الوسائل السبع

الوسائل السبع

لمعالجة كسل أولادك

م. محمد عادل فارس

كثير من الآباء والأمهات يشكون من كسل أولادهم، والتقاعس عن القيام بواجباتهم.

وأكثر ما نسمعه من ذلك: شكواهم من تقصير الأولاد في القيام بالواجبات المدرسية ومذاكرة الدروس.

إنها مشكلة حقيقية تحتاج إلى دراسة وعلاج. ونقدّم لذلك بنقاط يجب أن تبقى بين عيني الوالدين (الآباء والأمهات) وهم ينشِّئون أولادهم:

1- الكسل المدرسي مشكلة، لكنها ليست أكبر المشكلات، فهناك الكسل في القيام بالعبادات، والكسل في القيام بالواجبات المنزلية والواجبات الاجتماعية. ويجب ملاحظة ذلك كله.

2- يجب أن تتفهّم دوافع ابنك، لا لكي تُقِرَّه على كسله، ولكنْ لتعرِف كيف تعالجه، فإن نظرة الطفل وتَعامله مع أمور الحياة ومع الناس... تختلف عن نظرات الكبار. هذا فضلاً عن الفروق الفردية بين طفل وآخر، وبين كبير وآخر.

3- مفهوم الولد أو الطفل، يقتصر – في أذهان بعض الناس – على من كان دون سن المدرسة، ويتوسع قليلاً عند بعضهم ليشمل مرحلة الدراسة الابتدائية أو الإعدادية، ويتجاوز عند بعضهم ليشمل مراحل ما بعد البلوغ، حتى سن الثامنة عشرة أو أكثر. وإن كلامنا سيشمل هذا المراحل جميعاً، ويكون انطباقه اكثر على مرحلة الدراسة الابتدائية وما يسبقها قليلاً، أو يتبعها قليلاً.

4- ليس من المنطقي أن تنتظر من ابنك أن يكون أفضل أبناء الحي وأفضل تلاميذ المدرسة... إذ لو فكّرنا جميعاً على هذا النحو، فمن الذين يمكن أن يكونوا في الدرجة الثانية أو الثالثة...؟! إن لكل إنسان، صغيراً كان أو كبيراً، استعدادات خلقها الله فيه، يمكن أن تعمل التربية على تنميتها وتوجيهها، ولكن لا يمكن أن تجعل كل الناس متفوقين في أي مجال نريده. فهناك – بحكم الخِلْقة – أصحاب الذكاء العالي ومَن دونهم، وأصحاب البنْية الجسدية القوية ومَن دونهم، وأصحاب الاتّزان النفسي والعاطفي ومَن دونهم. ومهمة المربّي، أباً كان أو أمّاً أو معلّماً، أن يكتشف ذلك ويوجّهه، ويعالج القصور ما أمكن، ويحوّل الاستعدادات إلى قدُرات، ما أمكن...

مظاهر الكسل:

للكسل مظاهر أو مجالات. قد تجد واحداً منها، أو أكثر، عند ولدك. يمكن أن نختصرها في أربعة اصناف:

أحدها: الكسل في أداء العبادات، فيقصّر في أداء الفروض، أو يقتصر على الفروض ولا يؤدي السنن، أو يتقاعس عن الذهاب إلى المسجد، أو يقصّر في تعلّم تلاوة الفرآن أو حفظه...

الثاني: الكسل في أداء الواجبات المدرسية، فلا يحضّر دروسه جيّداً، ولا يذاكر جيداً للامتحانات، ولا يهمُّه أن يكون متفوّقاً على أقرانه، وقد لا يهُمُّه أن يرسب في صفه!.

الثالث: التقاعس في أداء الخدمات المنزلية كأن يرتِّب سريره وملابسه، وأن يشارك في غسل الصحون، ومسح الأرض، وإخراج كيس القمامة...

الرابع: التهرب من القيام بالواجبات الاجتماعية كالترحيب بالضيوف، وزيارة الأقارب، والمشاركة في مناسبات الأفراح الأتراح...

وكل مجال من المجالات الأربعة يمكن أن يظهر على شكل تقصير عن القيام بما ينبغي، أو تباطؤ بهذا القيام، أو عنادٍ صريح وتحدٍّ وامتناع!.

