رفقاً بالبيئة
أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر
مع الطفرات التي حققها ويحققها النشاط الاقتصادي، وتضخم وتعاظم إنتاج السلع، وتنوع وتعقد المواد الخام الصناعية، وتطور مواد تعبئة وتغليف المنتجات، وتزايد أنماط الاستهلاك.. تنوعت وتضخمت وتراكمت المخلفات المنزلية والصناعية، مما أفرز متاعب صحية واجتماعية واقتصادية، فضلا عن العبء الثقيل علي البيئة، فهي لم تعد قادرة على تحمل/ تحليل هذه المخلفات، فضلاً عن أنها تنوء بارتفاع أنواع ومعدلات الملوثات، وتستصرخ من طرق الاستغلال/ الاستيلاء الجشع والجائر لمواردها بصورة تهدد أنماط الحياة، والتوازن الإيكولوجي، و"مستقبلنا المشترك" علي سطح هذا الكوكب البائس، مما يستدعي ضرورة الاهتمام ـ الفردي والجماعي والمؤسسي والدولي ـ بحماية البيئة، وإيجاد الحلول لما يفرزه التطور الاقتصادي والتقني والسلوكي من سلبيات صحية وبيئية. ولقد بات من الضرورة الوقائية ـ كما تشير معظم قوانين حماية البيئةـ تجنب تلك المخلفات والنفايات أصلاً، فاستغلالها إن نتجت، فمعالجتها إن بقيت، فكيف يتسنى ذلك؟.
لقد كان شغل الإنسان البدائي أن يحمي نفسه من البيئة ومخاطرها، فتبدل الوضع الآن ليصبح الهم الأكبر هو حماية البيئة من الإنسان وتغول نشاطاته المختلفة، وسلوكياته السلبية عليها، فالعلاقة بينهما في الأساس هي علاقة سلوكية. يقول "موسي الخوري":"إن البحث البيئي ،الواقعي واليومي، هو بحث تقليصي وتجزيئي. فالمنظومة البيئية تنتهي إلى أرقام وجداول، وقد أمل ورثة العلم الميكانيكي والتجزيئي بهذه الطريقة استخلاص قوانين البيئة. لكن هناك أهمية الزمن الغائب في البحث البيئي. وقد أدخل هذا المفهوم لاحقاً في تعبير التوازن الديناميكي المحافظ على استمرارية البيئة مع التغير الذي يطال البيئة عبر الزمن. لكن مع الأسف، لم يأخذ مفهوم التوازن الديناميكي في حسابه إدخال أحد أهم المشوشين والمخلين بالنظام البيئي، ألا وهو الإنسان"(الجمعية الكونية السورية علي الشبكة الدولية للمعلومات).
إجمالاً تُعرّف المخلفات بأنها: المواد الصلبة أو السائلة أو الغازية غير المرغوب فيها، والناتجة عن النشاطات الإنسانية المختلفة، فالنفايات المنزلية ما هي إلا بقايا مواد غذائية وعضوية، وزجاج، وورق وكرتون، وأقمشة وأنسجة، ومواد بلاستيكية وأخري معدنية. بينما تُقسم المخلفات الصناعية إلي نفايات الصناعات الإستخراجية (النفط والغاز الطبيعي والمعادن وغيرها)، ونفايات الصناعات التحويلية (الصناعات الغذائية، وتكرير النفط، والبتروكيماويات، والأسمدة، والأسمنت، والحديد والصلب، والمعدات، وغيرها من الصناعات الصغيرة).
تشير الإحصائيات إلي أن الحجم العام للسلع والخدمات يتضاعف في البلدان المتطورة صناعياً كل 15 سنة، وكل فرد من سكانها يخلف سنويا حوالي 30 طنا من النفايات، فقط يعاد استهلاك نحو 1-1.5 % منها، وفي بلد كألمانيا يتم سنوياً طرح نحو 230 مليون طن من القمامة والنفايات المنزلية، نصيب الفرد من مخلفات القمامة نحو 239 كجم منها: 25 كجم مخلفات ورقية، و20 كجم زجاج، و8 كجم نفايات عضوية، و4 كجم خردة، و3, كجم مواد بلاستيكية، أما الكمية المستغلة منها ثانية فتقدر بنحو 57 كجم.
