بيت الحاج يوسف الرباعي
بيت الحاج يوسف الرباعي
(8)
د. حسن الربابعة
قسم اللغة العربية
جامعة مؤتة
بيت الحاج يوسف أحمد الرباعي، ونماذج صالحة من آله
باسمك اللهم يا الله ، إني أعوذ بك ، وبنور قدسك ، وعظمة طهارتك ، وبركات جلالك ،من كل آفة وعاهة ،وطوارق الإنس والجن ،إلا طارقا يطرق منك بخير ،انك يا إلهي أنت عياذي ،فبك أعوذ ، وأنت ملاذي فبك ألوذ،يا من ذلت له رقابُ الجبابرة ، وجُمعتْ له مقاليدُ الرعاية ، أعوذ بجلال وجهك ، وكرم جلالك ،من خزيك ،وكشف سترك ،ونسيان ذكرك ،والانصراف عن شكرك ، أنا مولاي في كنفك في ليلي ونهاري ،ونومي وقراري ،في ظعني وأسفاري ،،ذكرك شعاري،وثناؤك دثاري، لا اله إلا أنت، تنزيها لاسمك ،وتكريما لسُبُحات وجهك ،أجرني من خزيك ومن شرِّ عذابك وعبادك ،واضرب عليَّ سرادقات حفظك ، وأدخلني في حفظ عنايتك ،وقني سيئات عذابك، واغنني بخير منك ، يا ارحم الراحمين، أنا عبدك ابن عبدك ،ابن أمتك ،ناصيتي بيدك ، ماض فينا حكمك ، عدل فينا قضاؤك ،نسألك بكل اسم سمَّيت به نفسك،أو أنزلته في كتاب أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أنْ تجعل القرآن العظيم ربيعَ قلبي ،وقلب المتلقي ،ونورَ صدري والمتلقي ، تذهبُ به الحزن ، وتزيل بذكرك الهم والكرب والسدم ، الهي يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه ،وسرَّح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه ، يا من أتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه ، وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه ، يا من دل على ذاته بذاته ، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته ، وجل عن ملائمة كيفياته ، يا من قرب من خطرات الظنون ، وعلم ما كان قبل أن يكون ، وبَعُد عن لحظات العيون ، كذا علمنا رسولك، وابنُ عمه كرَّم الله وجهه، فردَّدنا مما علمنا من ادعيتهما ، فنسألك اللهم من خير ما سألك خاتم الأنبياء محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه ، فصلِّ عليه وهو الهادي إليك في الليل الأليل ، والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول ، الناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل، محمد نبيك الهادي الذي هو خيرُ خلقك، وهو الذي على الخُلُق والخلْق علا ، وشرحتَ صدره فوعى وأوعى ، وأفصحت لسانه ، فأبان بنور الحق منك وهدى ، وعلى عترته صلِّ وأهل بيته الأطهار ، وصحابته الأبرار، عدد ما مضى أو سيمضي من ثواني وثوالث الليل والنهار، وبعد؛
فانَّ عمود بيت الحاج يوسف الأحمد الرباعي نبدؤه بالمهندس جهاد بن الشيخ بدر الدين بن الشيخ احمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ احمد بن منصور بن احمد بن مسلم بن ياسين بن ربَّاع الحفيد بن محمد بن سليمان بن مصطفى بن عيسى بن الشيخ الجد ربَّاع قدس الله إسرارهم ، ورحمهم وغفر لهم وللمسلمين .
