بإمكان العصافير مقاومة النسور

الشيخ خالد مهنا

[email protected]

رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية ..

رئيس الحركة الإسلامية في ام الفحم

كما أن لكل إنسان نقاط ضعفٍ كثيرة فإن له كذلك وإن كان هزيلاً وضعيفاً نقاط قوة فيه، وهذه الصفة التي تميزه لا يحظى بها الإنسان فحسب بل تندرج على كل الخلائق المتحركة..

فالهر الأليف حين يحبس ويتعرض للخطر أو حين يبصر أولاده يتعرضون للخطر من مخلوق أقوى منه فقد ينتصر عليها إن آمن بنفسه وقدراته ،وإن آمن أنه يدافع عن حق مسلوب منه، فالإيمان هو قوة.. وهو عالم الأسرار، وعدة المحارب والمقاتل والمدافع عن حقه، ولجام القوى وقوة الضعيف..

وهو مصنع البطولات الخارقة، ومحقق الخوارق ومفتاح المغاليق، وهو الذي ينشئ للمخلوق العاجز قوة دفع، ولذلك لم نستهجن أبداً ولن نستغرب حين استمعنا إلى صوت التاريخ البعيد وهو يحدثنا كيف أنّ بعوضة تافهة استطاعت قتل النمرود..

ومن هو النمرود؟

الملك النمرود ، ذلك الملك العظيم الذي له ملك الدنيا كلها ، ومع ذلك كان كافرا بالله ... وكما يقول العلماء فقد كان هناك 4 ملوك ملكوا الدنيا كلها ، وهما مؤمنان وكافران .. فأما المؤمنان فهما ذو القرنين وسليمان ، واما الكافران فهما النمرود ونبوخذ نصر...

"النمرود هو النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح عليه السلام وكان ملك بابل ....

وقد استمر ملكه 400 سنه ، يحكم شعبه بالحديد والنار ، وكان يعبد الاصنام ثم جعل نفسه إلهاً وطلب من شعبه بان يعبدوه...

رأي في المنام يوما ، كوكبا ظهر في السماء ، فغطي ضوء الشمس ، فسأل حكماء قومه،فأخبروه بان ولدا سوف يولد هذه السنه ويقضي علي ملكك... فأمر بقتل جميع الاولاد الذين يولدون في تلك السنة، وفي تلك السنه ولد سيدنا ابراهيم عليه السلام ظن فخافت عليه امه فخبأته في سرداب وكان الله يرعاه فلما كبر اكثر من الاخرين ، حتي اذا بلغ عمره سنه واحده ، يحسب الناس ان عمره 3سنوات .. وبذلك استطاعت امه اخراجه من السرداب ولم يتعرض له الملك.....

وعندما اصبح سيدنا ابراهيم عليه السلام شابا بدأ بمناقشة اهله وقومه ويدعوهم لعبادة الله ، وترك عباده النمرود ... وفي احد الايام وبينما كان قومه يحتفلون خارج المدينة ذهب سيدنا إبراهيم لأصنامهم وكسرها كلها إلا كبيرهم وعندما رجعوا من احتفالهم وجدوا أصنامهم مهدمة فسألوه فقال لهم انه كبيرهم الذي كسر الأصنام الاخري لأنه يغار منهم

فأخذوه للنمرود فبدأ سيدنا ابراهيم يناقشه بقدرة الله وقال له ربِّ الذي يحي ويميت وبين له الاثباتات على ذلك ، وعندما فشل النمرود في اقناع سيدنا ابراهيم امر جنوده بعمل برجا عاليا ليصل الى رب ابراهيم ليراه ، ثم امر بعمل نار كبيرة ، والقي فيها سيدنا ابراهيم ، ولكن الله جعلها برداً وسلاماً علي سيدنا ابراهيم ، فلم تؤذيه ... ثم دعا سيدنا ابراهيم النمرود مرة اخري ليؤمن بالله ولكنه تكبر وعصي وكفر بالله ... فأرسل الله عليه وعلي جنوده جيشا من البعوض ، هجم علي الجنود فمص دمهم واكل لحمهم وشحمهم وابقيِ عظامهم فقط...فهلكوا جميعا ، وارسل الله بعوضة فدخلت في انف النمرود ، ثم انتقلت لراسه فآلمته , فكان يطلب من الناس ان يضربوه بالنعال علي راسه ليخف الم راسه ... وعذبه الله 400 سنه ، مثل عدد سنوات حكمه حتي مات من كثرة الضرب بالنعال .. فمات ذليلا بعد ان كان عزيزا... "

****

إن الإنسان مهما بلغ شأنه وإغتر بقوته وحاشيته وصولجانه لا يساوي شيئاً من الناحية المادية، ولقد ردّ أحد العلماء جسم الإنسان إلى العناصر الأساسية فيه فخرج بالنتائج الآتية:

إذا جئنا بإنسان زنته 140 رطلاً وغلغلنا النظر في تكوينه وجدنا بدنه يحتوي على المواد الآتية:

قدر من الدهن يكفي لصنع(7) قطع من الصابون.

قدر من الكربون يكفي لصنع (7) أقلام رصاص

قدر من الفوسفور يكفي لصنع رؤوس (120) عود ثقاب.

قدر من ملح المغنيسيوم يصلح جرعة واحدة لأحد المسهلات.

