دمشق عاصمة للثقافة العربية

دمشق عاصمة للثقافة العربية

محمد قاسم

[email protected]

كان الحديث حول هذا الأمر في التلفزيون السوري هذا اليوم 25/11/2007..

وكان الضيفان، من هؤلاء الذين  امتد العمر بهم الى ما فوق السبعين –ربما-

وكانت المرافعة المعهودة..والتي تتكرر منذ صدر الإسلام..!!

(اللغة العربية مستهدفة..!).

(الشعوبيون -والذين يكرهون العرب . يحاولون القضاء على اللغة العربية..!).

(يجب الحفاظ على اللغة العربية..!)

(وقد شكلت لجان لمتابعة تنفيذية  لتعريب الأسماء.. والمحال.. والمصطلحات..الخ..!).

ولم يقصروا-طبعا - في الاستشهاد بإجراءات فرنسية او ألمانية..الخ.

هذا النموذج عادة -وهو الغالب بين المثقفين العرب بكل أسف طبعا أو تطبعا–كثيروا الاهتمام بالاستشهاد بإجراءات الغربيين، عندما يحاولون تنفيذ إجراءات ذات طبيعة شوفينية..!

ولكنهم –دوما- يشتمون الغربيين في الإجراءات التي تكرس الديمقراطية والانفتاح واحترام الحقوق..و..و..!

و يجدون ألف علة وعلة للتهرب من تطبيقات سياساتهم وأفكارهم في هذه الميادين..

ازدواجية ابتلي  بها-هذا النموذج- في صلب ذهنيتهم وسيكولوجيتهم ،وللأسف-ونقولها فعلا للأسف..!

فنحن محكومون بالعيش معا تاريخا وجغرافيا..وثقافة إسلامية مشتركة..والمفروض حياة مستقبلية مشتركة –إذا استطاعوا ان يتقبلوا هذه الفكرة.

وهكذا كرت الاسطوانة التي تدور منذ قرون..ولم تنتهي بعد..وربما لن تنتهي أبدا ..مادام هذا الأمر يوفر وسيلة سياسية ممتازة لتمسك الحكام بحكمهم بحجج منسوبة إليها، ولممارسة اضطهاد آخرين بمقتضاها.. هذا الاضطهاد الذي يوفر مناخا سياسيا جيدا لاستثماره لمصلحة الحكام تحت عناوين الدفاع عن القومية..وعنوانها اللغة ..(اللغة العربية).

هذه اللغة الحية التي أثبتت حيوتها واستمراريتها عبر القرون وستظل ...لمقوماتها الخاصة..ولكنهم يستدركون سريعا –مسيحيا كان أو مسلما أو ملحدا ..للقول(( بفضل  حفظ القرآن له..!)).

هنا –وهنا فقط- يتذكرون فضل القرآن..! ولكنهم لا يقصرون في تطويع القران لغة ومضمونا لاتجاهاتهم المصلحية –تحت بند القومية وعمودها الفقري اللغة العربية-

ومادام القرآن هو الحافظ للغة العربية ..وقد ورد في القرآن نفسه قوله تعالى:

 ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون..)). .

فلماذا –إذا-  الخوف على لغة تعهد الله بحفظها..؟

ومن ناحية أخرى، نحن نتفهم عندما يورد العربي المسلم هذه الآية..وهو مؤمن بها- نزولا ومضمونا- بحكم اعتقاده..!

فما هو المبرر للعربي غير المسلم،-او المدعي العروبة - مسيحيا كان أوملحدا..ومن في حكمهم ان يستشهدوا بآيات لا يؤمنون بها..؟!

ما تفسير ذلك؟!

ومن ثم بوجود هذه الضمانات –وهي فعلا ضمانات- لماذا التدخل التعسفي باسم الحفاظ على اللغة لاضطهاد لغات أخرى هي ذاتها من خلق الله..؟!

أليس في هذه السلوكيات غير المتوافقة بعض من حيرة وتساؤل..؟!

وإذا عدنا الى واقع الحال وما هو متبع في الحياة اليومية..ماذا نلاحظ..؟

أغلب الداعين الى هذه الإجراءات او المنفذين لها في الواقع، الأجهزة التنفيذية المختلفة وال..وال..الخ.لا يتقنون هذه اللغة التي ظلت أدبياتهم وشعاراتهم تدعي حمايتها ورعايتها ..

حتى على مستوى كبار المسؤولين الذين يصدرون القرارات ويطلبون متابعتها تنفيذيا..؟!

ومعظم الذين يتقنون هذه اللغة من القراء والكتاب والأدباء والمفكرين ..إما أنهم في سجون هؤلاء المدعين حماية اللغة..أو في أحسن الأحوال يعيشون على هامش الحياة ..جائعين.. مهملين..منسيين في زوايا الإهمال، والعزل المقصود أو غير المقصود..!

اللهم سوى كمّ قليل باعوا أنفسهم للمتسلطين.. فيغنون صباح مساء بحمدهم ..ويظلون يكررون –ببغائيا- ما يلقى في أفواههم، وهم في خدمة اللغة، ليسوا سوى شعاراتيين.. لا يقرا لهم احد رغم العطاء السخي لترهاتهم التي يملأ ون بها المؤسسات الرسمية .. !