أسباب الكسل:

لا يمكن حصر هذه الأسباب، فهي تختلف بين بيئة أخرى، ومرحلة وأخرى، لكننا يمكن أن نذكر ما نظنُّه أهم هذه الأسباب، وهي خمسة:

السبب الأول: هو القدوة السيئة، يجدها الصغير في الكبار الذين يعيشون حوله. فالإنسان عامّة، والطفل خاصة، يتأثّر بسلوك الآخرين، ويميل إلى تقليدهم ليُشبع عنده دافع القَبول الاجتماعي (ودوافع أخرى تظهر في كل تصرّف أو حالة بما يناسبها).

فالأبوان اللذان يقصّران في الصلاة، أو يتقاعسان عن القيام إليها، أو لا يكادان يقرآن القرآن إلا في المناسبات، ولا يطالعان الكتب إلا نادراً، أو لا يهتّمان بإكرام الضيوف... يجب أن يتوقّعا من أولادهما أن يسلكوا مسالكهما، مهما طلبا منهم التصرف على النحو الأحسن.

السبب الثاني: وجود صعوبات وعوائق. فالطفل الذي يعاني من صعوبات التعلم، أو يجد في الطريق إلى المسجد بعض أبناء الشوارع الذين يؤذونه بالضرب أو السخرية، أو يُحِسّ بالحرمان من المال والملابس الجيدة... والحرج من الاختلاط بأقربائه وزملائه... لا شك سيتهرّب من القيام بما ينبغي، تجنّباً لتلك الصعوبات والعوائق.

السبب الثالث: وجود المغريات التي تصرفُه عن القيام بواجباته. ومن أهم هذه المغريات في حياة الطفل تعلُّقه باللعب وبالكمبيوتر... وبقدر ما يكون للألعاب والكمبيوتر من دَوْر بنّاء في تنمية شخصية الطفل إذا كان ذلك بالقدر المناسب والتوجيه الصحيح...يكون لها دَوْر هدّام مدمِّر إذا زاد التعلّق بها على حدّهِ، أو انحرف عن مقصده.

وبطبيعة الحال فإن لدى اليافع والشاب مغريات أخرى، يقال فيها ما يقال في المغريات التي تصرف الطفل عن الجِدّ، من حيث إنها تحتاج إلى ضبط وتوجيه.

السبب الرابع: التحدي والرغبة في الاستقلال وتأكيد الذات. وهذه المشاعر توجد في مختلف مراحل العمر، وهي في سنّ المراهقة تبدو بشكل أكثر بروزاً. فالإنسان يريد أن يُثبت لنفسه ولللآخرين، أنه قادر على إدارة ذاته، وأنه أعرَف بمصلحته، وأنه غني عن توجيه الآخرين... ويزداد عنده هذا الشعور كلما واجَهَ إلحاحاً ممن هم أكبر منه، وهو ما يفسِّره بفرض وصايتهم عليه، ورغبةٍ منهم في تقزيمه، وضعف ثقتهم به.

السبب الخامس: ضعف الشعور بالمسؤولية، فالطفل أحياناً لا يقدر المسؤولية حقّها، ويقول في نفسه: ولماذا يجب أن أصلّي؟ ولماذا يجب أن أرتّب سريري وملابسي وكتبي؟ ألا يجب على أمي أن تفعل ذلك؟ وماذا يترتّب على إغراقي في اللعب وترك الدراسة؟ هل أخاف من الرسوب؟! فلْأرسُبْ!.

وتعظم المشكلة إذا تقدّم الإنسان في العمر وجاوز سن الطفولة واليفاعة، وربما جاوز سن المراهقة، وهو لا يحسُّ بالمسؤولية!.

الوسائل السبع لمعالجة الكسل

بعد أن ذكرنا مظاهر الكسل وأسبابه يمكن أن ندخل في ذكر وسائل العلاج بشيء من الإيجاز.

الوسيلة الأولى: بعث القيم الإيمانية، كأن نردّد في كل مناسبةٍ أمثالَ هذه المعاني والقيم والمفاهيم: الله تعالى أنعَم علينا بنعم لا تُعدُّ ولا تحصى، وهو يحاسبنا على تصرُّفنا في هذه النعم، نعمةِ السمع والبصر، ونعمة الصحة والشباب، ونعمة الوقت، ونعمة المال... وهذه النعم تقتضي أن نوجهها في عبادته، وفي بناء أنفسنا ومجتمعنا والكون من حولنا... والله يجزي المحسنين والطائعين والصادقين... خيراً، ويجزي المسيئين والمقصّرين والمنحرفين عذاباً. وهو سبحانه يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه...