بينما في بلد كالأردن تبلغ كمية المخلفات المنزلية نحو 1.4 مليون طن سنويا، والنفايات الزراعية نحو 1.6 مليون طن سنويا، في حين تصل المخلفات الصناعية إلي نحو 165 ألف طن سنويا، وتقسم مكونات النفايات الصلبة إلى مواد عضوية (62%)، وبلاستيك ( 16%)، وورق وكرتون (11%)، وأقمشة وأنسجة (4%)، وزجاج ( 2%)، ومعادن (2%)، ونفايات الحدائق (0.5%)، ومواد أخرى مثل السيراميك والمطاط والجلود، بينما تقدر النفايات الصناعية الصلبة فى مصر بما يزيد عن ثلاثة أرباع مليون طن سنويا.
وفي بلد كلبنان يتأثر الحوض الأعلى لنهر الليطاني، بمخلفات حوالي 360 ألف مواطن، من مياه صرف صحي ونفايات صلبة، ونفايات مصانع تحويلية، وأسمدة زراعية، وتقدر نسبة الكمية الملوثة لمجرى النهر والمجاري الجوفية كل عام بنحو 20 مليون متر مكعب.
وعلي الرغم من تزايد المشاريع المتطورة ـ الصغيرة والكبيرة ـ للقطاعين الخاص والعام في البلدان العربية، والتي تقوم بتدوير وإعادة استخدام المخلفات المنزلية والصناعية Recycling ، إلا أن الحاجة ما تزال ماسة للمزيد منها، مع نشر الوعي بالأهمية الصحية والبيئة والاقتصادية التي تجني من وراء ذلك، إذ أن الوعي بالمشكلة أولي خطوات حلها.
ولا يمكن التحدث عن إعادة استخدام المخلفات بشكل حقيقي إلا عند استرداد جميع المواد الداخلة في إنتاجها، وتصنيعها من جديد، وفق ما يلي: سهولة الحصول علي جميع المخلفات، وسهولة فرزها وتصنيفها، وقابلية استعادة المواد الخام الأولية ضمن مواصفاتها المطلوبة، وتواجد طلب عليها وتسويقها لتدخل في دورة الاستهلاك من جديد، مع سهولة التخلص من البقايا بعد التدوير، ودراسة جدوى تكاليف إعادة الاستخدام وتكاليف التخلص منها.
تدوير بقايا الأطعمة المنزلية والصناعات الغذائية والزراعية، وبما تحتويه من مواد قابلة للتخمر والتحلل.. يتم جمعها وكبسها لإعادة استعمالها لإنتاج أعلاف حيوانية، أو جمعها بشكل منفصل ومعالجتها روتينياَ أو عبر مجال الهندسة الوراثية (بعض أنواع من البكتريا والطحالب لها القدرة على التغذية على المواد العضوية) وتحويلها إلي أسمدة عضوية، كذلك يمكن معالجة المخلفات الزراعية وتحويلها إلي منتجات ذات عائد اقتصادي مثل الألواح الخشبية وعجائن الورق. كما يتم فى كثير من الدول العربية إنشاء محطات معالجة مياه الصرف الصحي.
كما يتم استعمال المخلفات النباتية والحيوانية وكتلتها الحيوية.. البيوماس (Biomass )، لعمل وحدات للوقود الحيوي، لإنتاج طاقة متجددة ورخيصة ونظيفة.. بيوجاز Biogas)) (60% غاز ميثان، و40% ثاني أكسيد الكربون)، وتوجد بعض الشركات في الولايات المتحدة تنتج الميثان بطاقة تصل إلى نحو 140 ألفاً من الأمتار المكعبة يومياً. وتتم الاستفادة من المخلفات الصلبة فى الأرياف بطريقة مماثلة (والأرياف عموما لا تعاني مشكلة من النفايات مقارنة بالمدن)، فتجمع المخلفات النباتية (مثل حطب القطن وقش الأرز) وتخلط بنفايات الحيوانات، ثم يعرض هذا الخليط لفعل البكتريا في آبار متوسطة العمق، ويستخدم غاز الميثان الناتج في عمليات التسخين وطهو الطعام (أ.د./ توفيق محمد قاسم: الإنسان والطاقة عبر التاريخ، سلسلة مكتبة الأسرة، 2004م، ص 84-85).
