علمانية اللاعلماني في إسرائيل
تلك الدولة العنصرية...
علمانية اللاعلماني في إسرائيل
د.صالحة رحوتي
[email protected]
و يمم الفلسطينيون مرة أخرى شطر القبلة كما فعلوا مرارا من أجل استجداء حل ما...
رحلوا وهم الفارغون...المجردون من كل شيء سوى أمل كاذب، و فكر تائه، و وهم متناهي
العزمات راغب في إيصالهم إلى لجة النفق المسدود...
رحلوا إلى هنالك وهم ما عرفوا بعد كيف يمكن أن يكون الإنسان ذا هوية حتى يستجمع منه
ذرات الذات، لتلتف تلكم الذرات حول الهدف فلا تخطئه...ثم و لا تمرق بإزائه و هي
الجاهلة بكنهه فلا تراه و لا تبصره...
و شتان بينهم و بين من حطوا هنالك من أجل التفاوض معهم و تجوس فيهم زخات من ماض
قديم قدم التاريخ تؤجج فيهم تلك الهوية، و حتى تفاقم منها الكيان، حد ما يعود هنالك
في حناياهم من مساحة للشك و لا لليأس و لا للتردد...
إنها هي الدولة اليهودية التي أشعلت منها مجرد الفكرة ـ وهي غير الموجودة آنذاك على
أرض الواقع ـ جذوة السير نحو تحقيقها في قلوب المهاجرين المتنادين الناسلين نحو أرض
الميعاد...و إنها هي الحلم الذي تحقق الآن، و تألق بتحقيقه الألق،ثم و انتشى نياشين
على صدره هو الذاهب إلى هنالك...أولمرت...ذلك الذي نطق بذلك و يملأه الفخار...
فبماذا يمكن أن يفخر عباس في المقابل ؟؟؟
أو يمكن أن يقول أنه يريد الدولة الإسلامية ناسجا على نول النسبة إلى الدين
كأولمرت؟؟؟
أ و يمكن أن يصرح بذلك و هو الذي عُلِْم أن الدين لا يسوس إلا الأرواح في دور
العبادة...و أن الدنيا لا يسوسها إلا البشر و القوانين؟
أ و يمكن أن يفعل هو و قبيله و هو الذي تشرب العلمانية و انتشى بها حتى النخاع و حد
التنكر للدين؟؟؟
قال ذلك متبجحا هو أولمرت..."الدولة اليهودية"... و حين صعق الفلسطينيون و تفاجأ
العرب...و انصدموا هم القوميون العرب العلمانيون...خاف عليهم أولمرت من حدة الصعقة
فخفف الوطء، و اكتفى بالحديث عن الوطن القومي لليهود...
و عن أية قومية يتحدث؟
القومية متعلقة بالعرق و الأرومة و الجنس و لا علاقة لها بالدين...
فأي قومية يمكن أن تجمع بين يهود إسرائيل...فيهم اليمنى قومية و العراقي و المغربي
و الإثيوبي الفلاشي و الاسباني و الألماني....و الروسي...و و و و
إذ من كل قوميات العالم ربما قد يكون هنالك من اعتنق أجداده اليهودية في عصر من
العصور...ثم و هاجر هو شخصيا أو آباءه أو أجداده إلى فلسطين حين تم التنادي بضرورة
الهجرة إلى "أرض الميعاد" لتكوين دولة إسرائيل...
أهي القومية يمكن أن تكون اليهودية أي الدين اليهودي...؟؟
على هذا يمكن القول بالقومية الإسلامية و بالقومية المسيحية و بتلك البوذية وهلم
جرا....!!!
و حين جواز الحديث عن القومية الإسلامية... يمكن التسليم بأن تجمع تلك الرابطة بين
ماليزي و فلسطيني على سبيل المثال...
لكنه من المؤكد أن القوميين الفلسطينيين لا يمكن أن يقبلوا بانضمام ماليزي إلى
حظيرة قوميتهم، إذ هي القومية العربية ما يدعون...و هي مبنية على الانتماء الإثني
الأرومي...أي هي المؤسسة على الانتماء بالوراثة إلى الجنس العربي...
هو الشرخ إذا موجود بينما يصنف به أنفسهم الإسرائيليون من أدوات، و بين تلك التي
يستعملها في ذات الهدف الفلسطينيون...
ينسب اولمرت نفسه إلى دين يتسع لكي يشمل كل العالم إن احتسب الشتات ...و ينسب عباس
نفسه إلى بقعة من أرض لا يزال لا يملك مفاتيح فعلية و لو لذرة تراب منها....
ألست مفارقة صادمة و تتبدى في حجم الموقع الذي وضع كل واحد منهما فيه نفسه و قبيله...
