من أجل المواطنة وحقوق الإنسان في سورية
من أجل المواطنة وحقوق الإنسان في سورية
التقرير السنوي الرابع
جمعية حقوق الإنسان في سوري
المحامي عبد الله الخليل – سورية –
الرقة شارع المنصور – مكتب
مقدمة
1- جمعية حقوق الإنسان في سورية ، التي تأسست في 2/7/ 2001 ، هي جمعية أهلية، غير حكومية، مستقلة عن السلطة السياسية ، وعن القوى السياسية الأخرى الموالية أو المعارضة، ترتكز على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( 1948) ، وعلى الوثائق الأخرى المتعلقة بهذه الحقوق الصادرة عن الأمم المتحدة، وينحصر اهتمامها بهذه الحقوق. يتأثر عملها، من جهة، بالشروط والظروف السائدة في البلاد، التي تساهم في تحديد الأهداف القابلة للتحقيق، والصعوبات الواجبة التجاوز، والإمكانيات المتاحة للعمل، كما يتأثر أيضا بالظروف الإقليمية المحيطة و الأوضاع الدولية، التي تلعب دوراً كبيراً بالنسبة لحقوق الإنسان في سورية والبلاد العربية الأخرى. فالحروب العدوانية التي أشعلتها الولايات المتحدة بعد 11 أيلول 2001( تحت دعاوى "الحرب على الإرهاب")، التي أدت إلى احتلال أفغانستان ثم العراق وأصابت بنيرانها شعوباً أخرى، أدخلت الشرق الأوسط والمنطقة العربية ، في حالة من عدم الاستقرار، حيث عدد من الدول معرّض للعدوان والاجتياح. واعتمادا على دعم الولايات المتحدة، قامت إسرائيل بالعدوان، صيف2006، على لبنان، وتدمير البنية التحتية والقرى في الجنوب اللبناني، وتهجير أكثر من مليون لبناني من منازلهم وقراهم المدمرة، وقتل أكثر من ألف مدني ثلثهم من الأطفال،وكذلك للاستمرار في ممارسة العدوان على الشعب الفلسطيني، وتدمير المجتمع الفلسطيني، بل شروط الوجود والحياة، وليس فقط الحيلولة دون تكوين دولة قابلة للحياة( الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري، وتهويد القدس الشرقية، وتقطيع أوصال الضفة...) . العدوان القائم في العراق وفلسطين، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والتحضيرات المتصاعدة للحرب من الولايات المتحدة وإسرائيل، تلحق الأذى بحقوق الإنسان، عندما تهدد حق الحياة والوجود، وهو الأساس الذي تقوم عليه حقوق الإنسان الأخرى.
2- تنطلق الجمعية من حقيقة أن استقرار المجتمع وتماسكه وازدهاره ، تتطلب ضمان حقوق الإنسان، وترتبط بتوفير الأساس لذلك ، في سيادة القانون العادل ، والقضاء المستقل النزيه، الذي لا يتحقق، إلا بفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بعضها عن بعض.
3- تلتزم الجمعية بالعمل تحت سقف القانون ، وتتمسك بالعلنية والشفافية. وعلى الرغم من كون نشاطها جزءاً من الحراك الاجتماعي العام لتحقيق حقوق المواطنة وضمان استمرارها وازدهارها ، فهي ليست حزباً سياسياً ، ولا تتبنى برامج سياسية تغييرية ، أو رؤية إيديولوجية معينة.
تتحدد علاقة الجمعية بالهيئات والقوى الاجتماعية والسياسية في البلاد ، وبالسلطات العامة على قاعدة حقوق الإنسان ، وليس على أية قاعدة أخرى، وتسعى ، انطلاقاً من ذلك لنسج علاقات موضوعية معها . إن الجمعية، إذ تقدم تقريرها السنوي الرابع ( من أجل حقوق المواطن والإنسان في سورية /2006-2007) تعترف، بداية، أن هذا التقرير لا يستوعب إلاّ جزءاً بسيطاً من انتهاكات حقوق الإنسان ، التي تحدث في الواقع*. أسباب ذلك هي :
-الانتهاكات المرصودة تختص بالوسط السياسي ، وهو وسط محدود من حيث العدد ، ومتعلم وذو خبرة ، وقادر على الفضح والشكوى. الجزء الأكبر من الانتهاكات يجري خارج هذا الوسط ، وخصوصا في دوائر الشرطة( والأمن الجنائي في المقدمة)، مما يكشف انتشار ممارسة القمع، وضخامة واتساع القوى المشاركة فيه، كما يشير إلى ضعف الالتزام بالقانون، وغياب ثقافة حقوق الإنسان لدى أفراد الأجهزة، رغم الشعار المكتوب على أبواب المخافر "الشرطة في خدمة الشعب". لكن أيضا إلى ضعف منظمات حقوق الإنسان كماً ونوعاً ، وغياب تخصص هذه المنظمات في الحقول الاجتماعية المختلفة، من جهة أخرى.
-الكتامة وغياب الشفافية وغياب سيادة القانون ، والجهل به، وعند معرفته، إمكانية الالتفاف عليه من جانب موظفي السلطة.
-غياب صحافة حرة ومستقلة. بدون هذا الشرط يصعب كشف الانتهاكات، وتعبئة الرأي العام ضدها.
-التقاليد والعادات السائدة خصوصاً في المناطق الريفية التي تتجنب النزاع حول الحقوق والانتهاكات مع الذين لهم علاقة بالسلطة ، أو مع السلطة ذاتها.
4-التجربة القصيرة وضعف الخبرة المهنية لدى منظمات حقوق الإنسان ، ولدى أفرادها. يحد من فاعلية هذه المنظمات عدم الاعتراف بها والقيود المفروضة عليها، وعدم شرعنتها.
يؤكد هذا الواقع الحاجة الاجتماعية لمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني كأشكال وبنى ومؤسسات للدفاع عن الحقوق الاجتماعية المتنوعة وإحباط انتهاكات هذه الحقوق ، كما يؤكد أيضاً على ضرورة وجود مؤسسات ومنظمات متخصصة في الحقول الاجتماعية المختلفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· ـ يغطي التقرير الأشهر الثمانية الأخيرة من عام 2006 والأشهر الأربعة الأولى والنصف الأول من شهر أيار من عام 2007، ويعتمد على المصادر المشار إليها و المعلومات الموثقة لدى الجمعية، وقد صدر عنها في أوائل حزيران /يونيو / 2007
الباب الأول: التطورات السياسية والتشريعية
سوريا دولة مستقلة منذ عام 1946، لكن جزءا من أراضي البلاد( الجولان ومساحة المحتل منه 1860 كم2)، لا يزال رازحاً تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عدوان حزيران 1967 . لقد دمرت القرى والبلدات الواقعة فيه كلياً ، فلم يبق سوى خمس قرى يقطنها حوالي ثلاثين ألف نسمة هي ( مجدل شمس ، الغجر ،بقعاتا،عين قنية، مسعدة)، أما أكثرية السكان( ثلاثمائة ألف نسمة)، فقد نزحوا إلى ريف دمشق ومدينة دمشق وحوران وما تبقى تحت السيادة السورية من محافظة القنيطرة.
تمارس سلطات الاحتلال على المواطنين السوريين الذين بقوا في الجولان المحتل أبشع صور القهر وانتهاك حقوق الإنسان وتعمل بأساليب الإكراه لفرض الجنسية الإسرائيلية عليهم. إلى جانب ذلك تمارس سياسة نهب الموارد الاقتصادية والاستيلاء على الأرض الزراعية وبناء المستوطنات عليها ، ونهب أكثر من مليار متر مكعب من المياه سنوياً من منابع الجولان ، ضاربة عرض الحائط بالقرارات الدولية وبمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها .
تشير التقديرات إلى أن عدد سكان سورية يتجاوزال19 مليون نسمة، يشكل من هم دون سن العمل 40% ، وتبلغ قوة العمل الفعلية حوالي 30% .
نظام الحكم رئاسي، تسيطر السلطة التنفيذية فيه على السلطتين التشريعية والقضائية، ويقود حزب البعث الدولة والمجتمع( المادة 8 من الدستور). يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب (المادة 93 منه) و يضع السياسة العامة للدولة (المادة 94منه)، وهو الذي يصدر المراسيم والقرارات والقوانين (المادتين 98و99)، ويرأس مجلس القضاء الأعلى (المادة 132)، فضلاً عن كونه القائد الأعلى للجيش (المادة 103 ). وهو غير مسؤول عما يقوم به في مباشرة مهامه (المادة 91)، وليس لمجلس الشعب إلا إقرار الميزانية التي تقدمها له الحكومة ( المادة 71)، بدون إجراء المناقلة بين أبواب الموازنة العامة (المادة 78)، أو زيادة تقدير الواردات والنفقات ( المادة 79).
تعيش البلاد في حالة الطوارئ المستمرة منذ الثامن من آذار1963. وقد أعطى قانون الطوارئ، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم51 لسنة1962، سلطات واسعة، في المادة الرابعة منه، للحاكم العرفي، تسمح بوضع قيود علي حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل، وتتيح فرض العقوبات، فضلا عن انتهاك حقهم في الخصوصية، وإمكانية الاستيلاء علي ممتلكاتهم. والمادة الخامسة من القانون تتيح لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية توسيع دائرة القيود والتدابير المنصوص عليها في المادة الرابعة. يسمح القانون، أيضاً، للحاكم العرفي بتحديد اختصاص القضاء المدني والقضاء العسكري، وفقا للمادة الثامنة منه، إضافة إلى إمكانية تعطيل أي نص تشريعي.
اتسعت مجموعة أحكام الطوارئ على مر السنين، فنشأت حالة أو نظام للطوارئ غير مكتوب، نتج عنه، من جملة مانتج، اختفاء الآلاف واعتقال آلاف أخرى من المعارضين السياسيين وتعذيبهم واحتجاز الكثير منهم بدون محاكمة، والحكم على قسم آخر بالسجن مدداً طويلة بعد محاكمات صورية أمام محكمة أمن الدولة العليا أو المحاكم العسكرية الميدانية.
وخلال عام 2004 صدر القانون الأساسي الجديد للعاملين في الدولة رقم 50، كما صدر مرسوم بإلغاء محكمة الأمن الاقتصادي، لكن قانون الأمن الاقتصادي مازال ساريا، تعمل به المحاكم العادية.
تتجه البلاد، بخطى حثيثة، نحو"اللبرالية" الاقتصادية، وتصدر تشريعات متتالية وخطوات عملية لضمان وتسريع هذه السيرورة. أبرز هذه الخطوات هو عودة البنوك الخاصة الأجنبية للنشاط ( رُخص ل12 مصرفا، وعشرة مصارف تنتظر الموافقة).
الباب الثاني:احترام حقوق الإنسان
في الفترة التي يرصدها التقرير، لم يلحظ تحسن ملموس في حالة حقوق الإنسان. فإضافة لاستمرار القيود على حرية التعبير عن الرأي( حرية الصحافة والكتابة)، وحق الاجتماع( التجمع والإضراب والتظاهر والاعتصام بصورة سلمية)، وحق النشاط الاجتماعي( تشكيل جمعيات وهيئات غير حكومية تهتم بالشأن العام) وحق النشاط السياسي( تشكيل الأحزاب السياسية)،هناك جملة من المؤشرات التي تبعث على القلق. فالاعتقالات لأسباب سياسية لا تزال مستمرة. للأسف لا يوجد إحصاء لعدد المعتقلين. فالسلطات المعنية لا مصلحة لها في الكشف عما لديها. والخوف المسيطر يحول بين الناس والإعلان. ويلعب ضعف الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان دوره أيضا. التقديرات الأولية عن عدد المعتقلين تتراوح بين الألف والألف وخمسمئة، إضافة لبضعة مئات من المعتقلين القدماء، الموجود اغلبهم في سجن صيدنايا العسكري. المؤشر الثاني هو تنشيط محكمة أمن الدولة العليا، التي تعقد أكثر من جلسة في الأسبوع لإصدار أحكام قاسية بعضها مبني على القانون 49 المشهور( الذي يحكم بالإعدام على المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين بمعزل عن الأفعال). المؤشر الثالث هو استخدام القضاء العادي لإصدار أحكام جائرة، ودون الالتزام بشروط المحاكمة العادلة، إن لجهة التهم أو الأدلة أو الأحكام. المؤشر الرابع هو استخدام القضاء العسكري في محاكمة المدنيين. يضاف لذلك العودة لأساليب الترويع لذوي المعتقلين أو المطلوبين ومجاوريهم، ولأساليب الإذلال والمساس بالكرامة، وتوسيع دائرة الممنوعين من السفر إلى الخارج.
أولاًـ احترام السلامة الشخصية للفرد :
1ـ التجريد التعسفي أو غير الشرعي من الحياة، الموت تحت التعذيب، أو وفيات ناجمة عن عقوبات جسدية.
