الخطاب العربي الإسلامي...

هايل عبد المولى طشطوش

الواقع والمأمول

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

إن امتنا اليوم – وفي ظل هذا التشابك الرهيب في العلاقات الدولية، وطغيان المصالح عليها ، واضطراب أحوال الكون ، وولوج البشرية مرحلة جديدة من مراحل حياتها –بحاجة إلى أن  تحتل موقعها الذي تستحقه في المصفوفة الكونية ، ويجب أن تأخذ حقها على خارطة الكون ،لا أن تظل مهمشة منسية تنهش بها القوى الطامعة ،تنهب خيراتها وتستغل إمكانياتها  وتشرذم أوصالها وتفكك بنيانها ، وتهدم أساساتها لكي لا تقوى على الحراك والاستيقاظ ، لذا  -  والحالة هذة-  فان الواجب يحتم على كل فرد فيها أن لا يعتبر نفسه شيئا بسيطا لا قيمة  لة ، بل يجب أن يشعر أنة جزء من الحل وأنة يشكل رقما هاما لا يستطيع العالم تجاهله والتغاضي عنة ، وان أولى الواجبات في هذا المقام هي : أن يعرف العالم كله من شرقه إلى غربة حقيقة العروبة والإسلام ، ويدرك أهميتها ويعلم ان العالم لا يستطيع تجاوز العرب والمسلمين مهما وصل من التطور والتقدم ، فهم خاصرة الحضارة وأصل العلوم ، وعلى زوايا عالمهم ستنهض البشرية من كبوتها الغارقة في المادية لتجد أن هذة الأرض بكل ما تحتويه هي الحل القادم ...!!

      ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا :  ما هو السبيل الى ذلك ؟ وما هي الطرق والوسائل التي يتوجب إتباعها لإيصال رسالة الأمة إلى الأخر؟  ولعلنا نجيب هنا ونقول : بان الحل بأيدينا وبين ظهرانينا ، ألا وهو الخطاب العربي الإسلامي الناضج الحضاري الواعي المتحضر المنطلق من الثوابت العربية الإسلامية  والقيم العليا لهذه الأمة ، وفي السطور القادمة سنتعرف على الثوابت والأسس والمرتكزات التي يتوجب ان ينطلق منها الخطاب العربي الإسلامي إلى الأخر.

 مفهوم الخطاب :

     إن معنى الخطاب في اللغة العربية هو:" الكلام والرسالة ، وفصل الخطاب هو ما ينفصل بة الأمر من الخطاب " ([1])   وهو كذلك بمعنى :" الإفهام ،أي إفهام من هو أهل للفهم " ،  وقد وردت هذة الكلمة في القران الكريم في عدة مواضع ، وهي تعني التكلم مع الأخر ، خاطبة أي تكلم معه بقصد بيان وجه الحق والصواب .

 المفهوم الحديث للخطاب :

الخطاب هو اصطلاح فلسفي يعني : المنهج او ألطريقه التي يفكر بها فلان من الناس ، وهو أيضا تصوره  في التعبير عن ارائة وافكارة ومعتقداته " .

   وقد دخل هذا المفهوم إلى الفكر الإنساني عامة ، فهناك الخطاب السياسي والخطاب الثقافي([2]) والخطاب الإعلامي والخطاب الديني والخطاب الفني ،والخطاب قد يكون خطابا رسميا وقد يكون خطابا شعبيا ، وبناء على ما سبق فإننا نقول ان الخطاب العربي  الإسلامي معناه " الطريقة او الوسيلة او المنهاج الذي يستخدمه العرب والمسلمون لإيصال أفكارهم وتصوراتهم وآراءهم ومواقفهم الى الآخرين " . ([3])

 مرجعيات الخطاب العربي الإسلامي:

      لاشك أن لكل  امة خصوصية معينة تميزها عن غيرها،  ولها مرجعيات وثوابت تنطلق منها في منهجها وتصوراتها وممارساتها ، وامتنا لها من كل ذلك الشيء العظيم والمراجع الاساسيه الهامة ،التي تشكل منبع لمفردات خطابها الحضاري والإنساني،  وان أهم منطلقات الخطاب العربي الإسلامي هي : 

 1.    القران الكريم :