وتباع منتجاتهم (الأدبية والفكرية ..)عبر توصيات المسؤولين ورعاية الجهات الأمنية او المؤسسات الرسمية بالضغط والإكراه لشرائها ورميها في زاوية ما، إذا لم يلف بورقها الساندويتشات..!

أما كفى مثلا هذه المزاعم التي أصبحت مجرد شعارات تعبر عن شعور بالضعف أو النقص..؟!

أو أنها انعكاس لما في نفوس هؤلاء من إشكال نفسي، على الآخرين.. فيسقطونها على الغير بألف طريقة وطريقة ..!

وربما هذا هو التفسير الوحيد ،إضافة الى سياسة ممنهجة عند بعض الذين لا يهمهم من هذه اللغة سوى استثمار سياسي لغرض مختلف..

يتكرر سؤال مزمن: لماذا يكرهون العرب..؟!

ونسأل : ومنذا الذي يكره العرب..؟

هل هم الأمريكان او الأوروبيون..؟!

ام هم الشعوب المتعايشة –أو العائشة-بين العرب وتحت حكمهم..؟!

أم الشعوب المتجاورة معهم..؟!

لكي نتلمس الجواب علينا ان نحدد ذلك..؟

فإن كان الأمر متعلقا بالغرب عموما..فلا أظن ان موقفهم يسمى كراهية..وان كان لابد من تسمية، فربما هو استصغار  ..أولا مبالاة بشأنهم ،أكثر من تسمية كراهيتهم..!

الكراهية لها أسباب لا بد منها ..كأن يكون المكروه ..قاهرا..منافسا .. قويا على مصالح ما –مالية خاصة..وربما قيمة علمية أحيانا..وتكنولوجية..الخ..النهم مكانة فيها تفوق ،قد ينظر اليها بحسد او حقد أو كراهية..الخ.

فهل العرب في أي من هذه المواقع –واقعيا-بالنسبة للغرب..؟!

أما إذا خلطنا بين العروبة والإسلام –كما سعى بعض العروبيين في ذلك وهم غالبا غير مسلمين- وقد نجحوا الى حد بعيد في زرع هذه الفكرة  في الذهنية العربية..- فهنا لا بد من وقفة..!

أي عندما يّرى أن الغرب يكره المسلمين –والعرب منهم- فذلك شان لا علاقة له بالعرب واللغة العربية بشكل مباشر..وان كان من المحتمل ان يكون لذلك حظ من هذه الكراهية ..والت ينبغي أن تحلل بطريقة مختلفة عما يطرح دون تحليل وتمحيص في كثير من الحالات..!

2

في القسم الأول أوضحنا بعضا من الأسلوب الذي يعتمده كثير من المثقفين العرب ..إما انسياقا مع الاتجاه السلطوي-أو ابتزازا نفسيا من السلطة....أو انعكاسا لتربية تسربت آثارها الى نفوسهم: ذهنية وسيكولوجية..عبر أسلوب تربية وتعليم ..دوما يصوغه المتسلطون بعيدا عن إرادة الشعوب تسخيرا لها لابتزاز الآخرين..بشكل أو بآخر..!

وأشرنا الى المغالطة التي يلجا إليها هؤلاء في تفسير العلاقة بين الإسلام وبين العروبة وخاصة من الذين لا يؤمنون بالإسلام ولكنهم يتخذونه شعارا لتمرير بعض مشاريعهم الفئوية او الطائفية او حتى المعتقدية...الخ. والتي ترتد سلبا –كما حصل واقعا –على الإسلام كدين..!

واشرنا الى التعامل غير المنطقي مع المفاهيم الغربية وغيرها ..تلك التي أثبتت التجارب  فاعليتها ومصداقيتها على  صعد مختلفة، وخاصة على الصعيد السياسي كالديمقراطية.. والليبرالية الاقتصادية.والتكنولوجيا المتطورة..الخ.وان كانت تعاني من بعض خلل في المستوى الأخلاقي.يبحثون عن علاج له صباح مساء، كما هو ديدنهم في البحث دوما عن سد الفجوات الحاصلة عن اكتشافاتهم في مختلف الميادين..

ففي الغرب  شعوب غلبت في حياتها الذهنية المنطقية والعلمية..وهي مفتاح التكنولوجيا وتنظيم شؤون الحياة ..ولكنهم لم ييأسوا للبحث عن ما هو أفضل انعكاسا على الحياة الاجتماعية أبدا.خاصة أنهم يمتلكون  المعطيات الإبداعية عبر النظام السياسي الذي جسدوه في مسارات الديمقراطية ..والليبرالية الاقتصادية التي تتيح انطلاقا  أرحب، وان كان المدى والانتشار يظل يشكو..وليس هذا البعد والانتشار في الشرق العربي أفضل.بل هو في أسوء حالاته عمليا..

وفي هذا القسم –وهو الأخير – نحاول ان ننطلق من أسئلة نراها مشروعة..وهي:

هل العروبة تعني الإسلام،والإسلام يعني العروبة..؟!

