النظام الشمولي
النظام الشمولي
لماذا لا تمر رياح التغيير على بلداننا؟!
محمد فاروق الإمام
في الوقت الذي شهدت السنوات الأخيرة من القرن الماضي زوال وانقراض الأنظمة الشمولية، فإنه لا تزال هناك في العالم بعض هذه الأنظمة التي تصارع بقوة للبقاء تهيمن على مقدرات بلدانها وتتحكم بمصائر شعوبها، وفي مقدمة هذه البلدان بعض بلداننا العربية التي لا تزال ترزح تحت مظلة هذه الأنظمة الشمولية المستبدة، وقد صمدت في وجه رياح التغيير التي شملت معظم شعوب وأمم وبلدان العالم الثالث في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.. حتى أن هناك زعيماً عربياً يفتخر ويتباهى بأنه عميد الزعماء العرب، كونه لا يزال يمسك بصولجان الحكم بعد أكثر من أربعين سنة من الاستيلاء عليه بواسطة دبابة ضالة وبندقية مغامرة.
النظام الشمولي نظام استبدادي يقوم على اغتصاب السلطة عن طريق حزب سياسي أو انقلاب عسكري, ولا يسمح بالمعارضة أو بالتعددية الحزبية, ويصبح هذا الانقلابي أو هذا الحزب هو الفكر السياسي والاقتصادي لهذه الدولة, ولا يسمح لأي جهة في الدولة بتقييم إنجازات (في العادة لا يوجد إنجازات) أو الأضرار التي يلحقها هذا النظام الشمولي بالاقتصاد أو بالسياسة الداخلية والخارجية, لذلك في العادة يكون الإعلام المسموع والمقروء والمشاهد خاص لتلميع الانقلابيين أو لأعضاء الحزب البارزين والذي تعود ملكيته إلى دولة الانقلابيين أو دولة الحزب.. إذن كيف يتم تسيير مؤسسات الدولة ذات الطابع الشمولي؟
للرجوع إلى الدول التي انتهجت النظام الشمولي كالحزب النازي مثلاً في ألمانيا، أو الحزب الفاشي في إيطاليا أو الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق ودول المنظومة الشيوعية التي كانت تدور في فلكه، فإننا نجد كيف أن هذه الأنظمة الشمولية ورطت بلدانها وشعوبها أتت على حياة الملايين من أبنائها من خلال حروب لا ناقة لهذه الشعوب ولا جمل في إثارتها، وكل ذلك بسبب التهور السياسي لقادة هذه البلدان ذات الأنظمة الشمولية وإشباع رغبتها في الهيمنة والإجرام والتعدي، وقد نتج عن هذه الحروب تدمير كامل للبنية الاقتصادية لهذه الدول. كما أن هذه الحروب أوجدت أزمة اقتصادية مزمنة انعكست على حياة شعوبهم مرارة وضنكاً وفقراً وجوعاً وتخلفاً, ولم تأت نهايات القرن الماضي حتى أنهار النظام الشيوعي الشمولي أمام النظام الرأسمالي الذي أعتمد على التعددية وتداول السلطة, وكذلك أنهار في دول المنظومة الشيوعية (بولندا ورومانيا ويوغسلافيا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا), ويعود ذلك كما أشرنا لعدم وجود مؤسسات رسمية ديمقراطية منتخبة, مهمتها دراسة وتمحيص القرارات المصيرية للدولة, ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب, لذلك ترى الدول ذات الأنظمة الشمولية تُحكم بطريقة دكتاتورية لا تسمح بالديمقراطية أو التعددية الحزبية, لذلك نجد أن جميع مؤسسات الدولة بما فيها التعليمية تخضع لسياسة الحزب، على سبيل المثال الجامعات التي يجب أن تكون الرافد الثقافي والإبداعي لكل الوطن، هذه أيضاً خاضعة لسياسة الحزب, حتى أن الطالب الغير حزبي أذا سمح له في الدراسة الجامعية لن يجد له وظيفة في الدولة, إلا إذا انتمى للحزب (وهناك مثلين عايشتهما: الأول أن أحد الطلبة المتفوقين في المعهد القضائي بعد التخرج وكان الأول على دفعته لم يعين لأنه لم يكن حزبياً.. والثاني: أن أحد خريجي الجامعات وكان الأول على جامعات بلاده لم يكن اسمه من بين العشرة الذين اختارتهم وزارة التعليم العالي ليكونوا في عداد بعثة لتلقي العلوم العالية في إحدى الدول الغربية لأنه لا ينتمي إلى الحزب الحاكم).. والمنهاج العلمي الذي يدرس في مؤسسات التعليم في هذه الدول ذات الأنظمة الشمولية، من الحضانة حتى الجامعات والدراسات العليا يقتصر على مبادئ وأهداف الحزب وفوائده وشروط الالتحاق به, والنتيجة ملئ وظائف الدولة بالفاشلين والانتهازيين والمخربين والفاسدين ممن ينتمون إلى ذلك الحزب الحاكم!! وإبعاد أصحاب الكفاءة والخبرة وتجاهلها.
لهذه الأسباب ولهذه النتائج، التي ذكرناها، فإن معظم الأنظمة الشمولية في العالم قد انقرضت وزالت وصارت من الماضي، إلا في عالمنا العربي فإنها ترسخ أقدامها وتزداد قوة يوماً بعد يوم لأن العرب استثناء من كل دول العالم وشعوبه.. فبالرغم من انهيار الأنظمة الشمولية في العالم نتيجة السياسات الخاطئة كما أشرنا أمام التحدي الشعوبي والمطالبة بتحسين حقوق الإنسان كما أقرتها الشرائع السماوية والقوانين والعهود الدولية,, فإن أنظمتنا العربية الشمولية لا تزال صامدة بقوة أمام رياح التغيير.
وللمزيد من التضليل فقد قامت هذه الأنظمة بإنشاء مجالس نيابية تدعي أنها ممثلة عن الشعب, وحقيقة الأمر أن هذه المجالس النيابية أو البرلمانات كما يسميها البعض هي غطاء قانوني لتجاوزات الأنظمة الشمولية, حتى أن بعض هذه المجالس قد قام بتغيير الدساتير لتغطية توريث الأنظمة, وهناك من يعد مثل هذا العبث في الدساتير للغاية نفسها، والمضحك المبكي أن هذه الأنظمة تعتقد أنها راعيه لقطعان من الماشية, ولا تستطيع هذه القطعان العيش بدون الغطاء الحكومي الذي يمثله النظام (الضرورة، والملهم، والفريد).
لقد ادعت هذه الأنظمة الشمولية التي أبتلينا بها بأن هدفها هو استرجاع الأرض المغتصبة من الصهاينة سنة 1948، وأدخلتنا هذه الأنظمة حرب عام 1967 وخسرنا ما تبقى من أرض فلسطين، إضافة إلى خسارة المزيد من الأرض العربية, ولتخرج علينا هذه الأنظمة بادعاء النصر لأن هدف الصهاينة هو إسقاط هذه الأنظمة الوطنية الثورية وقد فشلت في تحقيق ذلك الهدف!!