بالمقارنة مع تقرير الجمعية الثاني للعام 2004، الذي لحظ وفاة ثلاثة عشر مواطنا تحت التعذيب في فروع مختلفة للأجهزة الأمنية بما فيها الأمن الجنائي، ومع تقرير الجمعية الثالث للعام 2005، الذي سجّل ثماني حالات، لم يلحظ هذا العام سوى وفاة شابين أُطلقت عليهما النار من قوات الأمن على طريق اليعربية-الحسكة في 2/1/3007. وعلى الرغم من العجز عن الجزم بهذه الملاحظة، بسبب الممارسة الروتينية للتعذيب في مراكز الأمن والشرطة، والتغطية الرسمية( القانونية) لمرتكبي جرائم التعذيب، فانخفاض العدد مؤشر ايجابي، نرجو أن يستمر في المستقبل أيضا، وأن لا يكون بفعل الصدفة. على أن المواد القانونية التي تحمي مرتكبي هذه الأعمال ما تزال سارية المفعول، مثل المادة 16 من قانون إحداث إدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /14/ تاريخ 15/1/1969 والتي تنص على أنه ( لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أوفي معرض قيامهم بها، إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير )، وما جاء في نص مشابه للمادة في التنظيمات الداخلية لإدارة امن الدولة.
2 ـ الاختفاء :
سُجلت حالات اختفاء لفترة قصيرة، ترافق الاعتقال لأسباب أمنية ( سياسية أو ما شابه )، وتستمر حتى الإحالة إلى المحاكم الاستثنائية، في أغلب الأحيان، أو العادية، أو الإفراج. تنجم الصعوبة في إحصاء حالات الاختفاء القسري عن السرية التي تكتنف الاعتقال وخوف أهالي المعتقلين من التقدم بشكوى من أي نوع للتبليغ عن اختفاء ذويهم.
ومن المعروف أن أوسع حالات الاختفاء هي تلك التي رافقت أحداث الثمانينيات، التي يقدر عدد ضحاياها بأكثر من عشرة آلاف إنسان، حكم عليهم بالإعدام من المحاكم الميدانية أو قتلوا تحت التعذيب. يضاف إليهم ضحايا أحداث حماه عام 1982 الذين يربو عددهم على ضحايا سجن تدمر. لم تنشر السلطات أي قوائم تلقي الضوء على أسماء المفقودين، وتطوي صفحة تلك الأحداث الفاجعة. ( اعترف ببعضها العماد طلاس، وزير الدفاع السابق، في حديثة لمجلة دير شبيغل 21/2/2005). غياب أرقام رسمية يجعل من المستحيل حصر هذه الحالات. تسبب عدم نشر القوائم ( بعد مرور حوالي 25 عاماً ), ولا يزال يتسبب بإشكالات إانسانية كبيرة، وإشكالات حقوقية، فضلاً عن العذاب النفسي، الذي يعانيه ذوو المفقودين.
3 ـ الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي أو النفي:
3 ـ 1 ـ ظروف الاحتجاز :
كما في التقرير السابق لوحظ تحسن نسبي في الإحالة إلى القضاء الاستثنائي (محكمة امن الدولة العليا )، أو العسكري (على الرغم من أن المحالين إليه مدنيون لا علاقة لهم بالشأن العسكري )، أو العادي. لكن الاعتقال لا يزال يمارس من الفروع الأمنية المختلفة ( الأمن السياسي أو الأمن العسكري أو مخابرات القوى الجوية أو امن الدولة)، دون مذكرة قضائية، و يحتفظ بالمعتقلين في هذه الفروع لمدد طويلة جداً، دون إحالة أكثرهم للمحاكم. يجري كذلك تفتيش البيوت وترويع سكانها والجوار. ولا تزال شروط الاعتقال سيئة، سواء في سجون الأجهزة أو السجون المعتمدة بعد صدور الأحكام. الاعتقال في الفروع الأمنية في منفردات لا تتوفر فيها الشروط الصحية، إضافة إلى سوء التغذية وسوء الرعاية الصحية إن وجدت.إما الاعتقال في الغرف الجماعية فظروفه أيضا سيئة بسبب الاكتظاظ الكبير. الاعتقال الانفرادي لفترات طويلة في الفروع الأمنية يبقى طيلة فترة التحقيق، وحتى بعد انتهائها، كما يستعمل في السجون العادية (وخاصة السياسية ) لفترات طويلة كعقوبة. ( لا يزال د. عارف دليلة، قيد الحبس الانفرادي رغم مرور أكثر من خمسة أعوام على انتهاء محاكمته). يضاف إلى ذلك أن شروط زيارة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي من ذويهم سيئة، وتُمنع في أحيان كثيرة، و تجري في فترات متباعدة. والأسوأ من ذلك كله أن الإذن بالزيارة يبقى مرجعه الجهات الأمنية (في أغلب الحالات) حتى بعد صدور الأحكام من قبل المحاكم، حيث الحرمان من الزيارة عقوبة للسجين والسماح بها وسيلة للابتزاز.
3 ـ 2 ـ الاحتجاز التعسفي:
أيار2006:
أبرز أحداث أيار حدثان، الاعتقالات التي جرت بعد توقيع بيان دمشق-بيروت، وما جرى في الشغر.
*بعد صدور "إعلان دمشق-بيروت، بيروت-دمشق"، المتضمن وجهة نظر عدد من مثقفي سورية ولبنان في الحالة المتردية التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين، وسبيل مكافحة هذا التردي، جرت حملة استدعاءات أمنية لمثقفين وقعوا على البيان المذكور. واعتقل كل من السادة: ميشيل كيلو، محمود عيسى، سليمان الشمر، محمود الحسين، أنور البني، محمد محفوض، غالب عامر، محمود مرعي، صفوان طيفور ونضال درويش. وقد أفرج عن الأربعة الأخيرين أولاً، ثم أفرج عن أربعة آخرين في أيلول 2006، واحتفظ بميشيل كيلو وأنور البني، واعتقل في الشهر العاشر محمود عيسى مجدداً، ليعرض خمسة من العشرة للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في دمشق. وسنتعرض لاحقاً للمحاكمة.
*أحداث الشغر: الشغر قرية تابعة لمنطقة جسر الشغور ( محافظة إدلب )، يقام بقربها سد على نهر الوادي الأبيض وتجري بجوارها تفجيرات ( لتأمين الصخور المطلوبة ) تزعزع مساكن القرية. شكوى الأهالي المتكررة لم تنفع. في 3 أيار أدى التفجير إلى انهيار احد البيوت وإصابة امرأة من سكانها إصابة خطرة مما استثار الأهالي فاحتجوا وهاجموا إدارة الأعمال، وألحقوا الأذى ببعض الآليات، فاستدعيت قوات حفظ النظام التي نشرت الرعب في القرية واعتقلت عشرات المواطنين.
اعتقال طالبين وموظف في إحدى الكليات الجامعية في اللاذقية
اعتقال مهندس ومدرس من حزب التحرير الإسلامي
تموز وآب 2006
اعتقال الأستاذ على الشهابي (21 آب ) وكلن قد قضى في السجن قرابة العشر سنوات
اعتقال بضعة عشر مواطناً في الرقة ( تيارات إسلامية )
أيلول وتشرين أول 2006
اعتقال السيد محمد حجي درويش في حلب ثم الإفراج عنه بعد أسبوع.
تشرين ثاني وكانون أول 2006وكانون ثاني 2007
*اعتقالات متفرقة: طالبان جامعيان ( كلية الحقوق ) في حلب، وثلاثة مواطنين من التيار الإسلامي في جبل سمعان( حلب)، اعتقال السيد فايق المير، العضو القيادي في حزب الشعب الديمقراطي المعارض، وتقديمه للمحاكمة أمام القضاء العادي( التهم الموجهة له : دس الدسائس لدى دولة أجنبية لدفعها لمباشرة العدوان، إضعاف الشعور القومي، إيقاظ النعرات الطائفية، نقل أنباء كاذبة ). اعتقال الدكتور عمر محمد بكور وشقيقه سفيان.اعتقال محمد خليل عيسى بعد إصداره ديوانا شعريا. وكذلك أب وابنه( القامشلي). اعتقال محمد عبد الحي شلبي( تل منين)، بعد عودته من اغتراب دام 42 سنة، وعلى الرغم من حصوله على موافقة السلطات على العودة الآمنة.
مداهمة منزل في حلب ( حي الشيخ مقصود واعتقال عدد من الموجودين ).
اقتحام منزل في القامشلي واعتقال صاحبيه وقريبين لهما.
اعتقال البريطاني الجنسية جيروم هبل
اعتقال طالبين جامعيين في اللاذقية بعد خلع باب منزلهما واقتحامه من دورية أمنية بدون أذن قضائي، واعتقال مواطن ثالث في اللاذقية أيضاً.
شباط وآذار 2007
قمع اعتصام قوى معارضة بمناسبة مرور 44 عاماً على استمرار حالة الطوارئ ومعاملة المعتصمين معاملة مهينة للكرامة.
نيسان 2007
حملة اعتقالات شملت 25 مواطناً بمظنة علاقتهم بحزب التحرير الإسلامي الذي أعلن عن وجود خمسين معتقلاً من أنصاره قبل الحملة الأخيرة.
اعتقال عضوين من لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
* * *
يوضع عدد من السجناء السياسيين مع السجناء الجنائيين, وقد جرى العرف في الماضي البعيد نسبيا بعزلهم عن الجنائيين ووضعهم في أماكن أخرى ومعاملتهم معاملة كريمة. لكن الأمور سارت منذ الستينيات، وخصوصا منذ الثمانينيات، في مجرى أخر. تطالب جمعيات حقوق الإنسان بصون كرامة السجناء عموما والسجناء السياسيين خصوصا. نلفت النظر لما جرى لبعضهم في الفترة الأخيرة. ففي حزيران 2006 ضرب الأستاذ فاتح جاموس ضربا" مبرحا" من سجناء جنائيين، وفي كانون أول 2006 أعتدي، من سجناء جنائيين أيضا، على الأستاذ أنور البني، الذي عومل في كانون ثاني 2007 معاملة سيئة من حراس السجن وحلق شعر رأسه, كذلك حلق شعر رأس الدكتور كمال اللبواني ووضع في زنزانة قذرة. تحوم الشكوك بعلاقة إدارة السجن بهذه الاعتداءات.
4ـ الإفراجات:
الإفراجات التي تحدث نوعان: النوع الأول بعد الاعتقال مباشرة أو بعد فترة قصيرة( أيام)، ويشمل أفرادا معدودين. هذا النوع لا يسمع به غالبا، وبالتالي لا يجري توثيقه. النوع الثاني، الذي يوثق، يحدث بعد فترة اعتقال أطول ولعدد أكبر أو لأفراد مرتبطين بحركات سياسية.
5 ـ التعذيب والمعاملة اللا إنسانية:
ـ لا يزال التعذيب الجسدي والنفسي الوسيلة الرئيسية المستخدمة، في فروع الأمن المختلفة بما فيها الجنائية، في التحقيق لانتزاع المعلومات، وكذلك لمعاقبة المعتقلين و السجناء، ولا زالت تستخدم فيه أساليب عديدة منها: التعذيب بالمياه، الحرق بالسجائر، الضرب بالكابلات المعدنية، بساط الريح، الكرسي الألماني، التعذيب بالكهرباء، الضرب والركل والصفع، الجلد على أسفل القدمين، الإهانات بالشتم والتهديد بالتنكيل بالزوجة والابنة أو بالأقارب.
6 ـ الحق في محاكمة عادلة :
يلاحظ في الآونة الأخيرة، الميل للتحول إلى القضاء العادي في معالجة حالات الاعتقال السياسي، و هو ميل كان يمكن أن يكون إيجابيا، لو كان استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية مصونا، ولو كانت الأجهزة غير مؤثرة في المحاكم، ولو كانت سيادة القانون مؤمّنَة. يُراد أن يكون القضاء أداة تنفيذية للأجهزة، وبالتالي أن يُحوَّل عن رسالته في تحقيق العدالة وأن يحول القانون إلى ألعوبة. لقد حوكم الأستاذ أنور البني بتهمة" نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة"، وفي 24/4/2007 أصدرت محكمة الجنايات في دمشق حكمها عليه بالسجن خمس سنوات. وحوكم أيضا أمام محكمة الجنايات الدكتور كمال اللبواني بتهمة الاتصال بدولة أجنبية والتحريض على مهاجمة سورية"، فصدر عليه في 10/5/2007، الحكم بالسجن المؤبد، الذي خُفض لاثنتي عشرة سنة. وحوكم أمام محكمة الجنايات الثانية في دمشق كل من الأساتذة ميشيل كيلو ومحمود عيسى،( وغيابيا: سليمان شمر وخليل الحسين)، وصدر الحكم في 13/5/2007 بسجن كل من ميشيل كيلو(إضعاف الشعور القومي، وإثارة النعرات الطائفية) ومحمود عيسى( إضعاف الشعور القومي) ثلاث سنوات، والغائبين سليمان شمر وخليل الحسين بالسجن عشر سنوات( إضعاف الشعور القومي وإيقاظ النعرات الطائفية وتعريض سورية لأعمال عدائية).هذه المحاكمات، بدوافعها السياسية الواضحة، لم تتوفر فيها شروط العدالة، إن لجهة التهم والأدلة عليها، أو للسياق، أو للأحكام الجائرة الصادرة.
