الإسلام .. ومؤسسة الخرافة!
الإسلام .. ومؤسسة الخرافة!
أ.د. حلمي محمد القاعود
كنت أعتزم أن أجعل عنوان هذا المقال " الإسلام والإظلام !" ، على أساس أن مثقفي السلطة من اليسار المتأمرك ؛ قد جعلوا " الإظلام " مرادفا للإسلام ، أو الاسم الكودي له ، يتداولونه في كتاباتهم ،ويكنّون به عن عقيدة الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى ، بل الشعب العربي ، بل الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها .
بيد أن القوم وهم يخترعون كل يوم اسما مجازيا للإسلام – عدوّهم الأول – وهدفهم الاستراتيجى الذي يسعون إلى استئصاله بالتحالف مع الحكومات البوليسية والعسكرية الفاشية التي يخدمونها ؛ قد اخترعوا اسما جديدا للإسلام يضاف إلى قائمة الأسماء التي صكوها من قبل على امتداد ستين عاما تقريبا ، ومنها على سبيل المثال : الرجعية ، السلفية ، الجمود ، الأصولية ، الماضوية ، الإسلاموية ، التراثية ، التطرف ، الإرهاب ، التشدد، الغيبية ، اللاعقلانية ...إلخ.. الاسم الجديد الذى أضافوه ، هو مؤسسة الخرافة "!
الشيوعى الحكومى الذى المتأمرك ربط بين الإسلام والخرافة في ندوة انعقدت مؤخرا بنقابة الصحفيين تحت عنوان حرية التعبير ، فسمى الإسلام بمؤسسة الخرافة .. أو سمى المؤسسات العلمية الإسلامية بهذا الاسم لتكون قرينا للبدائية والتخلف والعيش في الأوهام !
ومشكلة الشيوعيين المتأمركين من خدام الأنظمة المستبدة وأبواقها ؛ أن مشكلات المجتمع لا تجد لديهم مساحة واسعة أو ضيقة ، مع أنهم بنوا دعايتهم في الزمن الذي مضى على تبنى قضايا العمال والفلاحين والكادحين .. وللأسف ؛ فقد صارت هذه القضايا في مؤخرة اهتماماتهم ، بل إنهم إذا أشاروا إليها فمن باب " برو العتب " ، وذرّ الرماد في العيون ، ولم يبق سواهم في العالم كله يعلنون أنهم " شيوعيون " ، وأن " الشيوعية " لم تمت ، بل إنهم يسخّرون بعض صبيانهم للدعوة عبر الرسائل الألكترونية إلى قراءة ماركس ولينين وأنجلز ، والاستمتاع بفكرهم " المستنير !".
قبل أيام كنت أطالع السيرة الذاتية لشيوعي حكومى يعمل في الصحافة ، وتناول فيها زملاءه في المرحلتين الناصرية والساداتية ، داخل السجون ، وعواصم الغرب ؛ فإذاهو يقدم شريحة انتهازية رخيصة ، تسعى للكسب الرخيص لدى الحكومات العربية المستبدة ، ولا تجد غضاضة في مدح هذا المستبد أو ذاك الطاغية ، طالما أنه يدفع ويطعم ، ومع أن صاحبنا ، حاول أن يجعل من نفسه " قديسا !" وسط مجموعة من الشياطين ؛ فقد انتهى به المطاف إلى أن أصبح واحدا منهم ، ثم يكشف عن نقطة خطيرة للغاية وهي أن الشيوعيين باستثناء أفراد قلائل ، أنفقوا من ميراثهم على الحركة الشيوعية ؛ أما أغلبيتهم الساحقة فقد اتخذت من الشيوعية وسيلة للكسب والارتزاق لدى حكام القهر والهزائم الذين جلبوا العار على الأمة ، وجعلوها قصعة الأمم ..
لقد ظل الشيوعيون وأشباههم على مدى ستة عقود تقريبا يسيطرون على الصحافة والثقافة والفكروالإعلام والتعليم في كثير من البلاد العربية ، باستثناء سنوات قليلة وبلدان قليلة ، فأفسدوا العقل العربي الإسلامي بخرافاتهم وأكاذيبهم ودعاياتهم عن الطبقة العاملة وحقوق الكادحين والمساواة بين الناس ، مما أفقد الشعوب قدرتها على المقاومة ، وجعلها تخضع للطغاة المستبدين ، وتستسلم للهزائم الداخلية قبل الهزائم الخارجية .
