مغازلة في رمضان !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

الشخصية الإسلامية المتدينة فى المسلسلات والأفلام ؛ شخصية فصامية نكدة متجهمة فيها من القبح أكثر مما فيها من الحسن ، وقد دأب تجار المسلسلات والأفلام منذ زمن بعيد على تقديم نمط يكاد يكون واحداً ومتشابهاً وكريهاً أيضا ، يمثل الشخصية الإسلامية المتدينة وحدها دون أن يجرؤ هؤلاء التجار على المساس بالشخصية المتدينة غير الإسلامية .. ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى ضعف المسلمين وانهيارهم وخنوعهم وخضوعهم للاستبداد والتسلط فضلا عن القهر الاستعمارى الذى يمارسه الغزاة النازيون اليهود فى فلسطين وما حولها ، أو المتوحشون الغربيون الغزاة بجيوشهم الجرارة فى بلاد الأمة !

هناك سبب آخر يسهم فى تصوير الشخصية الإسلامية المتدينة فى هذه الصورة النكدة ، وهو أن معظم العاملين فى تجارة الأفلام والمسلسلات وتسويقها ينتمون إلى فكر دنيوى يكره الدين عموماً والإسلام خصوصاً ، ومرجعيتهم فى ذلك ما يقدمه الغرب الاستعمارى المتوحش من نماذج فنية ، تنحو إلى الكسب أو الربحية على حساب الإنسان البشر بأخلاقه وقيمه ومعتقداته ، وهو ما نراه الآن يمثل حالة " طبيعية " فى الغرب ، تندرج تحت مسميات فضفاضة ومرواغة ، مثل حرية التعبير ، وحرية الفكر ، وحرية الأشخاص .. فالشركات الغربية ومؤسساتها وكارتلاتها تبيع وتشترى فى الإنسان رجلاً وامرأة ، وكانت تجليات ذلك واضحة فى عروض الأزياء ، والأفلام الإباحية ومسرحيات البورنو ، وإضفاء الشرعية على علاقات المثليين الشاذة ، والدفاع عنها على مستوى العالم ... إلخ

الشخصية الإسلامية المتدينة لقيت تسفيها وتشويها وتجريحاً بلا حدود ، منذ بدأ الحديث عما يُسمى الإرهاب والعنف المتبادل بين السلطات البوليسية الفاشية فى العالم العربى وبعض الجماعات المنسوبة إلى الإسلام ، وقد لا يُعبّر بعضها عنه أو لا يمت إليه بصلة .. ولكن القوم جعلوا من المسلمين جمبعا ، فضلا عن الإسلام صورة شريرة ينبغي استئصالها ومحوها من الوجود.

وقد أخذ تجار الدراما والتسلية فى عالمنا العربى فرصتهم ، بدعم من السلطات البوليسية الفاشية فى تصوير المسلم المتدين أو المسلمة المتدينة بصورة شاذة وقبيحة ودموية ، ومعادية للحياة والناس والحضارة ، ومعانقة للجهل والتخلف والتعصّب .. ولعل أفلام عادل إمام ، كان لها قصب السبق فى هذا السياق ، فقد رأينا " الإرهابى " أى الشخص المسلم المتديّن سفّاحاً وقاتلاً ومستحلاّ لأموال غيره ، وشهوانياً يبحث عن النساء بكل وسيلة .. قد يقول قائل : إن مثل هذه الشخصيات موجودة فى المجتمع .. وسأرد بالإيجاب .. ولكن ألا يوجد مسلم متزن يمتلك البشاشة والمعرفة والوعى والفكر والقدرة على التعامل مع غيره من الناس ؟ ولنفترض أن هذا المسلم غير موجود أفلا يمكن للدراما والأفلام والمسرحيات أن تصنعه بطريقة و أخرى؟ لقد خلت أفلام عادل إمام ، والمسلسلات التى سارت على نهجه من هذا النموذج الطبيعى الذى يعبّر عن الإسلام وروحه السمحة المحلقة فى فضاء إنسانى بشرى رحب ، يحب الحياة ويستمتع بها ، ويشارك الآخرين أحزانهم ومسرّاتهم ، ويتعامل مع غير المسلمين بالحسنى والمودة والتواصل الإنسانى الحميم .

المقصود فى كل الأحوال ، أن تناغى تجارة الدراما والأفلام جهات معينة ، لتثبت  ولاءها بالدرجة الأولى ، وتقول للناس ، نحن – المستنيرين – نملك وحدنا حق الإدانة والبراءة لمن هو متدين أو من هو غير متديّن .. وهى وصاية غير مقبولة وغير خلقية وتمثل افتئاتا على الواقع والناس والإسلام جميعاً ؛ وخاصة ممن يكرهون الإسلام !

المجتمع ملئ بالأخيار والشرار ، فلماذا التركيز على النوع الأخير وتقديمه مرادفا للإسلام والمسلمين ؟

إنها جريمة كاملة بكل المقاييس ، يرتكبها تجار الدراما مثلما يفعل زعماء الغرب الاستعمارى المتوحش كل يوم ، وعلى مدار الساعة ، من قتل وتدمير وتخريب ضد شعوب الأمة فى أفغانستان ، وباكستان والعراق وفلسطين والشيشان .. ثم نسمع منهم أنهم يقتلون " الإرهابيين " !

هل مئات الألوف الذين يُقتلونهم كلهم من الإرهابيين حقا ؟ نفترض أن بينهم مائة أو ألف إرهابى ، فلماذا يقتلون الفقراء البسطاء الآمنين الذين لا يعرفون أسماء زعماء الغرب أو الصهيوينة ؟

إنها جريمة الكذب المفضوح الذى يسعى إلى أهداف أخرى ، ويضلّل الناس ويخدعهم ويمكر بهم ، وفى الوقت نفسه يبدو ممثلاً لدور البرىء المتحضر الضحية ؟

فى أوائل رمضان الحالى 1428هج ، رأيت حلقة أصابتنى بالاشمئزاز والتقزز من مسلسل بليد ، مفتعل الأحداث ، سمج الشخصيات ، يقدم فيه ولداً طالباً بكلية الحقوق يطلق لحيته ويعقّ والديه ويضرب أخته بوصف ذلك " ديناً " ، وفى الوقت نفسه يتلصص على الجيران ويسعى لإقامة علاقة مع زميلة له دون أن يراعى أبسط قواعد الإسلام ، وينتمى إلى مجموعة تكره الحياة والأحياء .. فى المقابل نجد شخوص المسلسل يعيشون وكأنهم لا يعلمون شيئاً عن الإسلام وأخلاقه وتعاليمه ، وهؤلاء هم البديل الذى يقدمهم المسلسل " التنويرى " !

تمنيت أن تكون هذه " الموضة " بتصوير المسلم المتدين الفصامى فى تفكيره وسلوكه ، المتوحش فى علاقاته وتعاملاته ، قد انتهت بإلقاء آلاف الشباب فى السجون وقضاء زهرة  شبابهم وراء القضبان ، وخروج بعضهم مجرد هياكل بشرية محطمة لا حول لها ولا شأن ، ولا تجد قرشا تنفقه .. ويبدو أن بعض تجار المسلسلات حريص على " البزنس " من خلال مغازلة السلطات البوليسية الفاشية ، وقوى الإجرام الاستعمارى التى حرمت الأمة كلها ، حق الحياة الحرة الكريمة النبيلة ، بعد أن سلبتها قوتها وثروتها وشرفها ، وأملت عليها شروطها الشريرة .. فإلى متى يستمر هذا " الغزل " وذلك " البيزنس " ؟