إلى جانب ذلك يستمر العمل بوتيرة متزايدة بمحكمة أمن الدولة العليا. وهي محكمة استثنائية (تشكلت بالمرسوم التشريعي رقم 47 تاريخ 28/3/1968 المعدل بالمرسوم التشريعي رقم 79بتاريخ 2/10/1972 وبالمرسوم التشريعي رقم57 بتاريخ 1/10/1979 بناء علي أحكام قرار القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي رقم 2 في 25/2/1966، وعلى قرار مجلس الوزراء رقم 47 بتاريخ 20/3/.1968) لا تخضع لأيه جهة قضائية بل تتبع القيادة القطرية لحزب البعث شكليا والأجهزة الأمنية واقعيا. ووفقا لمرسوم إحداثها، فأعضاؤها يمكن أن يكونوا عسكريين أو مدنيين أو من كلا الطرفين (المواد 1و2 من مرسوم إنشائها)، وتستطيع أن تحاكم كل شخص بما في ذلك المتمتعين بحصانة خاصة مثل أعضاء مجلس الشعب (المادة 6). و هي لا تتقيد (وفقا للمادة السابعة) بالإجراءات الأصولية المنصوص عليها في التشريعات النافذة، في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة. ولا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة منها( وفقا للمادة الثامنة من قرار إنشائها ولإعلان حالة الطوارئ). والمحاكمات وفقها، هي التعامل مع القضايا السياسية وقضايا أمن الدولة. المحاكمات في هذه المحكمة الاستثنائية لا توفر الشروط الدولية للمحاكمات العادلة من حيث عدم قابلية أحكامها للطعن، وفرض قيود على إمكانية اتصال المتهمين بمحاميهم، ومنح سلطات تقديرية واسعة للقضاة.
في عام 2006 وفي الأشهر المنصرمة من عام 2007 أصدرت هذه المحكمة الاستثنائية أحكاماً بالسجن لفترات طويلة، واستخدمت القانون 49 الذي يبيح الحكم بالإعدام على منتسبي جماعة الأخوان المسلمين. ويلاحظ أن المحكمة تلجأ إلى تخفيض حكم الإعدام إلى 12 عاماً. على أن اللافت هو استسهال الحكم بالإعدام لتهم تتراوح بين الانتساب لجمعية تهدف لتغيير كيان الدولة الاقتصادي والاجتماعي أو إضعاف الشعور القومي زمن الحرب ( ؟! )، أو إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية إلى غير ذلك من التهم الكبيرة التي لا تجد سندا لها في أدلة يمكن الاعتداد بصدقيتها.
غني عن البيان أن القانون 49 متناقض جذرياً والدستور والقوانين وميثاق حقوق الإنسان، والمحكمة ذاتها محكمة غير دستورية. حوكمت في هذه المحكمة جماعات مختلفة غالباً في مدينة واحدة،( قطنا أو التل على سبيل المثال) أي لا يمكن أن ينطبق عليها معيار التنظيم السياسي، المفروض به أن يكون على نطاق البلاد أو حوكم مواطنون عادوا إلى البلاد بعد غياب طويل.
في تشرين ثاني 2006 حكم على نزار رستناوي، من نشطاء حركة حقوق الإنسان، بالسجن أربع سنوات. وفي كانون أول حكم على ثلاثة طلاب جامعيين بالسجن سبع سنوات لأولهما وخمس سنوات للثاني والثالث. وحكم على ستة شباب أحكام مختلفة أشدها ست سنوات. وعلى محمد حيدر الزمار ومحمد محمود السماق بالإعدام الذي خفض ل 12 عاما على الرغم من أنهما لم يكونا في البلاد من زمن طويل. وفي كانون الثاني 2007 حكم على مواطنين اثنين بالسجن 15 عاما، وعلى13 مواطنا بأحكام مختلفة للثلاثة الأُول منهم 10 سنوات ولواحد 9 سنوات وسبعة حكموا بسبع سنوات، وفي شباط حكم على خمسة شباب بسبع سنوات ونصف لكل منهم. وعلى مجموعة التل بأحكام مختلفة( محمد عاصم بشير 10 سنوات)، وكذلك مجموعة بانياس ( سامي درباك 8 سنوات )، وفي آذار حكمت مجموعة التل ( براء مغنية وأحمد أسامة الشلبي 10 سنوات لكل منهما) أما مجموعة قطنا التي تضم 26 شخصا فتراوحت الأحكام بين 4 سنوات و12 سنة ( فادي عبد الغني، يحيى بندقجي، أحمد الشيخ، لكل منهم 12 سنة ) وكذلك على آخرين من مدن مختلفة منهم ياسين الصايغ الذي حكم بالإعدام وخفض الحكم ل 12 سنة. وفي نيسان أيضاً حكم على ثلاثة أشخاص بالسجن خمسة سنوات لكل منهم.
وبموجب قانون حالة الطوارئ، مُنحت المحاكم العسكرية الميدانية سلطات استثنائية، بما في ذلك صلاحية الاستماع إلى الدعاوى المرفوعة ضد المدنيين، بموجب المرسوم رقم 46 للعام 1966. ينقص هذه المحاكم ًالتمتع بالاستقلال والحيدة وعدم ضمان حق المتهم في حضور محاكمته والدفاع المشروع عن نفسه، سواء بمساعدة ممثل قانوني أو من دونه. إضافة إلى أن قضاتها لا يشترط فيهم أن يكونوا حقوقيين، وغالبا ما تكون جلساتها غير مستوفية لشروط المحاكمة العادلة، إذ يمكن أن تنعقد داخل السجون، في ظروف لا يسع المتهمين فيها سوى الإقرار بالتهم الموجهة إليهم. وسجلت حالات، أُبلغ المتهمون فيها بالأحكام الصادرة بحقهم دون أن يُطلب منهم حضور أي جلسة استماع.
7 ـ حماية الشؤون الشخصية والعائلية وحرمة المراسلات.
بينما الدستور يحظر، بحسب المادتين 31 و32 منه، التدخل التعسفي في الخصوصية الفردية أو الأسرية أو المنزلية أو في المراسلة، تخول حالة الطوارئ أجهزة الأمن( بدون الحصول على إذن قضائي مسبق)، دخول المنازل وإجراء عمليات التفتيش، كما هو الحال في الكثير من الاعتقالات التعسفية. وتقوم هذه الأجهزة بمراقبة انتقائية للمكالمات الهاتفية والاتصالات، وبفتح انتقائي للبريد، وحجب بعض مواقع الإنترنت المستقلة والمعارضة، ومراقبة الاتصالات بواسطة الإنترنت. ومن الشائع أن تقوم كذلك باحتجاز أقارب المعتقلين أو الفارين للحصول على المعلومات أو لإرغام الفارين على تسليم أنفسهم.
وقد كشفت الصحف السورية عن تعميم من القيادة القطرية لحزب البعث موجه إلى الأجهزة الأمنية ينهي تدخلها في 67 شأنا من الشؤون العادية، الأمر الذي كشف عمق واتساع التدخل الذي تمارسه هذه الأجهزة في حياة المواطنين.
ثانياً : احترام الحريات المدنية
1 ـ الحريات الصحفية والإعلامية
تبين تجارب البلدان المختلفة، أن كشف الانتهاكات، وضمان الحد الأدنى من حقوق الإنسان غير ممكنين بغياب صحافة حرة ومستقلة. وفي بلادنا لا تزال غالبية وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة مملوكة من الدولة. وعلى الرغم من الحرية النسبية، التي تتجلى في النقد المحدود للفساد والظواهر السلبية، تبقى هذه الوسائل مقصورة للدعاية لسياسة النظام. فالصحف التي تصدر في سورية، صحف رسمية أو شبه رسمية، وتمثل السلطة أو أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" المتحالفة معها. فبالإضافة إلى اليوميات "تشرين" و"البعث" و"الثورة" و"سيريا تايمز" (بالإنجليزية)، و( العروبة والفداء والجماهير والوحدة والفرات) التابعة لمؤسسة الوحدة والصادرة في المحافظات، تصدر أحزاب الجبهة صحفاً أسبوعية، ( "الميثاق"/ الاتحاد الاشتراكي، صفوان قدسي/ و"آفاق"/ حركة الاشتراكيين العرب/ و "الوحدوي"/ حزب الوحدويين الاشتراكيين/ و"النور" /الحزب الشيوعي، جناح فيصل/ و"صوت الشعب"/ الحزب الشيوعي ، جناح بكداش/).
وقد جرى إلغاء خمسة عشر ترخيصاً لصحيفة ومجلة منذ عام 2000 بعد أن سُمح لأول مرة بصدور صحافة غير حكومية في البلاد, أكثرها مملوك لأبناء بعض المسؤولين والنافذين. ومن الملاحظ أن التراخيص تُمنح غالباً لمطبوعات إعلانية أو علمية أو رياضية أو ثقافية أو للأطفال، وما ألغي من تراخيص، كان بسبب الشروط الصعبة والتعقيدات التي توضع في وجه المطبوعات.
تخضع الصحف والمجلات والنشرات في سورية لقانون المطبوعات الصادر في أيلول/ سبتمبر 2001, والذي سجل تراجعاً عن سابقه في مجال الحريات الإعلامية. فهو يخول رئيس الوزراء إلغاء ترخيص أي مطبوعة بناء على اقتراح وزير الإعلام ودون إبداء الأسباب (المادة 22).
وما يزال العمل الصحفي في سورية بحاجة للحصول على إذن مسبق من وزارة الإعلام والجهات الأمنية، التي تستطيع منع الصحفيين من مزاولة عملهم أو سحب الترخيص منهم إذا خرجوا عن الحدود المرسومة، كما تخضع بعضهم للاستدعاء الأمني والتهديد.
وفي التصنيف الدولي الثالث لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة (مراسلون بلا حدود) في تشرين الأول 2004، احتلت سورية المركز 155 المتدني بين قائمة الدول في احترام حرية الصحافة.
وفي الوقت الذي يزداد فيه المشاركون في استخدام "شبكة الإنترنيت"، فلا تزال "الجمعية السورية للمعلوماتية" و"المؤسسة العامة للاتصالات" تمارسان سيطرة كبيرة عليها، وتضم القائمة السوداء الكثير من المواقع الإلكترونية، وخصوصاً تلك التي تكون سورية في دائرة اهتمامها. فعلى سبيل المثال، لا يزال موقع (أخبار الشرق)، وموقعا (إيلاف) و(مكتوب) محجوبة، وكذلك موقع (كلنا شركاء في سورية) والمواقع الكردية (قامشلو دوت كوم وعامودا دوت كوم وعفرين نت)، وموقع (اللجنة السورية لحقوق الإنسان). وتعتبر منظمات دولية مدافعة عن حرية الصحافة سورية دولة مقيدة لحرية الإنترنت، بل ذهبت منظمة (Article 19) إلى حد تصنيف النظام ضمن الأنظمة العشرة الأكثر عداءً للإنترنت وتقييداً لاستخدامها. أما محطات الإذاعة والتلفزة والقناة الفضائية فهي مملوكة من الدولة وتتبع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
2ـ الحرية الدينية :
تكفل المادة 35 من الدستور السوري حرية الاعتقاد، وتنص على احترام الدولة للأديان، وكفالتها لحرية القيام بالشعائر الدينية، على أن لا يخّل ذلك بالنظام العام. ومع ذلك فالأجهزة الأمنية تفرض توجيهاتها على رجال الدين، وتمارس الرقابة المسبقة على خطب صلاة الجمعة وعظات يوم الأحد. وقد لوحظ، هذا العام، تزايد الاستدعاءات لخطباء ومد رّسي الجوامع والمساجد من الأجهزة الأمنية.
3 ـ حرية التنقل داخل الوطن وخارجه.
التنقل داخل الوطن حر، إلا أن الكثير من المفرج عنهم من المعتقلين يخضعون للمراجعة الدورية للأجهزة الأمنية وهو ما يحد من حركتهم داخل القطر. وبالنسبة لحرية التنقل خارج القطر، فلم يعد من حاجة لتأشيرة خروج لمن هم خارج سن الخدمة العسكرية، ما لم يكونوا موظفين لدى الدولة. لكن قائمة منع السفر للعديد من الناشطين السياسيين والحقوقيين ما زالت في ازدياد.
ثالثاً : احترام الحقوق السياسية ـ حق المشاركة السياسية
3_1 حق المواطنين في تغيير حكوماتهم : الترشيح والانتخاب:
جرت آخر انتخابات عامة لمجلس الشعب في نيسان 2007، في ظل حالة الطوارئ، وكانت أحزاب المعارضة ( وجميعها غير مرخص) قد طالبت مرارا بتحقيق الإصلاح السياسي، وإتاحة حريات التعبير والعمل السياسي وتعديل قانون الانتخاب بما يسمح بالمشاركة الفاعلة للمجتمع، ثم قاطعتها، نظراً لغياب أبسط شروط الديمقراطية. وإضافة لتحكم السلطة السياسية بالعملية الانتخابية، والتدخل المكشوف لأجهزة الأمن، لوحظ نمو دور الأغنياء الجدد والقدماء واحتلالهم مواقع جديدة، كما لوحظ نمو دور قوى طائفية وعشائرية وعائلية، مقابل ضعف الحراك السياسي للمجتمع،والعزوف الملحوظ عن المشاركة في العملية الانتخابية.