     ينبغي ان يكون القران الكريم هو الهادي والمرشد الذي ترتكز علية مفردات الخطاب العربي الإسلامي ، لأنة دستور لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه  ، ففيه مفردات الخطاب السياسي والخطاب الإعلامي والخطاب الديني والخطاب الثقافي ... للامة ، وبالتالي فان الأمة عند تصديها لتوضيح صورتها أمام العالم وبيان حقيقتها ، تستطيع أن تبين أن القران الكريم قد احتوى النصوص الكريمة الداعية لهداية البشرية وصلاحها ، مستخدمة أسلوب الدعوة بالحوار الهادئ الهادف المتمدن ، المتسم بالحكمة والموعظة الحسنة ، واللين واللطف والأخلاق العالية ، لان الإسلام ما جاء إلا بكل هذه المثل والمبادئ وغيرها من مكارم الأخلاق الأخرى ،لأنة في الأساس دعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي المنكر. وفي المبادئ الإسلامية من المرونة والسماحة ما يصلح المجتمع البشري كله، ويقدم له أصدق الحلول لمشاكله وقضاياه من خلال الإيمان بالله والأخلاق وقيام المسؤولية الفردية في ظل الإيمان بالبعث والجزاء."([4])

 2. السنة المطهرة والسيرة النبوية العطرة :

إن تتبع الأمة لمسيرة  نبيها والاهتداء بالطريق القويم الذي سار علية وتضمين ما جاء بة في مفردات خطابها إلى الأخر ، لهو ركيزة هامة ولبنة قوية في جدار بيتها ، فقيم الأخلاق الفاضلة كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد والوفاء بالالتزام والرحمة والإخاء والتسامح والحوار.....الخ كلها قيم جسدها محمد (ص) في حياته الكريمة .

 3. قيم الحضارة العربية الإسلامية :

إن ماضي العروبة وتاريخها حافل بالأمجاد والتراث العظيم الذي شكل حلقة هامة في سلسلة المعرفة الانسانيه والتراث الإنساني إلى الأبد ، فالعلوم والمعرف التي يتباهى بها العالم اليوم هي نتاج جهد عربي إسلامي ، إضافة إلى أخلاقيات العرب والمسلمين التي كانت مثالا يحتذى على مر الأزمان حيث كانوا أهل وفاء وصدق وحمية ونخوة وتسامح وعطف وكرم وشهامة ... الخ ، إضافة إلى علاقاتهم السياسية مع غيرهم من دول الجوار ، والتي تشكل أسس ومبادئ عالية الرقي تصلح لان تكون مبادئ في العلاقات الدولية المعاصرة المبنية على المصالح فحسب ! .

مميزات الخطاب العربي الإسلامي :

 لاشك ان خطاب أية امة هو المعبر الحقيقي عن هويتها وتراثها وأصالتها وتميزها عن الآخرين ، والخطاب هو الناقل الرئيسي لهموم وقضايا الأمم والمدافع عن مصالحها وقضاياها وثوابتها ، والمبشر بأفكارها وتصوراتها والمعبر عن أمالها ، لذا فان لكل خطاب مميزاته وخصائصه التي تنسجم مع ثوابت الأمة وخصوصياتها ، لذلك فان الخطاب العربي الإسلامي ينبغي أن يحمل المميزات والخصائص التالية :

1. الارتكاز والانطلاق من ثوابت الأمة العربية والإسلامية التي لا تتغير ولا تتبدل ، ولا يجوز التهاون والتفريط بها ، على اعتبار أنها هوية الأمة وخصوصيتها .

2. العصرية المنسجمة مع الثوابت والقناعات ، وفي هذا المقام يقول د. عبد العزيز التويجري:" ان المناهج والأساليب تتجدد بتطور المجتمع وبنشؤ ظروف جديدة تتطلب المسايرة والمواكبة والتكيف ، ولكن المضامين – في المنظور الإسلامي – لا تتجدد إلا بالقدر الذي يزيدها وضوحا وإشعاعا وتأثيرا " ([5]) ، إن سرعة تغير الظروف الدولية سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي او التقني تفرض على الخطاب العربي الإسلامي سرعة التحرك والتطور ليتلاءم مع هذه التغيرات وإلا وجد نفسه مغردا خارج السرب ، إذن يجب أن يكون خطابا ديناميكيا حركيا فاعلا .

3. إن النقطة السابقة  تنقلنا إلى نقطة أخرى وهي المرونة والتجدد ليتلاءم مع البيئات المتغيرة ، والأحوال المتبدلة التي أصبحت لا تعرف الثبات والاستمرارية .

