تكنولوجيا المعلومات وتدوين العلم
د. نعيم محمد عبد الغني
في السنوات الأخيرة أحدثت تكنولوجيا المعلومات ثورة هائلة في تدوين العلم، فأصبح الباحثون يجدون يسرا في الحصول على المعلومة من خلال كم هائل من الكتب التي أصبحت متاحة على شبكة المعلومات الإنترنت أو على الأقراص الصلبة (CD).
وما زالت البشرية تستخدم هذه التكنولوجيا في حفظ مخطوطاتها، في صور مختلفة، فمنهم من يستخدم تقنية المسح الضوئي في إدخال الكتب كما هي ليتاح الكتاب للناس مهما كان وطنه ومهما كانت جنسيته، وهي تفيد الباحثين الذين يريدون أن يشاهدوا الكتاب في نسخته الأصلية أو الدوريات كما خرجت من منبعها. ومنهم من يتيح هذه المدونات بصورة نصية (Txt) كي تكون صغيرة الحجم يسهل البحث فيها عن المعلومة.
وكلتا الطريقتين مهمتان في إدخال ما تدونه البشرية في الماضي والحاضر والمستقبل، لكن هذا التدوين ترتبت عليه مشكلة صعوبة البحث عن المعلومة، وتلخيص المطول؛ فأحيانا يحتاج المرء لقراءة كم كبير في وقت قليل؛ فيلجأ إلى قراءة سريعة تتمثل في المقدمة أو الخاتمة والمحتوى أو حتى قراءة بداية الفقرات؛ لأخذ فكرة عامة عن الموضوع. ومن ثم نجد أن العلماء في كل عصر ومصر يقومون بصنع المختصرات للكتب الطويلة، فيأتون بخلاصة أفكارها مبتعدين عن التفصيلات الدقيقة والجزئية للأفكار الكلية، وقد يشوب هذه المختصرات غموض أحيانا إذا كتبت بلغة مكثفة صعبة فيأتي البعض ليشرح هذا المختصر ويجعله طويلا مرة أخرى، فمثلا الإمام السيوطي ألف كتابا في النحو يكون مختصرا لتعليم قواعد النحو واجتهد في اختزال هذا العلم إلى عبارات محكمة غاية الإحكام فألف كتاب (جمع الجوامع)، فوجد أن الطلاب يعانون من فهمه فقام بشرحه في كتاب أسماه (همع الهوامع في شرح جمع الجوامع) أي الدموع التي تنزل من العين وهو تعبير عما وجده من عنت أثناء تأليفه هذا الموجز في قواعد النحو.
وفي كل الفنون تقريبا نجد مطولات ومختصرات ففي الفقه المالكي نجد كتاب (مختصر خليل) وفي البلاغة نجد كتاب (التلخيص)، وهكذا.
وهذا التلخيص يعد قمة العمل العقلي؛ فهو يعبر عن وعي بالفكرة بحيث أصبح الملخص فاهما لفكرة ما يلخصه، فهما يجعله قادرا على أن يقول المختصر المفيد منها؛ فكلما اتسعت الفكرة دقت العبارة، فهل تستطيع التكنولوجيا أن تقوم بهذا العمل الآن على مستوى النصوص التي تحتاجها كثير من وسائل الإعلام مختصرة كنشرات الأخبار التي تحتاج إلى تلخيص يقوم به المحررون في وكالات الأنباء مقدمين الأهم على المهم سواء في الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء، أو على مستوى العمل الأكاديمي بتلخيص الكتب الموجودة على شبكة المعلومات، أو على المستوى المؤسسي بتلخيص التقارير لأرباب العمل الذين لا يتسع وقتهم لقراءة تقارير تفصيلية عن الأعمال، ويحتاجون إلى من يعطيهم الخلاصة عن هذا التقرير؟.
مشكلة كبرى تواجه تكنولوجيا المعلومات؛ لأن عليها أن تحاكي العقل البشري في الفهم أولا ثم في التعبير ثانيا، ومن ثم كان على الباحثين أن يجدوا حلا لهذه المشكلة لفائدتها العملية التي بيناها سابقا، فهي لم تعد ترفا فكريا، بل أصبحت مشروعا يوفر الطاقة والجهد والوقت.
وأعرض محاولة للباحث إبراهيم صبح الذي يعمل في تكنولوجيا المعلومات، ويتخصص في مجال التلخيص الآلي للنصوص العربية لأرى كيف سيتغلب على مشكلة العقل البشري في برنامجه الذي ما يزال تحت التطوير.
يذكر الباحث أن محاكاة العقل البشري أمر في غاية التعقيد، ومن ثم حاول أن يعلم الإجراءات التي يقوم بها البشر في تلخيص النصوص، فقام باستقراء لعينة من الناس على نص واحد وطلب منهم تلخيصه فوجد أن أغلبهم يركز على العنوان وقراءة الفقرات الأولى من المقال مثلا.
فقام بوضع معايير أكثر صرامة، فقام بحساب أكثر الكلمات تكررا في النص ثم بحساب الجمل الطويلة والفقرات الطويلة، ...إلخ مجموعة من الإجراءات يستطيع من خلالها أن يقوم بمعادلات رياضية تعينه على إخراج برنامج لتلخيص النصوص بطريقة آلية.
وبعد أن قام بتطبيق المعايير بدأ في مرحلة التقييم، حيث يعرض المقال على البرنامج ليلخصه، ثم يعرضه على عقل بشري ليلخصه أيضا، ويقارن بين التلخيص الآلي والتلخيص البشري، الذي تباين من شخص لآخر، ولكن بقيت على أية حال قواسم مشتركة بين التلخيص الآلي والتلخيص البشري يمكن أن تكون قاعدة لتطوير مثل هذه البرامج التي تحتاج إلى فريق ضخم من الباحثين لاستخراج قواعد التلخيص كاملة من العقل البشري ليتدرب عليها العقل الإلكتروني؛ فالنص باعتباره إبداع عقلي يتجدد مع قدرة هذا العقل على الإبداع؛ فهو لا يسير على وتيرة واحدة بل يتطور بتطور الإنسان في حياته.
إن آلية التلخيص الآلي لن تنجح إلا بقاعدة بيانات ضخمة من النصوص التي تحتاج إلى تمويل كبير، ومن ثم نجد بعض الموقع التي تهتم بهذه الفكرة تعرض ما توصلت إليه في برامجها التي تلخص النصوص آليا للمستخدمين حتى تلخص لهم ما يشاءون من نصوص تلخيصا آليا، وتتطلب منهم أن يبدو تعليقات على هذه النصوص إن أرادوا؛ وبذلك يجمعون قاعدة بيانات كبيرة من خلالها يستطيعون استخلاص قواعد التلخيص في العقل البشري كي يكون التلخيص الآلي أكثر دقة وإحكاما.