ينص الدستور السوري على حق المواطن بالترشيح والانتخاب إلى مجلس الشعب، لكن المادة (8) من الدستور، التي منحت حزب البعث حق قيادة المجتمع والدولة، فرّغت هذا الحق من مضمونه، من خلال القوائم التي يشكلها الحزب،والمضمونة النجاح المؤمنة لأكثر من ثلثي المقاعد مهما كان رأي الناخبين. وبالنسبة لرئاسة الجمهورية، فدور المواطنين ينحصر في المشاركة في الاستفتاء على المرشح الذي تسميه القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي( المادة84 من الدستور)، وبذلك يكون المواطن السوري محروماً من حقه في الترشيح والانتخاب وتغيير حكومته بالطرق الديمقراطية.
كرس قانون الانتخابات رقم 26 لعام 1973 هيمنة السلطة على مجمل العملية الانتخابية والتحكم بأصوات الناخبين. فتحويل المحافظات إلى دوائر انتخابية، يجعل الصلة بين المرشح والناخبين صعبة. يخول القانون المذكور وزير الداخلية تشكيل اللجان المركزية للانتخابات برئاسة المحافظين، التي من صلاحياتها الموافقة على المرشحين والنظر بالشكاوى والاعتراضات والطعون وفرز الأصوات وعدها ورفع القوائم بها لوزير الداخلية، وقطعية قراراتها، وبذلك حرم القضاء من مراقبة العملية الانتخابية أو التدخل فيها. ولهذه اللجان صلاحية تعيين لجان الصناديق (وهم حكماً من العاملين في الدولة) وهي المرجع الوحيد لقرارات لجان الصناديق. وألزم القانون المرشحين بتسليم ثلاث نسخ من البيانات والنشرات التي يصدرونها قبل طباعتها مما يشكل رقابة مسبقة على عملهم. يحتوي القانون والتطبيق العملي له على جملة من الثغرات والنواقص مما يتيح التلاعب بأصوات الناخبين. يسمح القانون بوضع صناديق الانتخابات في مراكز عمل العاملين ليكون تصويتهم تحت رقابة السلطة. ولم يعلن يوم الانتخابات يوم عطلة، وبالتالي يمارس العاملون في الدولة هذا الحق تحت وصاية ورقابة أجهزة الدولة المسؤولة عن عملهم ولقمة عيشهم.
إن سيطرة السلطة على العملية الانتخابية تلغي، عملياً، حق المواطن في اختيار ممثليه والمسؤولين عنه وتجعل حقه في الرقابة على حكومته وتغييرها عن طريق الانتخابات أمراً صعب المنال. جدير بالذكر، أن المحكمة الدستورية، في معرض النظر في الطعون الانتخابية، قررت أكثر من مرة إلغاء انتخاب بعض أعضاء مجلس الشعب، لكن أحكامها لم تُنفذ.
3ـ2 حق تشكيل الأحزاب والجمعيات :
بالرغم من نص المادتين 26و38 من الدستور، على حق المواطن بالإسهام في الحياة السياسية، واعتناق الآراء والإعلان عنها، لا يزال نشوء ونمو الجمعيات والأحزاب مشلولاً منذ إعلان حالة الطوارئ. فلا يسمح بترخيص جمعيات جديدة إلا في أضيق الحدود وبقرارات استنسابية محدودة العدد، مثل الترخيص لجمعيات أو هيئات تعنى بشؤون المرأة والطفل، كلجنة المبادرة الاجتماعية التي أشهرت أواخر العام قبل الماضي في دمشق، وبعض جمعيات البيئة في عدة محافظات، في حين لم يزد عدد الجمعيات المرخصة طوال ثلاثين سنة عن بضع عشرات، ليصبح عددها الإجمالي حوالي 1600 جمعية([1]) تنطبق عليها بعض معايير أو خصائص المنظمات غير الحكومية.
وفي عام 2001 تراجعت السلطة عما كانت قد غضت عنه النظرعام 2000 من نشاط للمنتديات، فأغلقتها، وآخرها منتدى الأتاسي للحوار الديمقراطي الذي استمر في نشاطه حتى ندوته الأخيرة في 7/5/2005، التي التقى فيها ممثلو عدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لعرض وجهات نظرهم عن( الإصلاح في سورية ) .
الأحزاب السياسية لا تعمل وفق شرعية قانونية معلنة، بما في ذلك حزب البعث الحاكم وكذلك أحزاب الجبهة، ولا تشكل الإشارة إلى الجبهة في المادة الثامنة من الدستور السوري بديلاً عن قوانين تشرع وتنظم الحياة الحزبية. ويجري الحديث، بين حين وآخر، عن مشروعي قانون أحزاب وقانون جمعيات، ويطالب الكثير من الناشطين السياسيين والحقوقيين بفتح الحوار حولهما بصورة علنية ومنظمة وعلى نطاق وطني، تفادياً لإصدار قانونين قاصرين عن حاجات المجتمع وتطوره، كما حصل لقانون المطبوعات الأخير المصنف كقانون عقوبات .وبالنتيجة فالمواطن يفقد حقه بالانتماء إلى أحزاب سياسية. فالنشاط السياسي العلني يقتصر على أحزاب" الجبهة الوطنية التقدمية"، التي نص قانون إحداثها على أن لحزب البعث العربي الاشتراكي أكثر من نصف الأصوات في قيادتها المركزية، مما يجعل الجبهة المذكورة غطاء لتحكم السلطة بالحياة السياسية.
خارج إطار الجبهة، يعتبر النشاط السياسي في إطار الجرائم المعاقب عليها. فالقانون49 لعام 1980 الذي يعاقب بالإعدام على كل منتمٍ إلى جماعة الأخوان المسلمين، لا يزال ساري المفعول ومطبقا، والقانون 53 لعام 1979المتعلق بأمن حزب البعث الذي يعاقب بالاعتقال المؤقت من خمس إلى عشر سنوات، كل عضو فيه ينتمي إلى تنظيم سياسي آخر.
يحول الناشطون السياسيون المنتمون لأحزاب سياسية خارج إطار الحزب الحاكم وحلفائه، إلى المحاكم الاستثنائية ليحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة. مؤخرا، حُول عدد منهم إلى المحاكم العادية( وأحيانا إلى القضاء العسكري)، غير أن شروط المحاكمة العادلة ام تكن متوفرة، إن بالنسبة للتهم الموجهة والأدلة عليها، أو للأحكام الصادرة.
إن حق تشكيل الجمعيات محكوم بقرار السلطات التنفيذية. فقد منح قانون الجمعيات وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الصلاحية الكاملة بمنح أو حجب الترخيص دون إبداء الأسباب بما في ذلك عدم قبول طلب الإشهار أصلاً. وأعطى الوزارة الصلاحية الكاملة لحل أي جمعية دون إبداء الأسباب ودون حق اللجوء للقضاء للاعتراض على ذلك. وسمح بتدخلها في كل شأن للجمعية، فأوجب حصول الأخيرة على إذن مسبق لأي نشاط، مما أفقد هذا الحق أي مضمون، وأدى إلى اقتصار الشرعنة(الإشهار) على جمعيات المساعدة الخيرية وجمعيات التعاون السكني والاصطياف والجمعيات التعاونية الغذائية وأمثالها، بينما حجب الترخيص عن جمعيات المجتمع المدني العاملة في الشأن العام. ومن الأمثلة البارزة على التعسف باستعمال السلطة، بل وضع القانون على الرف، ما حدث مع رابطة النساء السوريات ومع جمعية المبادرة الاجتماعية. فقد أصدرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في 13/12/2006 توجيهاً إلى المديريات التابعة لها بعدم التعامل مع رابطة النساء السوريات بحجة أنها غير مرخصة. وصرحت الوزيرة بعد ذلك بأن الرابطة تتبع أحد الأحزاب السياسية ( الحزب الشيوعي /جناح يوسف فيصل/العضو في الجبهة الوطنية التقدمية ) وتعمل بالتالي بالسياسة. والرابطة المؤسسة عام 1948 والمرخصة في أيار 1957، طلبت الترخيص مجدداً في نيسان 2006حسب قانون الجمعيات المعمول به حالياً( الصادر عام 1958)، فووفق على الطلب من مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل وحُول إلى محافظة دمشق ثم منها إلى الأمن السياسي الذي وافق عليه، ثم إلى فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق لإبداء الرأي، علماً أن المادة 10 من قانون الجمعيات تنص على ما يلي: " تقوم الجهة الإدارية المختصة بإجراء الشهر خلال ستين يوماً من تاريخ الطلب. فإذا مضت الستون يوماً دون إتمامه يعتبر الشهر واقعاً بحكم القانون. وحلّت الوزارة " جمعية المبادرة الاجتماعية " وهي جمعية غير حكومية تهتم بشؤون المرأة، وليس لها أهداف سياسية أو حزبية، بدعوى ضرورات" المصلحة العامة".
3ـ3 حق التظاهر والتجمع السلميين :
حق التجمع السلمي خاضع، في الأعم والأغلب، لأحكام حالة الطوارئ. ولا يُسمح بقيام تجمعات على مثال المنتديات أو غيرها إلا بشروط تعجيزية تلغي قيامها عملياً. ويحتاج أي ناد ثقافي أو فني إلى موافقة أمنية مسبقة على كامل برنامج تجمعه، ولا تفلت من ذلك الحفلات العائلية في الأماكن العامة أيضاً، كحفلات الأعراس والخطوبة وغيرها. وكثيراُ ما ألغيت أنشطة ثقافية في اللحظات الأخيرة، نظراً لسحب الموافقة الأمنية عليها.
واللافت أن منع ممارسة هذا الحق لم يتوقف عند تجمعات الناشطين الثقافيين أو السياسيين كما حدث بالنسبة لإحالة الناشطين الـ14 في قضية منتدى الكواكبي والمجتمع المدني الشهيرة على المحكمة العسكرية في حلب عام 2004، بل امتد ليشمل الناشطين النقابيين. فالهيئات النقابية تساهم في حجب هذا الحق، كما فعل فرعا نقابة المحامين في دمشق وحلب تجاه عدد من المحامين.
لم تسمح الدولة بأن تكون الاعتصامات وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي والموقف 0 وقد أشرنا إلى بعض منها 0 لقد منع الكثير من الاعتصامات التي دعت إليها قوى سياسية مختلفة في عدد من المدن السورية كما منعت مجموعة من الاجتماعات في بيوت الناشطين السياسيين أو ناشطي حقوق الإنسان. كافحت السلطة الاعتصامات بطرق مختلفة كتفكيك الاعتصام من قوى حفظ النظام، أو مواجهة المعتصمين بمجموعات مدنية مسلحة بالعصي، أو القبض على المعتصمين ونقلهم في شاحنات مغلقة خارج المدينة وإنزالهم على طرق فرعية، كما حدث في آخر اعتصام أمام قصر العدل( آذار2007)
الباب الثالث : الحماية من التمييز:
1ـ المرأة :
التشريع هو المصدر الرئيسي للاعتراف بحقوق المرأة ولمكافحة التمييز. وقد كفل الدستور المساواة بين المرأة والرجل ( المادتان 25 و 45 ) ودعم الانضمام إلى عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذلك تشريعيا، مثل اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة CEDAW ( المرسوم التشريعي 330 للعام 2002 ) التي تضمنت موادها 2 و 3 و5 احترام مبدأ المساواة و فرض الحماية القانونية لحقوق المرأة 0 إلا أن عدم احترام المساواة هو واقع معاش، كما هو الحال في (قوانين العقوبات والجنسية والعمل والتأمينات الاجتماعية) ويبرز عمليا في إطار الانتهاكات التي يرتكبها الأفراد مثل الزنى وجرائم الشرف التي تناقض المفاهيم القائمة على المساواة 0 وعموما لا تتوفر إحصائيات دقيقة ومسحية توضح مدى انتشار حالة العنف و نسبة النساء المعنفات. وغالبا ما تلجأ المرأة ضحية العنف لعائلتها دون اللجوء للقضاء تفاديا للقيل والقال من جهة، ولغياب الأطر القانونية الكافية والمناسبة لمعاقبة مرتكب العنف من جهة اخرى0 وباستثناء بعض الملاجئ الخاصة فليس للنساء ولا لأولادهن أمكنة مناسبة في حال احتياجهن للحماية من العنف و لمنعه.
و لنشر وتقديم المساعدة القانونية تقوم منظمات مثل الاتحاد العام النسائي و جمعية تنظيم الأسرة و الهيئة السورية لشؤون الأسرة (تأسست بالقانون 42 للعام 2003 ) بتنظيم الندوات المتعلقة بموضوع العنف ضد المرأة للنهوض بحقوقها والحيلولة دونه و دراسة أسبابه و نتائجه. إلا أن الواقع التشريعي بقي على حاله. فالمرأة تعاني من تداعيات أوضاع تمييزية وخرق متعدد لحقوق الإنسان لا يساعد في بناء المساواة، و يعوق بل يمنع المرأة من التمتع بالحقوق والحريات الأساسية 0
يبرز العنف من خلال تشريعات متفرقة تحد من حقوق المرأة و حرياتها الأساسية ليقدم أدلة واقعية على الفجوة بين الممارسة والنص مما يضعف الثقة بالنظام القانوني، و يدل على انتهاك حقوق المرأة. ففي قانون العقوبات يعد الاغتصاب جناية( المادة 489 ). أما جريمة الزنى أو التزاني فقد نص القانون على أن العقوبة الواقعة على المرأة مساوية لعقوبة الرجل المتزوج وضعف عقوبة غير المتزوج (المادة473). والأغرب من ذلك هو ما ورد في الفقرة (3) من ذات المادة التي تجيز إثبات الجريمة على المرأة الشريك بكل الوسائل بينما لا تجيز الإثبات على الرجل سوى بالأدلة الخطية أو الإقرار. أما بالنسبة لجرائم الشرف فهي قليلة الوقوع وغالبا ما تحدث في المناطق الريفية، ويأخذ القانون بالعذر المحل لمرتكبها، إذا كان الفعل أو الإيذاء بغير عمدٍ ( فورة الدم ) وهو ما نصت عليه المادة ( 548عقوبات )0
و في قانون الجنسية وحالة ثبوت الجنسية ( المادة الثانية – الفقرة أ منه) " يعتبر عربيأ سورياً حكماً كل من ولد في سوريا أو خارجها من والد عربي سوري"، وبهذا يعامل معاملة السوريين في جميع الأحوال و من جميع الوجوه في الحقوق والواجبات.
بناء على ذلك تواترت مطالبة الفعاليات النسائية المختلفة في سورية، للنص على(أن من ولد لام سورية سواء داخل القطر أو خارجه فهو سوري حكماً) أي لتعديل النص السابق لما يعكسه من سياسة تمييزية تنال من المساواة في الحقوق بين الرجل و المرأة، ولكي تتمكن المرأة السورية من منح حق الجنسية لأولادها، كما هو الحال لدى الرجل.
بقي التشريع الذي تناول جانب العمل أيضا من المحاور التمييزية ضد المرأة، على الرغم من أن الاتجاه العام للدستور قائم على المساواة بين المرآة و الرجل من حيث فرص العمل المتساوية و الأجر المتساوي. لقد دفعت الضرورات الاقتصادية إلى خروج المرأة إلى العمل غير أن مشاركتها المتزايدة في سوق العمل تفتقد الحماية القانونية والاهتمام المفترض من التنظيم النقابي، كمافي حال العمل الزراعي( القطن والشوندر السكري) الذي تقوم به النساء غالبا، أو تترافق مع شروط استخدام تمييزية، لم تتم معالجتها تشريعياً. مثال ذلك قوانين التقاعد و التامين. فالتعويض العائلي يمنح للمرأة إن كانت أرملة أو موظفة، و في حالة تعدد الزوجات يعطى التعويض عن زوجة واحدة فقط)([2] ) . ووفقا لإحدى الدراسات الحديثة فان نسبة عمالة النساء في القطاع الصناعي الذي يشكل 28 % من إجمالي الناتج المحلي هي 8,2 %،ومن اللافت أن القطاع الزراعي يشكل 24 % من إجمالي الناتج المحلي و تبلغ نسبة عمالة النساء فيه 52 % للعام 2002 كما توجد مشاريع أهلية لنساء الأرياف و مؤسسات تجارية تديرها النساء. وللمرأة حق التملك دون قيود، إلا أن نسبة الملكية الخاصة بالنساء من الأراضي الزراعية هي 2,9 % بينما تبلغ نسبة ملكية الرجل 82 % و هذا يثير الانتباه إلى مسالة تضاؤل نسبة ملكية المرأة للأرض الزراعية، والتي غالبا ما تكون متعلقة بالتقاليد وليس بالقانون( الإرث القانوني)، أما في مسألة الإرث الشرعي فقد نص قانون الأحوال الشخصية عموماً على أن المرأة تحصل أحياناً على حصة إرثية أقل من الرجل، لكن ذلك يندرج في نظامٍ إرثي متكامل.
وفي الأحوال الشخصية فإن من أهم ما يفتقده النظام القانوني هو مراقبة طريقة تنفيذ أحكام النفقة في المحاكم الشرعية والدوائر التنفيذية لعدم توفر مراكز خاصة في دوائر المحاكم لمراقبة ذلك التنفيذ وتقديم تدابير قانونية أكثر فاعلية، مع الإشارة لعدم توفر قضاة متخصصين في المحاكم الشرعية في مواضيع العنف 0 بالإضافة لذلك فإن تعدد الزوجات وإن كان يمارس من قبل القلة من الرجال إلا إن القانون لم يلغ هذا الحق كما أجاز زواج الصغيرات ( المادة 18) بشروط يعود تقديرها للقاضي 0
و تعد مشاركة المرأة في المشهد السياسي مؤشراً بالغ الدلالة. فقد بلغت نسبة مشاركة المرأة في الإدارة المحلية للمحافظات 6 % و مجالس المدن 3,3 % و مجالس البلدات 1,7 % 0 وخلال العقود الماضية ارتفعت نسبة تمثيل المرأة و تضاعفت عدد مقاعد النساء في البرلمان من 26 لتصل إلى نسبة 11 % حاليا، علما أن الرجال و النساء. متساوون في جميع الحقوق السياسية. بلغت نسبة تمثيل المرأة في السلك الدبلوماسي 11 % عام 2000.وبلغت نسبة المحاميات 19 %، وشغلت سيدة منصب النائب العام في سوريا وشغلت سيدة أخرى رئاسة الغرفة الجنائية في محكمة النقض أوائل عام 2005، وهو أعلى منصب قضائي تصل إليه امرأة في سوريا حتى اليوم0. وترجع أسباب هذه النسب المنخفضة إلى عوامل عديدة منها عدم قدرة المرأة على تشكيل رأي عام عبر الإعلام، و فقدان القدرة على تشكيل التنظيمات الداعمة لبرامجها الانتخابية التي تعنى بالمسالة النسوية جنبا إلى جنب مع المسائل السياسية الأخرى.
وقد صادقت سورية على الاتفاقية الدولية لإزالة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) بالمرسوم التشريعي رقم 330 تاريخ 25-9-2000 لكنها لا تزال تتحفظ على المواد والفقرات التالية: المادة (2) والمادة (9) الفقرة المتعلقة بمنح الأطفال جنسية المرأة، والمادة (15) الفقرة الرابعة المتعلقة بحرية التنقل والسكن، والمادة (16) البند الأول، والفقرات (ج- د- و- ز) المتعلقة بالمساواة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه فيما يخص الولاية والنسب والنفقة، والمادة (16) البند الثاني حول الأثر القانوني لزواج الطفل ،وكذلك على المادة (29) المتعلقة بالتحكيم الدولي.
تشكلت الهيئة السورية لشؤون الأسرة بهدف تقديم مشاريع تعديل للقوانين المتعلقة بالأسرة، وهي تعمل على إعداد التقرير الأولي حول اتفاقية (سيداو) بالتعاون مع جهات حكومية وغير حكومية، ومع أعضاء مجلس الشعب بهدف رفع بعض التحفظات.
تتلخص مطالب المدافعات عن المرأة في سورية بالنقاط الأساسية التالية :
1- إلغاء التحفظات على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتعديل القوانين والأنظمة السورية بما يتناسب معها.
2- تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة الوارد في دستور الجمهورية العربية السورية، على أساس المواطنة الكاملة، وتعديل جميع القوانين المتعارضة مع ذلك، بما فيها قوانين الأحوال الشخصية، والعقوبات، و الجنسية، و الاقتصادية والمدنية، التي تتضمن في بعض ثناياها تمييزا بين المرأة والرجل، والدعوة لتعديل القوانين بما يضمن حقوق جميع أطراف الأسرة ، رجلاً أم امرأة أم طفلاً
2-الطفل
اتسعت دائرة الحماية القانونية للطفل في القانون الدولي ( اتفاقية حقوق الطفلCCR) لتشمل حق الحياة و الحماية من الاعتداء و حماية أخلاق و كرامة و صحة الطفل و قد واكب القانون المحلي الشرعية الدولية، وصادقت سورية على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لكنها لا تزال تتحفظ على المادتين (20) و (21) المتعلقتين بالكفالة 0
و في محاولة لتحويل هذه الحماية واقعا معاشا، نص القانون على توفير رعاية صحية مجانية للأطفال حتى سن الثامنة عشرة و تضمن قانون العمل حظر استخدام الأطفال في بعض الصناعات و الأعمال، فلا يجوز تشغيل من هم دون الخامسة عشرة و ميز بين الأعمال الإنتاجية و حمل الأثقال وغيرها من الاعمال0
غير إن نسبة الأطفال العاملين قد بلغت 17,8 % من إجمالي عدد الأطفال و في بعض الأحيان تكون هذه الأعمال دون اجر.
و لجهة التعليم الإلزامي فقد نص القانون رقم 35 للعام 1981 على إلزام إلحاق الفئة العمرية (من 6 إلى 12) سنة بالمدارس الابتدائية ومن ثم طبق في مرحلة لاحقة إلزامية المرحلة الإعدادية دون تمييز بين الإناث و الذكور، و قد أظهرت الإحصاءات أن نسبة الإناث في المرحلة الابتدائية للعام 2002 قد بلغت 47 % من إجمالي عدد التلاميذ و 56 % للمرحلة الإعدادية و هذه نسبة ملحوظة فيما لو اخذ بالاعتبار موضوع الزواج المبكر أو زواج الصغيرات كظاهرة اجتماعية متبعة سمح بها القانون ( المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية).
أما إساءة معاملة الأطفال و استغلالهم فقد تضمنت المواد المختلفة في قانون العقوبات عقوبات شديدة بخصوصها 0 ونظمت لغرض منع إساءة واستغلال الأطفال الندوات و حملات التوعية، ومنها ما كان برعاية الهيئة السورية لشؤون الأسرة0
نصت القوانين على عقوبات مشددة بما يتعلق بدعارة الأطفال، كالقانون رقم 10 للعام 1961 المتضمن مكافحة الدعارة، لكن لا توجد إحصائيات دقيقة وشاملة توضح نسبة دعارة الأطفال ومكان وقوعها داخل آو خارج القطر0
الوضع القانوني لميادين عمل الطفل، والحد الأدنى لسن التشغيل: تنص القوانين السورية على أن الحد الأدنى للتشغيل هو 15 عاما مشروطة بظروف تتعلق بطاقات الفتى أو الفتاة وبظروف العمل، كما تنص القوانين على عقوبات في حال تجاوزها، لكن دلائل تشير إلى أن هناك أطفالاً عاملين في سورية من سن 12 وما دون.
وقد صدر عام 2003 قرار برفع سن حضانة الطفل من 9 سنوات إلى 13 للذكر ومن 13 إلى 15 للأنثى، كما تعمل الهيئة السورية لشؤون الأسرة بالتعاون مع منظمات حكومية وغير حكومية ومختلف الجهات المعنية على دراسة التحفظات السورية على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ومواءمة الوضع القانوني للأطفال مع مواد الاتفاقية.
3 ـ المعوقون:
من الناحية النظرية كفل القانون للمعوقين حق التعليم في جميع المراحل، والتمتع بحقوق العمل المنصوص عليها في القانون النافذ دون تمييز، والتزام الجهات المعنية باستخدام المعوقين بنسبة 4 % من إجمالي عدد العاملين العام والسعي لتأقلمهم في مجتمعهم عبر قطاع العمل، ودعم ذلك بالإعفاء من الرسوم الجمركية المتعلقة باستيراد الأغراض المخصصة لاستخدامهم. كما نص على توفير الخدمات الصحية لهم.
من الناحية العملية لا ينفذ ما نص عليه القانون من حيث توافق استخدام المعاقين مع الأوضاع المختلفة، كما لا يتم تفعيل النسبة المقررة في استخدامهم بقطاع العمل. إلى ذلك فالتزام أصحاب العمل بإرسال بيان بعدد الأعمال التي يقوم بها المعاقون غير قائم ، ما دامت نسبة الاستخدام غير مفعلة. ( مثال ذلك ما حدث بالنسبة لمحاولة كل من المعاقين زياد مرشد من قرية الكفر التابعة لمحافظة السويداء وصفوان محمد حسن العثور على عمل خلال العام 2004، إذ لم تقبل أية جهة تشغيلهما، وقد أشارت إلى ذلك صحف دمشق الرسمية حينها) مما يتعارض مع قانون المعاقين .
أما تقديم التسهيلات لاستخدام العاجزين في أماكن معينة وفي مناطق الخدمات العامة فغير منصوص عليه قانونا مثل إنشاء مداخل أو مواقف خاصة، كذلك لم يقرر القانون المساعدة الاجتماعية للمعاقين كما هو الحال في بعض الدول.
4 ـ الأقليات القومية
يعيش في البلاد عدد من الأقليات جاء إليها في أزمنة مختلفة، أو كان فيها منذ القدم. وقد اتسعت البلاد للجميع. وكما يخبرنا التاريخ، احتضن المجتمع بتقاليده السمحة كل التلاوين، لتشكل مع الزمن، جزءا من النسيج الوطني. يعتبر الأكراد ثاني أكبر جماعة قومية في سوريا. ويعيش عدد كبير منهم في شمال محافظة حلب وفي شمال منطقة الجزيرة، المجاورتين للحدود مع تركيا والعراق، لكنهم أيضاً ينتشرون في جميع مناطق البلاد ويقاسمون الآخرين العيش فيها. وتعتبر منطقة الجزيرة، التي يعيش فيها العرب والأكراد، متخلفة عن بقية أنحاء البلاد من حيث المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية. و أوضاعها تميل للتفاقم بسبب سياسة الإهمال التي تمارسها السلطة المركزية.
والأكراد شأنهم شأن غيرهم من السوريين، يتعرضون لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. لكنهم، كجماعة، يعانون من التمييز، الذي يتجلى في القيود المفروضة على استخدام اللغة والثقافة الكردية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً كبيراً منهم بلا جنسية، إن كنتيجة لسياسة التمييز، التي كان الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 أحد أدواتها أو الهجرة(التسرب عبر الحدود) بسبب اضطراب الأوضاع في دول الجوار. وهم بذلك محرومون من عدد من الحقوق في التعليم والعمل والصحة وغيرها مما ينبغي أن يتمتع به المواطنون، فضلاً عن حرمانهم من حق الحصول على جنسية وجواز سفر، مثلهم في ذلك مثل عشرات الآلاف من السورييين المهاجرين لأسباب سياسية.
واللغة الكردية ليست لغة رسمية، لكن سُمح مؤخراً بتوزيع عدد قليل من المواد بها. ففي العام 2004 نشر قاموس عربي- كرمانجي (وهي لهجة كرد شمال سوريا ). ويبدو أن الحظر على استخدام اللغة والمواد الثقافية الكردية يُطبق بشكل فضفاض. وعلى الرغم من ذلك، وفي الوقت الذي يُسمح فيه لأبناء أقليات أخرى في سوريا، ومنهم الأرمن والآشوريون واليهود، بفتح مدارس خاصة، فإن الأكراد محرومون من ذلك.
من جهة أخرى ثمة تشديد في قمع نشاطاتهم السياسية تجلى في السنوات الأخيرة بعد الاتفاق مع تركيا 1998 وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003. وتظهر التفرقة واضحة بحقهم في شروط العمل والتوظيف في المؤسسات الحكومية،وفي الصعوبات التي يلقونها لتسجيل الولادات وتسجيل ملكية العقارات والأراضي، وأخيراً لا بد من ذكر القرار( غير المعلن رسمياً) الذي اتخذته القيادة القطرية بالحظر الجديد على الأحزاب الكردية، وتحذيرها من ممارسة أية نشاطات تحت طائلة العقاب والاعتقال وبذلك تساوت مع الأحزاب الأخرى المعارضة.
الباب الرابع : الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
1- العمل والتنظيم النقابي والبطالة والهجرة :
تضمن الدستور(المادة 36) التزام الدولةبتأمين العمل للمواطنين، دون تحديد مسؤوليات واضحة عليها لتأمين ممارسة هذا الحق. سارت الدولة على طريق التخلي عن سياسة التشغيل الواسع التي اختطتها في السبعينيات، والتي حكمها توسع دور الدولة الاقتصادي بسبب التأميم والإصلاح الزراعي، والتوسع في خدمات التعليم والصحة ونشر خدمات الكهرباء والماء إلى أعماق الريف، والتوسع في الجهاز الإداري والعسكري والأمني. استخدمت سياسة التشغيل الواسع أداة لتوسيع قاعدة النظام الشعبية وتثبيت أركانه ورفع قدرته على القبض على السلطة.
ُشددت، في الأعوام الأخيرة القيود على التعيين في الدوائر الرسمية المتخمة بالعمالة الفائضة والإنتاجية المتدنية، وبدأت الدولة تتخلى عن الالتزام بتشغيل خريجي كليات الهندسة وبعض المعاهدً، فصدر المرسوم رقم 6 الشهير، الذي دلَّ على ذلك التخلي. كما أدى تجميد القطاع العام إلى تقليص فرص العمل لدى الحكومة، وأدت معدلات النمو المنخفضة ومناخ الاستثمار غير الجاذب إلى استمرار محدودية قدرة القطاع الخاص على خلق فرص للعمل.
على الرغم من ضمان الدستور لحق العمل، ومنع القوانين للتسريح التعسفي، تلجأ السلطة لهذه الوسيلة لمعاقبة من يتخذ موقفا مستقلا، أو يعبر عن رأي مستقل، وكذلك معاقبة عائلته. هذا أولا. وثانيا، ترسل السلطة تحذيرا قويا لموظفيها للابتعلد عن هذا السلوك. لقد كان أبرز حدث جرى في حزيران 2006، هو إصدار رئيس مجلس الوزراء قرارا بالتسريح من الخدمة لسبعة عشر موظفاً استناداً إلى المادة 137 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة وهي مادة تجيز له الصرف من الخدمة دون بيان الأسباب، التي يُظنّ أنها التوقيع على بيان يطالب، بالإفراج عن معتقلي أيار. شمل القرار سبعة من العاملين في وزارة التربية ( سهيل أبو فخر، عصام خداج، فؤاد البني، هيثم صعب، نبيل أبو صعب، مروان حمزة، كمال الدبس )، وواحدا في كل من وزارات التعليم العالي ( منير شحود)، الصحة ( نيقولا غنوم )، النفط ( سليمان شمر )، المالية ( كمال بلعوس )، الكهرباء ( غالب طربيه )، الزراعة ( عصام أبو سعيد )، واثنين من كل من وزارتي الإدارة المحلية ( فضل الله حجاز ولينا راغب وفائي ) والإعلام ( سلمى كركوتلي وناظر نصر ). ومن الواضح أن هذا الإجراء تعسفي مخالف لحقوق الإنسان، وللدستور، وللقوانين المفروض احترامها في البلاد.
تستمر السلطة التنفيذية في الامتناع عن تنفيذ أحكام قضائية مبرمة لصالح المشتغلين، مما يشير لعدم احترام القضاء، والخضوع للقانون. كما تعاني المحاكم العمالية من ضعف شديد ومن نقص النزاهة، مما يجعل أصحاب العمل يملكون نفوذاً كبيراً عليها على نحو يضر بمصالح المشتغلين.
تتجه حقوق العمل والعمال في القطاع الخاص نحو التدهور، رغم أن قانون العمل رقم 91 لعام 1959 يقدم حماية نظرية كبيرة للعامل. فأرباب العمل يتهربون من الالتزامات التي يفرضها عليهم القانون بأشكال مختلفة، مثل إجبار العامل على توقيع طلب استقالة غير مؤرخ لدى مباشرته العمل، يحتفظ به رب العمل كأداة ضغط وتهديد دائمة، ويقبل العامل بذلك نتيجة حاجته الماسة والمصيرية للعمل و العيش. ويستمر تدني وسطي الأجر في القطاع الخاص بأكثر مما في القطاع العام، رغم بعض الاستثناءات. ولا يقوم قطاع الأعمال بتسجيل غالبية العاملين لديه في التأمينات الاجتماعية، مما يحرم هؤلاء من التعويضات أو التأمينات التقاعدية. والجزء الذي يجري تسجيله إنما يتم بمستويات أدنى من الرواتب، من أجل دفع أعباء أقل للضمان مما يعني حصول المشتغل على تعويضات أقل من الشؤون الاجتماعية.
يفسر تردي الأوضاع، بتزايد ضعف وفساد الأجهزة الحكومية التي تشرف على تطبيق القانون، وفساد القضاء، مما يسهل على رجال الأعمال تحقيق مصالحهم على حساب مصالح العمل والعمال والبلاد. وتشكل البطالة الواسعة أداة قوية بيد قطاع الأعمال لفرض إرادته على طالبي العمل، بينما لا تملك النقابات العمالية دورا ملحوظا في القطاع الخاص.
والنقابات، ويكاد وجودها يقتصر على القطاع العام، تستمر كتنظيم وحيد يخضع للسلطة، وتشكل أداة ضبط للحركة العمالية أكثر منها منظمة للدفاع عن حقوق الشغيلة، بينما يستمر دورها في التراجع في الحياة العامة، مع تراجع دور الدولة كرب عمل كبير، أمام تقدم دور القطاع الخاص من جهة، وتبعية النقابات للسلطة من جهة أخرى.
حرية العمل النقابي:
العمل النقابي خاضع لهيمنة السلطة السياسية. فقد حددت القوانين والنظم الداخلية أطر وهياكل العمل النقابي بالارتكاز إلى فلسفة النقابة الواحدة من جهة، والى إلحاقها بالحزب الحاكم، الأمر الذي أسس له الدستور الدائم لعام 1973 بالمادة 8، وتكرس نهائياً خلال أحداث بداية الثمانينيات، من جهة ثانية. فقد حددت الأنظمة الداخلية للنقابات، على مختلف أصنافها، هدف النقابة "بتنفيذ أهداف ثورة 8 آذار"، وحولتها من منظمات نقابية مهنية إلى منظمات ملحقة بالسلطة.
ومثال ذلك قانون المحاماة رقم 39 لسنة1981 والصادر بتاريخ 21/8/1981، الذي ينص على تبعية النقابة لحزب البعث، وعلى التزامها بتوجيهاته وتعليماته. فالمادة الثالثة منه تنص على أن نقابة المحامين هي " تنظيم مهني اجتماعي مؤمن بأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية وملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مبادئ ومقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته"، فضلا عن أن من أهدافها، ووفقا لنص المادة الرابعة، "المساهمة في تطوير التشريع بما يخدم التحول الاشتراكي، وأهداف الأمة العربية، وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد ".
وقد كشف اعتقال عدد من طلاب الجامعات عام2004 وعام 2006، وإحالة بعضهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بتهمة السعي لتشكيل تنظيم طلابي مستقل، بما يعني "مناهضة أهداف الثورة"، كشف مدى حساسية السلطة إزاء قيام عمل نقابي مستقل.
إن استمرار تقييد حقوق التنظيم السياسي المستقل، والتنظيم النقابي المستقل، والتعبير والتظاهر والإضراب السلمي، يؤثر سلباً وعلى نحو كبير على قدرة العمال في الدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والسياسية.
البطالة: وهي حالة جزء من القوة العاملة يبحث عن عمل لكنه لا يجده. ويقدر رسمياً عدد العاطلين عن العمل عام 2002 بـ 637805 ( 11،78% من قوة العمل ). منشأ البطالة الأساس هو ضيق سوق العمل وانخفاض قدرتها على الاستيعاب، خصوصاً للقادمين الجدد، بسبب ظاهرة الركود الاقتصادي المستمرة منذ سنوات. يلاحظ أن 87% من العاطلين هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة، كما يلاحظ ارتفاع هذه النسبة بين المتعلمين، بما يعنيه من خسارة لهم وللمجتمع، لأنها إضاعة لنوعية أعلى من العمل ( عمال موصوف ). كما يلاحظ أن البطالة تدفع جزءاً من أصحابها للهجرة إلى الخارج ، أي لضياع الجهد والوقت والمال المبذول في التعليم ، وفقدان الفوائد المتوقعة مستقبلاً.
لقد أظهرت نتائج مسح القوة العاملة عام 2002 ( المكتب المركزي للإحصاء ) أن 35% من خريجي الجامعات يعملون في مجالات لا تتفق وتخصصاتهم الفعلية ، وأن 25% من حملة الشهادة الثانوية يمارسون أعمالاً لا تتناسب ومؤهلاتهم. وإلى جانب الركود المزمن ، الذي أشرنا إليه ، يلعب غياب هيئة مسؤولة عن التنسيق بين نظام التعليم ومتطلبات الإنتاج وسوق العمل ، دوراً كبيراً في ذلك.
بلغ عدد طالبي العمل الذين سجلوا أنفسهم في مكاتب التشغيل التي أحدثت عام 2001 حتى نهاية آذار 2004، بلغ 908 آلاف. وهذا العدد يعادل 20% من قوة العمل، ويعني أن عدد الباحثين عن عمل هو أعلى بكثير من الأرقام المعلنة رسمياً، إضافة لارتفاع نسبة البطالة المقنعة ، التي تدفع المعانين منها للبحث عن فرص عمل أفضل . مقابل ذلك لم تستطع هيئة مكافحة البطالة عام 2003 سوى توفير /60720/ فرصة عمل أو ما يعادل 6،4 % من العاطلين عن العمل. ( معلومات مأخوذة من التقرير الوطني للتنمية البشرية 2005 عن التعليم والتنمية البشرية. الصادر عن هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ). يعمق من الآثار السلبية للبطالة، البطالة المقنعة أو التشغيل المنقوص، وهي تكدس عدد من العاملين زيادة عن الحاجة الفعلية للمؤسسات، مما يعني تدني الإنتاجية. تلاحظ الظاهرة الأخيرة في مؤسسات القطاع العام، وبين خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة العاملين في الدولة، لكن أيضاً، وخصوصاً بين حاملي الشهادات الجامعية، في القطاع غير الحكومي، وهي تنمو بفعل الركود الاقتصادي واتساع دائرة الفقر. وللأسف لا توجد دراسات جادة عن هذه الظاهرة المقلقة.
يمتص جزءاً من البطالة استمرار هجرة العمالة إلى الخارج. فإلى لبنان كانت تتوجه العمالة غير الماهرة، وإلى السعودية ودول الخليج تذهب العمالة المهنية الموصوفة، أما إلى أوروبا و الولايات المتحدة فيتوجه أفضل أًصحاب الاختصاصات. وبغض النظر عن التحويلات المالية إلى البلد، فهذه الهجرة، دائمة كانت أو مؤقتة، تعني بالنتيجة خسارة للاقتصاد الوطني وللمجتمع.
