أردوغان... رجل المهمات الصعبة

قراءه موجزه في التغيرات السياسية

على الساحة التركية

الحلقة الثالثة والأخيرة

م. هشام نجار

أعزائي القراء

لماذا يتم تعيين شخصيات غير هامه لمناصب هامه في بلادنا العربيه من قبل  انظمة الحكم كمنصب رئيس البلديه او المحافظ  مثلآ بينما المفروض والمتبع عالميآ ان تُشغل هذه المناصب عن طريق الإنتخابات الشعبيه المباشره؟ إن مبدأ التعيين بدلاً عن الإنتخاب هو احد امراض أمتنا العربيه كونه يبعد الشعوب عن محاسبة الحكام وأزلامهم المعينين بمعرفتهم في مراكز القرار ,فالشعوب أدرى بالنزيه والمستقيم والشريف وصاحب الخبره بينما التعيين هي الوسيله السهله لنشر الفساد كون الشخص المعين همه ان يرضي من عّينه وليس من يحتاجه.   فَتُستَحل اموال الشعوب وتطير المشاريع بين الرشاوي والمحسوبيات وعدم المحاسبه فيذهب المسؤول معززآ مكرمآ وعلى صدره وسام ليحل محله مسؤول جديد ليكمل المأساة .

 الإخوه والأخوات… السيد رجب طيب أوردوغان ما كان له ان يتقلد اعلى منصب في الدوله التركيه وهو رئاسة الوزراء لولا ان الشعب التركي إكتشف نجاحاته وإستقامته يوم أُنتخب إنتخابآ مباشرآ من قبل شعب مدينة إستنبول بتعداد سكانها وسكان ضواحيها فأضحى رئيسآ لبلديتها بجداره ….هكذا تكتشف الشعوب رجالها,وإليكم القصه من البدايه.

ولد رجب طيب أوردوغان باسطنبول عام١٩٥٤ ، درس مرحلته الثانوية في معهد الأئمة والخطباء ، التحق بكلية الإقتصاد بجامعة مرمرة وعمل مديرا لعدد من المؤسسات ، ثمّ انتخب رئيسا لحزب الرّفاه بمحافظة إستنبول .فاجأ مختلف الأوساط السياسية التركية بفوزه الساحق في الانتخابات البلدية عام  ١٩٩٦لتولّى منصب رئيس بلدية هذه المدينه الهامه، وهو منصب غير عادي في تركيا بالنظر لأهمية إستنبول كمركز انتخابي كبير ، إضافة إلى ضخامة الميزانية التي تتصرّف بها بلدية المدينه والخدمات التي تقدّمها للمواطنين الذي يبلغ تعدادهم ستة عشر مليون نسمه حسب آخر الإحصائيات الرسمية  وإن كانت وسائل الإعلام التركية تتوقّع تعداد سكان إستنبول حوالي ٢٠ مليونا.إشتهر هذا الرجل  باعتداله فكرا وسلوكا ، لبقا وخطيباً مفوّهاً وفوق ذلك نظيفآ نزيهآ يحاسب اصدقاءه تمامآ كما يحاسب خصومه، ويتقن جيّدا لغة الخطاب مع الأطراف العلمانية حتى انّه كسب الكثير من الأنصار العلمانيين ، بسبب اعتداله من جهة والخدمات التي قدّمها  لبلديته اسطنبول. 

تسلّم رجب طيب أوردوغان رئاسة بلدية إستنبول وهي مثخنة بالديون,واستطاع بسياسة التصرّف والرقابة الشديدة القضاء نهائيا على ظاهرة الرشوة   التي كانت سمة هذه البلدية, واستطاع في وقت قياسي أن يدفع ديونها ويتوجّه إلى الإستثمار.واليوم تحقق البلدية أرباحا طائلة من خلال مشروعاتها الاستثمارية بعدما كانت عاجزة عن دفع مرتبات موظفيها ،ونتيجة للأرباح التي تحقّقها من مشروعاتها الاستثمارية ، تقدّم بلدية إستنبول سنويا قرابة ٣٠ ألف منحة دراسية للطلاّب الأتراك والأجانب المقيمين في تركيا · كما أنجزت أغلب المشروعات الخدمية التي وعدت بها وخاصة في مجال الطرق والجسور وتوزيع الغاز الطبيعي .. وتقوم الآن بتجديد كامل لشبكة المياه.

 اعزائي القراء هذا كان رصيد الرجل… فحمل رصيده معه وإنتقل الى السياسه

  ففي عام ٢٠٠٢ فاز الحزب الاسلامي «العدالة والتنمية» في الإنتخابات النيابيه. وفور تشكيله حصد اعضاؤه ٦٥ في المائة  ٣٦٣ مقعدا  من اصل٥٥٠ولاول مرة منذ  ٢١ عاما  يتمكن حزب واحد في تركيا ان يشكل الحكومة بمفرده. إن حصول حزب العداله والتنميه على اكثر من عشرة ملايين صوت بعد عام واحد فقط من تشكيله يُعتبر برهانآ لا يداخله شك من ان الأحزاب المعتدله الإسلاميه والمسلحه  بالعقيده والعلم والتسامح بين طبقات الشعب على إختلاف مذاهبه  ومعتقداته هو الطريق لتحقيق العداله الإجتماعيه للجميع. وبالرغم من هذا الإنتصار الساحق الذي حققه اوردوغان الأ ان طريقه لم يكن ممهدآ بالورود فهو يعرف ان رئاسة اي حزب اسلامي الهوية في تركيا هو بمثابة السير في حقل الغام، لذلك سينتظر الذين لم يصوتوا لحزب العدالة والتنمية ان يثبت لهم ان حزبه ليس خطرا على هيكلية السلطة في تركيا بل على العكس من ذلك فهو عامل توحيد وقوه. واوردوغان الذي كان في صباه لاعب كرة قدم سيمارس مجددا هذه الرياضة انما في حقل الغام سيزرعه العسكر والعلمانيين معآ , الا ان المؤشرات تثبت انه يمر من خلاله  بخطوات محسوبه .

الإخوه والأخوات

في تلك الفتره الحرجه كانت المعادله على الشكل التالي

الجيش: ممثلآ بقوه بمجلس الامن القومي، الاقوى في تركيا عَينهُ على الحكومه

الجديده فهو يحاول إفشالها بأية طريقه

امريكا: عينها على العراق ولا تريد اية إشكالات تحصل بين العسكر وحزب العداله والتنميه خشية ان يؤثرعلى مخططاتها الإحتلاليه في المنطقه فكان دأبها التوفيق بين العسكر والحكومه

 حزب العداله والتنميه :عَينهُ على الإصلاح الإقتصادي وتقليل هامش البطاله الى الحد الأدنى بين صفوف الشعب ,وإكتساب ثقة ناخبيه وغير ناخبيه لتحقيق برنامجه الذي وعد به

 الشعب: إقتصاديآ يطمع بإجراء تحسينات على مستوى معيشته وتحسن إقتصاده . وسياسيآ يرفض حربآ امريكيه على جارته العراق مما عزز موقف الحكومه التي رفضت تقديم اي دعم لوجستي لقوات الإحتلال الأمريكي عبر تركيا

بقيت مشكلة من يتولى منصب رئاسة الوزراء المعضله الرئيسيه امام اوردوغان, فهو لايستطيع تشكيل الوزاره لصدور احكام ضده  ببث روح التفرقه بين صفوف الشعب التركي على حد زعم الإدعاء العام . ولا بأس اعزائي ان  أُوِرد لكم الأبيات الشعريه التي نطق بها امام الجماهير فكانت الشراره التي حملته الى المعتقل وبعدها الى قيادة الشعب التركي

مساجدنا ثكناتنا

قبابنا خوذاتنا

مآذننا حرابنا

والمصلون جنودنا

هذا الجيش المقدس يحرس ديننا

اعزائي القراء

تفاءل العسكر والعلمانيون بإعتقال أوردوغان وإبعاده ولو مؤقتآ عن تولي منصب سياسي , فقد بنوا توقعاتهم على ان حزب العداله سيتعرض الى إنقسامات نتيجة لتولي شخصيه من الحزب غير أوردوغان منصب رئاسة الوزراء فيتحكم بمركز القرار منافسآ زعيم الحزب مما يفجّر ازمة إنقسام بين اعضائه قد تؤدي الى إضعاف الحزب وتشرزمه فتضعف قوته وينتهي سريعآ كما فرض نفسه سريعآ

الا ان فأل معارضيه قد خاب بعد ان حازت حكومة عبد الله غُل على ثقة البرلمان.

 ودارت العجله بنجاح حتى إنتهاء مفعول حكم إقصاء اوروغان عن السياسه ليعود بعدها فيتولى منصب رئاسة الوزراء في ١٤ آذار / مارس ٢٠٠٣ وليحتل عبد الله غُل منصب رئاسة الجمهوريه 

إخوتي واخواتي 

كان وقع مجزرة غزه الأخيره على الشعب التركي وقيادته مؤلمآ,فلم  يقف اوردوغان مكتوف الأيدي إزاء هذه الفاجعه فحاول تفعيل دور حكام العرب فوجد معظمهم نيامآ وعلى ابواب غرفهم حرّاساً ولافته مكتوب عليها :السيد الحاكم في سابع نومه… الرجاء عدم الإزعاج . فلم ييأس الرجل فأظهر شجاعة فائقه في مؤتمر دافوس الإقتصادي فقد تكلم اوردوغان يوم سكت الحكام العرب وأمين جامعة العرب  

ففي تاريخ ٢٩ كانون الثاني / يناير ٢٠٠٩ غادر أردوغان منصة مؤتمر دافوس احتجاجاً على عدم اعطائه الوقت الكافي للرد على رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز بشأن الحرب على غزة , فبعد أن دافع رئيس الكيان الصهيوني عن إسرائيل وموضوع صواريخ القسام التي تطلق على المستوطنات , تساءل بصوت مرتفع وهو يشير بإصبعه عما كان أردوغان سيفعله لو أن الصواريخ أُطلقت على إسطنبول كل ليلة, وقال أيضاً "إسرائيل لا تريد إطلاق النارعلى أحد لكن حماس لم تترك لنا خياراً" رد أردوغان على أقوال هذا المفتري بعنف وقال: إنك أكبر مني سناً ولكن لا يحق لك أن تتحدث بهذه اللهجة والصوت العالي الذي يثبت أنك مذنب. وتابع: إن الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال في شواطئ غزة، ورؤساء وزرائكم قالوا لي إنهم يكونون سعداء جداً عندما يدخلون غزة على متن دبابتهم. ولم يترك مدير الجلسة الفرصة لأردوغان حتى يكمل رده على بيريز، فانسحب رئيس الوزراء التركي بعد أن خاطب المشرفين على الجلسة قائلا "شكراً لن أعود إلى دافوس بعد هذا

اما مواقفه في دعم فتح ميناء غزه وابواب سجنها وتضحيات شعبه بتقديمه قوافل الشهداء على ظهر قوافل الحريه المتجه الى غزه محملة بمواد إغاثيه فقد احرجت حكام العالم… ومازالت معركة غزه في بداياتها

اعزائي القراء

لا اعتقد ان حكام الصهاينه واصدقاءهم سيقفون مكتوفي الأيدي حيال التحدي التركي الجديد بل استطيع الجزم ان إسرائيل ستلجأ الى عدة مؤامرات. فالعلاقات التركيه الإسرائيليه منذ عام ١٩٤٨ وحتى أوائل القرن الحالي مهدت لمخابراتها بنشر شبكات تجسسيه ذات جذور لها إمتدادات عميقه في تركيا, فإسرائيل لا تخجل بنشر شبكات مخابراتها حتى بين اصدقائها ونظام مصر الصديق للكيان الصهيوني والولايات المتحده الراعية الأولى لإسرائيل اكبر شاهدين على تغلغل  الموساد في مفاصل هاتين الدولتين

 فقد تلجأ  إسرائيل كما عودتنا دائمآ الى نشر الفوضى والإغتيالات المشبوهة للإساءه لأوردوغان وحزبه خصوصآ وتركيا عمومآ

اما النقاط الأخرى التي يمكن ان تعتمد عليها إسرائيل للإساءه لتركيا

فتكمن في تفعيل الخلاف الأرمني التركي ودعم حزب العمال الكردي,إضافة لإثارة الفتن بين تركيا من جهة والولايات المتحده وأوروبا من جهة أخرى.

لاشك ان اسرائيل تعتبر رائده في إثارة القلاقل العالميه وتركيا اليوم في مقدمة إهتماماتها. ولكن السؤال المطروح هو: هل حكام تركيا بغافلين عن مخططات إسرائيل؟

الجواب: قطعآ لا, فمن يقدم على تغييرسياسي جذري ضد اسرائيل لاشك ان جعبته مليئة بمفاجآت مؤلمه لها. الا ان إعتقادي ان الولايات المتحده ستحاول التهدئة  فخسارتها لتركيا لا تعوضها إسرائيل بمشاكلها ومتاعبها التي انهكت العالم.

اعزائي القراء

مهما كانت المؤامرات على تركيا والشعوب العربيه معها كبيره, ولا أقول المؤامرات على حكامها فالعلاقه مع بعضهم وصلت تمامآ الى حد التحالفات. الا ان تبلوراً لواقع جديد بدأ يلوح في الأفق ,وان بوادر تحالف شعبي عالمي ناضج وفعال بدأ بالتشكل وستكون له نتائج إيجابيه سنلمسها قريبآ إن شاء الله. احد الأضلاع الفعاله لهذا التشكيل هو تركيا بقيادتها الجديده بدون ادنى شك . اما الحكام العرب فأمامهم طريقان: فإما ان يلحقوا بقطار التغيير…او ان يستمروا في نومهم في السرير الإسرائيلي الأمريكي مع لافته على ابواب غرف نومهم مكتوب عليها بكل لغات الأرض:الحكام في سابع نومه … الرجاء عدم الإزعاج

مع تحياتي