إننا نلحظ أربعة عشر ظهرا بين جهاد وجده الكبير رباع قدس الله سره وتعادل الرقمُ ذاته بين بيت ابراهيم الأحمد الذي ترجمنا له في مقالة من قبل وبين نسب عمود البيت هذا،ولعلَّ من أهم ما يميز هذا البيت هو مشيخة العلم وحفظ النسب ، أمَّا مشيخة العلم ،فبرزت في جنبات الحاج يوسف الذي ولد في بلدة اجديتا وفيها تلقى العلم على كتاتيبها ،امتدت حياته من (18601948م) ، وفي دمشق ،في باحات المسجد الأموي ، وتسيَّد عشيرته لحكمته وتقواه ، وحسن رأيه ، فقرأ القرآن الكريم،في المفرق ، ثم ادرك الشيخ سعيد الهامي ، ودرس علي يديه الفقه ، وكان سعيد الهامي التميمي رحمه الله تتلمذ على الشيخ بدر الدين الحسني ، وكان الحسني أزهريا وشيخ الديار الشامية ، ، وكان الحاج يوسف الرباعي معاصرا لعبد القادر الشتيوي المسَّرات من بلدة كفر أبيل ، وقد عمره الله تعالى حوالي (110) مائة وعشر سنوات، والشيخ سعيد التميمي الهامي، من بلدة هام جنوبي غربي مدينة اربد ، كان الحاج يوسف الرباعي صاحب كرامات ، يصطحب معه رفيقا له في رحلته إلى الجامع الأموي في دمشق، ليتلقى العلم، وليسمع العلم على مشايخها ، وكان يروى أن احد علماء دمشق حسن الحبنكة قدس الله سره ،واشيخ علي الدقر رحمه الله كانا من أهل الكشف ، يجيبان السائل عن مسألته قبل أن يسألهما ، فلما دخل الحاج يوسف ورفيقه ورفيقه عبد القادر الشتيوي ،المسجد الأموي ، وصليا ركعتي تحية المسجد ، وأصاخا إلى محاضرة الشيخ علي الدقر ، قال الشيخ الدقر:"إن رجلين قدما إلي من اجديتا اربد ، احدهما من آل البيت والثاني من امة محمد صلى الله عليه وسلم يسألانني عن حكم مشاركة المسلم لنصراني في التجارة " وهو جائز عند الضرورة ،أما الثاني فلا يجوز له أن يأكل مهر ابنته ، وأرادا أن يريا من كرامات الله علينا ،أما فمنها أن الفواحش انتشرت في دمشق ، فاتقوا الله ، أما والله إني لأعظكم مواعظ ،لو القينها على الصخور لتشققت من خشية الله" فشهد من كان في الجامع الأموي أن المسجد رشح ماء ، وهما لم يسألاه بعد ، ،فقضيا مأربيهما وعادا إلى بلدتيهما ، كان الحاج يوسف الرباعي كريما وغنيا ، وله أراض في بلدة كفرابيل ، وكان يشتكي على من يسرق من مواشي الربابعة إلى سنجق درعا ، وكان على علاقة حميمة مع عبد الله الكليب الشريدة رحمه الله تعالى ، وللحقِّ فقد كفله عبد الله الشريدة وزكاه عند قائمقام دير أبي سعيد لسعاية كاذبة عليه ، وحذَّر الشيخُ عبد الله الكليب رحمه الله القائم مقام آنذاك من عقوبة تحلُّ به عاجلة، إن لم يخرجه حالا ، فأخرجه واعتذر إليه ، مرض الحاج يوسف ، وذهب إلى مشفى في مدينة القدس ، وهناك سلم الروح إلى باريها ودفن فيها رحمه الله ، وقد أنبت الله تعالى على قبره شجرة عطرة ، زارها غير واحد من أقربائه، وتنسَّم من عطرها الفواح ، أمَّا الشيخ سعيد التميمي الهامي رحمه الله ، فكان متصوِّفا ، محبا للربابعة وشاعرا، له ديوان بالعامية مخطوط بحوزة السيد حسن الصالح الحسن الرباعي في الزرقاء ، وأورد له السيد أبو صالح محمد محمود أبو حمامة من بلدتنا اجديتا ،تشويقات مسموعة كابرا عن كابر منها :
نادي حبيبك نادي لكي نزورَ الهادي
من صغرة سني يا ناس حبه ساكن فؤادي
(اللازمة )
حبه في قلبي مخزون كم عاشق مثلي مجنون
كم عاشق مثلي مجنون راح يغني ،و يفادي
(اللازمة )
اترك صبرك والحيله حضوره هذي الليله
ما أحلى هذي الليله حضَرتْ فيها الأجواد(ي)
(اللازمة )
ويستحضر في خياله بل ربما على الحقيقة في علم أنت عبدي وأنا ربك اخطأ لشدة الفرح، أبا بكر الصديق سيد الأولياء ،ويذكر اسم ناظم المدحة :
أبو بكر يا صدِّيق يا شيخ كل رفيق
ابن الهامي صابه ضيق طفِّي نار الوقاد
وأصهر الحاج احمد اليوسف الذي امتدت حياته اثنتين وتسعين سنة (19092001م) بالشيخ خالد سعيد الهامي فزوج ابنه الشيخ بدر الدين من ابنة ابن سعيد الهامي، فرزقه الله ذرية صالحة وذكية منهم الدكتور هارون بن الشيخ بدر، وثلة من المهندسين والأدباء ، والدكاترة أمَّا الدكتورهارون فأمدَّني مشكورا ، بعمود نسبه المتصل بشجرة النسب الأصيلة التي تناقلها أبا عن جد من الحاج صالح الحسين الرباعي ثم إلى ابن أخته الحاج يوسف مدار الحديث ثم إلى ابنه الشيخ أحمد اليوسف ، الذي أجرينا معه (كاتب المقالة والسيد أبو خلدون محمد سليم الابراهيم الربابعة ) مقابلة مسجلة في شهر آذار عام عام 2001م ، في منزله القائم في الجهة الشمالية من بلدة كفرابيل، قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى ، ثم تسلم شجرة النسب ولده الشيخ الفاضل المقدم الإمام الشاعر الخطيب المفوه بدر الدين الربابعة "أبو جهاد " حياته من (19352005)إلى أن التحق بالرفيق ، فدفن في جبانة كفرابيل بالقرب من مقام والده .
