حملة (خليك ايجابي)

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

5

4ـ مثلث الإيجابية

والمقصود بمثلث الإيجابية القواعد الثلاث أو الركائز الثلاث التى تقوم عليها الإيجابية ، وهى تأتى فى شكل مثلث ، بحيث إذا اختفى أحد هذه الركائز انهار المثلث , أو بمعنى أوضح اختفى تمامًا !! فما هذه الركائز أو القواعد الثلاث , أو رءوس المثلث الثلاثة ؟

الرأس الأول : الأمانة

فمنذ أول وهلة , والله ينادى نبيه صلى الله عليه وسلم : { يا أيها المدثر قم فأنذر } المدثر : 1ـ2 ، قم للجهد ، قم للسعى ، قم للعمل ، قم للدعوة ، فمن يدرك رسالته ومهمته أو أمانته ينتفض إلى العمل : { قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى ، وسبحان الله ، وما أنا من المشركين } يوسف : 108 ، هذه الأمانة هى خيرعرض من الله ، وحملها الإنسان ، لأنه مناسب لحملها ، وقد هيأه الله لآدائها ، يقول تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها , وأشفقن منها , وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولا } الأحزاب : 72.

وهذا رسول الله بعد الفتح يأتيه على بن أبى طالب ويقول : اجعل لنا الحجابة مع السقاية ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فجاءوا به فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : [ هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم برٍ ووفاء ] ، ونزل فى هذا قول الله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } النساء : 58 .

فالمسلم الذى يؤدى الحقوق ويحافظ عليها ، ويعطى كل ذى حق حقه ، ويؤدى حق الله فى العبادة ، ويحفظ جوارحه عن الحرام ، هو الأمين ، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة دليلاً على الإيمان وحسن الخلق ، فقال صلى الله عليه وسلم :

[ لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ] رواه أحمد .

وعلى ضوء ذلك تتعدد أنواع الأمانات : فى الخلق ، وفي الودائع ، وفى الحديث ، وفى العهد ، وفى العمل ، وفى المسئولية ، وفى التجارة ، وفى الوعد ، وكل هذا الأمانات هى الرأس الأول فى مثلث الإيجابية ، فإن حل محلها الخيانة انهار المثلث ، يقول تعالى :

{ إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيمًا } النساء : 107 .

ويا لها من فضيحة يوم القيامة بين الخلائق ، يوم يأتى من فقد هذا الرأس رافعًا لواء التقصير والغدر والخيانة ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم :

[ لكل غادر لواء يُعرف به يوم القيامة ] متفق عليه .

وهذه خطوات عملية ، لتحقيق الإيجابية فى الأمانة :

1ـ مراقبة النفس أولاً : هل الأمانة عندك محصورة فى الخيانة وحفظ الودائع فقط ، أم فى كل جوانب الحياة ؟ .

2ـ التأكد من أهمية الأمانة : وقناعتك الداخلية بها ، من حيث آثار الخيانة المؤذية ، وآثار الأمانة فى راحة النفس وأمنها .

3ـ ابدأ فى تعليم الآخرين الأمانة : بعد الخطوتين السابقتين ، سواء كان فى الإتقان فى العمل ، أو آداء الواجبات والحقوق ، أو فى الصدق وإظهار الحقائق .

4ـ عدم إجبار الآخرين على الأمانة : لأنها تنبع من الداخل ، والذى باستطاعتك فعله أن تكون قدوة حسنة لهم ، وتساعدهم فى تهيئة مناخ مناسب بالرفق والحسنى .

5ـ تخلق بكل الوسائل التى تجعلك دائم الأمانة مع الآخرين : مثل : حافظ على ممتلكاتهم وأعدها لهم سليمة ، ولا تختلق قصصًا عن حياتك ، والبحث عن إيجابيات الشخص وذكرها قبل نصحه ، وعدم حجب المعلومات والعلوم مهما كانت نيتك ، فالأمانة منهج حياة , وليست هدفًا تستريح بعد الوصول إليه .

الرأس الثانى : المسئولية

معنى المسئولية الإيجابية , هى تحمل التبعة فى الأفعال والأقوال ، والحساب الدائم عليها ، والمجازاة على فعلها ، يقول تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة } المدثر : 38 .

ومعنى الآية : كل نفس رهن كسبها عند الله ، فهى محبوسة به عن الله تعالى ، يقول فى ذلك صلى الله عليه وسلم : [ كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ] مسلم .

والمسئولية ترجع أهميتها فى تحقيق الإيجابية فى أنها دليل استقرار الإيمان فى القلوب ، وتفتح الوعى فى العقول ، فيستجيب الإنسان لنداء الرسالة ، ويندفع لآداء كافة التزاماته الفردية والجماعية ، بكل همة ونشاط وحيوية .

وفى طريق تحقيق الإيجابية تأتى المسئولية بهذه المعانى :

1ـ الإيجابية لا الدعاء وحده ، وفى ذلك يقول على بن أبى طالب : ( من سأل الله التوفيق ولم يجتهد , فقد استهزأ بنفسه ) .

2ـ الإيجابية لا الولاء وحده ، بل إن معنى الولاء الحقيقى حب وعمل ، مودة وفعل ، فهل ينتفع إنسان بقوله : أحب محمدًا ولا يعمل ؟! أحب محمداً ولا يجتهد فى العبادة ؟! .

3ـ الإيجابية لا العلم وحده ، ونترك العمل بالعلم ، حيث نقوم بتعطيل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، أوالتهاون فى زرع الوحدة بين المسلمين ، فالمسئولية شعور وإيمان وتحمل وآداء ، وهذه هى الإيجابية .

4ـ الإيجابية ليست فى جانب واحد ، بل بذل الطاقة فى كل الجوانب ، الفكرية والاجتماعية والمالية ، لصالح الخير وتحقيق الهدف .

5ـ الإيجابية لا الانشغال فقط ، فقد يظن البعض أن الإيجابية انشغال وانغماس فى كل جانب ، ولكن كما قيل : كن منشغلا بما أنت عنه مسئول ، فمن اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم ، ويتحقق ذلك بشيء من التركيز وحسن التصويب .

ومما تجنيه الإيجابية من تحقيق المسئولية ، فتح باب الحرية المنظمة أما الفوضى ، وفتح باب الخير أمام الشر ، وفتح باب البناء أمام الهدم ، وفتح باب الالتزام أمام الاضطراب ، وفتح باب الانتشار لا التقوقع ، وفتح باب الاطمئنان أمام الازدواجية ، وفتح باب النهوض لا التوقف ، وفتح باب الاستمرار لا التعثر ، وفتح باب الثواب الربانى الذى لا ينقطع .

الرأس الثالث : الثوا ب

يقول تعالى : { إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون } الصافات : 60ـ61 .

فهل نريد جنة بلا عمل ؟

وهل نطمع فى الفردوس دون بذل وتضحية ؟

يقول تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض } آل عمران : 133 .

ويقول تعالى : { فاستبقوا الخيرات } المائدة : 48 ، فدين الله تعالى ليس فيه محاباة ، وميزان الحق ليس فيه مجاملات ، وهذا ما أكده النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله : [ من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ] مسلم .

وقد ذكر أبو هلال العسكرى فى كتابه الفروق ، أن هناك فرقًا بين الأجر والثواب ، يقول : إن الأجر قبل الفعل المأجور عليه ، والشاهد أنك تقول : لا أعمل حتى آخذ أجرى ، ولا تقول لا أعمل حتى آخذ ثوابى ، لأن الثواب لا يكون إلا بعد العمل .

والثواب وإن كان فى اللغة هوالجزاء الذى يرجع إلى العامل بعلمه ، ويكون فى الخير والشر ، إلا أنه اختص فى العرف بالنعيم على الأعمال الصالحة سواء كان بدنيًا أو ماليًا أو معنويًا أو إيمانيًا .

ومن أجل أن تكسب الأجر والثواب فى حياتك اليومية ، عليك بهذه الأعمال الإيجابية :

1ـ بطاعة النبى صلى الله عليه وسلم :

 لقوله صلى الله عليه وسلم : [ كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى ، قيل : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعنى دخل الجنة ، ومن عصانى فقد أبى ] .

2ـ بالدعوة إلى الله :

لقوله صلى الله عليه وسلم : [ من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا] .

3ـ بالتمسك بالسنة :

لقوله صلى الله عليه وسلم : [ من تمسك بسنتى عند فساد أمتى فله أجر شهيد ] .

4ـ بنشر الخير :

 وتعليمه للناس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : [ معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان فى البحر ] .

5ـ بالعبادات والنوافل :

 لقوله صلى الله عليه وسلم : [ ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة ] .

ويقول صلى الله عليه وسلم : [ ساعتان لا يرد على داع دعوته : حين تقوم الصلاة وفى الصف الأول فى سبيل الله ] .

6ـ بالصدقة :

قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : [ يا عائشة استترى من النار ولو بشق تمرة ] .

7ـ بتعهد القرآن الكريم :

 لقوله صلى الله عليه وسلم : [ أهل القرآن هم أهل الله و خاصته ] رواه أحمد .

ولقوله صلى الله عليه وسلم : [ اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعًا لأصحابه ] .

 

ثانيًا : مراحل التحقق بالإيجابية

1ـ مراحل الإيجابية فى القرآن الكريم

يقول تعالى : { وهو الذى جعلكم خلائف الأرض , ورفع بعضكم فوق بعض درجات ، ليبلوكم فيما آتاكم ، إن ربك سريع العقاب , وإنه لغفور رحيم } الأنعام : 165 .

المرحلة الأولى : ( المهمة )

فى قوله تعالى : { وهو الذى جعلكم خلائف الأرض } الأنعام : 165، فالخلائف فى الأرض والاستخلاف هى قدر لكل المسلمين ، لينظر الله تعالى كيف تعملون ؟

يقول الإمام ابن كثير : أى قومًا يخلف بعضهم بعضًا ، كما فى قوله تعالى : { ويجعلكم خلفاء الأرض } النمل : 62 ، وقوله تعالى : { ويستخلف ربى قومًا غيركم ولا تضرونه شيئًا } هود : 57 ، وقوله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم : { ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعدهم , لننظر كيف تعملون } يونس : 14 ، فجعل الله هذه المهمة فى خلافة الأرض والمال والحكم ابتلاء منه تعالى .

