الجهاد حكم شرعي ومضمون

رضوان سلمان حمدان

الجهاد حكم شرعي ومضمون

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

الجهاد في سبيل الله واجب شرعي ، ولا ينبغي أن يستحي المسلمون من أحد وهم يقررون هذا الواجب الذي جعله الله تعالى ذروة سنام الإسلام ، ورتب على تركه ما يلحق بأمة الإسلام الآن من ذل وعجز وهوان .

فإذا تقرر هذا الوجوب ، ورسخ في العقول والقلوب ، وجب على أبناء الإسلام أن يعلموا مضمون هذا الوجوب وما ينطوي عليه من أبعاد ودلالات وتبعات . إذ الجهل بهذا المضمون وما ينطوي عليه أشد من الجهل بذات الحكم.

فكم من بليّات ومُهلِكات لحقت بأمة الإسلام جرَّاء الجهل بمضمون أحكام كان يجب عليهم فهمها و إدراك أبعادها وخطرها.

وليس أي حكم شرعي بمعزل عن العقل الراجح ، بل ولا خصومة بينه وبين العقل ، إذ الأحكام الشرعية لا تخالف قضايا العقول ، كيف وقد خاطب الوحي في الإنسان عقله ؟ !! وأرجع الإعراض عن الحق والإبعاد في الضلال إلى فساد العقول والقلوب.

وإذا كان الأمر كذلك فإن فهم أحكام الجهاد وتنزيلها على الواقع إنما يرجع إلى العقل الراجح السليم الذي يستمد نوره وبصيرته من نور الوحي ومِشكاته وإشاراته ودِلالاته ، والذي لا يقدم أهواء النفوس ، ونزعات العواطف ، على الأحكام البينات ، والنصوص القواطع .

وإذا كان فهم الجهاد ليس بمنأى عن العقول الراجحة ، فإن ممارسته على أرض الواقع ليست أيضاً بمعزل عن ميزات الحكمة ، ومنطق المعقول ، إذ لا يتصور جهاد صحيح بغير حساب دقيق لمصالح متحققة ، ومفاسد متوقعة وإلا كان الجهاد نوعاً من العبث بالأرواح ، والاستهانة بالدماء والأعراض والحرمات.

والجهاد كحكم شرعي إنما هو خطاب من الله بكل ما تحمله هذه الكلمة من قدسية هذا الخطاب وعظمته  ومراعاة مصالح العباد في عاجلهم وآجلهم ، فإذا خرج الجهاد عن هذا المضمون بإحداث معصية ، أو تجاوز لمقصود لم يكن خطاباً من الله تعالى بل وترتب على القيام به إثم صاحبه وإلحاق الضرر بالمسلمين.

والجهاد كحكم شرعي إنما هو خطاب يتعلق بفعل المكلف و لن يكون هذا الفعل صحيحاً إلا إذا كان موافقاً لمقصود الحق من تشريعه ، و منضبطاً بالمنهج والسبيل الذي وضعه الشارع لتحقيق مقصود الجهاد في سبيل الله تعالى وهو أن تكون كلمة الله هي العليا ، عن أبي موسى قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). أخرجه البخاري ومسلم .

والجهاد كحكم شرعي إنما هو خطاب من الله تعالى للمكلفين بكل ما تحمله كلمة مكلف من مضامين.

- فهو مكلف أي يؤدى ما أمره الله تعالى به مع نوع مشقة تلحق به يقتضيه مقام أنه عبد وأن الذي أمره هو سيده: 

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ   البقرة: ٢١٦

- وهو مكلف فلابد أن تكون عنده أهلية التكليف من عقل يميز به ورشد يكمل به عقله وقدرة حقيقية يستطيع أن يؤدى بها ما أمره الله تعالى على مقصوده و لتحقيق غاياته .

- وهو مكلف بما يستطيع  لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً ۚ إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة: ٢٨٦

فإن لم توجد أسباب التكليف ، وعدمت شروطه ووجدت موانعه لم يكن ثَمَّ تكليف . بل قد يكون القيام بالتكليف مع وجود الموانع و انعدام الأسباب محظور شرعاً لمخالفة ما أمره الله به.

    فالجهاد , هو في ذاته واجب كفائي على المسلمين ,  لكن هذا الوجوب إنما يتحقق كحكم شرعي . عند وجود الأسباب الشرعية التي هي علامة على إيجاب الله تعالى القتال في سبيله و كذلك لا يتحقق إلا بوجود شروط شرعية صحيحة يترتب عليها التكليف وإذا وجدت موانع شرعية تحول دون حدوث الجهاد لم يكن الجهاد مع وجودها صحيحاً . وهكذا في كل حكم شرعي.

وإهمال هذا النظر في فهم الجهاد هو أحد الأسباب الخطيرة التي دفعت الكثير إلى الدخول في معامع الجهاد دون النظر إلى أسبابه و شروطه و موانعه.

   وإذا لم يفهم المجاهد ذلك اختل عنده مفهوم الجهاد  وأصبح يفهم الجهاد فقط من أقوال المتحمسين و صرخات المستغيثين و المعذبين من أمة محمد صلى الله عليه و سلم في زمان قل ناصروه ، وكثر واتروه

ولأن الجهاد في هذا الزمان مع قلة العلم وكثرة الجهل وتتابع المحن ووجود الدواعي أصبح حكماً شرعياً يتعين على كل مجاهد أن يفهمه حق فهمه إذا أراد أن يجاهد في سبيل الله جهاداً ترفع به  درجته ، و تعز به أمته ، و تنصر رايته.