أمَّا صالح الحسين الرباعي رحمه الله فكان طوالا مهابا ولد قبل قرنين ونصف ، كان يهتم بعلم الأنساب ، فحمل نسب عشيرة الربابعة الذي تبلغ مساحته أربعة أمتار طولا ومترا عرضا ، وهو مكتوب على جلد غزال بماء الذهب ، دأب مشايخ الربابعة على تصديقه مرة كل خمسين عاما من نقابات الأشراف في دمشق وحوران ، حمله الشيخ صالح الحسين الرباعي على جواده إلى الساراي في دمشق لتوقيعه ، كان هذا قبل مائتين وثلاثين عاما ، واستأذن على الساراي لمقابلته ، فتكعكع الساراي ، ولم يؤذن له على عادة كثير من متجبري الأرض وفراعنتها ،الذين ينسون أو يتناسون أنهم خرجوا من مخرج البول مرتين ، نسوا أو تناسوا محاورة بين ولي لله أفحم الرشيد في عندما قال الولي له:" اصدقني يا رشيد ،بكم تشتري كاس ماء ، إذا بلغ بك الظمأ حدا شبه قاتل ، قال الرشيد "بنصف ملكي الذي لا تكاد تغرب عنه الشمس " فقال له الولي "اصدقني القول يا رشيد، لو تعذر عليك إخراج الماء الذي شربته فبكم تدفع لإخراجه ؟ قال الرشيد :" ملكي كله"قال له الولي:" بئس التهالك على ملك يباع عند الضرورة بحصرة من بول ".
فجئ الشيخ صالح الحسين الرباعي بموقف السراي ، فاستعان بالله عليه ، لان مسافة الطريق بين اجديتا ودمشق لا تقل عن مائة وخمسين كيلا ، وقد لقي الشيخ صالح من عنت السفر الذي هو قطعة من العذاب ما لقي، ولا بد من الاستئذان بتوقيعه من أهل الاختصاص ، ومن الصعب أن يعود من دمشق بخفي حنين ، قرأ عليه آيات من القرآن الكريم، الله اعلم بهن ،ثم قرر أن يصعد على درج قصره بفرسه المطهم ، برغم إلحاح الحرس لمنعه ، إلى وقف قبالة باب الساراي ، ففُتح بإذن الله باب السراي كأنه باب كهربائي اليوم ، فارتعد السراي، وانتهض من فوق كرسيه ، ونهض لاستقباله ،وحدق بوجه شيخ صبوح تكسوه شيبته المنورة بهاء وجلالا ، فاعتذر ونفذ له ما أراد ، ووقع النسب من نقابة أشراف حوران ، فأضافت النقابة توقيعه إلى عشرات التوقيعات على حواشي النسب ، وهو الذي نرفقه في مقالة خاصة في ما بعد بإذن الله . أما الحاج احمد اليوسف الرباعي فرجل ربعة منور الشيبة ، عاش خمس التسعين في كفرابيل ، تعلم في كتاتيب اجديتا ، وفي دمشق أيضا ، ظل إماما جهير الصوت في بلدة كفرابيل مدة تزيد عن ستين عاما ، كان قوي الذاكرة بهي الطلعة ، ذا حافظة قوية ، حدثنا في المقابلة معه عن الشيخ علي والد الشيخ رباع ،انه توفي في الدير خبية من أعمال محافظة درعا اليوم ، كان لقبه الغريب ، فطوبى للغرباء ، كان الشيخ احمد يحفظ أجزاء من القرآن الكريم ، ويجيد اللغة نحوها والخطابة ، كان وقورا وموقرا ،وكان يوقره الشيخ عبد الله كليب الشريدة إذ لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ، أما ابنه الشيخ بدر رحمه الله فتعلم في المعهد الشرعي في دمشق مع الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة مفتي عام المملكة اليوم ، وكان خطيبا مفوها ، صريحا لا يمالئ .
ومن أعلام هذا البيت المبارك الحاج حسن محمد الصالح الحسين بن علي بن أبي بكر مسلم ، عمره الله فوق التسعين ، كان طويلا مهابا ذا شيب منور ، يعتمُّ بعمَّة بيضاء ، تعلوها خلعة خضراء كالإكليل ،كان يتاجر إلى بيسان في أربعينيات القرن الماضي ، وكان يبيع دجاجا في خطراته ، فرآه ابنه ابراهيم رحمه الله في منامه ، أنَّ الدجاج الذي في أقفاصه فرَّ من أحماله، فهبَّ بأمه :"دلال لاقي الدجاج لاقي " واخذ يشير بيديه يضمهما ويبسطهما كأنما يمسكها حقيقة، ويقول :" ها أنا مسكتها وهذه أخرى مسكتها ، وثالثة أين تفرين يا آبقة ؟عدي يا دلال عدي ، حتى فرغ منها جميعا ، وقال لامه " ها أنا أعدت الدجاج إلى أقفاصه بإذن الله " والمسافة بين اجديتا وبيسان حوالي ثلاثين كيلا غربا .عاد الحاج حسن من رحلته فسألته زوجه عما حدث معه في بيسان ، فاخبرها بان دجاجه فرَّ من أقفاصه ، وساعده على جمعه ولد صغير كأنه ابراهيم " فقالت له انه ابراهيم حقا خبرني بما حدث ، ومن هذا البيت الشيخ محمد ابراهيم الشيخ احمد ، عمر فوق السبعين ، كان ربعة من الرجال ، يكثر من ذكر الله ، ويؤثر الصمت على الكلام ، روى مرة انه كان في رحلة عمل إلى الحصن من محافظة اربد ، والحصن اليوم هي مركز لواء بني عبيد ، فأراد أن يقصَّ شعره، كان ذلك قبل نحو أربعين عاما مضت ، فاستغفله نصراني ، كان معه مقص لشعر الغنم ، وادعى أنَّه حلاق ، فصلَّب شعره ، فلمَّا تفقده الشيخ محمد وجد صليبا يعلو يافوخه ، تمعَّر وجهه غضبا لله ،ورفع يديه إلى السماء،وشكاه للواحد الأحد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، فتوجه النصراني مسرورا إلى درَّاسة قش للعمل بها،والناس ينظرون ؛ ماذا سيحدث لهذا الظالم؟ فما كاد النصراني يحمل كومة القش الأولى ب"شاعوبه" ليلقمها فم الدراسة ، حتى قضى عليه الخالق ألا يبتعد مسافة الأمان المقررة عن قشاط الدرَّاسة التي يعمل فيها ، منذ مدة، على من قال" إذا دنا القدر عمي البصر " وإذ بقشاطها يفرم كرشه ويفريه ، فخرَّ صريعا.
