أفعال الرسول بين البشرية والنبوية

د. نعيم محمد عبد الغني

[email protected]

سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – كما هو معروف تتمثل في كل ما يصدر عنه – عليه الصلاة والسلام – من قول أو فعل أو تقرير، وهذه السنة أمرنا الله باتباعها؛ فهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي مصداقا لآيات كثيرة منها (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

ولكن هل كل أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- ملزمة عملا بالقاعدة السابقة؟ أم أن من هذه الأفعال ما هو خاص ببشرية الرسول، فلنا فيه السعة في قبوله وأخذه، وأن من هذه الأفعال ما هو خاص بالوحي فليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه عملا بقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً

وهذا السؤال ترجع إثارته إلى عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- في غزو بدر عندما سأله الحباب بن المنذر قائلا: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي: بل هو الرأي والحرب والمكيدة؛ فأشار الصحابي بأن هذا المنزل ليس بمنزل واقترح عليهم أن ينزلوا ببئر بدر حتى يشرب المسلمون ولا يشرب الكفار، وكان رأيا أخذ النبي –صلى الله عليه وسلم- به.

وفي صلح الحديبية رضي النبي ببنود الصلح رغم غضب أصحابه، وقال: إنما أنا عبد الله ورسوله؛ فحالة الحرب في الموقفين تشير إلى أن النبي –صلى الله عليه وسلم- تصرف في الأولى ببشريته، والأخرى بنبوته، وربما يكون هذا معينا على فهم قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ).

وقد تناول الأصوليون هذه المسألة بالتفصيل منهم أبو بكر الجصاص الذي يقول في كتابه أحكام القرآن: "وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليست فرضا إلا ما كان منها بيانا لأمر فهو حينئذ أمر، لكن التأسي به عليه السلام فيها حسن".

فكلام الجصاص فيه تفريق بين بشرية الرسول ونبوته ومن ثم نرى العلماء يقسمون أفعال الرسول أقساما عديدة أرجعها بعضهم إلى عشرة أقسام منها:

أ ـ الأفعال الجبلية التي يقوم بها الرسول صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّم- كالقيام والقعود والأكل والشرب، فهذه لا نزاع في أنها على الإباحة له ولأمته، ولا يجب علينا التأسي والاقتداء به في هذا النوع من الأفعال، وهذا هو مذهب الجمهور إلا ما حث عليه الرسول من هذه الأفعال سواء بفعله أو قوله مثل النوم على الشق الأيمن.

ب ـ الأفعال التي ثبت أنها من خصائص النبي صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّم- كإباحة الوصال في الصيام، وزواجه بأكثر من أربع.

جـ ـ الأفعال التي يقصد بها التشريع، فهذه يطالب المسلم بأن يتأسى ويقتدي بها، غير أن صفتها الشرعية تختلف بحسب الوجوب أو الندب أو الإباحة، فهناك أفعال نبوية تدخل في باب الوجوب وأخرى تدخل في باب الندب أو الإباحة، وهي درجات في الحكم الشرعي، لأن السنة مصدر ثان من مصادر التشريع الإسلامي، وهذه مسائل أصولية تحتاج إلى بسط وتفصيل وشرح وتحليل قد نتعرض له في مقال سابق إن شاء الله.