بينما في الأردن تم إنشاء شركة للغاز الحيوي بطاقة 60 طن من النفايات العضوية يومياً، حيث يتم تخميرها لإنتاج الغاز الحيوي (1540 طن من غاز الميثان سنوياً)، ومن المتوقع أن تستمر في الانبعاث حتى السنوات الخمسين القادمة، كما إن هناك مرفق خاص بالطاقة ينتج واحد ميجا واط كهرباء في الساعة، بالإضافة إلى وحدة لإنتاج الأسمدة الطبيعية، وعند إعادة تدوير النفايات المنزلية في الأردن يمكن إنتاج 547 ألف طن من الأسمدة تقدر قيمتها بحوالي 3,8 مليون دينار. ويشار إلى أن الطاقة غير المستغلة في النفايات الصلبة في الأردن تساوي 4% من استهلاك الأردن من النفط.
وفي مصر تمكن علماء في المركز القومى للبحوث من إنتاج مواد مقاومة للبكتريا، وذلك بمعالجة البكتين المستخرج من قشر السمك والجمبرى بمواد كيميائية، ومن ثم يمكن استخدام هذه المواد فى صناعة الأقمشة القطنية (ملابس الأطباء والممرضات، وأغطية الأسرة بالمستشفيات). كما يقوم تعاون علمي لاستغلال المخلفات والنواتج الثانوية التى تنتج من مصانع الزيوت (حيث تكرير ما يقرب من نصف مليون طن سنوياً) فى إنتاج مركبات لها أهميتها فى التصنيع الغذائي، وأيضاً الاستفادة من النواتج الغنية بمركبات فيتامين "هـ" (المتخلفة عن عملية إزالة رائحة الزيوت) لاستخدامها كمواد طبيعية مضادة للأكسدة بدلاً من تلك المخلقة صناعياً. وقد تمكن مشروع علمي آخر فى مصر من استخدام مستخلصات من الموارد الطبيعية (نفايات أوراق النباتات المهملة مثل وأوراق وبذور وحبوب وقشور النباتات مثل الحلبة والترمس والنعناع وقشر البرتقال) لمقاومة ظاهرة التآكل وتكوين الرواسب فى الصناعة (بعض المعدات فى أنظمة التبريد فى المصانع، ورادياتير السيارات تتعرض لظاهرة التآكل وتكوين الرواسب الملحية، مما يؤدى إلى تقليل كفاءة عملية التبريد)، واستخدام المواد الكيماوية فى مقاومة هذه المشكلات له أضرار كبيرة (د/ عبد اللطيف محمد أبو العطا الأستاذ بقسم الفيزياء ـ كلية العلوم ـ جامعة طنطا علي الشبكة الدولية للمعلومات).
يعاد تصنيع المخلفات الزجاجية علي نطاق محدود منزليا وفي الورش الصغيرة، وعلي نطاق اكبر يتم فصلها وإعادة استخدامها فى صناعة أنواع من الزجاج البنى والأخضر والأوعية الزجاجية، إن ما يقرب من نصف الأوعية الزجاجية في ألمانيا مصنوع من بقايا الزجاج المكسرّ، إن إعادة تصنيع كميات كبيرة من نفايات الزجاج تعد عملية مربحة ونافعة علي كافة الصعد. ففي الأردن يمكن استرجاع نحو 23.5 ألف طن من الزجاج بقيمة 1,5 مليون دينار.
يتم إعادة استخدام الورق والكرتون عبر تحويلهما الى عجائن ومن ثم ورق جديد، فظهرت منتجات من أكياس القمامة وورق الكتابة والتصوير مكتوب عليها مواد معاد تصنيعها. وتجدر الإشارة إلي أن عند إعادة تدوير النفايات المنزلية في الأردن يتمكن من استرجاع 127 ألف طن من الورق والكرتون تبلغ قيمتها 9 مليون دينار، بينما الدول الأوربية تـُصنع حالياً حوالي 120 مليون طن ورق من القمامة، محققين بذلك مكاسب اقتصادية وبيئية كبيرة. وهناك برامج إعادة استخدام الأقمشة والملابس، فالأقمشة القديمة يمكن إعادة استخدامها في التطريز والخياطة والفُـرش.
عندما يقوم علماء الآثار القادمين في العام 3000م بالتنقيب علي بقايا حضارتنا الحالية سيعثرون علي "شواهد بلاستيكية" حافظت علي شكلها بصورة جيدة، كسمة مميزة لحضارتنا المعاصرة.. حضارة "البلاستيك"، فالمواد البلاستيكية تتمتع بخواص فريدة ومتميزة وفائقة (خواص فيزيائية وميكانيكية وكهربية وحرارية) جعلتها تناسب مظاهر التقدم التقني الذي طرأ على حياتنا المعاصرة، وهي تمثل جزء لا يتجزأ من معايشنا.. تلازمنا وتحيط بنا في كل مكان.
