الإعلام و تفعيل رسالته

عدنان عون

[email protected]

إن التقدم و التطور الذي شهدته البشرية خلال القرنين الاخرين كان له تأثير فاعل في تطور الحياة الاجتماعية وتغيير مفاهيمها ... فثورة الاتصالات و المواصلات و كذلك الثورة الإ علامية بوسائلها المختلفة ، قربت العالم بعضه من بعض و جعلت شعوبه أكثر انفتاحًا و تلاقيًا ... و قد أدى ذلك إلى حدوث مشكلات كثيرة عانت منها الشعوب عامة و الشباب خاصة ما عانت ، مما دفع بالكثيرين منهم إلى ألوان من الانحرافات الفكرية و السلوكية ... بل و أوقعت بعضهم في جرائم كثيرة و متنوعة .

وإذا كانت المجتمعات الإنسانية صورة عن العقائد التي تدين بها ، والقيم التي تلتزمها ، والتراث الذي تفخر به  و تدندن حوله ، و المقومات الأخلاقية و الاجتماعية  التي يقوم عليها صرحه و تؤسس عليها حضارته ... فإن واجب كل مجتمع  أن يحمي كيانه و يزود عن انتمائه ، و يؤكد على شخصيته و هويته ،و تلك لعمري هي الحرية التي يحيا المجتمع بها ، و ينتهي أجله يوم يفقدها في أبنائه ،و واقع حياته .

وإن ما يعانيه شباب الأمة من فراغ  فكري و ما يتعرض له من غزو إعلامي عالمي و خاصة أن حالنا العربي اليوم ، كما يقول الأستاذ الغزالي ، لا يعرفه دين صحيح و لا تقره دنيا ناضجة يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بالتيارات الرافدة ، يحملها إلى واقعه إعلام قوي هادف مشوق ، تعاضده و تسانده في أهدافه فضائيات تحمل السموم والأخطار و تجعلنا على يقين من أن الغزو الفكري في عالم منفتح فضائيا سيكون أخطر من كل أنواع الاستعمار ؛ لأنه تهديد الأمة في عقول أبنائها و حريتها و استقلالها.

إن مسؤولية كبرى تقع على عاتق القادة السياسيين و المفكريين و الإعلاميين، و عليهم جميعا أن يكونوا في خدمة و تنمية الثقافة الإسلامية الإصيلة، و جعلها  رابطة و رسالة تتفاعل مع الثقافات الاخرى ، ولكن دون أن تذوب فيها ، فأعداء الأمة  - من خلال إعلامهم العالمي القوي – يتواصل تآمرهم على الأمة ، و يعملون على تشويه مفاخرها و مآثرها و طمس معالم حضارتها ، بالإضافة إلى ما ينشرون من سمومهم النفسية و الأخلاقية . وذلك بنية بقاء بلاد الإسلام مستعمرة لأفكارهم و أخلاقهم ، بعد أن عجزوا عن تأبيد استعمارها بجيوشهم و معداتهم .

إن من وظائف الإعلام أن ينقل تراث المجتمع من جيل للآخر، وأن يجمع المعلومات التي تساعد على مراقبة البيئة والإشراف عليها ،وأن يساعد على ترابط مختلف أجزاء المجتمع في وجه المتغيرات الهائلة التي تطرأ على ذلك المجتمع .

والإعلام ،وهو تزويد لجماهير المجتمع بالحقائق والمعلومات، لابد أن يعمل على تكوين رأي عام فاضل وصائب تجاه قيم مجتمعه وتراثه ،وأن يكون له دور فاعل في حماية هذه القيم وتلك الأصول :تأصيلاً لولاء الأجيال تجاه عقيدتهم ووطنهم ،وتنمية للشخصية,وحفاظاً على الهوية .ولاسيما في عصر برز فيه للإعلام العالمي دور قوي ونشط حتى غدا أخطر من السياسة .وكيف لايكون كذلك وهو الذي يتحكم بها ؟

ولذا فإن على الإعلام في المجتمعات العربية والإسلامية واجبات كثيرة من أهمها: أن يؤصل لعلاقات إنسانية واجتماعية أقوى وأوثق سواء تلك العلاقة بين الأمة وأجيالها ,أو تلك التي بين الأمة وعالمها المحيط بها ,وذلك كي يتم التواصل بين المجتمعات الإنسانية على قاعدة الاعتراف باللآخر، واحترامه والانتفاع بما لديه، والتفاعل معه : تحقيقاً للأمن ،وسعياً للاستقرار ،ونشراً للسعادة والسلام ،وتأميناً لمصالح البشرية .

