من قواعد الأصوليين في قراءة النص القرآني

امحمد رحماني

[email protected]

2 – وحدة القضية في الاستدلال

يعد ضابط وحدة القضية في الاستدلال من أهم الضوابط التي يتوقف عليها تفسير الخطاب، والمضمون العام لهذا الضابط أن الخطاب الشرعي وحدة دلالية متماسكة في معانيها اللغوية والشرعية . وعلى هذا الاعتبار وجب الجمع بين جميع النصوص والنقول التي تشترك في وحدة القضية الموضوعة للاستدلال أو للتفسير ، ذلك أن الجمع والتأليف بين جميع النصوص التي تشترك في وحدة الموضوع هو الكفيل بتحقيق الاجتهاد الصحيح والتفسير السليم ، وقد تفطن علماء الأصول لهذا الأمر وقالوا بأن الاقتصار على نص واحد سواء في الاستدلال أو في التفسير سيؤدي لا محالة إلى كثير من المشاكل ويقود المفسر والمستدل إلى عدد كبير من المتاهات والمزالق والمغالطات ، وقد صرح ابن حزم بهذا عندما قال " فمن أراد أن يجد جميع الأحكام كلها في آية واحدة فهو عديم العقل معلل بإفساد الشريعة "(1) وبموازاة مع هذا الإلحاح على ضرورة الجمع بين جميع النصوص التي تشترك في هذه الوحدة فإن علماء الأصول حذروا من عواقب التمسك بنص واحد في التفسير والاستدلال والاستنباط جاء في كتاب التقريب لحد المنطق لابن حزم الأندلسي " فلا تأخذ بعض الكلام دون بعض فتفسد المعاني ، وأحذرك من شغب قوم في هذا المكان إن ناظروا ضبطوا على آية واحدة أو حديث واحد وهذا سقوط جديد وجعل مفرط "(2).

ثم إن جمع الأدلة يرد ما غمض منها واشتبه إلى ما ظهر منها واتضح ، وأخذ النص الواحد في الباب وطرح نظيره أو العمل بنص وإهمال نصوص أخرى مظنة الضلال في الفهم والغلط في التأويل قال الشاطبي " ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد وهو الجهل بمقاصد الشرع وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها وعامها المرتب على خاصها ومطلقها المحمول على مقيدها ومجملها المفسر بمبينها إلى ما سوى ذلك من مناحيها ..وشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان وشأن مبتغي المتشابهات أخد دليل ما أي دليل كان عفوا وأخذا أو ليا وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي"(3).

 وتظهر أهمية هذا الضابط في التفسير والاستدلال عند ضرورة الجمع والتنسيق بين جميع النصوص التي تشترك في الموضوع الواحد مثل الآيات والنصوص التي تتحدث في موضوع الطلاق وأحكامه وأنواعه وأقسامه مثلا ، والجدير بالذكر أن معرفة أي نوع من هذه الأنواع يقتضي معرفة الأنواع الأخرى رغم أن بعضها يتصف بالتقابل في بعض الأحيان ، وجمع النصوص يقتضي وضع الجزئيات في إطار الكليات وإرداف الفروع بالأصول وإتباع التابع بالمتبوع .

ومن العناصر المؤسسة لضابط وحدة القضية في الخطاب أن المفسر يجب أن يلتفت إلى أول الكلام وآخره " بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها لا ينظر في أولها دون آخرها ولا في آخرها دون أولها فإن القضية وإن اشتملت على جمل فبعضها متعلق بالبعض فلا محيص للمتفهم من رد آخر الكلام على أوله وأوله على آخره "(4) واشتراط وحدة القضية في التفسير والبيان يدل على أن علماء الأصول حازوا الريادة في تأصيلهم لهذا الضابط بحيث اعتبروا النص وحدة دلالية متماسكة الأجزاء والأطراف كل جزء يحتاج إلى الأجزاء الأخرى وأن أي خلل في ضبط عناصر هذه الأجزاء والأطراف سيكون له عواقب سلبية على فهم النص .

              

* - باحث مغربي .

1 – انظر الإحكام في أصول الأحكام 5/07 .

2 – انظر التقريب لحد المنطق لابن حزم ، الصفحة : 281 .

3 – انظر الاعتصام 2/50-51 .

4 – انظر الموافقات 3/309 .

انظر كتابنا "قضية قراءة النص القرآني"