ويوما بعد يوم تعدد وتتنوع المواد البلاستيكية، ويتعقد تركيبها الكيميائي، ومخلفاتها الصلبة والغازية في ازدياد وتراكم هائل، وبالتالي تزاد مشكلة هذه المواد البلاستيكية وتحللها والتخلص منها، فهي غير قابلة للذوبان أو التحلل، ولا يمكن التخلص منها بسهولة، مما له كبير الأثر على الصحة العامة والبيئة.
ومن الأفضل إنتاج أوعية بمقاسات محددة قابلة للاستعمال المتكرر حيث أن إعادة استخدام المواد البلاستيكية ـ وعلي الأخص نفايات المواد التركيبية البلاستيكية سيئة السمعة ـ مسألة صعبة.
وفي ظل ازدهار الصناعات في بلاد النمور الأسيوية، تلهث شركات بريطانية وأوربية ودولية للتخلص من نفايات شعوبها عبر تصديرها لتك البلاد، فنجد نحو 70% من إنتاج البلاستيك العالمي سنويا يجد طريقه بشكل غير قانوني إلي الصين (مجلة العربي الكويتية، العدد: 584، يوليو 2007م، ص 210). ويمكن استرجاع 187 ألف طن من البلاستيك بقيمة 26 مليون دينار عند إعادة تدوير النفايات المنزلية في الأردن.
فالمخلفات البلاستيكية من القمامة، أو تلك الفضلات والأجزاء الزائدة من عمليات التصنيع الأساسية (النفخ أو الحقن).. يعاد جمعها وفصلها وغسلها وطحنها وتعبئتها فى أكياس أو شكائر وتسوق إلى بعض المصانع الصغيرة لإعادة تدويرها وتحويلها إلى منتجات مختلفة. فمنتجات المواد البلاستيكية التي تلين بالحرارة فيتم إعادة تدويرها (مع عديد من الإضافات) عن طريق تسخينها وصهرها وإعادة تشكيلها من جديد. أما تلك التي لا تلين بالحرارة فيتم استعمالها كمواد مالئة للبوليمرات الأخرى، حيث يعاد إضافتها إلى الخامات الأساسية بنسب صغيرة وبالتالي لا يحدث أى ضرر أو تشويه أو إنقاص فى خواص تلك المنتجات البلاستيكية الجديدة.
لكن تصنيع منتجات وأدوات كهربية بلاستيكية من خامات غير متجانسة، وبوليمرات مختلفة الأوزان الجزئية والكثافات.. رخيصة الثمن ومنعدمة الكفاءة ورديئة غير المطابقة للمواصفات (خواصها الميكانيكية والكهربية والحرارية متدهورة وعاجزة عن تأدية وظيفتها)، له ضرر كبير مما يؤدي لاندلاع حرائق الكهرباء الخطيرة.
أيضا ينبغي مراقبة التدوير العشوائي الذي يتم فى مصانع/ ورش صغيرة، لا تنشغل إلا بالربح (نظراً لارتفاع أسعار المواد الخام لصناعة البلاستيك، خاصة وأنه يتم استيرادها، ويصل سعر الطن نحو 7000 جنيه، في حين أن طن البلاستيك المستخرج من القمامة لا يزيد عن 500 جنيه)، فقد تقوم بإعادة استخدام عبوات زيوت ضارة، أو كانت معبأة بالسموم والمبيدات والكيماويات والمعادن الثقيلة، ويضيفون إليها أسود الكربون، وبعض الزيوت المعدنية المحترقة والممتلئة بالمعادن الثقيلة كالرصاص كبدائل للملدنات، وكذلك كميات كبيرة من الجير الحى (أكسيد الكالسيوم) كمادة مالئة، ثم يحولون هذا الخليط إلى عبوات أو أدوات مائدة أو رقائق بلاستيكية سوداء اللون (مثل الأكياس السوداء)، لذا ينبغي الحذر من استخدام هذه الأكياس السوداء فى نقل أو تعبئة المواد الغذائية، وعدم تكرار استخدامها إلا فى جمع القمامة، وإذا استخدمها الإنسان فى حمل بعض الأشياء فعليه بغسل جميع المواد الغذائية (د.أحمد مجدى حسين مطاوع: البلاستيك وتأثيراته الصحية والبيئية،الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة العلم والحياة ـ القاهرة 1997).
