مفهوم الحرية

مفهوم الحرية

محمد محمود كالو

[email protected]

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ).

الحرية : مفهوم شغل الإنسان منذ فجر البشرية ، وسيشغله ما دام هناك بشر على هذا الكوكب ، وهي من أكثر الكلمات التي يختلف الناس في معناها ، فبعض الشباب يظن أن الإنسان يكون حراً ، إذا كان يفعل كل ما يحلو له ، دون اعتبار لأي مبدأ ، سواء كان مبدأ إلهياً أو أخلاقياً أو اجتماعياً .

ففي مجال السياسة ينادي البشر في كل مكان من العالم بالحرية ، وتختلف الآراء حول معنى الحرية السياسية ، ولكن يظل كل القادة السياسيين على اتفاق على أن الحرية أمر أساسي للمجتمعات البشرية ، وإن اختلفوا في تحديد معناها عند محاولة التطبيق .

وفي المجال الاجتماعي نجد نداءات الحرية تتردد في كل أصقاع الدنيا ، فالزنوج يطالبون بالحرية والمساواة ، والمرأة تنادي بالحرية والتحرر من سيادة الرجل ، والشباب الثائر في أوربا وأمريكا ينادون بالحرية و التحرر من رجال الصناعة المستغلين ، بل إن شعوباً بأسرها تناضل وتنادي بالحرية السياسية والاجتماعية كما هو الحال في فلسطين وغيرها.

هذه النداءات والثورات وحروب التحرير التي تموج بها أرجاء الأرض طلباً للحرية ، تؤكد كلها حقيقة واحدة هي عطش الإنسان العميق إلى الحرية .

خلق الإنسان ليعيش في حرية تامة ، وينبغي هنا أن نميز بين حرية الحركة وبين حرية النفس الحقيقية ، فالمرء قد يكون حراً في استعمال أمواله ، وفي طعامه وشرابه ، وفي أسفاره وتنقلاته ، وقد يكون حراً في علاقاته الاجتماعية ، وقد يكون حراً في امتلاك أي شيء في هذه الحياة، ولا يكون محتقراً بسبب لونه أو جنسه أو دينه .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس : ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فَضْلَ لعربيٍّ على أعجمي ، ولا لعجميٍّ على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى )) (رواه أحمد).

من ناحية أخرى ، قد يكون الإنسان حراً في كل ما مضى ، ولكنه يعيش أقسى حالات العبودية ، فالإنسان الذي يسعى وراء لذة اقتناء المال واكتنازه ، هو إنسان مستعبد لحب المال ، ويحتاج أن يتحرر من عبودية المال ليحقق حريته .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش )) (رواه البخاري ).

والشاب الذي يتمرد على والديه ، ويحتقر كل نصيحة أبوية لمنفعته ، هو في حقيقة الأمر عبد لنوع من الغرور والكبرياء ، لا يمتلك الحرية ، لأنه لو ملكها لقبل النصيحة بهدوء ورضى .

والشاب الذي يسير خلف شهواته الجسدية لا يكون حراً ، لأنه يشعر بأنه مستعبد للشهوة ، تأسره وتسوقه إلى الخطيئة كعبد ذليل ، فهو بحاجة إلى التحرر من سلطان استحكام الشهوة ،تعس عبد الشهوة ، إنها عبودية داخلية ، يحتاج الإنسان إلى نضال وسجال ليطلق سراح نفسه ، ويصير حراً طليقاً.

إن الحرية الحقيقية : هي نفي الخوف وإعادة التوازن بين الذات والبيئة المحيطة ، ولا حرية في عالم يحكمه الخوف والهلع ، ويسيطر عليه الفزع والجزع ، ويخيم عليه القلق والاضطراب.

والحقيقة التي يمكن أن نسلم بها ، هي أن معنى الحرية مفقود في هذا العالم ، وما كتب عنها عبارة عن آمال وأمانٍ وأضغاث أحلام وتصورات لا حقيقة لها على أرض الواقع.