أما آن للمارد المسلم أن يصحو من كبوته ؟
م. محمد حسن فقيه
إن المصيبة عظيمة وإن الكارثة مخيفة وإن المؤامرة خطيرة وإن الأمر لجلل ، ونحن نصاب بالرزئ تلو الآخر، نتيجة ما يدبر من مكر وكيد وما ينظم ويبرمج من مخططات لتقتيت المسلمين وإخراجهم من دينهم ، وإبعادهم عن شريعتهم من قبل أعدائهم إن استطاعوا .
"ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " .
لقد أوغر صدورهم الحسد المقيت ، وحرك نفوسهم المريضة التعصب الذميم ، بعد أن هالهم حقيقة الإسلام الناصعة وفتوحاته الرحيمة الواسعة ، وماضيه المشرق المجيد ، فتنادوا جميعا مسرعين ليقفوا معا صفا واحدا ضد هذا المارد العملاق ، متناسين كل ما بينهم من خلافات وعداوة وحروب باردة ، إذ أن الصراع الكبيروالخلاف المستطيربين اليمين واليسار ، أو بين الشرق والغرب يزول كليا ويختفي ، وتتفق وجهات النظر ، وتلتقي الآراء معا في هدف مشترك وخط واحد ضد الإسلام ، وقد اتفقت جميع الفئات المتباينة والمتصارعة فيما بينها على المؤامرة ضد الإسلام ، فإلى متى سيبقى المسلمون يعيشون حياة الفرقة والشقاق والعدواة والأحقاد والبغضاء والضغينة والقطيعة ، وهم يغطون في غمرات الجهل والتخلف ، ويعيشون عالة على الآخرين وعندهم من الخيرات والكنوز ما يغمرهم ويزيد أضعافا عن احتياجاتهم ، ولديهم تاريخهم العريق ، وحضارتهم القديمة ، والقواسم المشتركة الكثيرة بينهم والتي لا تتوفر عندغيرهم من الحضارات والأمم الأخرى ، ومع ذلك فإننا نرى الشيوعية تقود قسما منهم تحت شعار العدالة الإجتماعية ، أو الإسلوماركسية ، أو اشتراكبة الإسلام ؟ ! وتقود الصليبية قسما آخر وفئات أخرى منهم تحت العلمانية والحداثة والتحديث والعولمة ، وما تفرع عنها من أحزاب زرعوها بأيدي أبناء جلدتنا ، وتعهدوها بالعناية والإهتمام والرعاية لتحارب الله ورسوله على أرضنا وبين ظهرانينا ، أوتحت ذريعة إرساء الحرية ، وتأسيس الدولة الديموقراطية.
وتقود بعضهم الآخر اليهودية والصهيونية ، حينا تحت رداء الماسونية ومحافلها المتعددة كالروتاري والليونز والأندهول و... غيرها أو تحت أغطية أخرى من التحلل والفساد والتهتك والرذيلة باسم الحرية والمدنية والموضة ، أو متطلبات العصر ومجاراة الواقع ، أو هاتيك السلسلة من هذه الشعارات المزيفة ، التي يرفع لها واجهة براقة فيغرون بها الدهماء ويخدعون البسطاء ليعدوا خلف سراب كاذب .
ولو نظرت إلى هذه الفئات والأحزاب بعين الواقع والمنطق ، لوجدت بينها تضاربا وتخبطا واعوجاحا ومصادمة للفطرة البشرية والسنن الكونية ، لأنها غرسة دخيلة وبدعة مصطنعة ولعبة تراد .
فترى بعض حكومات الشعوب المسلمة قد استوردت القومية من الغرب ونسجت منها وحاكت ما يلائم مصلحتها ويحقق أهواءها ، متجاهلين أو متناسين أسباب ودواعي القومية في أوربا ، فيلبسون البرنيطة فوق الثوب "الكلابية" ، ثم تجدها بعد ذلك ، أو دولا أخرى من جاراتها ، قد ارتيطت مع الشرق ونظامه الشيوعي باتفاقيات ومعاهدات ، وذلك مما يختلف ويتعارض مع فكرة القومية ويحاربها بضراوة وينادي بالأممية ، والأعجب أنك ترى هؤلاء الذين لبسوا الشال فوق "المايوه" ! يزعمون العمل للإسلام ونصرته !