لم ينس الشيوعى الحكومى أن يدين الصحوة الإسلامية ، وأن يدين الإسلام في أكثر من موضع ، وإن حاول أحيانا أن يقنعنا "بالعافية "أن الشيوعية ليست ضد الدين ، وهو يعلم أنه كذاب أشر ! ثم إنه راح يقدم عملاء الاستبداد وخدامه من المفكرين والكتاب المحسوبين على الشيوعية وأشباهها على أنهم الرواد والطلائع الذين جاءوا بفكر الاستنارة وقاوموا الفكر الرجعى المتزمت ( يقصد الإسلام !) .
في فيلمه الجديد ، " مرجان أحمد مرجان " ، يقدم عادل إمام ، وهو محسوب على اليسار الحكومى ؛ مناضلى الشيوعية أو مثقفيها – وهم بالطبع مثقفو السلطة - في صورة الانتهازيين الذين لديهم استعداد لبيع كل شىء في سبيل الحصول على المناصب والمغانم ، ولا يصمد في مواجهة الترهيب والترغيب ، إلا الدكتورة جيهان ، الأستاذة الجامعية التى حافظت على مبادئها وقيمها .
المفارقة أن عادل إمام يقدم الحركة الإسلامية ، وبالتالى الإسلام ، في صورة هزلية مقزّزة ، مسكونة بالجهل والتعصب ، ويحرص على إبراز ذلك في الإعلانات التى يروج بها للفيلم على القنوات الفضائية والمحلية .
ويبدو أن من اقتبس الفيلم أو من ينسب إليه الفيلم – وهو عادل إمام – حريص على مغازلة النظام البوليسي الفاشي بهجاء المثقفين الذين يعملون في خدمته ، وفي الوقت نفسه ، يقدم الغاية الأساسية من الفيلم وهى تصوير الحركة الإسلامية في صورة " أهل الخرافة " ، أو بناة " مؤسسة الخرافة " كما سماهم االصحفي الشيوعى الحكومى في ندوة نقابة الصحفيين !
بالطبع يتناسى أصحاب مرجان ،أن الحركة الإسلامية تعتمد في معظمها على خريجى الكليات العملية التى تعتمد التجربة والبرهان ، والمقدمة والنتيجة ، وتضم كليات الطب والهندسة والعلوم والسياسة والاقتصاد والآداب والحقوق . وغيرها ، وهؤلاء لا يقبلون الخرافة ولا يرتضونها ، ولا يستكينون لمعطياتها .
ثم إن أصحاب مرجان نسوا أو تناسوا ، أن الذين عُلّقوا على المشانق والعرائس ، ولم يخدموا الأنظمة الاشتراكية أو البعثية أو التقدمية أو الكتاب الأخضر ، كانوا من أهل الإسلام ، وكان إنتاج بعضهم العلمى والفكرى في مقدمة الإنتاج الذى يفاخر به المسلمون ، بل العالم في القرن العشرين .
فأين هي مؤسسة الخرافة أيها الشيوعى الحكومى ،ألذي ألقى إليه النظام البوليسي الفاشي بوظيفة في الصحيفته الحكومية الممولة من أموال الكادحين ليهنأ آخر الشهر بألوف الجنيهات التى حولته إلى أرستقراطى غير أصيل ، لا يملك أخلاق الأرستقراط ولا نخوتهم ؟
لقد انسحب بعض المشاركين في الندوة التي تتناول حرية التعير ، لأن المادة الثانية من الدستور المصري التي تتحدث عن الشريعة الإسلامية بوصفها مصدرا للتشريع تعوق الإبداع وتعطله .. ولا أدرى هل الكتابة عن تزغيط البط تمثل إبداعا ؟ وما ذا قدم الشيوعيون الحكوميون المتأمركون من إبداع على مدى تاريخهم الذي تبلور مع قيام الكيان الصهيوني وهزيمة الأمة اإلإسلامية ؟ إن كلمة " إبداع " كبيرة جدا ، ولكن الشيوعيين الحكوميين المتأمركين الذين يكفّرون المسلمين ويصفونهم بالمتأسلمين ، يستبيحون لنفسهم أمجادا لا يستحقونها ، وأفضالا لا يعرفون صناعتها .
هل كان المنسحبون من الندوة احتجاجا على المادة الثانية من الدستور ، يفعلون ذك مثلا لو كانوا في اليونان أو إيطاليا أو ألمانيا أو بريطانيا ألتي تنص دساتيرها على الديانة المسيحية ومذاهبها ، دينا لها ومذهبا ؟
إن الشيوعيين الحكوميين المتأمركين في بلادنا يكذبون على أنفسهم ، قبل أن يكذبوا على الناس ، ويكفى أنهم يعملون من باطن الحكومة ، ليفسدوا المقاومة الشعبية للاستبداد والأحكام العرقية والفساد والقوانين المصنوعة لتابيد الذل والقهر على أرض المحروسة ..
وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا !