يوم صار لليهود دولة

عبد الرحمن عبد الله

عائدون يا ثرى الأنبياء

عبد الرحمن عبد الله /الناصرة

أبو العلاء

[email protected]

اثنان وستون عاماً ونحن نُسافر في المأساة، نُسافر من وطن لوطن ومن أرض لأرض ومن سماء لسماء نلتقي الشعوب والأمم، نُسافر نحمل قضيتنا ونحمل أحلام العودة، فإن كل غريب يعود وكل مهاجر يعود وكل سمك (سلمون) يعود رغم رحلة الموت، وكل طير يعود، فليس أغلى من الأوطان وليس أعز من الحياة في الوطن، ولو كانت الغربـة ذهباً أسـود أو أصفر، ولو كانت الغربـة جنـة أو ضرباً من الخيال فإن الوطن أصل وطعم الحياة.

يوم صار لليهود وطن صار لنا كفن، يوم أصبح هؤلاء مواطنون أصبحنا لاجئين في بقاع الأرض وأسقاعها، يتآمر علينا العملاء والأعداء وحتى بعض الأهل والأحبة والأشقاء يتمتعون بآلامنا ويتلذذون بقصص الشقاء. تُعاودنا ذكرى النكبة وقوافل المهجرين ومفاتيح الديار والكواشين التي عفا عنها الزمن تأنُ في أدراج المكاتب والخزائن وفي الصدور لكنها لم تستلم ولم تفقد صبرها وحُلمها بالعودة يوماً...

والذكريات نهر شديد الاندفاع ولهيب الشوق والحنين يحرق الوجدان والقلوب ليقول: "عائدون يا ثرى الأنبياء، سنوات طوال مرّت على نكبة شعبنا ونحن مرابطون في أرضنا وقوفاً كالشجر شمماً كالجبال الراسيات لا نلين ولا نستسلم رغم كل المخططات والمؤامرات والخيانات، رغم السنوات الطوال التي مرّت تلقينا الضربات تلو الضربات، تكسرت السهام على السهام وأشفقت علينا بعض شعوب الأرض وأخرى تآمرت على قضيتنا ومعالم سكين الأمريكان والإنكليز على أعناق شعبنا وقضيتنا، في حين وقفت بعض الشعوب منا موقف المتفرج الحيران حزناً أو اندهاشاً أو إعجاباً، لكن هذا الوضع لم يمنع ثُلة من شعوب الأرض، ثُلة من الشرفاء الأحرار أن ينظروا بعين الإعجاب والتقدير والنصرة لصمودنا ومقاومتنا، ورفضنا الذل والاستكانة ورفضنا برامج "الأسرلة" ولم نهضم أو تُمرر علينا السياسات البراقة ولا زاغت أبصارنا من ذهبهم الأصفر وإنما زادتنا عِزة وإباء، وأعلنا بصوت عالٍ وبيقينٍ خالصٍ حكمة المختار وهو يُقارع المحتل الإيطالي: "الضربـة التي لا تقسـم ظهرك تقويـه"! نعم عشنا النكبة والنكسة والمجازر والتطهير العرقي فما زادتنا هذه الضربات إلا ثباتاً وصلابة وتمسكاً بحق العودة وبالثبات على أرضنا.

لقد اثبت شعبنا الفلسطيني رغم كل ما مرَّ عليه أنه لا يتنازل عن حقه ولا يُساوم ولا يبيع وطنه ولا يخون، وفي غزه شاهد ودليل، أيام الحرب والعدوان الآثم عليها يوم فتح معبر رفح فدخل من كان في الجانب المصري إلى غزة رغم الموت والدمار والحرب الضروس ولم يخرج أحد من غزة هرباً إلى مصر ولسان حالهم يقول: "أشرف ألف مرة أن أموت شهداً أو أعيش سعيداً في وطني وعلى ترابه وبين الأهل والأحبة من أن أعيش ذليلاً أحمل نعشي قسراً بيدي، أشرف ألف مرة أن أبني بيت الطين وآكل الخبز والملح وأكون في وطني شامة بين الأمم من أن أُهاجر أو أُغادر أو أخون، فلا السجن يُرعبني ولا التعذيب يكسرني ولا النفي يُخيفني ولا الأموال تُغريني ولا الموت يمنعني من ترديد فلسطيني وعطري مسك الشهداء يضوع في سماء فلسطين ينتقل عبر الفضاء وعبر الأثير مع حكايات جداتنا الصابرات وهن يحكينَ الحكاية وأجدادنا الكرام يُسطرون السيرة والبداية يهدون براعم المستقبل مشاعل تكميل المشوار حتى النهاية لأن الليل مهما طال لا بد من طلوع الفجر ولكل بداية نهاية ونهاية الظلم وخيمة مهما أربد وأزبد وعربد.