2- تكافؤ الفرص :
تساهم مجموعة من العوامل في الإخلال بتكافؤ الفرص. وقد أخذ الفساد (الواسطة والرشوة.....) يلعب دوراً متزايداً في ذلك. وفي الكثير من الوظائف الهامة وبعض القطاعات الحيوية، لازال شرط الانتماء لحزب البعث مطلوباً. لكن أعدادا أكبر من غير المنتسبين لحزب البعث أخذت تشغل مناصب حكومية عليا ومتوسطة،بعد أن حدث بعض التراجع على اشتراط الانتماء لهذا الحزب. على أن اختيار الكوادر مازال يفتقر للشفافية وللمعايير الموضوعية المضبوطة والمعلنة لقياس الكفاءة والنزاهة، وما زالت العلاقات الشخصية، ودعم الأجهزة الأمنية وتقاريرها تلعب الدور الأهم إلى جانب الاستزلام و المحسوبية والفساد. فأجهزة الأمن تتدخل في جميع مراحل التوظيف ومفاصله وترقياته. و شرط الموافقة الأمنية مطلوب في كل توظيف جديد لدى الدولة، وهو شرط غير قانوني وغير دستوري، وتزداد التدخلات كلما ازدادت أهمية الوظيفة.
3- وسطي الدخل والفقر:
تقع سورية، بمعيار وسطي دخل الفرد فيها، في الجزء الأسفل من سلم فئة الدخل المتوسط من دول العالم. فوسطي دخل الفرد في السنوات الأخيرة استقر نسبياً حول قيمة تقريبية تبلغ (55) ألف ليرة سورية سنوياً أي ما يقل عن(1100) دولار أمريكي. ولكن هذا الثبات النسبي هو ثبات للقيمة الاسمية للعملة السورية، وليس للقيمة الفعلية المعبر عنها بالقدرة الشرائية لليرة السورية. وهي قدرة متناقصة بفعل عوامل التضخم وارتفاع الأسعار، الذي لوحظ في الأشهر المنصرمة من عام 2006. ويتحدث بعض الاقتصاديين عن ارتفاع للتضخم حتى 20 %، الأمر الذي تجلى خصوصا في ارتفاع أثمان المساكن، وأجرة المساكن، والحاجات المعيشية المختلفة.
وقد بلغت قوة العمل في سورية أكثر من /5/ ملايين شخص بقليل في عام 2003 حسب المجموعة الإحصائية لعام 2004، كما بلغت أعداد المشتغلين ما يقارب /4.5/ مليون شخص، كان بينهم 8% صاحب عمل، و25.7% يعمل لحسابه، و 54.8% يعمل بأجر، و 11.5 % يعمل بدون أجر.
وفي دراسة لمكتب الإحصاء، فإن حاجة الفرد في الأسرة للغذاء تبلغ 1420 ل.س شهرياً أي أن العائلة (5 أفراد وسطياً) تحتاج نحواً من 7000 ل.س لطعامها فقط. والطعام يشكل عادة نحو ثلث نفقات الأسرة. وإذا أخذنا معيار 2 دولار في اليوم للفرد لتكاليف المعيشة، فإن العائلة (المؤلفة وسطياً من خمسة أفراد) تحتاج إلى نحو من 300 دولار شهرياً أي أكثر من /15000/ل.س. ومن المعروف أن رواتب معظم العاملين بأجر لدى الدولة ولدى القطاع الخاص لا تصل إلى هذا المستوى، بالتالي فإن معظم العاملين بأجرهم دون خط الفقر. فإذا أضفنا لهم الذين يعملون بدون أجر, وأيضاً نسبة من العاملين لحسابهم من حرفيين صغار، ومزارعين صغار، ممن لا يصل وسطي دخولهم الشهرية إلى 15000 ل.س، يتضح أن أكثر من نصف المجتمع السوري مازال يعيش تحت خط الفقر في عام 2005.
من جهة أخرى، تفيد التقارير الرسمية أن نسبة الفقراء في سورية هي في حدود 11%، وهي نسبة لا تصمد أمام أية محاكمة علمية ولا أمام تحليل أرقام المكتب المركزي للإحصاء نفسه، رغم عمليات التجميل التي تجريها إدارة المكتب على إحصاءاتها، فيكفي أن نأخذ نسبة العاطلين عن العمل لوحدها التي تقول لنا أن ربع قوة العمل السورية عاطلة عن العمل، أي أن ربع المجتمع السوري هو دون خط الفقر بكثير، وبإضافة نسبة من أصحاب الدخل المحدود، ينتج أن نسبة السكان دون خط الفقر لا تقل في جميع الأحوال عن ثلث سكان سورية.
النتيجة الأساسية لتقرير الفقر في سورية ( 1996- 2004)، الذي حققته هبة الليثي وأصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في حزيران 2005، أن 2 مليون مواطن (11،4%) من السكان لم يتمكنوا من تأمين حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية. باستخدام روائز محددة أخرى، يرتفع الفقر الإجمالي ليشمل 5،3 مليون شخص (أو 30%) من السكان. ويشير التقرير أيضاً إلى انتشار الفقر في الريف أكثر من المدن، وفي شمال وشرق البلاد ( ادلب، حلب، الرقة، دير الزور، الحسكة) أكثر من وسطها وغربها وجنوبها0 كما يشير إلى أن النمو على مستوى البلاد كان في صالح الفئات غير الفقيرة، معمقاً بذلك الهوة بين الفقراء والأغنياء، بين الأعوام 1996- 2004. لقد استهلك ال20% الأقل دخلاً من السكان ما نسبته 7% من إجمالي الإنفاق، واستهلك ال20% الأكثر ثراء ما نسبته 45 % من هذا الإجمالي. ويشير التقرير أيضاً إلى علاقة الفقر بارتفاع الأمية وانخفاض مستوى التعليم، كما يشير إلى تأثير ضعف النمو على سوق العمل، وضعف عرض فرص العمل بما لا يسمح باستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
وباستخدام خط الفقر الأدنى (عدم التمكن من تغطية الحاجات الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية)، يتبين أن 38،8 % من الفقراء يعيشون في المناطق الحضرية التي تضم 50% من السكان بينما 58،1 % من فقراء سورية يعيشون في شمال وشرق البلاد الذي يضم 44،8 من السكان. ويشير التقرير إلى عمق وحدة " الفقر في هذه المناطق".
ومما يخفف أثار الفقر استمرار التكافل الاجتماعي من جهة، وقدرة القاطنين في الريف على تأمين طعامهم وبعض حاجاتهم الأخرى من خلال إنتاجهم الذاتي أو عملهم الذاتي أو التشارك الاجتماعي. كما يسهم إنفاق الدولة على التعليم والصحة في ذلك التخفيف. إلا أن تضييق الدولة على إنشاء الجمعيات الخيرية وعلى نشاطاتها، ضمن حساسية النظام المفرطة من كل أشكال التنظيم والتجمع، بما فيها الجمعيات الخيرية، يحد من مساهمة التكافل الاجتماعي في تخفيف الفقر.
4- العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل والثروة:
استمرت الفجوة بين طبقات الهرم الاجتماعي بالتزايد، ويُسجل تراجع في مستوى العدالة الاجتماعية، بالمعنى النسبي للعبارة، في توزيع الثروة الاجتماعية عموماً، وتوزيع وإعادة توزيع الدخل على وجه الخصوص، وهي نتيجة متوقعة لتراجع الجانب الاجتماعي في السياسات الاقتصادية. فالفقراء يزدادون فقراً وتتسع دائرتهم بازدياد أعدادهم، والأغنياء يزدادون غنى.
إن توزيع وإعادة توزيع الدخل بواسطة السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية و الاجتماعية ترسم خطاً منحاه العام متراجع لغير مصلحة الفقراء والمنتجين. فبعد أن شهدت ستينيات القرن الماضي نوعاً من إعادة توزيع الدخل لصالح الفئات الفقيرة والعاملة في مختلف القطاعات، وخاصة الحكومية، انقلب الاتجاه بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي. يتوازى ويتشابك هذا الاتجاه مع اتجاه تغير التناسب بين قطاع الدولة والقطاع الخاص لصالح الأخير، على الرغم من أن الدولة مازالت تحافظ على حد أدنى من سياسات توزيع الدخل تتمثل خاصة في الإنفاق على التعليم والصحة ودعم الزارعة والطاقة، وينصرف هذا الإنفاق واقعياً إلى الجوانب الكمية بدون فعالية في الجوانب الكيفية كما يلاحظ كثير من الدارسين.
وقد استمرت حركة كل من قطاع الدولة والقطاع التعاوني في التقلص عام 2005، كما تراجعت وظيفة وحجم ودور وفعالية هذين القطاعين لصالح تقدم موقع القطاع الخاص وتركز الثروة. والدولة لا تبحث عن أشكال وبرامج جديدة، متناسبة مع الطابع الجديد للنظام الاقتصادي السوري، لتعزيز دور الفئات الدنيا في المجتمع، ومحاولة تخفيف وتائر الإفقار فيه.
1-حق المشاركة في القرار الاقتصادي و الرقابة عليه :
يتخذ القرار الاقتصادي من السلطة التنفيذية بمؤسساتها ومستوياتها المتعددة ، ومن القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم ومن مجموعات من أصحاب النفوذ والمواقع الاقتصادية الهامة0 كما يتأثر بضغوط خارجية تتمثل في البنك الدولي وعدد من الدول الكبرى والشركات المتعددة الجنسية0
إن تأثير القوى الاجتماعية الداخلية على القرار الاقتصادي ضعيف ، ويكاد يكون معدوماً ، للأسباب التالية:
- محدودية المشاركة السياسية للمواطنين بسبب غياب الحريات العامة والقيود الثقيلة المفروضة على الحراك السياسي المستقل0
- غياب دور النقابات العمالية لإلحاقها بالسلطة وفقدانها الاستقلالية0
- القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني الناشئة 0
- فقدان الصحافة المستقلة وغياب الشفافية0
إن حق المواطن في معرفة حقيقة توجهات الدولة الاقتصادية والاجتماعية غير مصان، فالدولة تنفذ على الأرض برنامجاً اقتصادياً يختلف كلياً عن سياساتها السابقة ويخلق آثاراً اقتصادية واجتماعية كبيرة دون أن تعلن رسمياً عن هذا البرنامج. ورغم بعض التسريبات عن النية بإجراء بعض التغييرات الطفيفة في المجال السياسي وفي مجال الرقابة على القرار المحتكر الاقتصادي، وغير الاقتصادي، باتجاه توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار والمراقبة على تنفيذه، فليس من وقائع ملموسة في هذا الاتجاه.
7-الفساد:
تعاني البلاد من نوعين من الفساد 0
النوع الأول يطلق عليه الفساد الصغير ، وهو يشمل عمليات الرشوة والالتفاف على القانون والواسطة ، وقد أصبح واسع الانتشار ومألوفاً في تعامل المواطن مع الإدارة 0 أما القسم الأخر والأهم، فهو الفساد الكبير ، ويشمل العمليات الكبيرة التي تجري خارج القانون كلياً ، أو بالالتفاف عليه ، أو حتى بتسخيره لخدمة مصالح مافيات ومجموعات اقتصادية لها نفوذ كبير في الإدارة0 وهذا النوع من الفساد يلحق أذى كبيرا بالاقتصاد الوطني ، خصوصاً عندما يرتبط بالهدر الكبير في الموارد وبضعف الترشيد في الإنفاق0 لكن الأذى الأكبر للفساد هو في الحط من قيمة القانون ، وبالتالي تدمير التماسك الاجتماعي وإلغاء مبدأ الحق وإحلال مبدأ القوة( المال والنفوذ) محله 0
من الأمثلة البارزة على الفساد الكبير قضية النفايات الذرية التي جرى الإقرار بها بعد انشقاق عبد الحليم خدام ، النائب السابق لرئيس الجمهورية ، مع إن عمرها أكثر من عقد ونصف من الزمن 0 وقد توجهت الجمعية إلى السيد رئيس الجمهورية في بيان صدر لها العام 2006 ، بطلب تشكيل لجنة قضائية لفتح تحقيق حول الجريمة المرتكبة، كما طالبت مجلس الوزراء بأن يصدر بياناً يكشف فيه أمام المواطنين الوقائع والمعطيات وتكليف لجنة مختصة ومستقلة للبحث في سبل تخليص البلاد من هذه النفايات 0
من أمثلة الفساد المتداولة أخبارها بين الناس الهاتف الخليوي و السوق الحرة، ووكالات الشركات الأجنبية، ومقاولات قطاع النفط وعقود التوريد واستيراد المواد الأساسية. وهي أمثلة تشي بقدرة أبناء المسؤولين وأقربائهم ومن يرتبط بهم، على عقد الصفقات المجزية على حساب المال العام. وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة تركز الصفقات في أيدي عدد أقل من المذكورين.
يشكل الفساد عبئاً ثقيلا على أداء قطاع الأعمال عموما والإنتاج خصوصا، ويعيق القدرة التنافسية. وتقدر بعض الدراسات أن مستويات الفساد تصل، في بعض الأحيان، إلى 10% من التكاليف. وتشكل الدخول الفاسدة موردا غير شرعي لعدد كبير من موظفي الدولة، ولعدد كبير من القطاع الخاص الذي يلجأ لأساليب ملتوية لتحقيق المنافع على حساب المجتمع. والمستفيدون الرئيسيون من الفساد هم بعض كبار المسؤولين وأقربائهم ومن يلوذ بهم. ولا تستطيع أجهزة الرقابة، أو أجهزة الأمن، أن تتدخل أو تقترب من الملفات الفاسدة التي تديرها هذه النخب. ويقوم جهاز الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بعمله على نحو انتقائي ويستخدم كأداة بيد النافذين في النظام للنيل من خصومهم، بل وللنيل ممن يعترض على الفساد.
ومن الواضح أن المكافحة الناجعة للفساد ، لا يمكن أن تجري بإجراءات إدارية انتقائية، بل بجملة متعددة من الإجراءات ، جزء منها على السلطة أن تقوم به وجزء أخر يقع على عاتق المجتمع 0
إن القاعدة الأساسية لمكافحة الفساد هي القانون العادل والقضاء النزيه والمستقل ، والعلنية والشفافية والمحاسبة ، إلى جانب الصحافة المستقلة والحرة وحرية الوصول إلى المعلومات ، وضمان الحريات العامة بما في ذلك حرية التنظيم السياسي، واستقلال النقابات ، وحرية تكوين المنظمات غير الحكومية وهي تدابير ضرورية لتمكين المواطنين من المشاركة المطلوبة لمكافحة الفساد والقضاء عليه تدريجياً 0
8 ـ الثقافة والتعليم:
تنمو المشاكل المرتبطة بالتعليم في البلاد بالعجز المترقي للدولة في تلبية متطلبات تعليم أعداد متزايدة من الأطفال، و عدم القدرة على مجاراة التطورات العلمية في العالم من جهة، ومن جهة أخرى في تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين وتأثيرها على التعليم.
ففي حقل التعليم ما قبل المدرسي تزايد عدد الأطفال الملتحقين به. ومع ذلك فلا زالت النسبة ضئيلة (11% عام 2002 ـ 2003 مع فرق شاسع بين المدينة والريف وبين الفئات الميسورة وبين الفئات الفقيرة). وتبين الإحصائيات أن البلاد بعيدة عن تحقيق إلزامية التعليم. فعدا عن أن نسبة الأمية تبلغ 19% (عام 2004 )، فهناك ربع الأطفال يتسربون من التعليم الأساسي (7% في السنوات الست الأولى و 21% في السنوات الثلاث التالية. والنسبة أعلى في الريف و بين الإناث)، يرتد قسم منهم إلى مجرد الإلمام بالقراءة والكتابة، وينكص قسم آخر إلى الأمية.
ويُلاحظ أيضاً انخفاض الالتحاق بالتعليم الثانوي (الفئة العمرية 15 ـ 17 سنة)، إذ بلغت النسبة حوالي 32 %، وكذلك انخفاض الالتحاق بالتعليم الجامعي (الفئة العمرية 18 ـ 23 سنة) التي تبلغ 17,4 % (وللمقارنة 25 % في البلدان العربية والشرق الأوسط، و40 % في البلدان المتقدمة).
إن السماح بالتعليم المأجور(الموازي في الجامعات الحكومية، والجامعات الخاصة) الذي لا يمكن لأبناء غالبية الشعب تحمل تكاليفه، يجب أن لا يعفي الدولة من مسؤولياتها تجاه المجتمع فيما يخص التعليم، كماُ وكيفاً.
وإذا كان إفساح المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة في التعليم للفئات القادرة على الدفع مسألة لها مبرراتها، فإن الأمر غير المفهوم هو أن عام 2004 شهد بروز دعوات تدعو إلى تخلي الدولة عن الإنفاق على التعليم والصحة ودعم الأسعار وتقليص الاستثمار الحكومي، والتخلي عن مجمل برنامجها الاجتماعي، وأخذت هذه الأصوات ترتفع وتعلن بقوة عن نفسها. و إذا استمرت هذه الدعوات وتحولت إلى سياسة معتمدة تنفذ على أرض الواقع، فستصل سورية إلى نخبوية التعليم في جميع مراحله، وخاصة التعليم العالي، وإلى تخصيص الخدمات الصحية المتطورة، مما يهدد المجتمع بالعودة إلى حصر التعليم الجيد والرعاية الصحية المتطورة على الأغنياء وأبنائهم، وإغلاق دوائر المرض والجهل على الفقراء وأبنائهم.
الباب السادس: موقف الحكومة من المواثيق الدولية وهيئات حقوق الإنسان
1ـ من هيئات حقوق الإنسان :
لا تشرعن السلطات وجود وعمل جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان. فجمعية حقوق الإنسان في سورية التي تأسست عام 2001، لم تحصل حتى الآن على قرار رسمي يشهرها. وقد حاولت بعد ذلك، دون جدوى، ثلاث جمعيات الحصول على ترخيص قانوني للعمل، وهي المنظمة العربية لحقوق الإنسان/ سورية، وتمارس نشاطها وفق سياسة (غض النظر). و"المنظمة السورية لحقوق الإنسان/سواسية"، والمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان. ولا زالت السلطات السورية تلجأ إلى أساليب منع السفر بحق العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان.
2 - الانضمام أو التصديق على الاتفاقيات الدولية :
- قدمت وزارة الخارجية السورية تقريرها الدوري الثالث إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بموجب المادة/40/من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على ضرورة تقديم تقارير عن التدابير التي اعتمدتها الدولة الطرف لتنفيذ الحقوق المعترف بها في هذا العهد. وقد ركز التقرير المؤلف من 96 صفحة على "التزام الحكومة السورية بتقديم صورة موثقة وواضحة عن التشريعات السورية وأرضيتها المشتركة مع الحقوق التي ينص عليها العهد وأنه جرى "إدراج الحقوق الواردة في العهد حسب المواد مادة مادة،ومقابلتها بالتشريعات والقوانين الداخلية النافذة في سورية ".
وقد أرسلت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التقرير المذكور إلى جمعية حقوق الإنسان في سورية طالبة الرد عليه. رحبت الجمعية في ردها( الموصوف بتقرير الظل) بالتقرير باعتباره خطوة على طريق المواءمة بين التشريعات القانونية السورية والتشريعات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، يدفعها للوفاء بالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ويشجعها على توقيع المزيد من هذه الاتفاقيات. على أن روحية التقرير بقيت بعيدةً عن الواقع. فهو يتحدث عن القوانين والتشريعات السورية المنصوص عليها في الدستور والتي تتوافق مع بعض البنود الموجودة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا يتعرض للمواد الأخرى التي تناقض هذه الحقوق مثل المادة الثامنة من الدستور،والمادة 38 التي تشرط حرية التعبير "بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي "، والصلاحيات المطلقة المعطاة لرئيس الجمهورية، وطريقة ترشيحه.هذا فضلاً عن الكثير من المغالطات القانونية التي ارتكبها التقرير، وتجاهله الواقع وحقيقة ما يجري فيه من انتهاكات.
ـ وقعت سورية على "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة CAT "في تموز/يوليو 2004، (المرسوم 39 للعام 2004مع التحفظ على المادة 20 و الفقرة الثالثة من المادة 28 ) وتحفظات أخرى، في خطوة رحبت بها الكثير من المنظمات الحقوقية السورية والعربية والدولية،ومنها جمعية حقوق الإنسان، التي طالبت الحكومة السورية بإلغاء تحفظاتها،والالتزام بالاتفاقيةاً، وأرسلت بهذه المناسبة مذكرتين بتاريخ 26/7/2004 إلى السيدين وزيري الدفاع والداخلية، حثتهما على تبني اقتراح يقوم على "اعتماد آلية لمراقبة أوضاع وظروف الموقوفين والمعتقلين والسجناء في فروع الأمن الجنائي والأجهزة الأمنية والسجون عبر السلطات السورية المختصة والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان".
ـ وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، وقعت المفوضية الأوروبية والحكومة السورية بالأحرف الأولى اتفاقاً للشراكة بين سورية والاتحاد الأوروبي سيتم توقيعه بشكل نهائي بعد إحالته إلى برلمانات جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي للتصديق عليه. وينص الاتفاق على ضرورة تنفيذ جميع الاتفاقيات والتعهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وكون "احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية" يمثل "عنصراً أساسياً في الاتفاق".وذلك بعد أخذ ورد من الاتحاد الأوروبي وسورية فيما يتعلق بهذه المادة ومادة أخرى تتعلق بأسلحة الدمار الشامل.
وتأمل الجمعية من الحكومة السورية بعد توقيعها على هذه الاتفاقية العمل بشكل جدي وحقيقي على تحسين التزامها بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
التوصيات
تقترح الجمعية التوصيات التالية المتضمنة للأهداف والمطالب المفترض تحقيقها، في مدى زمني منظور، لضمان حقوق الإنسان والمواطن. والجمعية إذ تدرك أن هذا التحقيق لن يحدث فجأة، أو دفعة واحدة، أو خلال فترة قصيرة، تؤمن أن الإرادة والعزم والإصرار من الناس الطيبين قادرة على ذلك.
1- إلغاء حالة الأحكام العرفية، التي تفتقد مبررات استمرارها. صياغة قانون للطوارئ يستجيب لمتطلبات الدفاع الوطني، وللحالات التي تستدعي تدابير استثنائية سريعة في البلاد كلها، أو في جزء منها، كالكوارث والزلازل والفيضانات، من جهة أولى، ولا يتعارض مع الدستور والحريات العامة وحقوق المواطنين، من جهة ثانية، ولا يفسح في المجال للتعسف في استعمال السلطة أو للاستبداد من جهة ثالثة.
2- إطلاق سراح معتقلي الرأي والمعتقلين لأسباب سياسية.
3- صحافة حرة ومستقلة. تعديل قانون المطبوعات الحالي باتجاه ضمان هذه الحرية، والسماح بإصدار الصحف المستقلة.
4- تحريم التعذيب. لا يجوز استخدام التعذيب وسيلة لانتزاع المعلومات في مراكز التحقيق السياسي ومراكز الأمن والشرطة والأمن الجنائي. تشريع قانون يحرّم التعذيب، ويجرّم مرتكبيه من أفراد وأجهزة، وإلغاء القوانين والتعليمات التي تجيز ممارسته، وتحمي ممارسيه.
5- تدريس مادة "حقوق الإنسان" في المدارس والجامعات لنشر هذه الحقوق والتثقيف بها.
6- إغلاق ملف المفقودين في السجون السياسية( تدمر وغيره)، وفي أحداث الثمانينيات( حماة والمدن الأخرى).
7- إعادة النظر،جذرياً، في الأوضاع المتردية للسجون. الموقوفون والجانحون والمرتكبون بشر لهم حقوق، ولهم كرامة يجب احترامها
8ـ إغلاق ملف المحرومين من الجنسية من الأكراد السوريين، وضمان حقوق المواطنة لهم، بما في ذلك الحقوق الثقافية.
9- إغلاق ملف المحرومين من الجنسية من الذين غادروا القطر لأسباب سياسية.
10- إلغاء القانون 49 لتناقضه الكلي ونص وروح الدستور.
11-محاربة الفساد، وآثاره المدمرة على القانون والمجتمع.
12-إنهاء ملف البيوت المصادرة لأسباب سياسية.
13ـ تأمين العودة الآمنة والكريمة للمنفيين والمهاجرين لأسباب سياسية.
14- العمل لتصديق الحكومة على الاتفاقيات الدولية،المتعلقة بحقوق الإنسان، التي لم تصادق عليها، وخاصة البروتوكولين الاختياريين الملحقين بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتخاذ الإجراءات التشريعية والدستورية اللازمة لإعمال نصوص تلك الاتفاقيات وإدماجها في القوانين الوطنية، وإلغاء ما يتعارض من هذه القوانين ونصوص الاتفاقيات الدولية الملزمة.
15ـ تعديل القوانين والتشريعات المدنية والجزائية والأحوال الشخصية، وقانون الجنسية، بما يضمن المساواة بين المواطنين، وحقوق المرأة ودورها في المجتمع، وإصدار قانون للأسرة يضمن حقوق جميع أعضائها وخاصة الأطفال.
16- إصدار قانوني أحزاب وجمعيات يضمن حق تشكيل الأحزاب والجمعيات وحرية نشاطها وحق المواطنين في الانضمام إليها.
17- تعديل قانـون الانتخابات المحلية والبرلمانية بما يحررها من الوصاية ومن نظام الحصص، ويسمح بالتعبير الصحيح عن إرادة المواطنين.
18- إلغاء القرارات الأمنية التي تمنع المواطنين من السفر لأسباب سـياسية
19ـ الترخيص لمنظمات حقوق الإنسان السورية وإفساح المجال أمامها للعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان بشتى الوسائل.
20- التعويض المعنوي والمادي على المعتقلين والسجناء السياسيين السابقين وإلغاء الأحكام الصادرة بحق المحكومين منهم وإعادة الاعتبار لهم.
[2] -المادة 2 و المادة 3 من قانون التعويض العائلي