لبيك رسول الله 1

لبيك رسول الله (1)

عدنان عون

[email protected]

1 ــ شمس الإنسانية··

شاءت إرادة الله جل جلاله، بعد أن عاشت البشرية ردحاً من الزمن ضلالاً في حيرة، خابطين في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، أن يبعث لهم رسولاً يحمل أعظم رسالة وخير منهج·· فأشرقت الأرض بنور ربها وسطعت في الوجود شمس الإنسانية التي لاتغيب، فمثل محمد (صلى الله عليه وسلم) ما كان ولن يكون، لأنه الأنموذج العظيم للكمال الإنساني، ذلك " أن النبي يولد فيكون إشراقاً إلهياً على الإنسانية يقومها في فلكها الأخلاقي، ويجذبها إلى الكمال في نظام هو بعينه صورة لقانون الجاذبية في الكواكب·"

وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها      ويجهد أن يأتي لها بضريب

وقد استطاع ( صلى الله عليه وسلم) أن يجسِّد في واقع الحياة أفضل مجتمع قامت ركائزه على الإيمان والإخاء والمساواة والمحبة، وأشاع في الوجود الإنساني روح الفضيلة والرحمة والتسامح والسمو الإنساني·

وما عرف التاريخ مثل المجتمع الإسلامي مجتمعاً تجسّدت فيه القيم والمبادئ وتبخترت فيه الأخلاق والفضائل، وحُميت فيه الحقوق، وقدّست المشاعر الدينية، وتعايش فيه الناس ــ على اختلاف ألوانهم وعقائدهم ــ على الألفة والتعاون·

ويبقى التاريخ أصدق شاهد على سماحة الإسلام وعدله واستعلائه على النعرات العنصرية والجاهلية، وعلى كل ما من شأنه أن يشين إنسانية الإنسان، أو يسلبه حريته ويهين كرامته·

(2) شِنْشِنة متوارثة:

نعرفها من الجهلاء والسفهاء في كل زمان ومكان، إن ما تعرض له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من صور الإيذاء والاستهانة بشخصه الكريم على صفحات الصحف الأجنبية، ليس جديداً ولا هو بدعة مستحدثة، فقد مَرَد على ذلك، ومنذ بعث صلى الله عليه وسلم، الجاهلون والسفهاء والحاقدون، من قومه وأعدائه، وقد أصيب (صلى الله عليه وسلم) كبيراً باليتم منهم كما أصيب صغيراً باليتم من أبويه، وهذا هو قدر الأنبياء والرسل والعظماء وصدق ورقة بن نوفل حين قال للرسول (صلى الله عليه وسلم): " لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِي··" وليس غريباً أن ينشط أحفاد العداوة والبغضاء لإثارة صور الإيذاء للنبي الكريم، فالشياطين ما يزالون يوحون إلى أوليائهم ما يتواصون به من ألوان العداوة والإيذاء للإسلام ونبي الإسلام، فصراع الأديان والحضارات لا يزال يؤجج نار فتنتها ناس لا يرقبون في البشرية إلاً ولا ذمة·

ولكن! هل يضير الشمس إطباق الطَفَل؟

هل يضير البحر أمسى زاخراً      إن رمى فيه ( سفيه)  بحجر

 

ففداك يا رسول الله نفسي وما أثمر من مال ومن ولد، ونصرتك ونصرة دينك واجب عظيم مقدس، وشرف عظيم·

ونتساءل ونحن نعيش أزمة رسوم الكاريكاتير المسيئة للنبي (صلى الله عليه وسلم)، لماذا هذا الكره للإسلام؟ ولماذا هذا الحقد على الرسول عليه الصلاة والسلام؟

ماذا فعل محمد (صلى الله عليه وسلم) للبشرية، حتى يقابله الحاقدون والحاسدون والجاهلون بهذا الشنآن؟

أيكون الرحمة المهداة للعالمين إرهابياً متعطشاً لسفك الدماء، كما يزعمون ويفترون، وهو الذي امتدت رحمته لتشمل الإنسان والحيوان والجماد؟

أيكون الجماد ممثلاً (بالجذع) والحيوان ممثلاً (بالجمل) أعرف برسول الله وأشد حباً وشوقاً إليه من كثير من مثقفي العالم في القرن العشرين ممن يجهلون قدره وعظمته وفضله؟

أم أن فضله وعظمته يغريان السفهاء بشتمه وسبه؟

فضل الفتى يغري الحسود بذمه       والعود لولا طيبه ما أحرقا

أيكون قاسي القلب، إرهابياً من تستوقفه في طرقات المدينة الأرملة والمسكين فيستجيب لطلبهما؟

أيكون غير رحيم من يستوقف جيش الفتح كي يؤمِّن لكلبةٍ وضعت لتوها جراءها من يحميها خشية أن يزعجها الجيش؟

ونتساءل إذا كان الإسلام ورسول الإسلام على هذه الصورة التي يرسخها الخصوم والأعداء في عقول الناس·· فكيف ينتشر الإسلام بهذه السرعة المذهلة والمقلقة للمتربصين والمتآمرين والراصدين لحركته؟

يقول الدانماركي (علي يول): "إن التسامح الواسع الأفق الذي يتسم به الإسلام في معاملة الأديان الأخرى يجعله محبباً لدى جميع من يحبون الحرية، وهذا موقف كريم ــ بكل تأكيد ــ حقق سبقاً كبيراً على موقف الأديان الأخرى" ، إن أديب ألمانيا (غوته) حين عرف الإسلام قال: "إذا كان هذا هو الإسلام، أفلا نكون جميعاً مسلمين؟" ولكن!··

ما حيلة الأنوار شع سناؤها    إن لم تر الأنوار عين الأرمد

إن العقلاء والمفكرين الذين عرفوا الإسلام ورسوله قالوا الحقيقة وجاهروا بالصواب وهذا (لورافيشيا فاغليري) يقول: " حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد أن يرموا نبي الله (صلى الله عليه وسلم) ببعض التهم المفتراة، لقد نسوا أن محمداً كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته، ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل، كيف جاز أن يقوى محمد (صلى الله عليه وسلم) على تهديد الكاذبين والمرائين في بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك (وحاشاه) رجلاً كذاباً؟ وكيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء وأن يؤازروه··"·

ولله ما قاله (توماس كارلايل): " لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) (وحاشاه) خدَّاع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة·"

ألم يأن لعصر الديمقراطيات وحرية الإنسان، أن يعي حقائق الأديان وقداستها، وأن يقيدوا مبدأ حرية التعبير بخطوط حمراء·· وإلى مقالة ثانية نستكمل فيها الحديث عن هذه الأزمة وكيف نستثمرها استثماراً حضارياً ديمقراطياً لصالح الإسلام والمسلمين·

يتبع ...