وحرق النفايات التي لا فائدة منها وتحويلها إلي رماد.. يقلل حجمها، ويوفر طاقة حرارية قد تستخدم للتدفئة (بيد ان محطات كهذه مُكلفة لعزل السموم والغازات الضارة من بقايا الاحتراق والعديد من المركبات الحمضية التي تؤثر سلبياً على البيئة)، ولكن القيمة الحرارية للمواد البلاستيكية أعلي من القيمة الحرارية للنفط أو الفحم مما يجعل محطة ذات تقنية متطورة تحقق عوائد اقتصادية أيضا.
لم يكن استخدام الألمونيوم في تصنيع علب للمشروبات معروفاً قبل عام 1960م، ومع بداية سبعينيات القرن الماضي تم استخدام أكثر من نصف مليون طن من الألمونيوم لتصنيعها سنوياً. ومعدن الألمونيوم غير سام ودون رائحة ولا يسبب إكتساب أى مذاق كما أنه خفيف الوزن وهو موصل جيد للحرارة والسائل داخل العبوة يمكن تبريده سريعاً، ولكن الزيادة الهائلة فى إستخدام عبوات الألمونيوم أدت إلى تراكم أكثر من نصف مليون طن سنوياً من رقائق وعبوات الألمونيوم وهذا يعتبر فقداً اقتصاديا كبيراً.
وإذا ما قورنت الطاقة اللازمة لإنتاج الألمونيوم وبين طريقة إعادة تصنيعه فإننا نجد أن الطاقة اللازمة لإعادة التصنيع (التدوير) هى فقط 9./. من تلك الطاقة اللازمة للتحليل الكهربائى لخامته. وإذا أمكن إعادة تصنيع نفايات رقائق وعبوات الألمونيوم، فإنه يمكن توفير أكثر من 20-30 مليون كيلووات ـ ساعة من الكهرباء كل عام، فضلاً علي القضاء على مشكلة تراكم هذه المخلفات والتي بلغت في انتشارها حداً فائقاً (د/ عبد اللطيف محمد أبو العطا ..علي الشبكة الدولية للمعلومات).
ولقد تطورت عملية تدوير السيارات غير الصالحة للاستعمال فبدلا من إلقائها فى مقابر للسيارات، ثم كبسها وصهرها وإعادة تدوير المواد المعدنية فيها، أصبحت مقابر السيارات تصدر قطع الغيار القديمة الصالحة للاستعمال، في تجارة رابحة. وتزداد عملية الاستفادة من السيارات الغير صالحة فى الدول النامية حيث يتم إعادة استخدام كل جزء منها كقطع غيار، وإصلاح كل اجزائها، بل إعادة إنتاج السيارة كاملة في شكل جديد ومطلوب ومربح. فالمادة المسترجعة يمكنها أن تبقى لفترة طويلة، فضلاً علي رخص سعرها بالنسبة لقطع الغيار الجديدة. كما أن النفايات التى لا تباع ولا تستخدم يمكن بيعها إلى مصانع الحديد والصلب لصهرها، وبالتالي فإن النفايات الناتجة من هذه التجارة تعتبر صفراً.
لكن البقايا المعدنية للحواسب والتليفزيون والأفران الكهربائية المنزلية والبرادات اكثر تعقيدا بالمقارنة بالزجاج والورق لما تحتويه علي مواد مركبة وكيمائية يصعب تفكيكها مثل مادة فلوركلور هيدروكربون، لذا فهي تستلزم معالجات خاصة.
ويبقي من أهم الأمور في عملية إدارة النفايات الصلبة اختيار المواقع المناسبة والآمنة بيئيا، واشتراك الجهات المعنية بعملية الاختيار، والتوفير الكبير للآليات الثقيلة الضرورية لعمليات الطمر النهائي، وتبطين المكاب وبخاصة تلك القريبة من المياه الجوفية، لمنع الترسب والنفاذية، ووضع أنظمة لجمع العصارة المتولدة من النفايات.
وتشير تقديرات إلي ان أن المنطقة العربية تحرق من الطاقة يومياً حوالى 4.9 مليون برميل مكافئ نفط، أى تحقن البيئة العربية بـ 5.512 طن الدهيدات، و35.525 طن أول أكسيد كربون، و79.625 طن هيدروكربونات، 130.462 طن أكاسيد نتروجين، 23.275 طن أكاسيد كبريت، و17.762 طن أحماض عضوية يومياً.
