نحو مجتمع آمن
نحو مجتمع آمن
عدنان عون
إن المجتمع – أي مجتمع – لا يمكن أن يكون له كيان محترم حتى يتحقق له أمن عام تطمئن إليه النفوس ويأمن فيه الناس على أنفسهم وضروريات حياتهم فليس لخائف راحة ولا لحاذر طمأنينة .
وللعقيدة أثرها وتأثيرها في حركة التاريخ والحياة بما يخدم أمن الإنسان وأمن المجتمعات . وارتباط الإنسان بعقيدة صحيحة يمنحه قوة عجيبة تعينه على مزاحمة الحياة وتنهض به الى حركة فاعلة تمكنه من القيام بأعمال جليلة تبهر العقول و تسعد النفوس وهذا هو سر قوة الايمان حين يتمكن من النفس وسر قوة النفس حين يملكها الإيمان . والإيمان فطرة مركوزة في النفس ، فإن خمد حيناً أو تواري تحت وطأة الحاجات والشهوات فإنه لا يلبث أن ينبعث قوياً من أعماق النفس مؤثراً في واقع الحياة . والعقيدة يوم تتجذر مكينة في النفس، تصنع الإنسان المتكامل صاحب الشخصية المتميزة الذي يحكم الحياة ولا تحكمه يستعصي على التمزق والانهيار ولا يضعف أمام الأحداث ولا يستسلم لأمراض النفس من حيرة و قلق واضطراب .
والإسلام وهو يدعو إلي تحقيق الأمن والسلام، يؤكد للناس جميعاً من خلال المنهج ومن خلال التطبيق ، أنه دين قاعدته الأساسية السلام ، و حروبه ضرورة قد يضطر إليها ... ومنهجه " يهدي به لله من اتبع رضوانه سبل السلام " والمؤمنون مدعوون للدخول في السلم كافة ، وحسبك من دين تحيته السلام ، ومن مقاصده السلام وتحقيق الأمن والاستقرار ليس في مجتمعه فحسب بل في واقع البشر جميعاً .
إن الإسلام – وهو يؤصل للسلام – إنما يبدأ خطوته الأولى في غرس السلام في الضمير من خلال تربية الوجدان الديني والخلقي كيما يتشرب ضمير الإنسان من القيم والأخلاق والمثل العليا التي يربي الإسلام المؤمنين من أتباعه عليها ، لأنه متى تمكن السلام بمفهومه الحقيقي ، ودلالته الإنسانية في ضمير الإنسان ، استطاع أن يمد أثره وتأثيره على حياة الإنسان والمجتميع فسلام الضمير مورد لكل سلام في البيت و الأسرة والمجتمع .
ومحضن الطفولة إذا ما أشرب الأمن والسلام من خلال الزوجين فإنه لا بد سينعم أيضاً بسلام تظهر آثاره الإيجابية في أبناء وذرية قد يكون لهم دور كبير في مجتمعهم.
ونتساءل أينعم الإنسان بأمان وسلام إذا افتقدهما في بيته ؟ . إن البيت وهو لبنة أساسية في بناء المجتمع ، يمكن إذا تعهد بتربية هادفة ، أن يكون تجربة يؤثر نجاحها في كثير من البيوتات ، ومبدأ التكامل العائلي إذا ما نجح كان منطلقاً لتكافل اجتماعي أوسع تتحقق من خلاله معان اجتماعية و إنسانية تساهم في تعاون المجتمع أو استقراره .
وما من سبيل هي أفضل و أنجح في ترسيخ دعائم الأمن والسلام والاستقرار من تمكين قاعدة التناسق بين الحقوق والواجبات ، إن في واقع الأسرة ، و إن في واقع المجتمع .
ومن ثم حرص الإسلام من حيث مبادئه وتشريعاته ، أن يعيش أبناؤه في كفاية من العيش ، تحول دون أن يكونوا عالة ، و أمن من الخوف يحقق لهم الهدوء و الطمأنينة، وهذان هما عماد كل أمن واستقرار وسبيل كل تقدم و ارتقاء .
و إن غياب العقيدة الفاعلة عن النفس وعن المجتمع ، وغياب الأمن بمدلوله العام و الحقيقي ، يفتح الباب لإفرازات دخيلة وعجيبة ، وما تعانيه مجتمعات الحضارة الغربية أكبر شاهد ودليل ، و إلا ماذا تعني هذه الآلام و المآسي ، وهذه الجرائم والمنكرات التي يئن من وطأتها الكثيرون ثم حين لا يجدون صدى لآلامهم و أنينهم ينتحرون ؟ .
إن الأمن حق يجب أن ينعم به جميع أفراد المجتمع وهو أيضاً مسؤولية يجب أن ينهض الجميع إلى تحقيقه والتعاون لإرساء دعائمه في المجتمع .
ومجتمع بلا أمن ، مجتمع بلا طمأنينة ، بلا صحة نفسية ، بلا استقرار ، مجتمع بلا مستقبل .
ولنتذكر درساً من دروس الأمم السابقة تحكيه وتخلده آية كريمة يقول فيها جل وعلا " ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون " .
فهذه بعض عواقب غياب الأمن المنبعث عن العقائد الصحيحة ، فلنكن على ذكر من هذا . والله الهادي إلى سواء السبيل ..