المرحلة الثانية : ( درجات )

لتشمل جميع الأنواع فى التمايز والاختلاف والتفاوت بين الناس ، فى الأقوال والأجسام والعقول والملكات والمسئوليات والمواقع ، وذلك فى قوله تعالى : { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } الأنعام :165 ، كما قيل فى قوله تعالى : { هم درجات عند الله } آل عمران : 163 ، وما فيها من لفتة قرآنية فى التربية ترتفع فيها الهمم وتتوسع الآفاق نحو سباق حقيقى فى الحياة ، وفى الآخرة توزع المكافأت وفق درجاتهم ومكانة سبقهم فى الدنيا ، حيث لا ظلم ولا محاباة ، وشتان بين الدرجة والدرجة ، لتجرى سنة التدافع فى إثراء وإغناء البشر ، يقول تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا , ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات , ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا , ورحمة ربك خير مما يجمعون} الزخرف : 32 .

المرحلة الثالثة : ( ليبلوكم )

فكل ما رزقنا الله به من أجل الابتلاء ، فهل نجح الإنسان فى تسخير مواهبه للإسلام أما ضيعها ؟ وهل رفع بها شأن أمته أم جعلها معول هدم دون أن يدرى ؟.

يقول ابن حوزى فى تفسير قوله تعالى : { ليبلوكم فيما آتاكم } الأنعام : 165: أى ليختبركم فيظهر منكم ما يكون من الثواب والعقاب .

وفى تفسير البغوى : ليختبركم فيما رزقكم يعنى : يبتلى الغنى والفقير والشريف والوضيع ليظهر منكم ما يكون عليه من الثواب والعقاب .

فالابتلاء يتحول إلى مرحلة أساسية فى طريق الإيجابية ، حيث أنه واقع على جميع البشر ، ليس للتوقف والقعود ، بل إلى السعى والحركة من أجل النجاح فى هذا الاختبار الإلهى ، والفوز بما ينتظرهم من ثواب الله تعالى لمن أفلح فى مواجهته , واقتحام أهواله ، والنجاة من ضغوطه .

المرحلة الرابعة : ( الجزاء )

فى قوله تعالى : { إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم } الأنعام : 165، فهذا الجزاء العادل من رب العزة ، هو الذى يجعل الإنسان يستمر فى طريق الإيجابية ، فلا يركن أو يضعف أو يتوقف أو يسيء أو يكسل ، بل يجعل كل طاقاته بين يدى هذا الجزاء العادل من الله تعالى .

يقول تعالى : { ولله ما فى السموات وما فى الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى } النجم : 31 .

يقول ابن الجوزى : والآية إخبار عن قدرته وسعة ملكه ، وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله : { ليجزى الذين أساءوا } النجم : 31 ، لأنه إذا كان أعلم بالمسيء وبالمحسن جازى كلاً بما يستحقه ، وإنما يقدر على مجازاة الفريقين إذا كان واسع الملك .

يقول صاحب الظلال : ( وأمام مشهد المجرمين البائس الذليل ، ومشهد المؤمنين الناعم الكريم ، يعقب بتلخيص مبدأ الجزاء العادل ، الذى يفرق بين المسيئين والمحسنين فى الدنيا والآخرة ، والذى يعلق الجزاء بالعمل ، على أساس العدل الدقيق في قوله تعالى : { أفمن كان مؤمنا , كمن كان فاسقًا ؟ لا يستوون } السجدة : 18 .

6

يقول الشاعر:

وإذا كانت النفوس كبارًا

                   تعبت في مرادها الأجساد

فمن علت همته فى العلم أو فى العبادة أو فى المعاملات أو فى العلاقات ، فإنه يحتاج إلى معاناة ، فهو أبدًا فى تعب لا ينتهى ، هذا التعب هو لذة عالى الهمة ، ومتعة صاحب الهمة العالية ، وراحة الإيجابيين فى الحياة ، حيث تبدأ من الاستيقاظ مبكرًا ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ اللهم بارك لأمتى فى بكورها ] صحيح الجامع ، والإيجابى هو من يحذر فى سائر يومه من الغرور الذى يلازم بعض الناجحين ، فالإيجابى همته تفوق الزهو ، وتعلو على العُجب ، والإيجابى هو مَنْ يشجع ويحفز ، ويغرس الحماسة الدافعة فى نفسه والآخرين ، والإيجابى هو مَنْ يبنى نفسه فى كل لحظة على الهمة العالية ، وقد يتصنع الهمة حتى يتقنها ، فالهمة العالية تتسرب إلى الآخرين دون تخطيط من صاحبها .

فى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ] وفى رواية : [ وأصدقها حارث وهمام ] ، فالإيجابى يهم بالطاعة ، وله همة عالية فى كل شيء ، ثم يحرث تلك الهمة العالية بالعمل الصالح ، الذى يرفعه إلى معالى الأمور ، حيث لا يرضى بالدون أبدًا ، فكن هّمامًا وحارثًا بصدق تكن إيجابيًا حقًا .

يقول الإمام البنا عن صفات صاحب الهمة العالية : ( فهو دائم التفكير ، عظيم الاهتمام ، إذا دُعى أجاب ، وإذا نودى لبى ، لا يبتعد عن الميدان العملى ، يجد راحته وأنسه ومتعته فى العمل ) .

ثم يقول الإمام : ( نريد لذلك :

قلوب : جديدة ، خفاقة ، غيورة ملتهبة

أرواحًا : قوية ، متطلعة

نفوسًا : فتية ، سخية ، حية ) .

فهل تحب أن تكون مثل النموذج ، إنه قد تحقق على يد هذا الجيل الذى تربى على يد سيد المربين رسول الله صلى الله عليه وسلم : حينما سأل ربيعة بن كعب الأسلمى قائلاً له : سل فقال  أسألك مرافقتك فى الجنة ، يقول ربيعة : قال أو غير ذلك ؟ قلت : هو ذاك ، قال : [ أعنى على نفسك بكثرة السجود ] رواه أحمد .

يقول ابن القيم :

يا سلعة الرحمن لست رخيصة

بل أنت غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها

فى الألف إلا واحد لا اثنان

يا سلعة الرحمن أين المشترى

فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن هل من خاطب

فالمهر قبل الموت ذو إمكان

المرحلة الثالثة : مع الناس والحياة

1ـ الاتصال بالإيجابيين :

ـ فى حياتنا نرى بأعيننا قصص الإيجابيين وهم ينطلقون فى حياتهم يصنعون النجاح تلو النجاح ، هؤلاء رؤيتهم تحفيز ، ومشاركتهم إقدام ، فمعنى الانخراط معهم أنك مستقر دائمًا فى القمة ، إن رحلة البحث عنهم تعنى أنك إيجابى ، فأنت بينهم فى أحسن عافية ، وفى أعلى الرتب ، وفى ألمع ذكاء ، وفى أقوى إرادة ، وفى أتم نعمة ، وفى أكمل سلوك .

ـ معهم لا تسمع إلا عن الشخصيات الإيجابية ، وتفوقهم فى الحياة ، وسيرتهم الدافعة ، ومواقفهم الغالية ، يقول عمر بن دينار : ما رأيت أحدًا قط مثل طاووس ، لما ولى عمر بن العزيز الخلافة كتب إليه طاووس : ( إن أردت أن يكون عملك خيرًا كله فاستعمل أهل الخير ) ، فقال عمر : ( كفى بها موعظة ) ، وطاووس هو القائل فى درسه لابنه : ( يا بنى صاحب العقلاء تُنسب إليهم ، وإن لم تكن منهم ، ولا تصاحب الجُهال فتُنسب إليهم ) .

ـ والإيجابيون يطهرون القلوب من السلبية ، ويشجعون من يصاحبهم على الإيجابية ، وتأمل ماذا يقول السلبيون حينما رددوا ما بأنفسهم فى قوله تعالى : { لِمَ تعظون قومًا الله مهلكم أو معذبهم عذابًا شديدً } الأعراف : 164، فسجل القرآن قول الإيجابيين عليهم فى قوله تعالى : { معذرة إلى ربكم ولعلكم يتقون } الأعراف : 164 .

ـ والإيجابيون قوة جماعية تأخذ بيد من ينخرط معهم ، من أى فعل سلبى ، ولتتأمل هذا الحديث النبوى : [ مثل القائم على حدود الله ، والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقًا ولم نؤذ مَنْ فوقنا ! فإن تركوهم وما أراد هلكوا ، وهلكوا جميعًا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ، ونجوا جميعًا ] رواه البخارى ، أرأيت كيف أن صحبة الإيجابيين نجاة لهم ولغيرهم من السلبيين !! .

ـ فهل هناك من شروط تؤهلك للإنضمام إلى الإيجابيين ؟ ... نعم هناك أربعة شروط :

الأول : طرد الكسل والعجز ، وخير تعامل معه هو الاستعاذة بالله تعالى ، من الكسل وأخواته من العجز والبخل والهم والحزن ، كما كان دعاء النبى صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال ] رواه البخارى .

الثانى : المبادرة بالطاعات ، والتحرك الفعال ، والجرأة على فعل الخير ، والإقدام فى التواصل مع الإيجابيين ، وهذا هو الوجه العملى بعد الاستعاذة بالله تعالى من المظاهر السلبية .

الثالث : عدم التردد أو الاهتزار ، حيث لا مكان لهما فى مجتمع الإيجابيين ، ولتحقيق ذلك يشترط الثقة القوية بالنفس لأنها عنوان الإيجابية .

الرابع : مواجهة كل مظاهر السليبة ، سواء كانت فى انتشار الباطل ، أو تفشى الظلم ، وهذا لا يتحقق إلا بروح المغامرة والاقتحام وحب المواجهة لنسف كل العقبات السلبية التى تحول بين الإنسان والانخراط مع الإيجابيين ، وكان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إنى أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ] رواه الترمذى فى صحيحه .

ـ فأن تحققت هذه الشروط ، فليطمئن الإيجابى أنه أصبح فى صفوت الإيجابيين ، وليحذر وقتها أن يكون من المعوقين ، وفى ذلك أى لحظة ، يقول تعالى : { قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ] الأحزاب : 18 .

وهذه هى الإيجابية المغشوشة ، التى تلفظها صفوف الإيجابيين ، فتراه مقصرًا فى المشاركة الجماعية بأختلاف الأعذار ، وتأمل هذا التحذير الربانى فى قوله تعالى :{ وقالوا لا تنفروا فى الحر} التوبة : 81 ، وفى قوله تعالى : { وقالوا بيوتنا عورة } الأحزاب : 13 ، والحقيقة تفضحهم فى قوله تعالى : { إن يريدون إلا فرار } الأحزاب : 13 ، وما يدفعه لذلك إلا مصلحته الشخصية ، أو منفعته الخاصة ، أو سلبيته القاتلة ، التى يحاول جاهدًا أن يغطيها ولكن الغطاء يكشفه ويكشف سوءته ، فيطرد من محيط الرحمة ، ويلفظ من مجتمع الإيجابية .

7

2ـ التخطيط  للحياة

قيل : ( " التخطيط للحياة والحياة تخطيط "  وجهان لعملة واحدة ) ، واجلس مع أحد الناجحين فى الحياة ، تجده دون أن يتكلم فهو مخطط جيد لحياته ، بغض النظر عن مدة الخطة أسبوعية أو شهرية أو سنوية ، وبغض النظر عن طبيعة عمله أو أسلوبه أو طريقته ، فالملاحظ أنه يستثمر وقته وطاقاته وموارده ... وهذا هو التخطيط للحياة , أو يمكننا أن نقول : إن حياة الإيجابيين كلها تخطيط .

الأقدار تمضى ، وعجلة الزمان لا تتوقف ، والكون لا ينتظر أحدًا ، فهل هذه السنن التى لا تتبدل ولا تتغير تدعونا إلى التخطيط , أو على العكس , فقد يقال : لماذا نخطط والأقدار نافذة ؟! .

نعم الأقدار نافذة ، والحياة تختار لنا ، ولكن حتى نحقق هدفنا ، ونُحوّل أحلامنا إلى واقع ، يجب أن يكون اختيارنا موفق , واختياراتنا سليمة ، والمعنى المقصود بكلمة ( سليمة ) أى على تخطيط مسبق .

وفى الحقيقة نحن - كآباء ومربين ومسئولين عما استرعانا عنه الله - نخطط لحياتنا : لأولادنا ولأسرنا ولأعمالنا وطلابنا ومشروعاتنا , بأذهان متفتحة ، وعاطفة جياشة ، وبجهود مبذولة ، هذا النظام الذى يغطى لنا متطلبات الحياة ، هو التخطيط للحياة ، وكذلك لا يوجد شيء يتعذر به أحدُنا ، أو يجعله مبررًا لعدم التخطيط لحياته ، ولكننا كما درجنا نريد التخطيط المؤثر فى حياتنا ، الذى يجعلك إيجابيًا فى الحياة والواقع .

وتأمل على كافة مسارات الحياة ، أى هدف بدون تخطيط ، فهو صناعة للفشل ، وكما قيل : ( الفشل فى التخطيط هو تخطيط للفشل ) ، وهذا ماكان يدعو إليه النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه فى قوله : [ اعقلها وتوكل ] ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقدم لهم الأسوة فى نفسه ، يرونها ويشعرون بها وتغرس فى حياتهم ، خاصة فى غزواته ومعاركه أو مواجهته للظروف الصعبة عامة ، سواء على مستوى أسرته أو المجتمع أو الدولة .

ومن ثم فالإيجابيون يفهمون مراد الله تعالى ، حين يخاطبهم بالرحلة والسعى والكشف عن أفضال الله فى كونه , الذى سخره لأهل الإيجابية ، يقول تعالى : { الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك بأمره ، ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ، وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعًا منه ، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الجاثية : 12 ـ 13 ،  ومعنى ذلك كما قيل : ( حياتك بين يديك ) فإدارتها ، وتسييرها ، وتوجيهها ، والتحكم فيها ، بيدك وحدك ، فبيدك أن تكون متفاءلاً طموحًا ، بسؤال نفسك : كيف علاقتك بالحياة ؟ فمن اللحظة جدد يومك وأسلوب حياتك إلى الأفضل ، تجد الإجابة واضحة وحاضرة ، عن السؤال الدائم المنطلق من داخلنا :

ماذا نريد من الحياة ؟.

وهذه خطوات عملية من أجل لتخطيط لحياة هانئة سعيدة :

هى خلاصة ما يقدمه الخبراء فى هذا المجال :

1ـ الفحص :

اكتشف الواقع ، قيّم الاحتياجات ، اجرد ما بين يديك ، خذ خطوة إلى الوراء ، لتكون نظراتك أشمل , كالمحقق الباحث عن الحقيقة ، والفاحص لكل الملابسات .

2ـ اللائحة :

ضع لائحة للمتطلبات ولائحة للاحتياجات ، وقبل أن تسأل نفسك هذه الأسئلة ، فما كان متطلبًا ضعه فى لائحته ، وما كان احتياجًا ضعه فى لائحته :

1ـ لماذا أريد هذا الشيء ؟

2ـ هل أحتاج إليه ؟

3ـ كيف يكون الأمر الأفضل إذا حصلت عليه ؟

5ـ ما الأشياء المهمة بالنسبة لى ؟

6ـ هل تتطابق هذه الأشياء مع مبادئ الإسلام ؟

3ـ الماليات :

حتى لا تزداد رهقًا فى الحياة ، خطط جيدًا للماليات ، وإلا خرجت من الحياة وعليك ملئ الأرض أقساطًا !! .