ومن وليات هذا البيت الكريم حماة شقيقي الأكبر علي رحمه (19292006م) .الحاجة سالمة أم احمد ،كانت مربوعة القامة ، مدققة على لحيتها علامة وشم وزينة ، سمات الإيمان تلتمع في محياها ، كانت تزورنا بل تزور ابنتها فاطمة البنت الثانية لها تسلسلا ، وتسكن مع ابنتها في بلدتنا اجديتا ،فترات طويلة ، تسلي ابنتها ، وتعتني بأحفادها ،وتجد من الاحترام ما يليق بها من ابنتها وشقيقي علي ، الذي كان احد جنود الفرسان منذ عام (1948م)إلى (1968م) حيث أحيل إلى التقاعد واذكر رقمه (1841)، كان مرقوما على ياقته ، كان يلبس حطة صفراء ولباسه دركي ، له فرس شقراء ،علاوتها آنذاك علاوة الزوجة ،كان لام احمد إشارات ولاية منها ؛ أنها رأت في نومها أنَّ عليا زوج ابنتها سقط بفرسه في حومة غدير حوام ،في محافظة الخليل، حيث كان يخدم هناك ، صارت تدور به الفرس ، وصعب عليهما (الفارس والفرس) أن يخرجا منه ، فصاحت في نومها يا الله ثلاث مرات ،وأشارت كأنها تشد شيئا باتجاهها ، ثم زغردت ، استيقظت ابنتها أم محمد ،على صوت ذكر الله ، وسألتها ، فأجابتها أمها بجملة مختصرة ، "سلم الله عليا وفرسه من غدير حوَّام " ولما سئل علي عن الحادث بعد مجيئه في إجازة ،قصَّ الخبر كما رأته حماته رحمها الله تعالى ،ورأت أنَّ شظيةَ مقذوف أصابت جنب ابنها الرائد احمد قائد كتيبة حرس وطني في طوباس، عام 1967م ، فلما حضر سألته عنها فاقرَّ بذلك ، بعد أن كان يحاول ستر الخبر للأجر.
شهد الرائد أبو راتب معارك الاستنزاف على واجهة الشونة الشمالية علم 1968م ، قائدا لكتيبة نسيت اسمها ، وكان يسوق معه ابن عم لنا جميل ابراهيم مصطفى الكيلاني ،رحمهما الله تعالى ، وكان جميل يزورنا في سكننا في دير أبي سعيد ، حيث كنت وأخوه محيى الدين نسكن في غرفة طلاب ، كان معه سلاحه الكاربين ، ولعله لقائده أبي راتب ، إذ كان يصرف للضباط فحسب ،نسيه ذات يوم ،في غرفتنا ، فأخذتُ الكاربين ، وبدأت أسدِّد على أخيه محيى الدين مازحا، وهو يتستر بيديه عن وجهه، وأنا اهدده على انه يهودي يجب قتله ، لأنه مستلب فلسطين ، و يمنعنا طيرانهم من الدراسة و النوم لكثرة قصفه ، واختراقه حاجز الصوت ، وبينما كنت أسدد عليه، دخل علينا أخوه أبو ابراهيم ، فاخذ احتياط الأمان للكاربين ، وفوهة الكاريين للأعلى ، فيا لدهشتنا ! خرجت طلقة من حجرة الأمان، وانطلقت بدويٍّ مزعج ، من فوهة الكاربين ، فاستقرت في السقف ، فحمدنا الله أنها لم تنطلق لتقتل صديقنا محيى الدين ، وأد ركنا ساعتئذ خطورة العبث بالسلاح ، ووضعه بين يدي جهلة به ،و لما انخرطت ضابطا في الجيش،كنت أحثُّ جنودي على أخذ احتياطات الأمان حالما يقبض الواحد منهم على سلاحه ،واذكر لهم أحيانا هذه القصة .
كانت أم احمد جالسة هادئة بعد الفطور في منزل شقيقي علي ، فكشفت جزءا من اللحاف أمامها، وقالت "يامه يراتب ، الله يشفيك "وسكتت ، سألوها ما الخبر؟ فقالت بعد تردد "رأيت راتبا مريضا في تركيا عسى الله أن يشفيه " وراتب هو حفيدها من احمد ، كان يدرس في تركيا مهندسا ميكانيكيا قبل خمسة وثلاثين عاما ،وهو اليوم مهندس في احدي الشركات في العقبة اليوم، أرَّخ أولاد أخي للحدث ، ثم راسلوه عما كان حدث له في اليوم المذكور، فأجابهم بأنه كان مريضا ثم أشفاه الله تعالى.
