلى " محاولة تحرير المجتمع المعاصر من أشكال العبودية ووطأة الهيمنة وقهر الندرة و الإنفعالات الحادة فإن ذلك يبدأ من اللغة بوصفها تواصلا "[18] , وتنبني فلسفة ( هابرماس ) التواصلية من نقده اللاذع للفيلسوف الأنطولوجي ( مارتن هيدغر ) والذي يعتبر أن " الوجود الإنساني حوار مع العالم , هذا الحوار عود إلى فكرة التواصل الذي انقطع بزعمه بتأثير بعض الإتجاهات. الحوار يرتبط عند ( هيدجر ) بالإنصات "[19] , ومن هذا المنطق يحمل ( هابرماس ) ( هيدغر ) المسؤولية الأخلاقية " من خلال عقيدة الصمت المطبق التي مارسها سنوات طويلة , ليختم مقاله بالفقرة الشهيرة ..... أعتقد أنه حان الوقت الآن لكي نفكر مع ( هيدغر ) ضد ( هيدغر )"[20] , ونجد ( هابرماس ) يؤسس مشروعه على عدد من المصالح , وذلك في كتابة ( المعرفة والمصلحة ) والتي تتمثل في"[21] :

1- مصلحة تقنية Intérêt Technique : وتتمحور حول تطبيقات العلم التجريبي لتلبية حاجات مادية معنية

2- مصلحة عملية Intérêt Pratique : وتهتم أساسا بعملية التواصل بين الأفراد وبين الجماعات الاجتماعية المختلفة , وذلك من خلال تأكيدها على اللغة كأداة تواصل و إفهام من الطراز الأول .

3- مصلحة تحررية Intérêt Démancipation : تقوم على ملاحظة الأفعال والأقوال المشوهة المولدة عن ممارسة القوة ومن ثم محاولة التحرر منها ومجاوزتها إلى تأمل ذاتي معبر .

 وأضاف ( هابرماس ) على هذا الكتاب كتابا آخر بعنوان ( نظرية الفعل التواصلي ) حيث تناول فيه مفاهيم العقلانية وكذا تحليل مظاهر العقلنة في المجتمع المعاصر , داعيا في ذلك إلى عقل منفتح ، جدي , بإمكانه أن ينظم العلاقة بين المعرفة المجردة و الواقع و يكون بهذا الصنيع قد ساهم في بعث أسس جديدة لأخلاق المناقشة ذلك أن آفاق ما بعد الحداثة تبشر بمرحلة أكثر تعقيدا هي مرحلة الرأسمالية المتقدمة , فهذه العلاقات التي أضفاها ( هابرماس ) أسهمت بدون أدنى شك في تبلور الخطاب التداولي , ويعلق ( كارل أوتو آبل ) في هذا المساق " بداية , لابد من القول إن نظرية الفعل التواصلي تحتوي بالضرورة , برأيي , على المنطوقات الشاملة الشكلية التي تعمل على توضيح العلاقة الداخلية بين الفهم الممكن لأفعال اللغة , وبين ما يفترض أن تعرفه عن شروط الإمكان القادرة على توضيح مزاعم الصلاحة لدى أفعال اللغة "[22] , فالفعل التواصلي هو المرتكز الذي تطور مما تقتضيه المعرفة الإنسانية من المصالح .

 3- النظرية التداولية :

 يعد الدرس التداولي ثريا جدا , وذلك بما يقدمه لنا من إجراءات سواء على مستوى الاستعمال اللغوي الطبيعي , أو على مستوى الخطاب الأدبي , " وعليه , فإن الحديث عن التداولية وعن شبكتها المفاهيمية يقتضي الإشارة إلى العلاقات القائمة بينها وبين الحقول المختلفة لأنها تشي بانتمائها إلى حقول مفاهيمية تضم مستويات متداخلة , كالبنية اللغوية , وقواعد التخاطب , و الاستدلالات التداولية , والعمليات الذهنية المتحكمة في الإنتاج والفهم اللغويين , وعلاقة البنية بظروف الاستعمال .....إلخ"[23], و على هذا الاعتبار سيكون طرحنا الذي سنخوض فيه في الأقسام التطبيقية نوعا ما من المقاربة التي تأخذ في اعتبارها هذه العلاقات المختلفة , و سننتناول على حسب الترتيب نمطين من التداولية , يتمثل الأول فيما جاء به ( ج - أو ستين ) و ( ج - سيرل ) , والنمط الثاني يتعلق بتحليل الخطاب ونموذجنا في ذلك بعض النماذج الحداثية و المعاصرة التي تناولت تداولية الخطابات .

3 - 1 - التداولية عند كل من ( أوستين وسيرل ) :

 يمكننا تلخيص ما جاء به ( أوستين ) في نقطتين اثنتين[24] :

1- رفضه لثنائية : الصدق والكذب .

2- إقراره بأن كل قول عبارة عن فعل .

 ويبرر ( أوستين ) رفضه هذا لثنائية الصدق والكذب , على قاعدة مفادها " أن هناك جملا ذوات بنية مشابهة لجمل الإثبات والتي يمكن للمتكلم أن يصطنع بها أشياء عديدة : الأمر التقرير , التنبيه ...... إلخ ، غير أن هذا التماثل الموجود في بنية بعض الجمل خداع .

· آمرك بالمجيء ( أمر )

· آمره بالمجيء ( وصف , تقرير، حال ) "[25]

ثم يصل ( أوستين ) إلى نتيجة في أنه توجد جمل وصفية إثباتية أو تقريرية يمكن لها أن تكون كاذبة أو صادقة , وجمل أخرى ذات نمط خاص لا تخضع لهذا المعيار , ويعطيها ( أوستين ) في ذلك أمثلة يبرهن بها على وجاهة طرحة [26]:

· أتمنى لكم سفرا ممتعا .

· نشكركم على حسن انتباهكم .

 فهذه الأقوال لا يمكن أن توصف لا بالصدق ولا بالكذب , غير أن مآلها هو النجاح أو الإخفاق بحسب ما يمليه مقتضى الحال , ويعتبر ( أوستين ) هذه الأقوال أفعالا إنجازية والتي يقابلها الأفعال الخبرية أو التقريرية , يقول ( أوستين )" بالنسبة لهذه الأمثلة فهي توضح لنا بجلاء أن تلفظ الجملة ( في سياقات خاصة ومؤكدة ) لا يصف لنا كونها توجب معرفة ما أنا بصدد فعله في معرض الحديث , فلا أؤكد ما أنا أفعله : وهذا هو الفعل , فأي من الملفوظات المستشهد بها لا صادق ولا كاذب "