قدر من الحديد يمكن عمل مسمار متوسط الحجم منه

قدر من الجير يكفي لتبييض بيت للدجاج

قدر من الكبريت بظهر كذب واحد من البراغيث التي تسكن شعره

قدر من الماء يملأ برميلاً سعته عشرة جالوتات

وهذه المواد تشتري من الأسواق بمبلغ من المال لا يزيد عن 10 دولارات..

وتلك هي قيمة الإنسان المادية..

ولكن هذا الإنسان الذي قيمته المادية بضع شواقل يمكن أن يكون قوة هائلة إن آمن بنفسه، لأن إيمانه هذا كمعدن الراديوم مصدر للإشعاع ومولد ذاتي للنشاط، وبإيمانه بالإنتصار على من هو أقوى منه سعي للإستزادة من نشاطه المحدود، وحين يشتد الوطيس عليه، ويُحاصره الأقوياء فإن بمقدوره أن يخاطب القوة التي هي أقوى من القوة لتمنحه أقباساً من قوته، يستعين بها على المقاومة والصمود والانتصار، بل أن إيمانه بنفسه وحده كفيل بأن يزيده قوة ونشاطاً وحيوية..

فليت شعري هل يمكن لهكذا مخلوق أن يخسر أو ينهزم أو تكسره الأعاصير؟

إن أقفال الحياة كلها أقفالاً معقدة، العقل فيها شبه معطل... الضمير شبه نائم، المواهب مخدرّة، الأسرة متفككة..

كل ما حولنا سوداوي ومعتم ويرسل إنذارات شديدة اللهجة للعصافير المغردة في ربوع الوطن أن تكف عن التغريد والشجو والتحليق فمن يقاوم النسور إن كنت الطيور حتى عن التغريد؟

وكيف ينتصر الوطن إن لم تتكاتف هذه الطيور وتتجمع للمناطحة والمنازلة ومن يهزم الأعداء إذا اعتزل كل واحد بدعوى العجز ومسايرة الواقع ومجاراته؟

بعض الناس المتلصقين بالأرض ودونيتها حين يصيبهم الإحباط والملل يستسلموا للأحزان، ويقضوا ليلهم كله بفتح الفنجان في الليلة عشرات المرات، أو يؤثروا طلباً للسلامة أن يخرجوا هائمين على وجوههم حتى يدخلهم حزنهم وإيمانهم بعجزهم مدن الأحزان بحثاً عن خارقة أو معجزة..

أما من آمنوا بقدرتهم على صنع التغيير فقد علمهم إيمانهم أن يرسموا آمالهم وإن كانت باهتة بالطباشير على وجه الحيطان..

وكيف أن إيمانهم بالغد المشرق سيغير خارطة الأزمان..

علمهم إيمانهم أن بمقدور العصفور الصغير أن يتحدى الصقر والنسر ويتغلب عليه ويخدش كبرياءه..

لو آمن بنفسه فبمقدوره أن يكتب أمله فوق الغيوم والنجوم .. أن يحكي حكايات انتصاراته المستقبلية للأشجار، وفوق الماء ينقشها..

****

ليس ثمة مجنون وعاقل يخالفني الرأي أن السلطات البوليسية والقمعية التي تملك من الآذان أكثر من مخزون سكانها صقر له مخالب حادة يُعقد بقوته ونسر يشهد له بالرهبة، لكن رعب بعض هذه النسور من قصيدة شعرية وخطبة وكلمة مؤثرة وعندها الآلاف ممن يقطعوا الأعناق لا يدع كذلك مجالاً للشك أن تلك القصيدة وهي عصفور محلق يمكنه أن ينتصر على نسر محلق ولهذا ترتعش من قطرات حبره وخشخشات أوراقه..

فيا دولاً مزودة بأعتى آلات الدمار.. يا دولاً يقرأ رقباؤها مواعظ الخطباء وكلمات الشعراء وهم يسنون شفرة الحلاقة كإنما الرقباء في أصلهم جزّازين وحلاقين… يا دولاً ونسوراً تمنع العصافير البريئة أن تكتشف الآفاق وتسد عليها الحدود والمنافذ..

قد تستطيع نسوركم المعدنية المحلقة، وأسودكم المعدنية الرابطة على الأرض من أن تمنع كلمة وتحاصرها ولكن ليس بمقدورها أن تذبح الربابة. فيا سفن الصيد القديمة التي تحترف الصمود… ويا أسماك البحر التي تحترق المقاومة رغم القصف اليومي لها.. يا كتب الشعر والنثر التي تحترق المقاومة… ويا ضفادع النهر التي تقرأ طول الليل سورة الأنفال..

يا ركوة القهوة فوق الفحم يا فصائل النمل التي تهرب سلاح الصمود…يا من يصلون الفجر في حقول من الألغام يا آخر المدافعين عن ثرى طرواده … يا أيها الموتى الذين بعد أن يشيعوا يأتون للعشاء، ليسهروا من جديد على ثغور أوطانهم وحين يأتي الفجر يرجعون للسماء..

ثقوا أن إستعلاء الباطل لن يدوم أمده فلا تهنوا ولا تحزنوا،وإنها أنفة الإيمان أن تصغروا لسلطان ذي مخالب تدعوكم أن لا تتراخوا أو تستكينوا،فكل متكبر بعد الله فهو صغير، وكل متعاظم بعد الله فهو حقير..