جهاز أمن الدولة بين الماضي والحاضر
جهاز أمن الدولة بين الماضي والحاضر
عبده مصطفى دسوقي
باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث
[email protected]
أمن الدولة يعد أعلى جهاز في الشرطة وهو الموكل إليه حفظ أركان النظام في كل وقت ويعتبر مؤسسة مستقلة في ميزانياته وتوصيفه الوظيفي عن باقي مؤسسات الشرطة كما أنه المتحكم والآمر الناهي في كثير من مؤسسات الدولة وينصب اهتمامه الأكبر ضد المعارضين للنظام الحاكم.
أمن الدولة لديه هاجس أمنى وخوف على النظام عالى مما أوجد فجوة داخلية وخارجية فى السياسة، فداخلية تمثلت فى بعد القيادة عن طبقات الشعب دون الإحتكاك بهم ومحاولة علاج مشاكلهم والأمثلة كثيرة فى التعامل الشديد والعنيف مع الشعب مثل التعامل مع قضية بدو سيناء واضرابات العمال كان هم أمن الدولة فض هذه الأعمال حتى ولو بالقوة وبالتهديد بالاعتقال ولم ينجح فى علاج القضايا بطريقة سليمة، كما ان دوره فى التعامل مع المعارضة ادى لفجوة كبير بين السلطة والقوى المعارضة، وخارجيا كان هاجسة الأمنى كما ذكرنا كبير ومن ثم اخافت الحاكم بعدم الأمان على حياته فى البلاد الافريقية والعربية ومن ثم تقوقع دور مصر على الجبهة الخارجية فلم يعد لها دور يذكر مع الدول الأخرى.
ويخدم على أعمال أمن الدولة معظم أجهزة الشرطة من أمن مركزي وقوات خاصة والمؤسسات المعلوماتية وغيرها.
لكن السؤال الآن .. هل تغيرت وظيفة رجل أمن الدولة في الماضي عن الحاضر أم أن الاسم فحسب هود الذي تغير مع تغير كل نظام؟
وهل يوجد روابط مشتركة بين كونه أنشأ أوائل القرن العشرين لخدمة المحتل الانجليزى وبين ما يقوم به الآن؟!!!
من خلال السطور القادمة نحاول التعرف على هذا الجهاز وتاريخه من الماضي للحاضر.
نشا جهاز الأمن السياسي(أمن الدولة حاليا) في ظل المحتل الانجليزى وكان الإنجليز يتولون مسئولية الجهاز وذلك لمعرفة الوطنين المقاومين لهم وتتبعهم والقضاء على كل مقاومتهم، وبعد قيام ثورة 1919م وقعت عدة حوادث اغتيالات سياسية لبعض الشخصيات البريطانية الهامة فى مصر والتي كانت تعاون المحتل فاستعان الإنجليز ببعض ضباط البوليس المصري للعمل فى جهاز الأمن السياسي وكان أول من تولى إدارة هذا القسم من المصريين هو اللواء سليم زكى حكمدار القاهرة والذي كان مقرب من المحتل وكان أول عمل قام به القبض على الشباب الوطنيين الذين اغتالوا السير لى ستاك القائد البريطانى.
ومع انسحاب الإنجليز من القاهرة والإسكندرية واستقرارهم فى مدن القنال انفرد الضباط المصريين بهذا القسم ويعتبر جهاز القسم المخصوص(الأمن السياسي) فى مصر أقدم جهاز من نوعه فى الشرق الأوسط وعلى الرغم وعلى الرغم من اختلاف مسميات جهاز الأمن السياسي عبر الحقب التاريخية التي شهدتها مصر من "القسم المخصوص" إلى "القلم السياسي" إلى "المباحث العامة" إلى "مباحث أمن الدولة"، حتى أصبح اسمه "قطاع مباحث أمن الدولة ثم "جهاز أمن الدولة"، لكنها مجرد لافتات متنوعة لكيان واحد هو إدارة تتبع إدارياً وزارة الداخلية، وتوكل إليها مهام الأمن السياسي، وكانت بداية تأسيس هذا الجهاز على يد الاستعمار البريطاني، وبعد توقيع معاهدة سنة 1936 بدأ تراجع الوجود البريطاني في أجهزة وإدارات وزارة الداخلية، وانتقلت مسؤولية الأمن السياسي الداخلي إلى عناصر مصرية من وزارة الداخلية، وقد تأسس "القلم السياسي" بإدارتين الأولى للقاهرة والثانية للإسكندرية، فضلاً عن "قسم مخصوص" يتبع السراي مباشرة ويرأسه قائد الشرطة الملكية، ولم تكن لوزارة الداخلية أي ولاية على هذا القسم الذي كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك ، وتاريخ أنشاء القلم المخصوص هذا يعود إلى 22 المحرم 1332هـ.1913م.
