في ذكرى النكبة كم نحن بحاجة للماغوط

ليلى زيرق

[email protected]

تتزامن ذكرى نكبتنا العربية الستينية  بشهر وأربع سنوات لرحيل الكاتب المشحون بالوطن محمد الماغوط.

 من المؤكد أن هناك روابط موثوقة بين الوطن والنكبة والماغوط فكلهم في فلك "القهر"يسبحون

فقد عاش ومات وهو يحاول فهم علامات الاستفهام والتعجب التي تراود هذا الوطن عن نفسه وعن مواطنيه.

قائلا:"لا يوجد عند العرب شيء متماسك منذ بدء الخليقة..سوى القهر" وللقهر مشتقات أيضا،والنكبة هي ابنته الكبرى التي شاخت فوق أحلامنا العربية.

صرخ الماغوط في سجن الوطن العربي بلا صوت  و انكسر كأس  الوطن وحرقت ضيعة تشرين وإذ بحنجرته تنتحر خارج السرب,

وكم ناح وباح في كل ما كتب وبكل سيجارة دخنته آلام الوطن وغربته وسجنه

هو بحق صوت النكبة الذي غاب عنها منذ سنوات ومازالت النكبة تكبر يوما بعد سنة ،ولكاتبنا عدة مسرحيات انتقدت الحال المزري للعرب وحاولت علاجه لكن سياف الزهور كان أقوى من كلمة الحق فلم تنشر وبقيت صدى فوق خشبات المسرح لتتحول بعد ذلك لأرشيف التلفزيون المنسي.

رحل عنا الماغوط وفي حنجرته كلمة السر للوطن الذي يبحث عنه،قائلا في ديوانه البدي الأحمر"ارتجال وطن"حلمي القديم:

وطن محتل أحرره،،أو ضائع أعثر عليه

حدوده تقتصر وتطول حسب مساحته وعدد سكانه وأنهاره ونشاط عصافيره

والمغتربين من أبنائه،والعابرين في طرقاته

والمزودين بالوقود في أجوائه

وطن حيث يشرب المارة ويشفى المرضى

وتزهر الأشجار العارية حتى قبل وصول الربيع إليها,,ولكن الربيع أتى وعرى الناس من وطنهم !!!

مازلنا "البدون" - رغم احتفالاتنا كل عام باستقلالنا الوهمي- بين حدود رسمت  بالدماء والرصاص، لتفرق بين شرقستاننا وغربستاننا ونضيع الأوراق والهوية،ومازلنا لقرون نبحث عن قبلة فيها وجه الله لنصلي على موتانا.

فالنكبة التي نحتفل بها هذه الأيام وقلوبنا شاحبة من الأمل في تحقيق النصر القريب،ليست مفردة

في مرارة الواقع هناك عدة نكبات فضلنا الله بها عن سائر خلقه"والحمد لله الذي فضلنا على كثير مما خلق تفضيلا"

نكبة إنشاء دولة إسرائيل فوق ارض فلسطين وتهجير أهلها والرمي بمصائرهم نحو التشرد

وفي جعبتنا العديد منها فعندنا نكبة الأرض ونكبة السياسة وأخرى للتعليم والإعلام والفن وحتى في لقمة العيش فنحن منكوبون,

نحن الأمة الوحيدة التي تستثمر في النكبات عبر الزمن

ونحن الأمة التي لم تسبقها امة في التطور نحو الخلف،حتى الماغوط محتار فيها "كنت أود أن اكتب شيئا,,عن الاستعمار,,عن بلادي التي تسير كالريح نحو الوراء,,"

ونحن ولا شك الأمة الوحيدة التي تحتفل بعيد ميلاد الخوف وبلوغ الجوع الفطام وتحتفل بالقهر والتشرد والتهجير والسجون السرية وتشديد الحدود كل عام

كل الأمم تكتب بالقلم وتتحدث باللسان وتحارب بالدبابة إلا نحن فإننا نكتب ونتكلم ونحارب بصمت القمم العربية

اثنا وستون عاما ونحن نطرق بابا لوطن ما عاد لنا

اثنا وستون ونحن نغلق شبابيك الأمل ونحفر القبور للموتى

اثنا وستون ونحن ننتظر صلاح أو رسالة منه

اثنا وستون ومازلنا نتوعد إسرائيل بالتمائم والأبراج والبخور بأننا سننتصر

ولم تمطر السماء نصرا حتى الآن،،ومازلنا نحتفل بالنكبة،،وكل نكبة ونحن عرب

مات الماغوط ولم يتحرر شبر من الجولان ولم تعد فلسطين لأهلها،,ولسنا نرى أي بوادر للأمل في الأفق بشان القضية ،ولم يبق من يدخن بشراهة لقضايانا.