ولذلك أجب بصدق وواقعية على هذه الأسئلة :

( أ ) أهداف قصيرة المدى ( 1ـ2 سنة ) :

1ـ ما الذى ترغب بالقيام به غدًا ؟

2ـ ما الذى ترغب بإدخاره للعام القادم ؟

3ـ ما الذى تفعله لتسديد الدينْ الصغير ؟

4ـ ما الذى وفرته لقضاء العطلة الصيفية ؟

(ب) أهداف متوسطة المدى ( من 2ـ 5 سنوات ) :

1ـ ما الذى وفرته لشراء سيارة جديدة ؟

2ـ ما الذى ادخرته لتجديد الأثاث ؟

3ـ ما الذى تفعله لتسديد الديون المتوسطة ؟

(جـ) أهداف طويلة المدى ( أكثر من 5 سنوات ) :

1ـ ما الذى ادخرته لتعليم الأبناء جامعيًا ؟

2ـ ما الذى وفرته لشراء بيت جديد ؟

3ـ ما الذى تفعله لتزويج الأبناء ؟

وواضح من هذه الأسئلة ، أن أهدافك لابد أن تكون واضحة ومحدودة ويمكن تحقيقها ومناسبة لإمكاناتك ، وكذلك يمكن تنفيذها فى المدة المناسبة لها ، وللغرض الذى ادخرت المال من أجله .

4ـ ابدأ العمل :  

كل ما سبق من خطوات يمكن أن يكون هباءً منثورًا تذروه الرياح ، إن لم تبدأ بالعمل ، فهذه الأهداف هى جزء أصيل من العمل ، اكتبها ، واجعلها أمام بصرك دائمًا ، ورددها بصوت عال ، وشاور من تثق به فيها ، وبذلك تتحول إلى حقيقة فى حياتك حتى تحققها ، وبإذن الله ستحققها ، وتكن من الإيجابيين ، الذين ينجحون دومًا فى مشروع الحياة .

والضمان الوحيد لنجاح هذه الخطوات ، خاصة فى مواجهة الحياة ،هى التمسك بأمر الله تعالى يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { فاستمك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم } الزخرف : 43 ، وهذا التمسك بأمر الله يعنى لك :

1ـ أن تذكر الله دائمًا وأبدًا وعلى كل الأحوال .

2ـ أن تستشعر عظمة الله فى قلبك وروحك .

3ـ أن تمتلك قلبًا طاهرًا نقيًا رقيقًا لينًا .

4ـ أن تبتسم للحياة فالضحك حياة جديدة .

5ـ أن لا تيأسى وواجه الحقيقة مهما كانت الظروف .

فالآن أنت إيجابى فانطلق ......

يقول تعالى :  { أفمن يمشى مكبًا على وجهه أهدى أمن يمشى سويًا على صراط مستقيم } الملك : 22 .

الايجابية المؤثرة

الحلقة الثامنة

الايجابية مع الناس والحياة

1ـ الاتصال بالإيجابيين

ـ فى حياتنا نرى بأعيننا قصص الإيجابيين وهم ينطلقون فى حياتهم يصنعون النجاح تلو النجاح ، هؤلاء رؤيتهم تحفيز ، ومشاركتهم إقدام ، فمعنى الانخراط معهم أنك مستقر دائمًا فى القمة ، إن رحلة البحث عنهم تعنى أنك إيجابى ، فأنت بينهم فى أحسن عافية ، وفى أعلى الرتب ، وفى ألمع ذكاء ، وفى أقوى إرادة ، وفى أتم نعمة ، وفى أكمل سلوك .

ـ معهم لا تسمع إلا عن الشخصيات الإيجابية ، وتفوقهم فى الحياة ، وسيرتهم الدافعة ، ومواقفهم الغالية ، يقول عمر بن دينار : ما رأيت أحدًا قط مثل طاووس ، لما ولى عمر بن العزيز الخلافة كتب إليه طاووس : ( إن أردت أن يكون عملك خيرًا كله فاستعمل أهل الخير ) ، فقال عمر : ( كفى بها موعظة ) ، وطاووس هو القائل فى درسه لابنه : ( يا بنى صاحب العقلاء تُنسب إليهم ، وإن لم تكن منهم ، ولا تصاحب الجُهال فتُنسب إليهم ) .

ـ والإيجابيون يطهرون القلوب من السلبية ، ويشجعون من يصاحبهم على الإيجابية ، وتأمل ماذا يقول السلبيون حينما رددوا ما بأنفسهم فى قوله تعالى : { لِمَ تعظون قومًا الله مهلكم أو معذبهم عذابًا شديدً } الأعراف : 164، فسجل القرآن قول الإيجابيين عليهم فى قوله تعالى : { معذرة إلى ربكم ولعلكم يتقون } الأعراف : 164 .

ـ والإيجابيون قوة جماعية تأخذ بيد من ينخرط معهم ، من أى فعل سلبى ، ولتتأمل هذا الحديث النبوى : [ مثل القائم على حدود الله ، والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقًا ولم نؤذ مَنْ فوقنا ! فإن تركوهم وما أراد هلكوا ، وهلكوا جميعًا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ، ونجوا جميعًا ] رواه البخارى ، أرأيت كيف أن صحبة الإيجابيين نجاة لهم ولغيرهم من السلبيين !! .

ـ فهل هناك من شروط تؤهلك للإنضمام إلى الإيجابيين ؟ ... نعم هناك أربعة شروط :

الأول : طرد الكسل والعجز ، وخير تعامل معه هو الاستعاذة بالله تعالى ، من الكسل وأخواته من العجز والبخل والهم والحزن ، كما كان دعاء النبى صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال ] رواه البخارى .

الثانى : المبادرة بالطاعات ، والتحرك الفعال ، والجرأة على فعل الخير ، والإقدام فى التواصل مع الإيجابيين ، وهذا هو الوجه العملى بعد الاستعاذة بالله تعالى من المظاهر السلبية .

الثالث : عدم التردد أو الاهتزار ، حيث لا مكان لهما فى مجتمع الإيجابيين ، ولتحقيق ذلك يشترط الثقة القوية بالنفس لأنها عنوان الإيجابية .

الرابع : مواجهة كل مظاهر السليبة ، سواء كانت فى انتشار الباطل ، أو تفشى الظلم ، وهذا لا يتحقق إلا بروح المغامرة والاقتحام وحب المواجهة لنسف كل العقبات السلبية التى تحول بين الإنسان والانخراط مع الإيجابيين ، وكان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إنى أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ] رواه الترمذى فى صحيحه .

ـ فأن تحققت هذه الشروط ، فليطمئن الإيجابى أنه أصبح فى صفوت الإيجابيين ، وليحذر وقتها أن يكون من المعوقين ، وفى ذلك أى لحظة ، يقول تعالى : { قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ] الأحزاب : 18 .

وهذه هى الإيجابية المغشوشة ، التى تلفظها صفوف الإيجابيين ، فتراه مقصرًا فى المشاركة الجماعية بأختلاف الأعذار ، وتأمل هذا التحذير الربانى فى قوله تعالى :{ وقالوا لا تنفروا فى الحر} التوبة : 81 ، وفى قوله تعالى : { وقالوا بيوتنا عورة } الأحزاب : 13 ، والحقيقة تفضحهم فى قوله تعالى : { إن يريدون إلا فرار } الأحزاب : 13 ، وما يدفعه لذلك إلا مصلحته الشخصية ، أو منفعته الخاصة ، أو سلبيته القاتلة ، التى يحاول جاهدًا أن يغطيها ولكن الغطاء يكشفه ويكشف سوءته ، فيطرد من محيط الرحمة ، ويلفظ من مجتمع الإيجابية .

2ـ التخطيط  للحياة

قيل : ( " التخطيط للحياة والحياة تخطيط "  وجهان لعملة واحدة ) ، واجلس مع أحد الناجحين فى الحياة ، تجده دون أن يتكلم فهو مخطط جيد لحياته ، بغض النظر عن مدة الخطة أسبوعية أو شهرية أو سنوية ، وبغض النظر عن طبيعة عمله أو أسلوبه أو طريقته ، فالملاحظ أنه يستثمر وقته وطاقاته وموارده ... وهذا هو التخطيط للحياة , أو يمكننا أن نقول : إن حياة الإيجابيين كلها تخطيط .

الأقدار تمضى ، وعجلة الزمان لا تتوقف ، والكون لا ينتظر أحدًا ، فهل هذه السنن التى لا تتبدل ولا تتغير تدعونا إلى التخطيط , أو على العكس , فقد يقال : لماذا نخطط والأقدار نافذة ؟! .

نعم الأقدار نافذة ، والحياة تختار لنا ، ولكن حتى نحقق هدفنا ، ونُحوّل أحلامنا إلى واقع ، يجب أن يكون اختيارنا موفق , واختياراتنا سليمة ، والمعنى المقصود بكلمة ( سليمة ) أى على تخطيط مسبق .

وفى الحقيقة نحن - كآباء ومربين ومسئولين عما استرعانا عنه الله - نخطط لحياتنا : لأولادنا ولأسرنا ولأعمالنا وطلابنا ومشروعاتنا , بأذهان متفتحة ، وعاطفة جياشة ، وبجهود مبذولة ، هذا النظام الذى يغطى لنا متطلبات الحياة ، هو التخطيط للحياة ، وكذلك لا يوجد شيء يتعذر به أحدُنا ، أو يجعله مبررًا لعدم التخطيط لحياته ، ولكننا كما درجنا نريد التخطيط المؤثر فى حياتنا ، الذى يجعلك إيجابيًا فى الحياة والواقع .

وتأمل على كافة مسارات الحياة ، أى هدف بدون تخطيط ، فهو صناعة للفشل ، وكما قيل : ( الفشل فى التخطيط هو تخطيط للفشل ) ، وهذا ماكان يدعو إليه النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه فى قوله : [ اعقلها وتوكل ] ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقدم لهم الأسوة فى نفسه ، يرونها ويشعرون بها وتغرس فى حياتهم ، خاصة فى غزواته ومعاركه أو مواجهته للظروف الصعبة عامة ، سواء على مستوى أسرته أو المجتمع أو الدولة .