يقول اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق: قبل ثورة 1952م قبل ثورة يوليو1952, كانت اختصاصات مباحث أمن الدولة, منوطة لجهاز يعرف باسم القلم المخصوص أو القسم السياسي أو القلم السياسي, وكان المقر المركزي لهذا القلم في القاهرة, وله أفرع في باقي المحافظات, وكانت طبيعة عمل هذا الجهاز ضد مصلحة المواطن ولصالح الملك والسفارة الإنجليزية .
ويقول اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة (أمن الدولة فيما بعد) فى عهد عبد الناصرصدر قرار بإنشاء الجهاز الجديد وسمى إدارة المباحث العامة وتولى البكباشى احمد رأفت النحاس ادارته وكان ذلك فى 22/8/1952م ليحل محل القسم الخصوص وكان لهذه الإدارة دور قوى فى كبت حريات الشعب والتنصت على مكالمات كثير من كبار الدولة وصغارها، كما تنافست مع الشرطة العسكرية فى تعذيب الإخوان لإجبارهم على الاعتراف فى حادث 1965م وبعد ثورة التصحيح مايو 1971م تغير الاسم من المباحث العامة الى مباحث أمن الدولة، ولقد تولى وزارة الداخلية ستة من أبناء جهاز أمن الدولة وهم عبد العظيم فهمى وممدوح سالم وسيد فهمى وحسن أبو باشا وأحمد رشدى وحبيب العادلى. لقد أصبح اسم أمن الدولة مصدر رعب لدى المواطنين بسبب السياسة التى يسير عليها ضد المواطنين، ولقد حدد اللواء النبوى اسماعيل اسباب خوف الناس من أمن الدولة بقوله: من العناصر وراء ظاهرة الخوف تماثل تركيب جهاز أمن الدولة ومهامه مع جهاز القلم السياسي في عهد ما قبل الثورة, فقد ربطت الجماهير بين ما كان يقوم به القلم السياسي وما يمكن أن يقوم به جهاز أمن الدولة، ويضيف الدكتور احمد عكاشة قوله: ان الأسباب النفسية لخوف المواطن من هذه الأجهزة عادة عادة ما يكون سببه عدم وجود معلومات كافية لدي الشخص عن الموقف الذي سيواجهه في حالة مساءلة هذه الأجهزة له, وحيث إنه خلال عقود ماضية وفي ظل وجود حالات استثنائية متكررة تعطي الحق لهذه الأجهزة في القبض والاعتقال لأي إنسان علي أساس الشبهات وليس الدلائل, فمن الطبيعي أن يعيش الإنسان في حالة خوف وقلق من هذه الأجهزة, لوجود احتمال اعتقاله والتحقيق معه ظلما, ومثل هذا الإحساس لا يولد الخوف فقط ولكن يولد إحساسا بالقهر والقمع.
ويضيف الدكتور عادل صادق قوله: يجب أن يخاف المخطئون فقط وليس الجميع, فخوف الجميع معناه غياب الديمقراطية والخوف المبالغ فيه معناه وجود ديكتاتورية لا تحافظ علي كرامة المواطن وتساوي في التعامل بين المواطن الشريف وغير الشريف, ففي الأنظمة الديمقراطية لا تمس شعرة واحدة من مواطن حتي ولو كان قاتلا إلا طبقا للقانون ولكن في الأنظمة غير الديمقراطية فإن هذه الأجهزة تعمل لصالح شخص واحد هو الحاكم فقط وتحمي مصالحه ومن هنا يتولد الخوف.
ومن ثم أصبح جهاز أمن الدولة الموكل بمهام حفظ امن المواطن هو من يقوم بهتك حريات وكرامة المواطن