التطبيع
التطبيع
محمد محمود كالو
كثر الحديث في الآونة الأخيرة ، عما يسمى بالتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.
والتطبيع : هو التكيف والترويض والتطويع ، والاعتياد على البدائل المطروحة، وإعادة الأمور إلى السياق الطبيعي.
وهذا إشغال للمثقفين العرب بموضوع هامشي ، يبعدهم عن التفكير في الموضوع الأساسي، لأن نزاعنا مع العدو ، هو نزاع وجود لا نزاع حدود.
إن التطبيع مرفوض ، ترفضه حتى الشعوب المقهورة والمهزومة ، فكيف تقبله الشعوب العربية ، وهو من وجهة النظر الصهيونية ، استغلال للشعوب المتطبعة معها ، وليس للتعامل معها معاملة المصالح المشتركة.
قد يتخذ القادة قرارات سياسية صعبة ، ولكن القضية بعد هذا تتعلق بالشعوب ، والشعب وحده يمكنه رفض التطبيع ، رفض التعامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي ، وفي فترة الحروب الصليبية ،وقع عدد كبير من زعماء المسلمين اتفاقات هدنة وتحالفات مع الصليبيين ، لكن الذي حسم الموقف هو الشعب بقيادة العلماء ، الذين حثوا على الجهاد ، كما فعل السلمي والحافظ ابن عساكر.
وفي كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم ( 6 : 2930 ) : حيث ترجم شاعراً وأديباً يدعى « حمدان بن عبد الرحيم » وكان له علاقات طيبة مع العلماء والأدباء ، ولكن حمدان انزلق فأقام علاقات مع بعض قادة الصليبيين ، حيث عالج حاكم الأثارب الصليبي ، فلما برئ ، قال لحمدان : تمنَّ عليَّ ؟
فطلب منه قرية ، فأعطاه قرية اسمها »معربونية » وسكن حمدان هذه القرية ثلاثين سنة ، وطلب من زوجته بنت المعمم الالتحاق به فامتنعت ورفضت وهجرته ،وقاطعه جميع الأصدقاء والخلان ، واستخدم حمدان جميع الوسائل ليسترد مكانته فأخفق ، فكتب إلى ابن أخيه المنتجب أبي سالم بن أبي الحسن بن عبد الرحيم :
يا أبا سـالم سـلمت علـى مـر الليـالي وزادك الله قـدرا
أنا شيخ هم وقد أكل الدهـر شـبابي واعتضت باليسير عسرا
ساكن في خرابـة بيـن قـوم دأبـهم كلهم حراث الصحرا
لا أراهم ولا يرونـي إلا مثـل غمز الأحبـاب بالجفن سـرا
وإذا ما جلسـت فيهم فما أسمـع منهم إلا كـلاماً هـجرا
ثم أنتم كنـتم جواري وسـماري فبـنتم لسـوء حظي طُرَّا
والتي كانت القريـنة من خمسـين عاماً أبدت فـراقاً وهجرا
تركتـني أدور في الدار كالحيـران وحدي أكابد العيش ضرا
أكنس الدار أضـرم النار أجـلو القدر أطهي أدق للقدر بزرا
واقتراحـي عليـك أيـدك الله بفخـر منـه وزادك فـخرا
أن تقضـي حوائجي قبل أقضـي وتداري ما أربى قبـل أدرا
وإذا أنت نـمت عنها وما أعددت للخـطب قبل يسرك يسرا
هات قل لي فمن لها غيركم عوناً حلا الدهر في فمـي أو أمرا
فاشتروا لي وصيفة أو غـلاماً أو فردُّوا قريـنة العمر قسرا
إن الإسلام هو الذي جعل زوجة حمدان تهجره ، لتعامله مع الأعداء ، والإسلام نفسه يفرض علينا عدم التعامل مع الصهاينة المعتدين ، ومقاطعة كل من يتعامل معهم وهجره.
ونلاحظ أن التطبيع معايشة طويلة بين شعبين تجمع بينهما الأصول الثقافية المشتركة ، والجذور الحضارية ، والطموحات المستقبلية ، وليس بين الشعبين العربي والإسرائيلي شيء من ذلك، فاليهود يعيشون دائماً في حالة انعزالية تامة ، مع كل شعوب العالم التي يعيشون بينها ، ويعتقدون أنهم شعب الله المختار، اعتادوا طوال آلاف السنين على العيش كشراذم.
وقد وصفهم الله تعالى فقال : ] بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [ ( الحشر : 14).
وفي بغية الطلب في تاريخ حلب أيضاً ( 2 : 697 ): قال ابن النوت المعري في بعض من استلم الوزارة في القاهرة من اليهود ، في أيام الخليفة الفاطمي المستنصر بالله :
يهود هذا الزمان قد بلغوا غاية آمالهم وقد ملـكوا
العز فيهم والمال عنـدهم ومنهم المستشار والملك
ولست ممن فيـهم يغركم تـهودوا قد تهود الفلك
لقد نجحت الصهيونية فاستطاعت أن تزرع في روع العرب والمسلمين بأنها قوة لا تقهر، وبعد حرب الخليج الثانية أرغمت العرب على الذهاب إلى مدريد، لبحث مفاوضات السلام، حتى بادرت أكثر من عاصمة عربية وإسلامية، تفتح أبوابها للصهاينة، مع عروض مغرية بالتعاون الاقتصادي والتقني ، ابتداء من المياه من تركيا ، إلى الغاز من الخليج.
قال الله سبحانه وتعالى : [ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير ]
( البقرة : 120).