هل رأى النبي الله في المعراج
هل رأى النبي الله في المعراج؟
د. نعيم محمد عبد الغني
من القضايا المثارة عند الحديث عن رحلة المعراج الحديث عن رؤية الله تعالى، حيث إنها مسألة في العقيدة اختلف فيها الناس، فهناك من يقول إن الرسول رأى ربه في رحلة المعراج، وهناك من يقول إن الرسول لم ير ربه يوم القيامة، وهي مسألة ترتبت عليها إمكانية رؤية الله تعالى يوم القيامة رغم نص القرآن على ذلك في قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ). القيامة (22-23)
والأصل عند أهل السنة والجماعة أن رؤية الله تعالى ممكنة في الدنيا والآخرة، وإن اختلفوا في إمكانية رؤية الله في الدنيا، وهذا الخلاف مرده خلاف الصحابة حول رؤية الله في المعراج، فالسيدة عائشة وفريق من الصحابة ينفون رؤية النبي لله في ليلة المعراج، ولها في ذلك رواية أخرجها الإمام مسلم في صحيحه بسند يتصل إلى مسروق الذي قالَ: (كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ ثَلاَثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قُلْتُ مَا هُنَّ؟ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدا -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ وَكُنْتُ مُتَّكِئا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِى وَلاَ تَعْجَلِينِى أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ) ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى). فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ». فَقَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِي حَكِيمٌ).
فالسيدة عائشة ترى أن الضمير في قوله: (رآه) عائد على جبريل عليه السلام، وتبع عائشة في هذا الرأي ابن مسعود وأبي هريرة وعدد من الصحابة رضي الله عنهم، وكما هو واضح من النص أن من يمنع رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لله عز وجل في المعراج يعتمد على نصوص تؤيد فهمه اللغوي للضمير في (رآه)، منها قوله تعالى: (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ).
أما ابن عباس –رضي الله عنه- فيرى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه في ليلة المعراج وحجته قوله تعالى: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) النجم 11، وقال: (وقال عبد الله بن الحارث: اجتمع ابن عباس وأبي بن كعب، فقال ابن عباس: أما نحن بنو هاشم فنقول: إن محمدا رأى ربه مرتين، ثم قال ابن عباس: أتعجبون أن الخلة تكون لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين؟) قال: فكبر كعب حتى جاوبته الجبال، ثم قال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى عليهما السلام، فكلم موسى ورآه محمد صلى الله عليه وسلم. وحكى عبد الرزاق أن الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه.
ولقد انقسم العلماء حول هذين الرأيين فمنهم من قال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رب العزة في ليلة المعراج كالإمام الباقلاني، وأحمد بن حنبل، ومنهم من قال: إن النبي لم ير الله في ليلة المعراج كالإمام مالك والفخر الرازي من القدماء وسيد قطب من المحدثين، واستشهدوا بآيات منها قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) الشورى51.
قال صاحب الظلال تعقيبا على هذه الآية: "قطع هذا النص بأنه ليس من شأن إنسان أن يكلمه الله مواجهة" ثم رصد الشيخ سيد قطب الطرق التي كان النبي يوحى إليه من خلالها فقال
الأولى: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال: صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب».
والثانية: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يتمثل له الملك رجلاً، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول.
والثالثة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد، وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إن كان راكبها، ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها.
والرابعة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه. وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم. ا.هـ.
وبعد ذكر هذا الخلاف يأتي اتفاق أهل السنة والجماعة على أن الله تعالى يتجلى لعباده المؤمنين يوم القيامة فيرون الله سبحانه وتعالى الذي قال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فيكون المشهد كما وصفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله في الحديث الذي أخرجه البخاري: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، فاللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم.