حقوق ومساواة
رغداء زيدان/سوريا
[email protected]
صدرت مؤخراً دراسة عن مؤسسة " فريدوم هاوس" الأمريكية بمناسبة اليوم العالمي
للمرأة عن وضع النساء في منطقتنا شملت 18 بلداً. وجاء في الدراسة أن وضع المرأة شهد
تحسناً في 15 بلداً من هذه البلدان في السنوات الخمس الأخيرة, بينما ساءت ظروف
النساء في ثلاث دول هي العراق وفلسطين واليمن.
والملفت في مثل هذه الدراسات هي المعايير التي يتم على أساسها تقييم وضع المرأة,
وهي معايير أقرتها دراسات غربية تعبر عن الرؤية والفكر الغربي تجاه هذه الأمور.
وعلى اعتبار أن معظم الباحثين والمثقفين وحتى الناس العاديين عندنا يتبنون مثل هذه
الدراسات باعتبارها دراسات علمية محايدة لأنها صدرت عن مؤسسات غربية عريقة في
مجالها, فإن نتائج هذه الدراسات تصبح بالنسبة لنا مصدراً أساسياً في تقييم وضع
المرأة في بلداننا, بغض النظر عن دراساتنا الخاصة التي يجب أن يكون لها معاييرها
الخاصة كذلك, والتي تعبر عن مشكلاتنا الحقيقة وواقعنا المطابق.
فعلى اعتبار أن عمل المرأة خارج البيت هو مؤشر على تحسن أوضاعها سواء من ناحية
الاندماج في المجتمع والمشاركة فيه أم من ناحية الاستقلال المادي, لا تهتم الدراسة
ولا من يتبناها بهموم المرأة العاملة التي تُحمّل فوق أحمالها حملاً جديداً,
فالمرأة العاملة يزيد عليها عبء العمل خارج البيت دون أن يُنقص ذلك من عبئها داخل
البيت شيئاً, وتصبح مسؤولة عن ترتيب أمورها وتنظيم وقتها, والعمل على التوفيق بين
عملها خارج البيت وعملها داخله, دون أن يحمل الرجل معها إلا القليل من تلك الأعباء
الملقاة على كاهلها باعتبارها ربة البيت وهي المسؤولة عنه.
وفي عملها تتحمل غلاظات كثيرة, ومضايقات أكثر, ليس أقلها تعرضها للتحرش من هذا
وذاك, فمن صعودها للباص (الذي عاد لنا بشكله الواسع الصالح لحشر عشرات الناس في
مكان واحد) ووقوفها فيه, دون أن يتحرك أي رجل من القاعدين ليجلسها مكانه لأنها وفق
وجهة نظر المجتمع هي التي خرجت من بيتها وهي التي تريد التحرر! (بالمناسبة هنا
ظاهرة "شهامة" الرجال صارت تضمحل يوماً بعد يوم لاعتبارات كثيرة قد تحتاج لبحث خاص
بها).
وعدا عن معاناة استخدام المواصلات هناك زملاء العمل وطريقة تعاملهم معها, فإذا لم
ينظر الموظف لزميلته على أنها "لقطة" يحلّ له التحرش بها ومضايقتها بأساليب عديدة,
فإنه في أحسن الأحوال يتعامل معها على أنها أقل قدرة ومقدرة منه في تسيير العمل,
(وهنا لا أنكر أن هناك موظفات متواكلات بل ووصوليات ولكن بنفس الوقت هناك موظفات
مجتهدات وقديرات).
هذه الدراسة أغفلت كل هذه "المحاسن" لعمل المرأة واعتبرت أن عمل المرأة في البيت هو
بطالة, ليس لها مردود اقتصادي, وبالتالي لا تدخل المرأة التي لا تعمل خارج بيتها في
تصنيف النساء اللواتي تحسنت ظروفهن, مع أن ربة البيت, ومن ناحية اقتصادية, تقوم
بأعمال كثيرة لو قام بها غيرها لاعتبر منتجاً, فهي خادمة وطباخة ومربية أطفال
وبستانية وحارسة منزل كذلك, وكل هؤلاء يعتبرون وفق التصنيف الاقتصادي الغربي عمّال
منتجون بينما المرأة التي تقوم بأعمالهم كلها دون أن تقبض أجرة لقاء عملها هذا,
تعتبر عاطلة عن العمل وبالتالي فظروفها لم تتحسن!.
عندما تغفل هذه الدراسات ذلك الظلم الذي يقع على المرأة بكافة أشكاله التي تحدثنا
عنها والتي لم نذكرها بعد والتي تندرج ضمن المشكلات التي يعاني منها الرجل والمرأة
معاً في مجتمعاتنا إلا أن المرأة تنال النصيب الأكبر من ذلك الظلم الاجتماعي,
وتركّز على الجانب الاقتصادي أو التشريعي فيما يخص جرائم الشرف بالذات, (التي هي
جرائم غير شريفة بالمرة, وهناك ما هو أبشع منها وأكثر قذارة بكثير يُمارس على
المرأة دون أن يكون له أي تشريع يجرّم فاعله), فهي دراسة ناقصة متحيزة لمعايير
وأفكار وقيم ليست لنا, ولكن هناك من يريد أن تكون هي معيارنا في التعامل مع المرأة.
ومن جهة ثانية ففي البلدان التي أشارت الدراسة إلى تدهور وضع المرأة فيها أرجعت
السبب لنشوب "أعمال عنف" (انظروا للتعبير كم هو لطيف!, أعمال عنف وليس جريمة مستمرة
بحق الرجال والنساء والأطفال والحيوان وكل ما هو هناك). هذا الوصف الذي أغفل
مسؤولية الاحتلال عن معاناة المرأة في الأراضي المحتلة, واعتبر أن "أعمال العنف"
منعتها من العمل والدراسة, نسيت أو تناست معاناتها الأهم في فقد الزوج والأخ
والابن, وفي تحمّل مسؤولية بيت ليس فيه سقف يحمي من عوامل الطبيعة ولا أثاث يخدم,
ولا كسرة خبز تسد رمق الجائعين أحياناً, لكن قد تجد فيه طفلاً مريضاً لا يملك
العلاج بسبب الحصار والحرب, أو مصاباً مقعداً ككومة لحم تنتظر الهلاك, كل هذا لم
يلفت نظر الدارسين لأوضاع المرأة وتحسروا على جلوسها في البيت دون عمل!.
متى سيأتي اليوم الذي تقوم به مؤسساتنا البحثية بعمل دراسات خاصة بنا تعبر عن
واقعنا نحن وفق معاييرنا نحن لا وفق معايير مستوردة, هي في أحسن الظن معايير جاهلة
بواقعنا, وفي أصدق الظن معايير تستهدف توجيهنا لتصبح نساؤنا قشرة خارجية فقط لنموذج
المرأة العالمي المفروض؟