نقول هذه الكلمات في كل مناسبة، ونرفق ذلك بأن نلتزم بها، لنحصل على رضوان الله تعالى أولاً، ولنكون قدوةً لأبنائنا ثانياً. فإذا فعلنا ذلك، فإن أثره سيظهر- بإذن الله – في مسالكهم.

أما إذا لم نتذكر هذه المعاني إلا في مواقف التأنيب لأبنائنا على تقصيرهم، أو لم يَرَوْا في سلوكنا ما يدل على إيماننا الحقيقي بها... فإن أثر ذلك يكون ضعيفاً، بل قد يجعلهم يقولون في أنفسهم: ألا يتذكّر آباؤنا معاني الإيمان إلا عندما يؤنّبوننا؟!

الوسيلة الثانية: التجاهل أحياناً لتقصير الأولاد وكسلهم، حتى نعطيهم الفرصة ليراجعوا أنفسهم ويُحسّوا بعواقب الكسل.

وإنما قلنا: "التجاهل أحياناً"، لأن كثرة الإلحاح والمتابعة قد تعطي مفعولاً عكسياً، وتؤدي إلى العناد والتحدي. ولأن التجاهل الدائم قد يجعل والولد يتمادى في سلوكه الخاطئ ولا يجدُ من يلومه عليه.

الوسيلة الثالثة: الصداقة والحوار وإضفاء مشاعر الحب والمودّة. فهذه المشاعر تفتح القلوب والعقول، وتفسح المجال أمام قبول النصيحة من غير تحرّج ولا عناد. وإن غياب الحوار يجعل النصيحة شبيهة بالأوامر الفوقية التي تثير التحدّي أو تجعل الولد ينفّذ الأمر مُكْرهاً أمام والده، ثم يتهرّب من التنفيذ سريعاً!. كما أن الحوار المقترن بالعبوس والجفاف لا يختلف أثره عن الأوامر المجرّدة من الحوار. الحب هو الذي يفتح القلب أمام الحوار ويجعل له قبولاً.

الوسيلة الرابعة: إزالة أسباب التكاسل إذا أمكن ذلك، أو مساعدة الولد على معالجتها. وكل ما ذكرنا من الأسباب الخمسة للتكاسل، يجب التفتيش عنه، ومحاولة علاجه بقدر الإمكان.

الوسيلة الخامسة: التشجيع وحفز الهمّة. فالولد، مهما كان مقصّراً، يملك غالباً، جوانب مشرقة، ومواقف إيجابية، ومواهب مميّزة... فليدخُل المربّون إلى نفوس أولادهم من هذه النوافذ، ويشجّعوهم على ما فيهم من خير، ويعملوا على تنمية الإيجابيات، ويوجّهوا مواهبهم وهواياتهم توجيهاً حسناً، وتتعاون المدرسة والأهلون على ذلك كله. ويترافق التشجيع مع كلمة طيبة، وهديّة مناسبة، وقدوةٍ من الكبار.

ومن شأن هذا، إن حَدَثَ، أن يزيد من "الدافعية" ويرفع من "الهمّة" ويهيّئ "القابلية" للنصح والتوجيه والتسديد.

الوسيلة السادسة: بعث روح المنافسة. فالإنسان يجب أن يُثبت تفوُّقه على أقرانه، ويؤكّد امتلاكه لقدرات خاصة به قد يفقدها الآخرون. فإذا استثيرت روح المنافسة باعتدال، كان لها دور فعّال في تفجير الطاقات، وإثارة الهمم، وشحذ العزائم، وتجاوز القعود والترخي والكسل.

على أن ذلك لا يجوز أن يكون محل مبالغة حتى لا تنقلب روح المنافسة إلى بغضاء وحسد وسلوك عدواني من ناحية، أو تنقلب إلى شعور بالنقص والعجز.

الوسيلة السابعة: العقوبة. ولقد أخّرنا هذه الوسيلة لأن مكانها التأخير. فلا يُلجأ إلى العقوبة إلا بعد استنفاد الوسائل  الأخرى. ولتكن العقوبة معنوية (كالعتب والحرمان من بعض المزايا) قبل أن تكون مادية، ولتكن متناسبة مع السبب الذي دعا إليها، فعقوبة مَن تَرَكَ غسل الكأس الذي شرب فيه ليست كعقوبة من ترك صلاته!.

ولا يخفى أن استخدام الوسائل السبع المذكورة وما يشبهها، يحتاج إلى كياسة ولباقة }ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً{، }والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم{