الماسونية تاريخ غامض وفكر مضطرب
د. نعيم محمد عبد الغني
في الفترة الراهنة تبعث بعض الأفكار الهدامة من أجداثها؛ لإفساد الحرث والنسل، ويقفون مدافعين بشراسة؛ دفاعاً عن باطلهم بحديث يتقطر إحساسا بالظلم، وبأن المجتمع متشدد في حجره على أفكارهم، وذلك مثل البهائية التي يطالب أنصارها بالاعتراف بهم على المستوى الشعبي والرسمي والماسونية التي يحاول البعض في هذه الأيام أن يحي مبادئها وأن يزرع أفكارها لدى العوام؛ تمهيدا لاستخدامها سلاحا ضد العرب والمسلمين، ككتاب (الماسونية أو العودة للجذور الذي صادره الأزهر في مصر عام 2007م ؛ حيث إن مؤلفه حاول أن يروج للفكر الماسوني من خارج مصر وسب فيه الأنبياء ووصف الرسول فيه بالثائر وأنه لم يكيف نفسه بعبادة الأصنام مع قومه...إلخ الإساءات المختلفة للإسلام. ومن ثم فبات التعريف بهذه الأفكار من باب معرفة السم اتقاء لشره.
والماسونية كلمة فرنسية تعني البناء، وهذا المعنى اللغوي كان منطلقا لتتبع تاريخٍ غامض لم يتفق فيه المؤرخون على كلمة سواء، حتى الماسنيون أنفسهم لا يعرفون لها تاريخاً، وهذا ما يقرره جرجي زيدان في كتابه "تاريخ الماسونية العام"، وحنا أبي راشد في: "دائرة معارف ماسونية" فيذكران آراء مختلفة تجعلهم يعترفون بغموض هذا التاريخ وضبابيته؛ فمن قائل بأنها حركة نشأت قبل الميلاد ومنهم من قرنها بالسيد المسيح، ومنهم من أرجعها إلى سيدنا سليمان وبناء الهيكل ومنهم من بالغ فأرجعها إلى إبراهيم عليه السلام أو إلى آدم عليه السلام بل تمادى بعضهم في المبالغة وقال إن الله أسسها في جنة عدن.
وحول هذه الأقوال المضطربة تجد قصصا طريفة؛ فالذين يقولون بأن مرجعها إلى سيدنا إبراهيم يذكرون بأنه جمع ثلة من عاملي البناء لهدم الأصنام ولذلك فهي حركة معمارية بنائية، والأطرف من ذلك أن أحد الماسونيين الذين أرخو للماسونية وأرجعوا نشأتها إلى بناء هيكل سليمان قال بأن هذه النشأة كانت أسطورة من أساطير الحقيقة، وأن الحقيقة بعثت الفكرة في هيكل سليمان، فاقترنت بالعمل، تلك الفكرة التي هي حكمة ولدت في الهيكل للاحتفاظ بسرية البناء ثم أصبحت بفضل الحكيم سليمان عقيدة عمرانية توارثها أهل البناء منذ العهد الفينيقي الذين حافظوا على سرية البناء.
وهذه الأقوال – بغض النظر عن سذاجتها- فإنها تمثل نوعا من الاضطراب الفكري؛ فأصحابها يناقضون أنفسهم في الكلام؛ فالحق أبلج والباطل لجلج؛ إذ كيف تكون الأسطورة حقيقة؟! بل كيف يجمع سيدنا إبراهيم عمال البناء لهدم التماثيل، وعملية الهدم لا تحتاج إلى مهارة وعناء، بل كيف يزعمون أنها حركة تهدف إلى العمار ويستمدون وجودها من حدث كان الهدم فيه بطل القصة.
إن الآراء التي اختلفت في نشأة الماسونية اتفقت في أهدافها مع الصهيونية العالمية التي تحاول أن تقول إن الصهيونيين هم شعب الله المختار وهي فكرة تشبه الرأي القائل بأن الماسونية مستمدة من الله وإنها قادمة من الجنة أو ربطها بهيكل سليمان أو بإبراهيم الخليل أو المسيح عليهما السلام. ويؤكد ذلك أن المحافل الماسونية التي بدأت في بريطانيا عام 1717 وأقرّ دستورها سنة 1723، فيما يعرف بالطقس الأسكتلندي الماسوني، ثم فرنسا سنة 1773، وبدأت بعدها تنتشر في العالم كله في حقبة الاستعمار خصوصا؛ مما جعل الأزهر الشريف عام 1978م يحذر منها ويحرم الانتساب إليها، ويكشف عن الأندية التابعة التي تتخذ أسماء أخرى للتمويه لها كنادي الروتاري والليونز؛ لأنها منظمات ذات فكر هدام، وهذا ما فعله المجمع الفقهي بمكة المكرمة عام 1985م.
ومما يزيد في تأكيد أن الماسونية تتصل بالصهيونية أن الذي ينتسب إلى أحد أنديتها كنادي ليونز يقسم على العهد القديم ويلف رأسه بعصابة سوداء ثم يجلس على كرسي ويلتف حوله أربعة يحملون سيوفا.
وواضح أن هذا الطقس يأخذ طابع العدوانية بحمله السيف مقرونا بالكتاب المقدس؛ مما يوحي بأن الحرب الصهيونية على العرب والمسلمين هي مقدسة وأن الداعمين لها من الغرب هم من معتنقي الفكر الماسوني وهذا ما صرح به جورج بوش عندما صرح بعودة الحروب الصليبية مرة أخرى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
إن الفكر الماسوني وإن تستر بشعارات الإخاء والمساواة والمواساة تحت غطاء أنشطة اجتماعية مختلفة، ورغم أن العهد القديم يعتبر كتابا يقسم عليه من أراد الانتساب إلى الماسونية إلا أن الماسونيين أنفسهم يقرون بأنهم لا يحترمون الشرائع ولا الشعائر ففي قول أحد قادتهم: " الماسونية لا تتقيد بدين، ولا تتحيز لأحد. . . فكل ماسوني ...حر، لا يتقيد إلا بضميره ومبدئه، الذي هو في الواقع دينه وعقيدته" ومن ثم فالماسوني كلما بالغ في ازدراء الأديان كلما بلغ درجة عالية؛ فكمال أتاتورك الذي حاول أن يهدم شرائع الدين الإسلامي في تركيا، وحاول أن يخرج تركيا عن الدين الإسلامي يحتل مرتبة عالية عند الماسونيين الذين يمجدونه ويقدسونه ويقولون عنه: "عظيم عظمائنا".
إن ملف الماسونية والصهيونية في ظل الحملة المكثفة على كافة المستويات للتطبيع مع إسرائيل، وفي ظل ازدراء الأديان الذي أصبح أكثر من ذي قبل يجعل على المفكرين وقادة الرأي أن يعيدوا فتحه؛ ليصنفوا أتباعه ويميزوه؛ حتى يعرف العرب والمسلمون أعداءهم؛ فيأخذوا حذرهم ويعدوا عدتهم.