ومن كرامتها أنَّها كانت تعرف ميعاد العيد قبل أن يعلن عنه رسميا بوسائل الإعلام ، فسألتُها يوما "أم احمد بالله عليكِ" كيف تعرفين ذلك ؟" قالت" يامه، ليلة العيد أرى الملائكة عليهم السلام يمرون أمامي فاعرف توقيت العيد " كان زوجها أبو احمد محمد محمود السلامة رحمه الله يحب الدعابة والمرح ، وكان يتخشَّى عليها أن يشاعَ عنها كرامات قد لا تصدق أحداثها ، فتصيرَ إلى التندر والسخرية أقرب، إذ ليست كلُّ العقول تتقبَّل مثل هذه الكشفيات ،أو تتحول أخبار امرأته إلى ما يسمى بمركز استخبارات دؤوب يكشف أحوال الناس ، كذا شانه مرحا عندما كان يسال لأحد عن واسطة عند ولديه الضابطين قبل نصف قرن من اليوم ، فيقول والله يا بني لا أمون إلا على أمهما فحسب ، أما ولداي فلا يخبرانني أين هما ، وهما لا يسكنان في بلدتنا كما ترونهما ، فيضحك السائل ويكتفي بإجابته .
قال أبو احمد لام احمد يوما بعد أن سمعها تذكر الله علامة استحضار "يا سالمة ، مالك "قالت توفي الحاج ياسين بني ملحم ،"فقال لها للتحدي والله لأذهبنَّ إلى المسجد فان صاحوا عليه وصلينا عليه صدقتك ، وإلا لأضربنَّك بهذه العصا ، فقد سببت لنا إزعاجا وجررتِ علينا هرطقيات ومسخرات " وخرج أبو أحمد باتجاه المسجد ، وما هي إلا نصف ساعة وإذ بآيات من القرآن تتلى من مئذنة المسجد ، والناس يترقبون من قنصه هادم اللذات ، ثم أعلن عن وفاة الحاج ياسين " صلى أبو احمد عليه ،وقال لها بعد عودته مازحا "والله صحيح يا مقصوفة الرقبة ، لكن خبريني كيف عرفت يَمْ احمد؟"قالت له رأيت ملائكة على هيئة الحمام البيض ، تصعد من منزله للأعلى أسرابا أسرابا، و اسرابا غيرها تهبط إليه ، أفواجا أفواجا ،فعلمت أنها الملائكة " قال لها :يا مقصوفة الرقبة كيف رأيت الحمام وبين بيتنا وبيته جبلان وخلتان ، والمسافة أكثر من كيلومترين " قالت له" هنا مربط الفرس يا أبو أحمد، فالله تعالى إن شاء طوى الأرض لمن يشاء من عباده كيف يشاء وان كنت أمية، فاتقوا الله يعلمكم الله "
أنجبت أم احمد ولدين احمد المذكور وعليا ، أمَّا أحمد"أبو راتب" فأول قائد كتيبة من بلدة اجديتا ، و لعله من أقدم ضباط الجيش الأردني ،فقد درب دورة الكلية العسكرية الأولى والثانية عام 1956م ، و أما عليٌّ فدخل الجيش الأردني برتبة تلميذ عسكري في دورة الكلية العسكرية الأولى ، وتخرج برتبة ملازم ، ثم تدرج في رتبه الأعلى إلى عميد ركن مدفعي ثم أحيل إلى التقاعد ، ولعله أول من حمل علما على سيارته من بلدة اجديتا ، وربما في لواء الكورة ،وتسلم منصبي قائد مدفعية الفرقة المدرعة الثالثة وفرقة المشاة الآلية الرابعة في ثمانينيات القرن العشرين، .يحمل درجة البكاليوروس في الإدارة من الجامعة الأردنية ، وله مؤلفات سأشير إليها في ما بعد، بإذن الله .ومن هذا البيت ظهرت كرامة ل"عيشة "الحجي، ابنة الشيخ احمد اليوسف ، وهي زوجة سليمان المصطفى السلامة ، أم محمد ، قرأتْ على أبيها الحاج يوسف القرآن الكريم ،والحديث الشريف ، فاختمرت،هذا قبل قرن من الزمن ، وكانت مثال التبتل والإيمان، عُمِّرتْ نحو تسعين عاما ، وتوفاها الله تعالى نحو عام 1998م ،وقد استنشق الحضور رائحة البخور من قبرها، بعد أن تمَّ دفنها مباشرة ،فتذكَّر بعض الحضور ما قيل عن عبق بخور البخاري رحمه الله بعد دفنه، ،و الحال بالحال يذكر ، وقد شهد بأعباق البخور أبو قاسم محمد علي الحسين الربابعة وجمهور غفير،من الذين حضروا دفنها رحمها الله تعالى وموتى المسلمين ممن شهدوا لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ،وماتوا على ذلك.