ومع أن كلا هذين النظامين المتجاورين يستقي من مورد واحد ويسيران في نفس القارب ، تجدهم متناحرين متصارعين مختلفين ، ولكل منهم آراءه ومواقفه التي تختلف عن الآخر اختلافا بينا ، وهم لا يفترون عن الحرب الإعلامية الشرسة واتهام كل منهما للأخر بالإمبريالية والعمالة ! وطالما كشف كل منهم عن محاولات التخريب داخل بلده من قبل النظام الجار الآخر والتآمر على قلبه وتغييره .
أو وقعت بينهما حروب مدمرة زهقت أرواح الآلاف وكلفت المليارات ودمرت البلاد والعباد ، وصاحب القارب يراقب الموقف عن كثب وهو يغرق في ضحك فاجر، وسخرية مرة وهو يراقب أحلامه العذبة وآماله المنشودة تتحقق أمام ناظريه .
والمضحك في الأمر- وشر البلية ما يضحك - أنك تجد هؤلاء وهم يجارون الغرب الصليبي تارة أو الشرق الشيوعي تارة أخرى يزعمون الإسلام ، ويدعون ذلك بكل صراحة وقحة ، وأبناء المسلمين مكبلون قي أقبيتهم ويسامون الخسف والهوان من جلاديهم ، ظانين أنهم بدعواهم الباطلة وأحاجيهم المزيفة سوف يغيرون من حقيقة الإسلام البلجاء ويغتر بهم المسلمون .
ولا تكمن المصيبة وحجمها في دعوى هؤلاء فقد أدعى من هو أسوء منهم إمارة المؤمنين أو ولاة الأمر، بل وادعى آخرون النبوة ، ولكن المصيبة أنك تجد من الناس من يصدق ذلك ويهتف له ويصفق ، لتحقيق هوى زائل وشهوة ساقطة .
فمتى سيصحو المسلمون من سباتهم وينتفض هذا المارد العملاق – الإسلام – من خدره وقد طال رقاده ، ليعلم أن المؤامرة لا تدور إلا عليه .
أما آن للمسلمين أن يعوا حقيقة ما يدبر حولهم ويعلموا أن دولة بني صهيون أبناء التيه والضلال وأتباع السامري ، ما أثبتت وجودها وثبتت ركائزها في أرضهم ، إلا تحت شعار القدسية لذلك الدين المحرف ، وأن الصليبية الحاقدة ، ما جمعت جموعها وحشدت صفوفها ضد المسلمين وغزت بلادنا بوحشبة فريدة وإجرام قل نظيره في التاريخ ، إلا تحت لواء الصليب المفترى ، وأن الإستعمار الأوربي لم يكن إلا ستارا لحروب الصليبية ثانية ، حتى امتد الأمر إلى عصرنا الحديث وقد نادى بها أحمقهم بوش ومن يصطف من خلفه جميع اليمين الصليبي المتصهين ، بعد أن خرج عن حدود المجاملات والدبلوماسية ليعلنها صراحة بكل صفاقة ووقاحة ، بأنها حرب صليبية جديدة ، وللأسف فإن بعض حكومات هذه الشعوب المسلمة قد وقفت معه ودعمته ، بل وتندرت وتبجحت بذلك في شتى وسائل الإعلام .
أما آن للمسلمين أن يفهموا سرخلافاتهم وشقاقهم وفرقتهم ، ويتجاوزوا أولئك الشياطين ومخططاتهم الماكرة والذين يتخذونهم أسيادا لهم .
أما آن لهم أن يعلموا أنه لا خلاص لهذه الأمة إلا بما سار عليه أجدادها من قبل ، حجة الإسلام الواضحة ، ونهجه القويم ، وتعليماته السماوية العادلة ، وطريقه المستقيم .
أما آن لهم أن يعو زيف تلك الأفكارالغريبة والمبادئ الهدامة والدخيلة على أمتنا ، ويسارعوا متحدين جميعا لنبذها ، والعمل بجد وعزيمة لرفعة ومجد هذا الدين ، وينضووا تحت ظل الإسلام الخالد ، لينطلق هذا المارد من جديد من تحت الرماد ويصحو من كبوته ، بعد أن طال رقاده في قمقمه ، لينير الطريق للانسانية ، ويهديها إلى الحق ، ويمتد خيره وينتشر في الأرض قاطبة ، ويعم نوره وهديه السماوي في أرجاء المعمورة على الجميع .