إن معظم النفايات الغازية الناتجة عن صناعات البترول أو البتروكيميات والناتج عن مصانع الأغذية تعتبر غازات يسهل خلطها بالهواء، وتبعثرها، ولكن من الأفضل استحداث تكنولوجيا اقتصادية نظيفة للتخلص منها، أما مصانع الحديد والصلب والأسمنت والطوب فعادة تخرج مع الغازات نفايات صلبة مختلفة، وغالباً بكميات كبيرة تـُقلق ـ صحياً وبيئياً ـ سكان المناطق القريبة منها، وتحتم ضرورة التدخل لحلها، عبر تحديث هذه المصانع، وتوفير مصادر مالية لتركيب مرشحات وفلاتر (د/ عبد اللطيف محمد أبو العطا الأستاذ بقسم الفيزياء ـ علي الشبكة الدولية للمعلومات)
الحاجة إلي الترشيد:
- ترشيد الاستهلاك الترفى العام والخاص، وعدم التأثر بالإعلانات التسويقية التي تستحدث رغبات إستهلاكية غير ضرورية، وعدم الإسراف (فى استهلاك الماء، والمأكل والملبس والفراش والأثاث والسيارات..الخ) تُعد من أهم الأمور الوقائية المُلحة في هذا الشان، فمن أسس الوقاية من العلل الصحية والبيئية والاقتصادية..الاعتدال وعدم الإسراف، يقول تعالى :"يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"(الأعراف: 31).
- تفعيل التكافل الاجتماعي عبر تصريف الكثير من الزائد عن الحاجة الفردية والأسرية والمجتمعية (من أطعمة واشربة وملابس وعاديات ..الخ) لمن هم في حاجة إليها.
- التعامل مع المخلفات باعتبارها موردا يُستفاد منه، وليس عبئاً، وإبداع الحلول في هذا المجال.
- تجنب الكثير من مواد القمامة الناتجة عن مواد التغليف، بالتخلي عن شراء مواد تعبئة غير الصديقة للبيئة، أو تلك الأحادية الاستعمال، وتقليل استخدام المواد المغلفة والحافظة والأكياس، خصوصاً المصنوعة من مواد غير قابلة للتحلل البيولوجي.
- ومع وضع خطط إنتاج السلع، يجب الأخذ في الحسبان ليس فقط طريقة التخلص الآمن من مخلفات هذه السلع، ونفايات عملية إنتاجها، بل أيضا مراعاة طريقة التخلص من السلعة نفسها بعد استهلاكها، وإتمام تدوير وإعادة تصنيع المواد المستخدمة فيها قدر المستطاع أو بإتباع طرق سليمة لدفنها والتخلص منها للحفاظ على التوازن البيئى.
- العمل المستمر علي تطوير وتحسين مواد خام صناعية جديدة توفر شروط صحية وبيئية واقتصادية هو التحدي الصناعي والتقني المستمر.
- الحاجة ماسة إلي تقليل إنتاج النفايات الصلبة عن طريق إحداث تغيير سلوكي وتطوير في القيم والأنماط الاستهلاكية، مع تطوير أساليب وتقنيات وبرامج جمع ونقل ومعالجتها، وتسهيل إجراء عمليات تدويرها، مع وضع قوانين وإجراءات هادفة إلى مأسسة طريقة التعامل معها وفق معايير حديثة وسليمة بيئياً.
- توفير إحصاءات عربية دقيقة متاحة عن كميات ونوعيات النفايات الصناعية الصلبة، وعمل بنوك لهذه المعلومات عن النفايات تعطى صورة حقيقة لها في الوطن العربي.
صفوة القول: علم بيئة جديد.. يحاول إعادة اللحمة بين الإنسان والطبيعة، لا يعتمد على فهم البيئة بمعزل عن الإنسان ونشاطاته، بل على فهم البنية الجوهرية التي تجعل الطبيعة كلاً يتجاوز الحدود والتجزئة التي فرضها العقل البشري عليها. وإذا كنا بحاجة إلى التطور العلمي، النظري والتقني، فالحاجة أكبر إلى المثال الأخلاقي، وإلى المنطلق الإنساني الطبيعي، وإلي المصالحة والتوفيق بين الوقاية والتقانة، من أجل السير في عصر أقل ما يقال فيه إنه على بعد خطوة واحدة من كارثة.