4. يجب ان ينسجم أسلوب الخطاب مع التوجيه الإلهي لهذه الأمة ولنبيها الكريم بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، لكي تصل الرسالة المرجوة وتتحقق الغاية المطلوبة بكل يسر وسهولة ، وكذلك لضمان قبولها من الأخر واقتناعه بها ، وهذا ينقلنا الى موضوع أخر وهو أدب الحوار الذي هو من أهم أخلاقيات الإسلام العظيم ، بعيدا عن العنف والتطرف والتهور والاندفاع ، مع الالتزام بالوسطية والاعتدال في كل شيء.

5. أن يحمل قضايا الأمة وهمومها إلى الأخر ويجليها بكل شفافية ومصداقية ، مستخدما الأسلوب العلمي المتميز الذي يرى انة الأفضل والأوضح .

6. أن تكون غايته هي الإصلاح والتجديد والارتقاء بالأمة ، ودفع الشبهات عنها لتأخذ دورها الحضاري والإنساني الذي أرادة الله لها .

الصعوبات والتحديات :

       لاشك ان تغير الظروف العالمية  وتسارع وتيرة الأحداث الدولية وتنوعها وظهور مفاهيم ومصطلحات جديدة في فضاء العلاقات الدولية وانعكاسها سلبا على واقع امتنا العربية الإسلامية شكل معضلة رئيسية تحول دون وصول خطاب الأمة إلى الأخر وبالتالي ساد – او بداء يسود- منطق الصراع الحضاري بدلا من التحاور والتلاقي على قواسم مشتركة كثيرة تجمع بين بني الإنسان ، كل ذلك وغيرة من الظروف والعوامل الداخلية الأخرى شكل عامل تحدي للخطاب العربي الإسلامي وجعله خطابا هزيلا لا يصل مداه خارج الأفواه ، لذا فإننا نستطيع أن نحدد تحديات الخطاب العربي الإسلامي بما يلي: ([6] )

 1. التحديات الداخلية :

      إن الظروف التي مرت بها الأمة من استعمار واحتلال وقهر وتشريد واغتصاب أجزاء  كبيرة من أراضيها واختزال سيادتها على أراضيها ، ساهم في ظهور حالة من الفقر والتخلف (العلمي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي ....) ، بالإضافة إلى الخلافات الداخلية بين أبناء الأمة وعدم تحديد المرجعيات ،على مدار عقود من الزمن ، كل ذلك وغيرة ساهم في إيجاد حالة من الإحباط واليأس والتقوقع وغياب الحماس والاندفاع   لدى الإنسان العربي والمسلم ، بالإضافة إلى التخلف الاقتصادي والاضطراب السياسي والتراجع العلمي والثقافي والإعلامي  مما اثر عميقا على مفردات الخطاب العربي الإسلامي وجعله ضعيفا هزيلا  لا يقوى على إيصال صوته إلى الأخر .

 2. التحديات الخارجية :

إن أطماع الأمم المستعمرة في هذة الأمة  وخيراتها وما تحتويه من مكاسب بالنسبة لهذه الدول ، جعلها دائما في موضع الفريسة المستهدفة ، لذا فان الطامعين بها سعوا ومنذ البدء الى جعلها ضعيفة هزيلة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا وحجب كل ما من شانه أن يعمل على تغيير حالها ، مما انعكس سلبا على واقع الخطاب فيها  فاستمد ضعفه من ضعفها ، وافتقر إلى مقومات القوة والمهنية والعلمية ، وطغت علية السلبية أكثر من الايجابية .

إن غياب الإعلام القوي الهادف الذي يحمل الرسالة ويوصل الخطاب إلى الأخر ، أيضا كان لة الدور الأكبر في ضعف مفردات هذا الخطاب وغيابه عن الساحة الدولية .

 ان من اكبر التحديات التي يواجهها الخطاب العربي الإسلامي هي العولمة بكل ما تحتويه من تجليات وتحديات وتغيرات سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الأمني والعسكري ، وهذا ما اشرنا إلية سابقا من أن  الخطاب يجب أن يكون عصريا حركيا ديناميكيا سريع التغير مستخدما أساليب حديثة متطورة متناغمة مع مجريات الأحداث الدولية ومواكبا لمتطلبات الحداثة وتسارع العولمة ومستجداتها .