 كما أن من واجب الإعلام العربي، أن يكون على وعي بالمخاطر التي تحيط بالأمة ،وأن يقوم بدوره في درء خطر التأثير السلبي للإعلام الوافد ،والثقافات الطارئة ،وهذه العولمة التي باتت تهدد كل المجتمعات . ولم يعد خافياً على أحد ما للإعلام الغربي من تأثير قوي وعجيب ، وقد أفلح تأثيره في ديار الإسلام وشعوبه ، أكثر مما أفلح في غيرهم . يقول الباحث الأمريكي "وليام ريد " : "لقد أصبحت وسائل الإعلام الأمريكي فعلاً قوة مؤثرة في النظام الاجتماعي العالمي ." ..وقد بات التخوف مما يعرف بالاستعمار الثقافي مؤرقاً لبعض الدول المتقدمة ،فضلاً عن الدول النامية ،خوفاً على الشخصية القومية والهوية الوطنية ؛ لأنه ما من أمة تؤمن بحرمة الأوطان ، وحرية الشعوب ترضى أن تترك حبل هذا الغزو الثقافي  على غاربه ،دون أن تقف في وجهه و تتصدى له .و ما لم تتحصن الأمة بعقيدتها و تتمسك بقيمها الاخلاقية و الاجتماعية فستبقى ضعيفة مستباحة الحمى .

هذا و قد فطنت الصهيونية العالمية إلى ما للإعلام من أثر، و خطر في تحريك السياسة و إحداث المتغيرات ، فاتخذوه ركيزة من ركائز سياستهم التي دار عليها مكرهم و خداعهم ، وجنّدوه هو، و المال و النساء ، لتحقيق أهدافهم و انجاح مشاريعهم . وقد اعتمد الإعلام في أولى خطوات هدمه ، الأخلاق فسعى في تحطيمها و تمييع قداستها ، إذ هي الملاذ الآمن للانسان و المجتمع ، من الانحراف و التردي .. و متى أصيبت الأمم في أخلاقها ، فاقرأ عليهم الضلال و الضياع !

ومن يقرأ كتاب " مخططات حكماء صهيون " – عفوا سفهاء صهيون – يتأكد أنهم جعلوا تهديم الأخلاق هدفا من أهدافهم ، وقد جاءت نتائج مسلكهم هذا في أمريكا و أوروبا ، سريعة و عجيبة . وإن الإنسان ليعجب من كثرة الصحف ، التي تتعهدها الصهيونية العالمية ، فلديهم على سبيل المثال في امريكا 244 صحيفة و لديهم في العالم 760 صحيفة ... لقد وعى اليهود أثر الصحافة و الإعلام  و تأثيرهما ، فاستثمروهما أروع استثمار ، لمصالحهم و تحقيق أهدافهم ...

وما من عاقل ينكر دور اليهود ، و أياديهم في نشر الصحافة الخبيثة ، و المجلات والأفلام الهابطة . أضف إلى  ذلك ما تكمله الفضائيات ، التي نهج كثير منها ذلك النهج الهابط والرامي إلى نشر العنف و أدب الجنس و إباحية المواقف و المشاهد.

فكم من نجم سينمائي صار قدوة يُقلد ، و مثلاً يحتذى !! وكم من شباب سقطوا في مهاوي الرذيلة وضلالات التبعية !!

ولنكن على ذُكر من مقولة الباحث الاجتماعي ( جورج فوستر ) ، الذي يقول فيها :" إن القوة الفاعلة في التغيير الثقافي لأية أمة ، هي الاقتراض من الثقافات الأخرى .." . ترى كيف يكون حال الأمة إذا تطور الأمر فيها إلى الذوبان في بوتقة تلك الثقافات الوافدة ، وتبنتها بعجرها و بجرها ، بخيرها و شرها ؟ وإن  تجارب الإنسانية لتؤكد أن الأمم ، التي انفتحت على الثقافات الأخرى دون حصانة و ضوابط ،كانت من أكثر الأمم تأثرًا بها ، و قابلية للتغيير الإجتماعي السلبي .

إن الدعوة للإسلام و حضارته ، عمل إعلامي بكل ما تحمله الكلمة من مدلولات و أبعاد .. و شرف الكلمة و صدقها عنوان إعلام إسلامي هادف ، يسعى لنشر الحقائق و الفضائل ، و يعمل على حماية الإعلام من الهبوط ، و تحريره من التبعية التي تجعله في خدمة المهام الاستعمارية .

إننا ، و نحن نشهد ثورة الإعلام العالمية ، و تأثيرها الفاعل في كثير من الأمم و المجتمعات ، بحاجة ملحة إن تلتزم إعلامًا هادفًا قويًا صادقًا ، يؤدي دوره مع  مؤسسات المجتمع كافة ، في تربية الولاء الوطني و الديني : التزامًا بالعقيدة ، و تمسكًا بالأخلاق ، و سمواً بالسلوكيات ، وسيرًا على نهج الأحرار و الأبرار .. و ما أحوج الأمة المسلمة ، و هي تعاني التخلف و الضعف ، أن تعود إلى الإسلام بمفهومه النظري الصحيح ، و مفهومه العملي الدقيق  ، و أن تمتلئ القلوب بالإيمان ، و أن تتحرك به لتحقيق أهدافها و الوصول إلى غاياتها ، يقول تعالى : " و من أحسن قولاً ممن دعا إلى الله و عمل صالحأ و قال إنني من المسلمين ".