ومن ثم فالإيجابيون يفهمون مراد الله تعالى ، حين يخاطبهم بالرحلة والسعى والكشف عن أفضال الله فى كونه , الذى سخره لأهل الإيجابية ، يقول تعالى : { الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك بأمره ، ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ، وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعًا منه ، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الجاثية : 12 ـ 13 ،  ومعنى ذلك كما قيل : ( حياتك بين يديك ) فإدارتها ، وتسييرها ، وتوجيهها ، والتحكم فيها ، بيدك وحدك ، فبيدك أن تكون متفاءلاً طموحًا ، بسؤال نفسك : كيف علاقتك بالحياة ؟ فمن اللحظة جدد يومك وأسلوب حياتك إلى الأفضل ، تجد الإجابة واضحة وحاضرة ، عن السؤال الدائم المنطلق من داخلنا :

ماذا نريد من الحياة ؟.

وهذه خطوات عملية من أجل لتخطيط لحياة هانئة سعيدة :

هى خلاصة ما يقدمه الخبراء فى هذا المجال :

1ـ الفحص :

اكتشف الواقع ، قيّم الاحتياجات ، اجرد ما بين يديك ، خذ خطوة إلى الوراء ، لتكون نظراتك أشمل , كالمحقق الباحث عن الحقيقة ، والفاحص لكل الملابسات .

2ـ اللائحة :

ضع لائحة للمتطلبات ولائحة للاحتياجات ، وقبل أن تسأل نفسك هذه الأسئلة ، فما كان متطلبًا ضعه فى لائحته ، وما كان احتياجًا ضعه فى لائحته :

1ـ لماذا أريد هذا الشيء ؟

2ـ هل أحتاج إليه ؟

3ـ كيف يكون الأمر الأفضل إذا حصلت عليه ؟

5ـ ما الأشياء المهمة بالنسبة لى ؟

6ـ هل تتطابق هذه الأشياء مع مبادئ الإسلام ؟

3ـ الماليات :

حتى لا تزداد رهقًا فى الحياة ، خطط جيدًا للماليات ، وإلا خرجت من الحياة وعليك ملئ الأرض أقساطًا !! .

ولذلك أجب بصدق وواقعية على هذه الأسئلة :

( أ ) أهداف قصيرة المدى ( 1ـ2 سنة ) :

1ـ ما الذى ترغب بالقيام به غدًا ؟

2ـ ما الذى ترغب بإدخاره للعام القادم ؟

3ـ ما الذى تفعله لتسديد الدينْ الصغير ؟

4ـ ما الذى وفرته لقضاء العطلة الصيفية ؟

(ب) أهداف متوسطة المدى ( من 2ـ 5 سنوات ) :

1ـ ما الذى وفرته لشراء سيارة جديدة ؟

2ـ ما الذى ادخرته لتجديد الأثاث ؟

3ـ ما الذى تفعله لتسديد الديون المتوسطة ؟

(جـ) أهداف طويلة المدى ( أكثر من 5 سنوات ) :

1ـ ما الذى ادخرته لتعليم الأبناء جامعيًا ؟

2ـ ما الذى وفرته لشراء بيت جديد ؟

3ـ ما الذى تفعله لتزويج الأبناء ؟

وواضح من هذه الأسئلة ، أن أهدافك لابد أن تكون واضحة ومحدودة ويمكن تحقيقها ومناسبة لإمكاناتك ، وكذلك يمكن تنفيذها فى المدة المناسبة لها ، وللغرض الذى ادخرت المال من أجله .

4ـ ابدأ العمل :  

كل ما سبق من خطوات يمكن أن يكون هباءً منثورًا تذروه الرياح ، إن لم تبدأ بالعمل ، فهذه الأهداف هى جزء أصيل من العمل ، اكتبها ، واجعلها أمام بصرك دائمًا ، ورددها بصوت عال ، وشاور من تثق به فيها ، وبذلك تتحول إلى حقيقة فى حياتك حتى تحققها ، وبإذن الله ستحققها ، وتكن من الإيجابيين ، الذين ينجحون دومًا فى مشروع الحياة .

والضمان الوحيد لنجاح هذه الخطوات ، خاصة فى مواجهة الحياة ،هى التمسك بأمر الله تعالى يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { فاستمك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم } الزخرف : 43 ، وهذا التمسك بأمر الله يعنى لك :

1ـ أن تذكر الله دائمًا وأبدًا وعلى كل الأحوال .

2ـ أن تستشعر عظمة الله فى قلبك وروحك .

3ـ أن تمتلك قلبًا طاهرًا نقيًا رقيقًا لينًا .

4ـ أن تبتسم للحياة فالضحك حياة جديدة .

5ـ أن لا تيأسى وواجه الحقيقة مهما كانت الظروف .

فالآن أنت إيجابى فانطلق ......

يقول تعالى :  { أفمن يمشى مكبًا على وجهه أهدى أمن يمشى سويًا على صراط مستقيم } الملك : 22 .