إذ حتى تلك القومية العربية ـ و التي لا يمكن مقارنتها باليهودية لأن مقابل القومية
اليهودية هو القومية الإسلامية إن كان الاصطلاح الجديد يسمح بهذا ـ تلك المقزمة
للهوية الفلسطينية أصلا لم تعد الكائنة و الموجودة...إذ فك العرب ارتباطهم بها، و
ما حضروا مختبئين في أنابوليس إلا خوفا من عواقب عدم الاستجابة لطلب السيد
المطاع...
و لعل لهم الحق في فك الارتباط بهم هم بقية العرب... إذ لا يمكن أن يكونوا أكثر
فلسطينية من الفلسطينيين، أولائك الذين تولوا أمرهم بأنفسهم في مواجهة إسرائيل، و
التي لربما صدموا الآن ـ لفرط سذاجتهم ـ حين علموا أنها دولة دينية يهودية...أي وطن
كل اليهود !!!
أحزاب يسارية و شيوعية تنتثر هنالك في عمق إسرائيل، وهُيئت هياكلها و مؤسساتها من
أجل التغرير بالمثقفين من الفلسطينيين عن طريق نثر بذار العلمانية في عقولهم، و
بتوسل غرس فسائل تقزيم أو حتى نبذ الدين في حناياهم!!!
و مثقفون خريجو تلكم المؤسسات الفكرية يتبجحون بتضامن "اليسار الإسرائيلي" معهم من
أجل الاعتراف بحقهم في فتات الوطن...ثم و هم على الدوام يصرحون بأنهم هم أهل اليسار
الإسرائيلي أولائك علمانيون كمثلهم و يرفضون التصور الديني و يغالبون التطرف
الحاخامي...
و ينسون أن تواجد الإسرائيلي العلماني على أرض فلسطين دليل على عدم علمانيته، بل هو
الدليل القاطع على تدينه!
إذ ما يربطه بأرض لم يكن لأجداده وجود فيها، بل ما أتوها ـ أو ما أتاها هو شخصيا ـ
إلا تلبية لنداء التوراة المبشر برضا الرب عن شعبه المختار الطيع لأوامره...
هو المتدين إذا! و اليهودي حتما!
إذ هو المطبق لتعاليم اليهودية و المستجيب لنداء الصهيونية المضمخ بالدين...
إذ لما هو يريد التضامن مع الفلسطينيين و يجعجع حول حقوقهم و "يناضل" من أجل رفح
الحيف عليهم، فلماذا ما يزال المتواجد على أرضهم، و هو يعلم أنه ما كانت له الجذور
فيها، و أنه الوافد إليها من بلد بعيد؟؟؟
إذ تكفه الهجرة عنها هو و أمثاله من تلك "الفلسطين" لكي يكفوا أهلها شر تواجدهم و
بلية غصبهم و دنس مستوطناتهم!!!
"علمانية" واهية للتغرير!!و تتبدى من تحتها هي الغلالة الرقيقة أقمصة الدين...لكنها
بالرغم من ذلك أقنعت الفلسطنيين ...إذ ما بدت لهم صروح العقيدة اليهودية تبنى
هياكلها في صمت بل و حتى في جلبة في نفوس الإسرائيليين...
تُرفع اللبنات... ثم و الأسوار ارتفعت بذلك متسامقة لتجأر الآن في أنا بوليس بالقول
على لسان أولمرت...إسرائيل دولة يهودية...يهودية نعم...إذ هي الدولة الدينية
بامتياز !و الوحيدة التي يسمح لها بأن تصرح بلبوسها لبوس الدين دون خوف و لا وجل من
إلباسها تهمة الإرهاب و التطرف و الرجعية و الظلامية.
لا بد و أنه الصدى من هذا التصريح من أولمرت يجب أن يبقى المتواجد المتواتر و
المزلزل لكيانات أدمغة القادة الفلسطينيين و على رأسهم "الرئيس" ،ذلك الذي لا بد و
يعي تداعيات عمق الانتماء و رسوخه على مسارات الأحداث و صيرورتها...
إذ إذا استصرخ أولمرت اليهود لإنجاد وطنهم...أو يمكن أن يغالبه هو الرئيس عباس حين
استصراخ حفنة من الفلسطينيين الجائعين الخائفين التائهين السجناء داخل حدود خطت و
رسمت لهم...
هم اليهود فئة قليلة في إسرائيل، و فئة كثيرة في العالم أجمع، ثم و هم أسياد العالم
ساسة و رجال أعمال و علماء، و إذ يعيشون بالأجساد في بلدان الشتات، تعيش قلوبهم و
عقولهم في وطنهم اليهودي الذي هيأوه بجهودهم المتكاملة و بتعاضدهم المميز عبر
السنين....
فهنيئا لهم الدولة...و هنيئا لنا الصدمة...فعسى أن نعي كنه الهوية و نكون من
المستفيقين!!