المستقبل والحلول :

أسلفنا بان الظروف الدولية والواقع المعاش هي  مؤثرات هامة على مجرى الخطاب العربي الإسلامي ولا يمكن تجاهلها او التغاضي عنها ، لذا فان حالة الضعف العام والعفوية والتشدد وضيق الأفق ، وقصور النظر عن المستقبل ، والركون إلى الخلافات والاختلافات ، بالإضافة الى حالة الفقر والأمية والجهل ،  والتخلف عن مواكبة الثورة العلمية والتقنية ،....... الخ ، وكل المظاهر السلبية التي يحيا في ظلها هذا الخطاب، هي سلبيات  يجب آن تسعى الأمة للتخلص منها  ونبذها لأنها معوقات ستبقي الخطاب يعيش في حالة من  عدم المصداقية والثقة وقلة التأثير في  الأخر الذي نريده  أن يعرف حقيقة عروبتنا وإسلامنا ، وخاصة في ظل الصورة القاتمة التي ينقلها الإعلام الغربي عن العرب والمسلمين .

 لذا فان المستقبل يجب أن يشهد تطورات وتجليات تنقل الأمة وخطابها إلى مصاف الأمم لتأخذ دورها الإنساني وتساهم في صياغة التاريخ البشري بكل فعالية وحيوية ، ومن الخطوات التي يمكن للأمة إتباعها ما يلي :

 1. اعتلاء ناصية العلم والمعرفة ومسايرة التطورات العلمية والتكنولوجية ، والتخلص من الأمية والجهل الذي يدب في أوصالها .

2. نبذ الخلافات السياسية ، التي تشرذم  الأمة  ولا تحقق غاية أو نتيجة.

3. صناعة إعلام قوي هادف مدعوم بالطاقات المتعلمة المتدربة التي تحمل مشروع الأمة بكل حماس وصدق وفاعلية إلى الأخر بأسلوب حضاري،  وحكمة وموعظة حسنة ، بعيدا عن التشدد والتشدق .

4. التضامن بين أبناء الأمة الواحدة والتعاون وتوحيد الجهود والتنسيق المستمر ، للخروج بخطاب موحد المضامين ، مشترك الأسلوب  ، يعبر عن الأمة بأجمعها .

5. لا يمكن للخطاب العربي الإسلامي الخروج من عقدته إلا  بتحرير العقل من التقليد والجمود ، وفتح أفاق التطور والتقدم أمامه وذلك من خلال الاستفادة والتعلم من تجارب الآخرين ، واخذ الايجابيات النافعة والابتعاد عن السلبيات .

6. تقديم البدائل والحلول لمشكلات العالم ، لا أن نكتفي بالانتقاد وتوجيه التهم للآخرين .

7. ان يسعى كل واحد في الأمة أن يكون قدوة يحتذى لغيرة من بني البشر ويضرب الأمثلة الحسنة النابعة من أخلاقيات العروبة والإسلام .

 8. الاعتزاز والفخر والتباهي باللغة العربية والإسلام في كل محفل ومقام ، لا أن نستحي بديننا ولغتنا ، فعندما نخجل منهما يستهين بنا العالم كله .

وأخيرا نقول إن الخطاب العربي الإسلامي المعبر عن هموم الأمة وقضاياها وآمالها وألآلآمها ، هو الخطاب  المبني على العلم والمعرفة الذي يستجيب لمتطلبات المستقبل المواكب لركب الحضارة الإنسانية ،  المحافظ  على الثوابت ، وبمعنى أخر هو الخطاب الذي يجمع مابين الأصاله والمعاصرة ويوائم بينهما، وإلا  فان سيل العولمة الجارف لن يرحم احد.

              

[1]) )   إبراهيم مدكور ،  المعجم الوجيز ، القاهرة  ،1989 ، ص 202 .

[2]) )  للمزيد عن تحديات الخطاب الثقافي العربي يمكن مراجعه : نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 265 ، ينلير 2001.

[3]) )  للمزيد انظر: عبد العزيز التويجري ، العولمه والعالم الاسلامي  ، ص 160 – 162 .

[4]) ) للمزيد راجع : محمد اركون ، مقاربه الوعي العربي الإسلامي المعاصر ، في الموقع الالكتروني ،www.balagh.com

- للمزيد انظر : محمد عمارة ، العرب والتحدي ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد29،أيار 1980 .

[5]) )للمزيد انظر عبد العزيز التويجري ، مصدر سابق ، ص 163.

- أيضا يمكن الرجوع إلى :نبيل شبيب ، الخطاب الإسلامي تطوير أم استئصال ، على الموقع الالكتروني : www.aljazeera.net

[6]) ) للمزيد من الفائدة يمكن الرجوع الى : http// www. Almesssiri.com