حقوق الإنسان العربي وأركون والعقل المعاصر
حقوق الإنسان العربي وأركون والعقل المعاصر
لولوة غازي
المقال الوحيد الذي لفت انتباهي هو( فلسطين في ويستمنستر.) في صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ 18 اكتوبر للكاتب عادل درويش والذي يثبت أن من خلال معرفته بدقائق اللغة الانجليزية وبقوانين البرلمان البريطاني الذي لم يعترف بتصويته بدولة فلسطينية وإنما بتبني حق الفلسطينيين في حالة قيام دولة .- ونحن هنا لسنا بصدد تأييد كلامه أو رفضه مع أنه هو الكلام الوحيد المتناسب مع الاعلام الغربي كل التناسب و غير المتسق مع التهليل العربي لكل خاطرة وفكرة- ,مجرد تصريح لا يلمح معه أي واقع عملي إيجابي على الارض العربية , هدفها إخراس المطالبة بأبسط حقوق هذا الانسان العربي .
لنتوقف قليلا ونتساءل عن كثب , ما الذي تعنيه كلمة حقوق الانسان عند الغرب ؟ وهل هناك فعلا حقوق انسان عند الغرب ؟ وهل نجد ان لحقوق الانسان معنى واضحا بالنسبة للوعي العربي والاسلامي المعاصر؟
بالطبع الإجابة الفورية على السؤال الاخير تجيب نفسها بنفسها , فحقوق الانسان العربي هي اكذوبة الاكاذيب , ليس لأن الاسلام في عمقه مضادا لفكرة حقوق الانسان, لا, بل لأن فكرة حقوق الانسان التي قد تتبناها بعض المناطق العربية هي غربية مئة بالمئة , ولا يصلح لنا استيرادها والعمل بها او صنع ما يشابهها .
فالأحداث الماضية تخبرنا أن المسيحية الغربية ورجال الدين المسيحي لديهم تاريخيا أسودا, وقفوا فيه ضد حقوق الانسان , وحقوق الانسان الحالية جاءت بعد صراع وجدل كبير مع الكنيسة وضدها , , وحروب قامت, ودماء سفكت باسم الدين منذ مائتي عام, لتظهر معها تلك الافكار البشرية التنويرية والحقوق القانونية . لذا حقوق الانسان في الغرب هي (جهد شخصي بحت) , نعم ,جهد شخصي بحت , قام بعد صراع حاد بين الفكر الديني المسيحي وبين العقل العلمي , بين حقوق الله, وبين حقوق الانسان.
,واستمر هذا الصراع وهذا الجهل قرونا وقرونا, حتى حصلت اوروبا بيدها على ما يسمى باستقلالية العقل عن الدين وقطع أية صلة بأي تصور ديني لا يتناسب مع العقل والفكر الاوروبي الحديث , وأصبحت حقوق الله قرارا شخصيا للإنسان, هو حر في اتخاذه او رفضه , وبالتالي أصبح العقل المعاصر الاوروبي نتاج عن إرادة الشعب ,لا إرادة قوة غيبية لا ترى ولا تحس بالشعب ومشاكله , كانت سدنتها هم الحكام الظالمون ورجال الدين الفاسدون .
إذا حقوق الانسان الغربية تطبق في مكانها وتفهم قيمتها في مجتمعها, فهي جزء عظيم من تاريخ أجداد ذلك الانسان ومفكريه الكبار والمخلدين, لذا لا يستطيع أي مجتمع عربي أو مسلم أخذ هذه الحقوق الإنسانية وتطبيقها أو حتى خياطتها على الثوب العربي الحالي الممزق صاحب الروائح الكريهة وغير المحببة للنفس البشرية
. ليخبرنا الواقع ان بعضا من مفكريه من لا يقف بجانب المجتمعات العربية بل ويتهمها بالتعصب الديني والجهل , ويلقي اللوم عليها وعلى عدم استطاعتها ارساء مبادئ حقوق الانسان . ليتعمق بعدها الفيلسوف الفرنسي الشهير محمد أركون في كتابه (أين هو الفكر الاسلامي المعاصر) في صلب هذه القضية وينقد قائلا: (آخر مرحلة من مراحل الصراع بين الاسلام/والغرب هي تلك التي نعيشها والمتعلقة بالخطاب الدائر بين الديمقراطية وحقوق الانسان ولا أحب ان أقيم التضاد بين الاسلام والغرب لأن الاسلام دين أما الغرب فهو مفهوم يدل على فضاء سياسي وثقافي محدد ) . فالغرب كما يعرف أنه صنع تاريخه الخاص كما أراد هو ووفقا لظروف قيمه وتراثه ومعاناته , وأنشأ معها حقوق الانسان التي هي الان بمثابة قوانينه البشرية المشرعة في دستور الجمهورية , حتى أن دراسة المستشرقين الغرب للعرب وتراثهم الاسلامي كان واضحا انهم لم يتعمقوا في التاريخ الاسلامي والعربي ولم يكونوا موضوعين منصفين , ولم يرشدوا العرب للطرق السليمة للدخول في عصر الحداثة الاوروبية , بل نجدهم كما جاء في كتاب اركون السابق, كانوا يتغنون بمزايا الأيديولوجيات الحاكمة لنيل لقب صديق العرب والاسلام , وألهوا الشعب بالمجاملات والممالأة والضحك على طيبته وعفويته ولم يساعدوه ليطرح أسئلة ويبني عقلا حقيقيا نافعا لأمته وتحديث الفكر العربي , وهو أخطر ما قاموا به.
إذا هل التحلي بالكم الهائل من هذه الحقوق الانسانية وتطبيق الكثير منها بنجاح على الأرض الاوروبية والغربية عامة , قد تسمح لأي مثقف غربي بأن يتحلى بالصفات الانسانية وتكون لديه الاستطاعة بأن يضع نفسه محل تلك المجتمعات العربية الحالية , وما تعانيه من ظروف الظلم والقهر والفساد والرشوة ؟ ,واذا غابت عنه هذه الفكرة أو عجز عن فعلها , لماذا لا ينظر الى مشاكل هذا العربي المسلم بنظرة تاريخية بحثية وموضوعية ولا ينشر احكاما مسبقة عن الدين الاسلامي والمسلمين الا بعد دراسة مستفيضة وتمحيص؟ بل ولماذا قد يسمح ولا ينتقد صناع قراره من مصافحة واللقاء مع الحكام والاحزاب الديكتاتورين الذين احتقروا شعوبهم وأهانوهم عقودا من الزمن؟
مع أن مفهوم المفكر الحقيقي في نظر الغرب هو (طبيب الحضارات ), ما عليه إلا تشخيص الأمراض الاجتماعية التي تنخر في عظام واحشاء مجتمعه والتي تظهر أعراضها في أوقات الازمات , فهو من يشخص ويفحص ويقدم حلولا , وأي خطأ في التشخيص قد يزيد من أمراض مجتمعه هذا ما أعلن عنه أركون في كتابه (آفاق مشرعة على الاسلام) والذي نفى فيه ان يكون الإسلام مضادا للفكر العلماني الفرنسي.
ليجرنا إلى :هل العقل الغربي الحديث أخفق إخفاقا كبيرا في الوقوف بجانب الشعوب الاخرى المقهورة والمطحونة؟
وهل هو من أنشأ هذا التضاد الفكري والتفاوت الكبير بين عالم القانون والحريات واللجوء الانساني وبين عالم العنف والارهاب الديني والطغيان منذ قضية سلمان رشدي المشهورة؟.
تساؤلات تطرح نفسها , ويؤكدها المفكر والمؤرخ الفرنسي فيرنان بردويل في احدى مقابلاته في جريدة الليموند الفرنسية , بأن الغرب لم يتح للمجتمعات الاخرى كالعربية ان تنج تاريخها الخاص بشكل يتناسب مع قيمها وتاريخها ولغتها ودينها ورغبته دوما ان يبقيها تتبع قيم الغرب وتبقى بذلك في مشاكلها وعقدها دون حلول تذكر.
لذا إن وجد في عالمنا العربي والاسلامي مفكرون غيورون عليهم خلق الوعي العام و إعادة التوازن الفكري ونظرة بشرية تبتعد عن التصور الديني التعصبي ووضع حلولا عملية تنبع من العقول العربية نفسها , مع الاستفادة والاطلاع على تجارب الشعوب الشبيهة بظروفنا كالشعوب الاسيوية مثلا وعدم الوقوع في فخ البؤس الفكري الذي يفرض عليهم أينما حلوا وارتحلوا.