منظومة الرغيف.. وتهويد الإسلام!
أ.د. حلمي محمد القاعود
ما يكاد إمام صلاة الفجر يسلم حتى يندفع أغلب المصلين في الخروج بسرعة الصاروخ متجهين نحو مخبز القرية من أجل الأسبقية في طابور الخبز الذي يسميه وزير التموين الانقلابي بالمنظومة . في تحرك مواز خارج المسجد ومن قبل الصلاة ومنذ الساعة الثالثة صباحا ينساب عدد كبير من النساء والصبيان ومعهم الحلل الكبيرة والأواني البلاستيكية والصواني والحقائب الخوص والورق لاستلام المقرر من الأرغفة .
كان يصطحبني بعد الخروج من المسجد نفر من العجائز في مثل عمري ، ولكني صرت وحيدا . لم يعد أحد يرافقني في رحلة العودة البطيئة إلى البيت . كلهم يهرعون إلى المخبز ويناضلون الزحام والانتظار . أنا لا أستطيع ولا أقدر، ولا طاقة لي بالوقوف على قدمي دقائق وسط الزحام والصبية ، فضلا عن الانتظار ساعتين أوثلاثا حتى أتسلم بعض الأرغفة .
الزحام أمام المخبز شديد مثل يوم الحشر الذي لم يره أحد . لا مجال هنا للمجاملات أو المروءة . كل يسعى من أجل نفسه وذاته . عليك أن تجاهد وإلا عشت بدون رغيف المنظومة مثلي ، فالزحام يستمر حتى السابعة أو الثامنة صباحا ، وساعتها يعلن بطل اللحظة – أعني صاحب المخبز – انتهاء العرض اليومي ، لنفاد الخبز ، فيعود الضعفاء والمحرومون العجزة مكسوري الخاطر يندبون حظهم وزمانهم ، ولكنهم لا يستطيعون الإشارة إلى ما يصنعه الانقلاب بهم يوميا ! بعضهم يردد " الحسبنة " أو يغني ساخرا "تسلم الأيادي" تعبيرا ساخرا عن الهوان والمذلة والقهر .
لم أستطع على مدى ثمانية أيام الحصول على رغيف واحد . وسّطنا بعضهم في ليلة سابقة لنحصل على بعض الأرغفة هل تنجح الوساطة ؟ لا أدري !
تكلمت مع بعضهم لإعادة مندوبين للتوزيع ، يتسلمون الخبز ويوزعونه على البيوت نظير اشتراك معين . قيل إن التموين يمنع ذلك . ومن يخالف فستكون العواقب وخيمة . قال مسئول محلي : كم سناخذ من قيمة الاشتراكات ؟ قيل له النصف . أصر على 80% . الصفقة غير متكافئة والتهديد قائم بعمل مخالفات لمن يحاول توزيع الخبز لحل مشكلة الزحام . قلت وإذا ضاقت السبل ببعضهم وحدث احتكاك يولد انفجارا قد يمتد إلى مجالات أخرى ؟ يردون : إنها المنظومة !
حكومة الانقلاب الذكية جدا لا يعنيها الأمر ، وتتصور أنها بتحويل الأنظار إلى قضايا أخرى مفتعلة ستنجح في معالجة الأمور ، وسيتوقف الناس عن البحث عن الخبز والزيت والسكر والسولار والبنزين والدقيق والكهرباء والماء ، بعد أن توقفوا عن البحث عن اللحوم والأسماك بسبب ارتفاع أسعارها ، وإن كان بعض كتاب البيادة يدعي أنه لا أزمة فيهما معتمدا على برامج المطبخ في التلفزيون التي تقدم ما لذ وطاب ، ويتجاهل أن نصف الشعب تحت خط الفقر ، وأن الجنيه مازال يمثل لأغلبية الناس شيئا ذا قيمة وإن لم يعد ملطوشا ، وأن المصريين كلهم ليسوا مثل كاتب البيادة الذي يتقاضى من دمهم مكافأة عالية لا يستحقها نظير خيانته لمهنة القلم وعدوانه على الإسلام .
حكومة الانقلاب الذكية جدا تصرف اهتمام الناس عن مشكلاتهم اليومية واحتياجاتهم الإنسانية بإطلاق بعض العملاء والسفلة ، ليسبّوا الإسلام وعلمائه ، ويتظاهروا من أجل خلع الحجاب ، ويتكلموا عما يسمى تجديد الخطاب الديني ، والثورة الدينية ، وهم لا يؤدون فريضة ، ولا يحسنون قراءة آية من القرآن الكريم ، ولا حديث شريف ، ولا يفهمون قضية فقهية أو تاريخية أو حضارية ..
ينشغل الناس في متابعة جرائم هؤلاء العملاء السفلة على شاشة القنوات الخائنة لله ورسوله وللمسلمين ، وفوق صفحات الصحف الانقلابية الموبوءة بالفجور والكذب وموالاة أعداء الإسلام . ولكنهم لا ينسون الخبز وشقيقاته اليومية .
أطلقوا ولدا شيوعيا يسبّ الأئمة الأربعة والإمام البخاري بألفاظ نابية ، ويهين الأزهر وعمائمه الداعمة للانقلاب وقتل الأبرياء ، وأتاحوا له فرصة كبيرة ليردّد جهالاته وسفالاته ووقاحاته ، ثم جندوا الأبواق والأقلام المأجورة لتدافع عنه وتعد ذلك حرية رأي ، واجتهادا (!) في شئون العلم ،وتمادت نفايات الشيوعيين واليسار ليطالبوا بكنس التراث الإسلامي الذي يسمونه العفن ، ومواجهة أرزقية الدين (!) ثم يستشهد الخونة الأوغاد بأتابك عسكر الانقلاب الذي طالب بثورة دينية، واتهم المسلمين بالإرهاب لأنهم يتمسكون بالنصوص المقدسة التي تجعل مليار ونصف مليار مسلم يؤذون ستة مليارات من البشر في العالم كله !
تهويد الإسلام هدف أصيل لانقلاب العسكر الدموي الفاشي ، والتهويد هنا يعني أن يتخلى المسلمون عن معطيات الإسلام العظيمة ، وأن ينسوا إيمانهم بالله ورسوله والوحي والقرآن والسنة ، ويكفروا بالجهاد والشورى والحرية والعدالة والأمر بالمعروف ، وأن يبيعوا أوطانهم وثرواتهم مجانا للغزاة والصليبيين ، وأن يؤمنوا بما يريده تواضروس ؛ المرشد الأعلى للانقلاب ، ويرفضون النظام الإسلامي ، ويقدسون معتقدات الكنيسة ولو خالفت القرآن والسنة ، وفي النهاية عليهم أن يعيشوا عبيدا كما يريد أتابك عسكر .
وفي أثناء ذلك كله عليهم أن ينشغلوا بإفرازات القذارة التي يطرحها كتاب البيادة وأبواقها وبعض المتنصرين من المرتزقة، ويفكروا في تقنين تجارة الحشيش ، وإباحة الدعارة رسميا ، واختيار الأم المثالية من العوالم والغوازي ، وإظهار التفويض الإلهى للأزهر كي يتحدث باسم الإسلام بدلا من البحث عنه في الكنيسة ..
الانقلابي نبيل العربي أمين الجامعة العربية قال في ختام القمة بشرم الشيخ :"إحنا مش كاثوليك وبروتستانت، عندنا كتب مختلفة وأوضاع مختلفة". فقامت القيامة ولم تقعد ، ومع أنه اعتذر عن كلام صحيح ، فقد وصفه الكهنة بالجهل والأمية وسخروامنه واتهموه بتعريض الوحدة الوطنية والعربية والسلام الاجتماعي للخطر، ولم يدافع عنه أحد ، ولم يقل أحد إنها حرية فكر !
علينا نحن المسلمين أن نقبل إهانة أئمتنا وصحابتنا ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – لنكون متحضرين أو متهوّدين على الطريقة الانقلابية الصليبية التي يقودها تواضروس ؛ المرشد الأعلى للانقلاب. في بعض أيام الدولة الفاطمية شاءت أسباب مالية تؤيِّدها أسباب نسائية كما - يقول العقاد - أن يتغلَّب سلطان اليهود على الدواوين وعلى الأسواق؛ فقال الشاعر ابن البواب ساخرًا ساخطًا:
يهـود هـذا الزمان قــد بلغـوا غايـة آمـالهم وقــد ملكــوا
العـز فيهــم والمـال عنـدهم ومنهــم المستشــار والملـك
يا أهل مصـر قـد نصحـت لكم تهــــوّدوا, قد تهوّد الفلك!
وابن البواب معذور حين يعلن «تهوُّد الفَلَك» إذا كان للانقلاب المتصهين وحده حق غير الحقوق، وقانون غير القوانين، ومعاملة غير المعاملات.
الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين ، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !