عندما يكون القارئ رائعا والكاتب أروع
عندما يكون القارئ رائعا والكاتب أروع
د. أفنان القاسم
قراء "باريس القدس" لا يتجاوزون المائتين، ولكنهم برهافة ذوقهم وحسهم وعاطفتهم يعادلون مائتي ألف قارئ، من هنا تأتي ثروة هذه الجريدة الإلكترونية، وهي في جدها اليومي واجتهادها ترمي إلى الحفاظ على هذه الثروة، ومضاعفتها في سوق الكلمة من أجل اقتصاد إعلامي وثقافي مزدهر يتحدى الكساد السائد، ويحاول أن يتجاوز أزمة الخطاب بروتينيته، واجتراره، وحفره في الدماغ، الرامي إلى إخضاع العقل، وذلك في الاتجاهين، اتجاه الناقد واتجاه المنقود، لأن كل أقلام الفكر السائد، يمينا ويسارا، تكرس بإرادتها فيما يخص الأوائل، وبغير إرادتها فيما يخص الأواخر، أطروحات النظام العربي-الإسرائيلي-الأمريكي، فاللطم في آخر المطاف واحد، والوعد كالوعيد يجري تجيير الواحد والآخر لصالح رأس الأفعى هذا الثلاثي... وما ينقذ العقل في "باريس القدس"، ولو القليل، أن صفحات موقعنا مفتوحة لكل التيارات ولكل الاتجاهات ولكل المذاهب ولكل المعارف، "باريس القدس" منبر متعدد المعارف، وهو يعي الصراع ما بين هذه المعارف، وبالتالي لا خوف على القارئ النبيه من الوقوع في مطب المعرفة الأحادية، والإعلام الأحادي، والاتجاه الإيديولوجي الواحد المدمر بإيجابياته السرمدية أو بسلبياته الثابتة. لهذا على "باريس القدس" كموقع حر ومتعدد أن يَبْرُزَ من بين كل مواقع العسل والبصل الأخرى السائدة، وهو يوما عن يوم يبرزُ وينتشرُ، ببطء هذا صحيح، ولكن بعزم وثبات، وأجدني أهيب هنا بكل الأصدقاء من كتاب وقراء العمل على انتشاره وتعميمه والدعاية ما استطاعوا له، إنه واجبهم نحوه، في الاختلاف، ومن أجل مقاومة السائد، من أجل التغيير في الكتابة، في الكلمات، في المعاني، في الدلالات، وفي الحياة.
فهمنا للتغيير شيء جوهري، فالمواقع التي تقاطعنا نحن ننشر موادها، المواقع التي نحن ضدها نحن ننشر مقالاتها، وكالات الأنباء التي تتجاهلنا نحن ننشر إرسالاتها، الأقلام التي تهاجمنا نحن ننشر نقدها الموضوعي وغير الموضوعي لنا، فقط الأشخاص المفلسون الذين هم مغرمون بنبش الضرائح والقبور والاعتداء على أدبي وسمعتي بتدبيج حكايات دونية عني وعن كتبي عمرها نصف قرن أو يزيد ورشقي بألفاظ سوقية نحن لا ننشر لهم لا لسبب وإنما لمستواهم الأخلاقي وعدم احترامهم لشخصي.
فهمنا للاختلاف شيء أكثر من جوهري، "فباريس القدس" ليس موقع أفنان القاسم إنه موقع القراء والكتاب على شتى أفنانهم، لهذا موقفي شيء، وموقف الموقع شيء آخر، موقفي لا يمنع نشر موقف الآخر، وما يتم نشره لا يعني اتفاقي مع صاحبه، ولا اتفاق الكاتب مع ما أنشر، ومع هذا يوجب الموقع على نفسه نشر كل الكتابات ولكل الكتاب، فالموقع عبارة عن عدة مواقع، لكل كاتب وقارئ مكان يمتلكه فيه.