للتضحية معان مختلفة
ومضات محرضة:
عن معاني الصفقات المألوفة!
عبدالله القحطاني
التضحية تحمل نوعاً ما ، من أنواع التجارة ! وربّما كانت تحمل صورة جزء من صفقة .. إلاّ أنها تجارة من نوع مختلف ، وصفقة من نوع خاصّ مميّز ! وهي ذات صور متنوعة ، من أهمّها :
· التجارة مع الله : وهذه أهمّها وأسماها ! وتدخل فيها التضحية بالمال ، والوقت ، والجهد ، والنفس ، والولد .. في سبيل معانٍ سامية ، وأهداف نبيلة ، منها المحافظة على الدين ، والوطن ، والكرامة ، والعرض ! ومن أهدافها النبيلة كذلك : مقاومة الظلم ، وإنصاف المظلومين ، وإعانة المحتاجين ، وإغاثة المضطرّين والملهوفين.. وسائر الأعمال الجليلة ، الرامية إلى نفع الناس .. ويقصَد بها وجه الله ، وابتغاء ثوابه، يومَ القيامة !
· التجارة مع النفس : وهذه يمارسها أصحاب المروءات ، والأخلاق السامية ، والنفوس الكريمة النبيلة .. التي تشعر بالسعادة ، عندما تقدّم نفعاً للآخرين ، دون أن تحسّ بأيّة حاجة إلى ثمن مقابل ، حتى على سبيل الشكر! فجزاؤها على فعلها ، تحصل عليه من رضاها عن ذاتها ، ومن السعادة الداخلية ، التي تحسّ بها لقاء فعل الخير! كمَن يسارع إلى إطفاء حريق ليس له به علاقة ، أو إنقاذ إنسان لايعرفه مشرف على الهلاك غرقاً ، أو التصدّي لوحش كاسر يحاول افتراس شخص ما !
· التجارة المعنوية مع الناس : وهي أن يبذل المرء ، من ماله وجهده ونفسه .. ليحظى باحترام الناس ، ومدحهم ، وإعجابهم .. والحصول على مكانة مميّزة في نفوسهم ، دون أن يقصد المضحّي ، توظيف هذه المكانة ، لتحقيق مكاسب أخرى ، سياسية ، أو مالية ، أو نحوها ..! وهذا النوع من التضحيات ، يكثر في المجتمعات المتماسكة ، التي يعَدّ فيها نيل احترام الآخرين ، وإعجابهم ، أمراً هاماً ، لدى أفرادها عامّة ! والمجمتمعات العربية ، من أبرز هذه المحتمعات ، وأكثرها تماسكاً ، من أيام الجاهلية! إذ كانت قبيلة الفرد ، هي مجتمعه الذي يحسّ بالانتماء إليه ، بقوّة عجيبة، إلى درجة أن يضحّي بنفسه وماله ، كي ترضى عنه القبيلة ، وتمدحه ! وهذا شائع كثيراً في التاريخ العربي ، وفي الشعر العربي !
· ثمّة أنواع من التضحيات ، يمتزج فيها عنصران ، من العناصر المذكورة ، أو أكثر.. يزيد أحدها عن الآخر، أو ينقص عنه ، بحسب كل نفس من النفوس المضحية ، وآفاقها ، وطباعها ، واهتماماتها..!
· وقد تخالط النزعةُ المادية ، بعضَ أنواع التضحية ، بشكل خفي في النفس ، أو ظاهرفي تفكير المضحّي .. فتدفعه هذه النزعة المادية ، إلى توظيف تضحيته ـ وهي تضحية حقيقية نابعة من بعض العناصر المذكورة آنفاً ـ توظيفاً مادياً ، لتحقيق مصلحة معيّنة ، مالية ، أو سياسية ، أو اجتماعية ، أو نحوذلك ! فإن لم تتحقق هذه المصلحة ، يبدأ المضحّي بالمنّ ، والأسف ، على ما قدّم من تضحيات لخدمة (أناس لايستحقّونها) !
أمّا الأعمال التجارية البحتة ، كتقديم الخدمات والجهود والأموال ، لقاء مكاسب واضحة معروفة ، فلا تعَدّ من التضحيات ! كمن يرشّح نفسه لانتخابات معيّنة ، تشريعية ، أو بلدية .. و يساعد بعض أبناء دائرته الانتخابية ، في موسم الانتخابات ، ليمنحوه أصواتهم! وكمن يقف موقفاً فيه نوع من الشجاعة ، في مواجهة الظلم ، ليوظّفه في الحصول على منصب ما أو زعامة معينة ! وقد يسجَن بسببه فترة من الزمن ! ويظلّ يَمنّ على الوطن والمواطنين ، بأنه مناضل ، ضحّى بحريته ، من أجل مصلحة بلده .. ليقدّموه زعيماً سياسياً، أو ليقدّموا له نوعاً من الدعم المادي ، أو المعنوي!