حَزِنَ وأخواتها!..
حَزِنَ وأخواتها!..
د.محمد بسام يوسف*
(حَزِنَ) تعني: اغتمَّ أو أصابه الغمّ، وقد ورد في محكم التنـزيل قوله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ..) (المائدة: من الآية 41).
مصادر الحُزْنِ عند المواطن العربيّ كثيرة، أهمها أن يصطفيَه السيد الوالي ويجعلَه (حِبَّهُ)، أي: محبوبَه أو حبيبَه، ثم يصِلَه بحبلٍ من (الحُبِّ)، أي: الوِداد!.. وإذا ما (حَدَثَ) ظلم بعد صبرٍ طويل، أي: وَقَعَ، فدَفَعَ المواطنَ لتقديم عريضةٍ أو احتجاجٍ إلى السيد الوالي، لإشعاره بأنّ حُبَّه لرعيّته قد ازداد -قليلاً- عن حَدّه.. فإنه -أي الوالي- يزعم عدم علمه بالظلم الذي يعاني منه المواطن المسكين، أو بالظلمات التي تتكدّس فوق رؤوس أبناء الرعيّة، فتحجب عنهم (حُبَّ) الوالي ووِداده!.. و(حَجَبَ) تعني: حَالَ دون أمرٍ من الأمور، وفي هذا يقال مثلاً: (حَجَبَ الوالي الشمسَ بغِربال)!.. أو يقال: (حَجَبَتْ أجهزةُ الأمن الشعبَ عن الوالي)، فأصبح -أي الوالي- لا يرى إلا ما تراه أجهزته الأمنية، ولا يسمع إلا ما تسمعه، ولا يقرِّر إلا ما تقرّره، ولا يُخطِّط إلا ما تخطّطه، وعندئذٍ تصبح الأجهزة هي الوالي الحقيقيّ، ويصبح الوالي مجرّد قِناعٍ وقفّازٍ وميكروفونٍ لها!..
حين يتمكّن أحد الناصحين المخلصين للوطن، من الوصول إلى الوالي، بعد اجتياز كل الحواجز والكمائن التي تنصبها الأجهزة الأمنية في طريقه.. لحثِّهِ على إنهاء الظلم والظلمات عن كاهل الشعب.. فإنّ الوالي يزعم أنه يسير سيراً حثيثاً، باتجاه الإصلاح والانفتاح وإطلاق الحريات المختلفة وإنهاء الظلم، و(حَثَّ) تعني: أعجَلَ إعجالاً، أما (حَثيثٌ) فتعني: سريعٌ جادٌّ في أمره!.. وقد ورد في محكم التنـزيل قوله سبحانه وتعالى: (.. يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً..) (الأعراف: من الآية 54).. لكن قد يَغشى الـ (حِثاثُ) السيدَ الوالي، أي: النوم الخفيف يُسرع إلى العَيْن، بتأثير هدهدة الأجهزة الساهرة على أمنه وأمن الوطن المقهور والمواطن المسكين!.. فحين يقال للوالي: إنّ أجهزته قد (حَدَأَت) كلَّ مواطنٍ طالبَ بحقوقه الطبيعية البسيطة، أي: صَرَفَتْه من غير أن تُلبّيَ حقه.. فإنّ الوالي لا يستوعب القولَ، لأنّ الحِثاث -أي النوم- يكون قد تمكّن منه!.. و(حَدَأَهُ) -كما أسلفنا- تعني: صَرَفَهُ، لكنّ الأجهزة طوّرت معناها إلى: صَرَّفَهُ (بتشديد الراء)!.. ويقالُ أيضاً: (حَدَأَ إليه)، أي: لجَأَ إليه لتحقيق غايةٍ أو حاجة، وفي هذا يقال مثلاً: [(حَدَأَ) المواطنون المهجَّرون إلى سفارة بلادهم -أي لجؤوا إليها- للحصول على حقوقهم الطبيعية في المواطَنة الحقيقية، فَحَدَأَهم السفير -أي صَرَفَهم- بوجهٍ عابسٍ.. لكن حين قَدِم مواطن إلى السفارة يحمل دولاراً، ابتسم السفير له -أي للدولار-، وبعد أن دسّه في جيبه، عاد (أي السفير) فعبسَ وتولّى، ثمّ (حَدَأَ) -أي صَرَفَ- صاحبَ الدولار أيضاً]!..
هكذا، يَحْزُبُ الأمر على أبناء الشعب، و(حَزَبَ) الأمرُ تعني: اشتدَّ وعَظُمَت وَطْأته، وقد ورد في الحديث الشريف: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمرٌ صلّى).. مع العلم أنّ (حَزَبَ) تختلف عن (حِزْب)، وهو: كل قومٍ تشاكلت أهواؤهم وأعمالهم وأهدافهم، وجاء في القرآن العظيم قوله سبحانه وتعالى: (.. كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: من الآية 32)، ويقال مثلاً: الحِزْبُ الحاكِم أو القائد، وهو: الحِزْبُ الوحيد الواحد الأوحد في البلاد، الذي ليس قبله أو بعده حِزْب، يحكم البلاد والعباد على طريقة سيّئ الذكر فرعون: (.. مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي..)، التي تسمى في عصرنا الحاضر: طريقة (حَذْلَقَ)، أي: ادّعى أكثر مما عنده من الحَذَقْ!.. و(حَذَقَ) تعني: امتلك مهارةً في أمرٍ من الأمور!..
الحِزْبُ القائد، هو المنتصر دائماً، حتى لو احتلّ العدوّ نصف البلاد أو أكثر!.. فما دام الحِزْبُ الحاكِمُ بقي حاكماً، فهو المنتصر في كل الظروف والأحوال!.. لأنّ الحرب الحقيقية التي يخوضها الحِزْبُ الحاكِم القائد، هي مع (أعدائه) الداخليين، أي مع رعايا وطنه، والـ (حَرْبُ) هي: القتال بين فئتين!.. فإذا ما خاض الحِزْبُ حَرْباً داخل الوطن ضد أبناء الشعب، فإنه يُهلك الحَرْثَ والنسل، والـ (حَرْثُ) هو الزرع .. وبذلك يستتبّ الأمن داخل البلاد بعد أن يَعُمّها الخراب ويَهلكَ العباد!.. أما إذا تعرّض الوطن إلى عدوانٍ يشنّه العدوّ الخارجيّ، فإنّ الحِزْبَ يكتفي بخوض الحَرْبِ المفروضة على الوطن، من وراء ميكروفوناته ومنابر مَقرّاته، ويفضّل مواجهة العدوّ الشرس ضمن منظومةٍ متكاملةٍ من الحَرْبِ الحديثة المبتَكَرَة، هي في أساسها: (حَرْبٌ تلفزيونية) و(حَرْبٌ إذاعية) و(حَرْبٌ صحفية)!.. ثم تتحوّل (الحرب) ضد العدوّ إلى (حِلْفٍ) معه، بفضل الأيدي الممدودة، والمتصافحة تحت الطاولات الأنيقة المصنوعة في بلاد (أمان يا ربي أمان)!..
عندئذٍ، لا يقف بوجه العدوّ الزاحف إلا حجارة الأطفال المحاصَرين، و(حَجَرْ) تعني: كُسارة الصخور!.. فإذا ما (حَرَّ) القتلُ، أي: اشتدّ، بحق أطفال الحِجارة وآبائهم وأمهاتهم وأشقائهم وشقيقاتهم.. فإنّ حَرْبَ القنوات الفضائية تشتدّ أيضاً، وقد تترقّى إلى (حَرْبِ مؤتمرات)، التي تُستَخدَم فيها كل أسلحة التنديد والاستنكار والاستغاثة!.. ثم تُتّخَذ كل الإجراءات الكفيلة بتنشيط حالة الحَذَر داخل كل وطنٍ قُطْريّ، خوفاً عليه من شعبه!.. و(حَذِرَ) تعني: تيقَّظَ واستعدّ واستنفر!..
الحَرْبُ في كل الدنيا، تنتهي بأحد الطرفين المتحاربين إلى هزيمةٍ أو إلى نصر، أما بالنسبة لنا، فكل حَرْبٍ نخوضها، تنتهي بنا -حتماً- إلى نصرٍ مجيدٍ، فاحتفالٍ عظيم، وفي هذا يقال مثلاً: (يحتفل العربُ بنصرهم المؤزّر في الخامس من حزيران كل عام)، و(حزيران) -كما تعلمون- هو أحد أشهر السنة الميلادية، وله في ذاكرتنا أحزانٌ و(حَديثٌ) ذو شجونٍ.. وشجون!.. فآهِ يا (حَزِنَ).. وآهِ يا أخواتها!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام