تشجير هاويات الموت والهشيم
تشجير هاويات الموت والهشيم
على طريق المطار
د. عائشة الخواجا الرازم
أذهلني بشدة تجاوب الحكومة لدعوة نقابة المهندسين لتشجير جانبي الطريق الصحراوي ، الواصل بين العاصمة عمان ومحافظة العقبة ، قد وصل حدود الذهول لدرجات الفرح المكبوت القابل للرش على طريق المطار الهشيم !!!!
وأقول الهشيم وانا أداري جبيني بيدي واخفف النظر وأغض البصر ألما لمشهد التلوث البصري المحيق بالطريق ، ولمشهد الالتواء التصميمي لكتفي الإسفلت المتنازلة عن ارتفاعاتها المنطقية والتي لا يمكن لعقل بشري أو عبقرية هندسية أن تخترع تصميم طريق ، وبالتحديد طريق مطار كهذا في تاريخ العلوم الهندسية الأزلية والأبدية وفي تاريخ الأمم التي برمجت حياتها بالصخر والماء والضوء إلى تاريخ الأمم التي شقت بحكمة عباقرتها طريق مطار اسمه مطار الملكة علياء !
لن أقول أنني تنفست الصعداء وأصابني غرور السعادة الوطنية ، باكتشاف نظرية التشجير لطريق الصحراء الواصل للعقبة ، ولن اصرخ عبثاًُ بتنفس غير منطقي لهذه المفاجأة الوارفة ، ولكنني شعرت أن الكابوس المهيمن على مخي وأعصابي ، والذي أراه بتقدم نحو كل مواطن وسائق وزائر لبلدي سوف يخف بوطأته ربما !!
فالمشروع الوطني لتجميل وزراعة الطريق الصحراوي ، سيقفز عملاقاً ويهبط مثل ( سبايدر مان ثلاثة ) على هاوية الطريق وينتزع الأجساد المتدهورة داخل مركباتها على جانبي الوديان المصممة خصيصاً للانقلاب الشخصي والمادي في المال والممتلكات والأرواح ، وربما توجه كتب الشكر الممتلئة بالامتنان لنقابة المهندسين شكراً وعرفاناً للمبادرة التي تنم عن إخلاص للعمل وانتماء للوطن ، فزراعة وتخضير الطريق الصحراوي وزرع الخطط في تحريج جوانب الطرق التي من الله بها على اللجنة التوجيهية العليا للتشجير والتخضير هي فكرة ريادية مشكورة خاصة بعد عشرات السنوات من المناداة بتجميل ورعاية طريق المطار أولاً ، ذلك لانه هو جزء من هوية المرئي والمسموع والمقروء وكذلك المحسوس من شعار الأردن أولاً ، لماذا ؟؟؟ لان العين البصيرة واليد القصيرة هي أول من يطوف في شعار المكتوب يقرأ من عنوانه !! والبلد التي يتعذر على زائرها الابتسام والفرح خلال دراسة هشيم وأشواك وركام الدرابزينات المحطمة وخشونة اليباب على طريق مطارها ، يتعذر عليه الاطمئنان على روحه وهو يتراقص بين ميلانات الاعوجاج المتهاوية بين هاويات الطريق السريع ، وهو يرى انقلاب المركبات بسلاسة الابتسامة ، وبكل سهولة دون صعوبة تذكر كلما مال الإطار إلى حافة النزول !! بطريق مطارها ، فهي بلد جميلة جاءها الناس من كل حدب وصوب ، ولكنها جيئت بلجانها ومهندسيها ومسؤولي تصميم طريقها ، الذين لا يرون في طريق المطار سوى تابلوهات مركباتهم الفارهة ، وكأنهم فقط يذهبون ويعودون ولا يلتفتون حولهم ، أةو ربما تأخهم مطالعات الصحف ليروا ويشعروا بكل خبر جديد ليهموا بالبلاد !!
مع الاسف .... طريق المطار عندنا لا يشبه أي طريق مطار في أي دولة ، ولا حتى في رواندا ولا جيبوتي ولا سلكوبان بن أعجوبان !! ودائماً طرق المطارات هي الأجمل وهي الأوفى حقاً بتعريف البشر على مضامين دولة المطار !!
في طريق مطارنا يشاهد الزائر الخوف والبشاعة والجفاف على الطريق من راسه حتى أخمص قدميه ، ولا يرى شجرة خضراء ولا زهرة شماء ، ولا يرى رطوبة تبلل ريقه بمشهد جمالي يأخذه باتجاه التأمل والشعور بأنه حضر بسلامة الله ورعايته لبلد فيه فعلاً جمال ! فاختفى الجمال في لحظة نسيان التصميم لكل سبل الجمال والسامة العامة !! يشاهد الأشواك المتداخلة بهشيم الجفاف ، وبعض كلاب مدهوسة مترنحة الدماء على جانبي الطريق ، وبعض درا بزينات حديد ممزقة ومتعارضة ، تشهد على ضربها بمقدمات ومؤخرات المركبات اليومية ، دون ورع ودون تقدير لسعر الحديد ، ويشاهد ويحس ويتلمس مطاردة المركبات الكبرى للصغرى التي تتهاوى وجلاً وخجلاً من صغر حجمها ، فتحاول تجنب الطرد الخلفي بالأضواء المزدوجة وإلا فالقفز العلوي على المركبة المطرودة ، وينزلق هنا السائق فيهوي بين واد رفيع طويل الأجل ملتهم للعجل ، مصمم خصيصاً للانحدار ودرابزين مشوه مطعون ألف طعنة على صدغه ، وتنقلب المركبة إلى مكربة فوراً بلا تأخير !! فهو طريق المطار السريع وليس في تأجيل ذلك أدنى شك !
تلك الأفكار في المبادرة التجميلية لزيادة الرقعة الخضراء من المؤكد أنها ستعرج على طريق المطار الجرداء !! أليس كذلك ؟؟ وهي إن شاء الله ستشفي غليلي قليلاً ، ولكنني اعتقد بأنها لن تشفي عطش هاويات الموت الجافة على طريق المطار !! ولن تشفي أكباش الأشواك المتناثرة على رؤوس الدرابزينات المحطمة والمستلقية على أتربة الهاويات بين التراب وبين الطريق الراجع والطريق الذاهب والذي ربما يكون طريق ( روحة بلا رجعة للكثيرين رحمهم الله ورحمنا معهم فليس منا واحد على رأسه ريشه ) !!!
فالقلب يخشع والعين والله لتدمع لمجموعة لا حصر لها ، من الحوادث القاتلة التي تستلقي على طريق ذاك المطار ، فهي كثيرة في الشتاء لانزلاقات لا مفر منها ولا مهرب ، وفي الصيف وفصل الربيع لتسارع المركبات وحب السباق والقفز على رؤوس الآخرين هيجاناً ورعونة ، وسرعة في سباق الزمن ، ناهيك عن الخراب والجفاف والركام للدرابزينات التي لن أتوقف عن ذكرها كلما دق الكوز بالجرة ، وليس للنائبين الكوز أي علاقة بالدق بالجرة !
نعم .... سأفش غلي بعد فرحة التجميل تلك ، وغن القلب لينبض منذ زمن غابر وجعاً على منظر ذاك الطريق !بدءاً بمشهد الميلان المصمم لامتصاص دماء الضحايا على جانبي الطريق المعوج بانحدار مدروس ، ومصمم خصيصاً لامتثال أي مركبة مهما كانت أوزانها أو أوزان سائقيها ،فأنا لست الوحيدة التي تصاب بالخراب النفسي كلما سافرت أو رجعت أو كلما قادتني الأقدار لذلك الطريق الجاف البعيد عن برمجة الخضرة ، وأجزم أن جميع من سلكوا طريق المطار رأوا ما رأيت وأحسوا ما أحسست ، فالألم يجثم نعم ولكن نسأل الله أن تكون تلك بداية الخضرة السيكولوجية للمتألمين على الطريق ، ويقترب الطريق من برمجة التحضر أو العناية التي تريح بصر الإنسان الملهوف لمنظر أو تصميم أو سلامة طريق لا تأخذه باتجاه التدهور بسلاسة التبرير لطرق الشوك التي بإذن الله ستصبح طريق التشجير على بساط الحرير !!