ضبابية المنهج و غياب الهدف

ضبابية المنهج و غياب الهدف

لبنى شرف / الأردن

[email protected]

انتشر في الآونة الأخيرة في بلادنا عقد دورات كثيرة و محاضرات تتحدث عن الإعجاز العلمي أو الكوني في القرآن و السنة ، تتحدث عن عظيم خلق الله للإنسان و الأرض و الجبال و السماء و غيرها .

أقول ابتداء و بالله التوفيق ، أن التفكر في خلق الله عبادة عظيمة ، حثنا الله عليها في كثير من آيات القرآن ، كقوله تعالى في سورة آل عمران (191) :" و يتفكرون في خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ..." ، و قوله سبحانه في سورة الرعد ( 3) :" إن في ذلك لآيت لقوم يتفكرون " . و لكن ليس المقصود التفكر بحد ذاته ، و لكن المقصود هو الوصول إلى الثمرة المرجوة من وراء هذا التفكر ، ألا و هي التقرب إلى الله من خلال العمل . قال يوسف بن أسباط : إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها ، بل لينظر بها إلى الآخرة . و كان سفيان من شدة تفكره يبول الدم . و قال أبو بكر الكتاني : روعة عند انتباهة من غفلة ، و انقطاع في حظ نفساني ، و ارتعاد من خوف قطيعة ، أفضل من عبادة الثقلين . و يقول سيد قطب – يرحمه الله – في تفسير قوله تعالى :" و في الأرض آيات للموقنين " .. فالقلوب لا تفتح لحقيقة الوجود إلا بمفتاح الإيمان ، و لا تراها إلا بنور اليقين .

تأمل سطور الكائنات، فإنها               من الملك  الأعلى  إليك رسائل

تشير بإثبات الصفات لربها               فصامتها يهدي ، و من هو قائل

فإن لم تستغل مثل هذه الدورات بالشكل الصحيح ، و إن لم يزدد بها المرء قربا من الله ، و يستثمرها في الدعوة إليه ، فسيكون قد أضاع الوقت و المال فيها ، و ستعد ترفا علميا لا غير .

إذا لم يفدك العلم خيرا            فليتك ثم ليتك ما علمت

أما عن الدراسات التي جاءتنا من الغرب ، و التي تعطى على شكل دورات و ورشات عمل ، فحدث و لا حرج ، فقد أصبحت كما يقولون " موضة العصر " ، فهي تتعلق بجوانب حياتية و إنسانية عديدة ، كقضايا الإدارة ، و التربية ، و العلاقات الإنسانية ، ........... و غيرها ، أمور و قضايا كنا نحن المسلمين أولى بأن نصدرها للعالم أجمع لو أننا أحسنا تدبر قرآننا ، و فهم سنة نبينا ، و تعايشنا مع سيرته العطرة ، و قرأنا في كتب الأولين من العلماء و الصالحين ، فنحن لدينا النبع الصافي ، و لكننا و كما يقول أمير الشعراء :

شعوبك في شرق البلاد و غربها         كأصحاب كهف في عميق سبات

بأيمانهم   نوران   ذكر  و سنة          فما  بالهم  في  حالك   الظلمات

يقول الإمام حسن البنا – يرحمه الله - : أعجب لأمة بين يديها الإسلام ثم تلتمس عند غيرها نظم الحياة و وسائل النجاة .

و لكن ... أنى للغرب أن يشيع في النفس الطمأنينة و أرواحهم خواء ، و أنى لهم أن يصلحوا بيوتنا و بيوتهم خربة تحتاج من يصلحها لهم ، و أنى لهم أن يصلحوا علاقاتنا ، و علاقاتهم قائمة على النفع و المادية . و حتى لو قال البعض أن الحكمة ضالة المؤمن ، فيجب أولا أن نعرف ما معنى الحكمة ، و هل ما نأخذه منهم فعلا من خلال ه>ه الدورات هو شيئ نحتاجه فعلا ، أم أن الحكمة موجودة عندنا و لكننا غافلون عنها و عن تطبيقها ؟ . و حتى و لو كانت لديهم حكمة ما في أمر ما ، فمن الحكمة أن نأخذها ثم نصوغها صياغة تتناسب مع شرعنا ، لا أن ندور نحن في فلكهم ، فهم يقولون مثلا : آمن بذاتك و بقدراتك ، و أنك تستطيع أيها الإنسان أن تعمل ما تريد إن قررت !! . و لكن نحن نقول أن المسلم إن أراد شيئا فلن يحدث إلا بمشيئة الله و بتوفيقه ، و وفق الطريقة التي يريد ، فنحن ما علينا إلا أن نعد العدة ، و نأخذ بالأسباب ، ثم بعد ذلك نتوكل على مسبب الأسباب ، لا على الأسباب ذاتها .

يود المرء أن يلقى مناه            و يأبى الله إلا ما يشاء

ثم إن دراساتهم علمية و عقلانية بحتة ، تفتقر إلى الروحانية و حياة القلوب ، فكل شيئ يخضعونه للعقل و المنطق ، حتى أن المسلمين اليوم و بتأثرهم بهذه الدراسات الغربية ، أصبحوا يسألون عن حكمة كل شيئ في الدين ، عن حكمة الحجاب ، و الصلاة و أوقاتها و حركاتها ، و عن حكمة عدة المطلقة ، و لماذا تختلف عن عدة المتوفى عنها زوجها ، و أمور أخرى كثيرة .

صدقوني أيها الإخوة ، إن لدينا ما يغنينا عن هذا كله ، لدينا كنوز كثيرة ، و لكنها مغفول عنها ، و لكنني أقول أن من أعظم ما يجب أن تستغل بها هذه الأبحاث و الدراسات هي محاجة أصحابها أنفسهم ، لعل الله أن يشرح صدورهم للدين الحق ، فقد قال عليه الصلاة و السلام :" لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم " .