نحو أسرة مستقرة

نحو أسرة مستقرة

 ( 3 )

عدنان عون

[email protected]

* طريق السعادة :

يتوقف قوام الحياة السعيدة على نجاح علاقتين ، علاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة الرجل بالمرأة· والسبب في شقاء الإنسانية اليوم ليس نقص العلم أو العقل، وإنما لأن الحضارة الحديثة صححت العقل، لكنها أفسدت القلب، وقوّت العقل، لكنها أضعفت القلب، ووسَّعت آفاق العلم، ولكنها ضيقت آفاق فضائل النفس والروح والقلب·

إن منبع السعادة إنما يكون من نفس الإنسان ومن حوله، وما من سعادة تفوق سعادة الإنسان في نفسه وأهله، وما من شقاء يعدل شقاءه في نفسه وأسرته·

وقد حرص الإسلام في بناء نظامه الاجتماعي بكل فروعه ومؤسساته على قواعد سليمة، كيما تتحقق للإنسان سعادته، وليتمكن من تحركه في بناء مجتمعه، وهو مرتاح البال مستقر النفس·

وليست السعادة الحقيقية متوقفة على المال والأمور المادية، بل إنها نتيجة عوامل معنوية وروحية·· ولا يزال حسن الخلق من أهم دعائم التفاهم بين الإنسان والآخرين سواء كانوا أفراداً في أسرته أو في مجتمعه· ولهذا حرص رسول الله r أن يكون المطلوب الأهم في اختيار الزوج، وفي الحديث " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه إلا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ·

وفي الأثر: " أربع من السعادة: الزوجة الصالحة، والجار الصالح، والدار الواسعة، والمركب الهني" ·

* اختيار الزوجين هو البداية :

يبدأ الطريق إلى حياة زوجية سعيدة، باختيار كل من الزوجين للآخر وفق قواعد صحيحة، وقيم سامية، وعلاقة واضحة· فإذا ما برئت الحياة الزوجية من فئة متزمتة تسلب المرأة حقها وتضيق عليها حريتها، وتميت شخصيتها·· وفئة أخرى متحررة أطلقت للمرأة كل عنان، فإنها ستكون حياة ملؤها السعادة والاستقرار والتعاون البناء·

والحق أنه ما من قانون قديم ولا حديث ضمن للمرأة من الحقوق والسعادة ما ضمنه الإسلام· فقد اعترف بها إنساناً له من الحقوق والمسؤولية ما للرجال· كيف لا، و" النساء شقائق الرجال" و" لهن مثل الذي عليهن بالمعروف" ·· ولم يكتف الإسلام بذلك بل حمى حماها من كل تشريع ظالم، وتقليد جاهلي، يسيء إليها، ويفرط في حقوقها وكرامتها· فلا عجب أن حرم الإسلام عليها ألواناً من الزواج والحرية، مما تعارفت عليه الجاهلية قديماً وحديثاً، مما لا يليق بإنسانيتها وكرامتها·

إن الزواج ــ في مفهوم الإسلام ــ عقد وثيق، وميثاق غليظ، ورباط مقدس·· وهو نواة الأسرة الصالحة الفاعلة التي تكون محضناً للأولاد ثم مصنعاً للرجال الذين يصنعون المستقبل ويشاركون في حركة الحياة والمجتمع·

* ححقوق وواجبات :

 يعتبر الإسلام الزواج عقد شراكة مقدسة ومسؤولية مشتركة، وقد أوجب على كل من الزوجين حقوقاً وواجبات، ما تمسكوا بها وأخلصوا لها عاشوا حياة ملؤها التفاهم والاستقرار·

فالإسلام أوجب على الزوج حقوقاً لابد أن يؤديها للزوجة (كالمهر، وإشباع العاطفة، والعدل بين الضرائر، وتأمين المسكن والمطعم، واحترام كرامتها " ولا يهين المرأة إلا لئيم" ،  وأوجب على الزوجة حقوقاً تؤديها نحو زوجها تشمل : إطاعته بالمعروف، وتلبية نداء عاطفته، وحفظ ماله وعرضه .  وما جعل الله القوامة للرجال تسلطاً واستبداداً، ولا بخساً للمرأة وتهاوناً بأمرها ، وإنما جعلها مسؤولية وزيادة تكليف باعتبار الرجل ربان سفينة الحياة الزوجية·

ومع حقوق الزوج والزوجة تقوم بين الزوجين حقوق مشتركة تهدف إلى تقوية روابط الأسرة والعلاقة الزوجية ومن تلك الحقوق:

- احترام عقد الزواج والوفاء له وعدم خيانته·

- حسن العشرة والاحترام، وحق الاستمتاع، ولله ما أعظم تشريع الإسلام حين تسامى بالعلاقة الجنسية فجعلها عبادة " وفي بضع أحدكم صدقة" ·

-  اشتراكهما بالمسؤولية·· مسؤولية البيت والأسرة والأولاد·· وتأمل عاقبة امرأة تجافت عن كل شيء في سبيل أبنائها ،  فليس لها جزاء إلا الجنة·

وفي الحديث: "أنا وامرأة سعفاء الخدين في الجنة كهاتين يوم القيامة" · إنها امرأة آمت زوجها - توفى عنها- ، وحبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا" ·

ويبقى حق آخر مشترك تمثل في (التوارث) بينهما يحمل من معاني الوفاء للحياة الزوجية الشيء الكثير·· قال تعالى: " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين· ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين···" (12 النساء)·

* هذا هو الإسلام :

إن الإسلام دين الحق والخير والسلام، وهو ــ بحد ذاته ــ أعظم وقاية للإنسان والمجتمعات من الانحراف والجريمة، كما أنه أكبر عامل من عوامل الاستقرار في حياة الإنسان والمجتمع·

ولقد استطاع الإسلام من خلال دستوره العظيم وتشريعه القويم، وتطبيقه الصحيح أن ينقذ المرأة من عبث الجاهليات وظلم القوانين، واستغلال الحضارات·· وأن يضعها في المكانة اللائقة بها صوناً لكرامتها وحفظاً لإنسانيتها، ونأياً بها عن كل ما يفسد أنوثتها وحريتها ويحط من كرامتها·

لقد أبى الإسلام على المرأة أن تكون سلعة تباع وتشترى، أو أن تشغل عن دورها الحقيقي ومهمتها الخطيرة في الحياة·· إن المرأة إذا ما أُحسنت تربيتها وعُرفت مهمتها كانت صانعة للرجال وللحياة الكريمة .  ولقد أفسح الإسلام لها ميداناً عريضاً في واقع الحياة كيما تستطيع من خلاله مشاركة الرجل، ومواكبة حركة الحياة وبناء المجتمع واستقراره·

والذين عرفوا حقيقة الإسلام، ووقفوا على عظمة مبادئه وعبقرية تشريعه ولاسيما في معاملة المرأة وكيف أنصفها وحماها؟ لا يمكنهم إلا الاعتراف بفضله ودوره في صناعة الحياة الإنسانية وبناء حضارتها·

يقول برناردشو: " كنت أعرف دائماً أن الحضارة تحتاج إلى دين·· وأن حياتها أو موتها يتوقفان على ذلك "·

ويقول البروفيسور (دامبري): " إن وصف الإسلام بأنه عدو الحضارة هو عمل الجاهلين الحمقى والمتعصبين" ·

والله ولي التوفيق·