قراءة تركيا للإسلام منحتها دوراً رائداً في العالم

قراءة تركيا للإسلام

منحتها دوراً رائداً في العالم

ليون برخو

تركيا دولة إسلامية. الإسلام وفكره متجذران في المجتمع. مع ذلك انفتحت تركيا على الغرب العلماني وسايرته في أغلب الأمور ذات العلاقة بالمسلمين ودولهم ومجتمعاتهم ومشاكلهم وأزماتهم. التفاتة تركيا صوب الغرب كان لضعفها الاقتصادي والعسكري. رغم ذلك همش الغربيون دورها لفقرها أولا ومكانة اقتصادها المتدنية ثانيا. كان الفرد التركي في أوروبا مثال تندر، يسخر الغربيون من تخلفه وثقافته لا بل تدينه وإن أراد العمل فما عليه إلا القبول بأعمال يستنكف الغربيون القيام بها. وكان كثير منا يعتقد أن بين تركيا وأوروبا الغربية بونا اقتصاديا شاسعا لن يستطيع حفدة الخلافة العثمانية تجاوزه.

هذا كان سابقاً قبل أن تقوم تركيا بتغير بوصلتها من حيث قراءتها واستيعابها للأحداث في العالم ودور الاقتصاد والعلم في إبراز مكانة الدول والشعوب. أول عمل قامت به كان العودة إلى الجذور الإسلامية للمجتمع التركي والتشبث بالنص المقدس وقراءته بما يتماشى مع قدسيته، وكذلك استجابته لما يحتاج إليه المسلم في هذا العصر والبحث عن قراءة تملأ الفراغ - وهو التخلف في المجتمع. لم يركض بناة النهضة الاقتصادية والثقافية والعلمية الحديثة في تركيا ولا سيما في العقد الأخير وراء قراءات قد لا تستجيب لمتطلبات مجتمعهم. كان همهم قراءة تستند إلى النص المقدس وتؤدي بنهضة شاملة يحسب لها العدو والصديق ألف حساب. قادة هذه النهضة - وسنتجنب ذكر الأسماء - من أكثر الناس افتخارا وزهوا والتزاما بإسلامهم وقرآنهم. وهكذا وفي غضون نحو عقد من الزمان نهضت تركيا على قدميها شامخة وتقف اليوم ندا لدولة أرهبت وما زالت ترهب الشرق الأوسط لا بل العالم بغطرستها إلا وهي إسرائيل. هذه القراءة منحت تركيا المنعة والشجاعة والحكمة والمقاومة ما نفتقدها في الشرق الأوسط برمته.

قد يسأل القارئ ما دليلك على نهوض تركيا وكيف لك أن تبرهن أن نهوضها سببه قراءتها للنص المقدس بطريقة تملأ الفراغ في المجتمع المسلم وتستجيب لمتطلباته العصرية؟ الدليل تتناقله أمهات مراكز البحث في الغرب. هل تعلم عزيزي القارئ أن الاقتصاد التركي اليوم ثاني اقتصاد في العالم من حيث النمو بعد اقتصاد الصين، حيث سجلت تركيا في الأشهر الستة الماضية نموا اقتصاديا بلغ 11.4 في المائة بينما تترنح اقتصاديات الدول الغربية - ولا سيما دول السوق الأوروبية المشتركة - بين 0 في المائة و0.5 في المائة. وآخر تحليل قرأته يقول إن تركيا تلبي اليوم المتطلبات الاقتصادية كافة للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة بينما دول السوق ذاتها لا تستطيع تلبية معظمها الآن. سبحان مغير الأحوال.

لم يكن يحدث هذا لو لم تعد تركيا إلى نصها المقدس وقراءتها له بشكل يسهم مساهمة مباشرة في نهضتها وليس تخلفها. هذه القراءة جعلتها تتجه شرقا صوب إخوة لها في الدين وكانت نتيجة ذلك سيلا غير منقطع من الاستثمارات ببلايين وبلايين الدولارات في السنين العشر الماضية. وتغير البوصلة لم يكن قراءة فقط بل فعلا أيضا فبدأت الشركات التركية تزيد من حضورها واستثماراتها في الدول العربية والإسلامية ولشركة الخطوط الجوية التركية اليوم رحلات إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تفوق مثيلاتها إلى الدول الغربية. وفي يونيو (حزيران) الشهر الماضي نمت الصادرات التركية 13 في المائة مقارنة بالسنة الماضية وزيادة الطلب هذه أتى معظمها من شقيقاتها الدول العربية والإسلامية. الشركات التركية تبني العمارات والجسور والمصانع في العراق وإيران وسوريا ودول أخرى كثيرة، حيث تبلغ قيمة المشاريع التي تقوم بها في الشرق الأوسط أكثر من 30 بليون دولار حاليا. والصيرفة الإسلامية تأتي في مقدمة سوق المال التركي ومن أكبر المستثمرين فيه السعوديون. واليوم تزيد قيمة صادرات تركيا إلى العراق وإيران فقط بمقدار 200 مليون دولار عن قيمة ما تصدره للولايات المتحدة. ويتوقع أن تبلغ قيمة الناتج القومي الإجمالي لتركيا أكثر من تريليون دولار هذا العام.

من كان يصدق هذا قبل عشر سنوات ومن حكم متشبث بـ «الإسلام المحافظ»؟ بهذه العبارة أو ما يشابهها تعلق مراكز البحث الغربية على نهضة تركيا. أنا شخصيا غير مندهش. وهذا سيحصل لا محالة لأي دولة إسلامية تعود إلى النص المقدس وتقرأه بما يلبي حاجات مجتمعها وبما يسد الفراغ في حياتهم. بالطبع لم يرق هذا النهوض الهائل والتغيير المفاجئ في دفة البوصلة التركية لأصحاب إسرائيل فكتب توماس فريدمان مقالين في نيويورك تايمز يقطران سما زعافا يتباكى فيهما على الحريات الفردية وغياب العقلانية في الحكم التركي. وكأن الله أراد أن يقحم فريدمان ويظهر تعصبه الأعمى لدولة الصهاينة على الملأ، حيث ظهرت هذه الأرقام المذهلة بعد أيام قليلة من كتابة مقالتيه وأيدتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وستعلنها عند نشرها كتابها السنوي عن اقتصاديات دول العالم في مستهل عام 2011.