هل الدين الإسلامي دين خاص بأمة العرب.؟!

هل يمكن اختصار الإسلام في ثوب العروبة..؟!

أسئلة وغيرها تطرح في هذا الاتجاه .

فإذا كان الجواب نعم ان العروبة والإسلام شيء واحد..فهذا يعني استبعاد الإسلام عن كونه دينا كونيا..ومن ثم فهو يمثل دينا خاصا بجماعة بعينها (قومية-قبيلة-تجمع من نوعها..الخ).

وفي هذه الحال فلا يلزم هذا الدين الخاص، أحدا من الجماعات أو القوميات أو القبائل.. الأخرى به..وربما بحثت هذه الجماعات بأشكالها المختلفة عن دين خاص لهم.. وهذا ما يحصل هذه الأيام..فهناك توهج في الجماعات المختلفة..للمحافظة على جذور أديانهم ..من جهة. ومن جهة أخرى يكاد الموج يجرف الكثير من أبناء الديانة الإسلامية من غير العرب –ومنهم تيار في الكرد-للبحث عن جذور أديان سابقة للإسلام كان أجدادهم يعتنقونها، وربما رد فعل للفهم العربي المطروح للإسلام..!

لذا لا نجد غرابة في توهج الدعوة الى إحياء الزرادشتية كدين كردي.قديم..

وإذا كان الجواب بأنهما مختلفان -الدين والقومية العربية- ولكن للعرب دور في نشر الإسلام تصبح القضية مختلفة وينبغي تحديد الدور..وطبيعته..بالنسبة للإسلام..

وبالتحليل .. ماذا نلاحظ؟!

من هم الدعاة الأكثر صخبا عن العلاقة بين العروبة الإسلام..هل هم العرب المسلمون..أم هم العرب القوميون..؟

وهل العرب القوميون مؤمنون بالإسلام عقيدة دينية؟  أم أنهم يستخدمونه محطة اجتماعية سياسية تستثمر في هذه الناحية؟!

هذه أمور ينبغي أن توضح وتحدد .ليس من أي

احد ..بل من الذي يوصفون بالتوافق  بين الطرح وعقيدتهم..(أي الذين يمتلكون مصداقية في اعتناقهم للدين الإسلامي وفق طبيعته التي أنزلها الله بها كدين كوني للعالمين جميعا).

ذلك لأن الآخرين الذين لا يتمتعون بهذه المواصفات في هذا الشأن، ليس لهم سوى إبداء رأي او ملاحظات نقدية..أما ان يكونوا هم المشخصون –كما فعل ميشيل عفلق وغيره مثلا –فلا أعتقد انه سلوك صحيح..أو –على الأقل –في هذه الحالة ..فليعتنقوا قوميتهم كما يشاؤون ولكن لا يخلطون بين الإسلام ويصبغونه بالصبغة القومية الى درجة القول في تحريف وتصحيف للآيات القرآنية كما يشتهون كما يرد في كتاب علم الاجتماع العربي –السياسة-[i]((وخاطب القرآن العرب في أكثر من مرة..ان هذه أمتكم امة واحدة )) أو ((وكنتم خير امة أخرجت للناس)). فيخصصون القول الموجه للمسلمين عامة كأمة.بالقومية العربية بزعمهم.

وأما إذا كان الذين يكرهون العرب من القوميات والطوائف والمكونات التي تعيش تحت حكمهم كالكرد والسريان والأرمن والآشوريين والمذاهب المخالفة للسلطات، سواء أكان سنيا في ظل حكم شيعي او شيعيا في ظل حكم سني او غير  ذلك..فالحق اقول ..ربما كان في هذا التوصيف بعض صحة..وان كنت أفضل كلمة استياء على كلمة كراهية..

هذه الشعوب مستاءة من الأسلوب الذي يتعامل به العرب معها باسم المصلحة او الحق العروبي في التاريخ وفي الجغرافيا وفي الدين..الخ.

هذه الشعوب والطوائف مستاءة من أسلوب إدارة شؤونهم، بتذويبهم، واضطهاد ثقافتهم، وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة،  وجعلهم مجرد بيئة تعيث فيها الأجهزة الأمنية رعبا.. واضطهادا.. وتشتيتا.. وتكريسا لسلوكيات مرفوضة من التربية وقيمها –حتى تلك التي تدرس من الجهات الحاكمة ذاتها -.

متى يمكن ان تتغير الطريقة التي بها تعالج مختلف القضايا في حياة المجتمعات المتخلفة كلها ،وفي حياة المجتمعات العربية خاصة..فيصبح الفكر والفعل في اتجاه واحد..ويسعى الفعل للتوافق مع الفكر واقعا.مجسدا..؟!

وطبعا لكي يمكن تحقيق ذلك فلا بد من إيجاد المناخ الصحيح لممارسة الحرية التي تتفاعل في إطارها الأفكار وتبدع.فلا تطور..ولا تقدم..ولا إبداع مادامت الحرية مريضة..!

               

[i]-كتاب كان يدرس حتى ثمانينات القرن العشرين في الصف الثالث الثانوي(البكالوريا)  في سوريا