البورتريه السابع

البورتريه السابع

لقمان اسكندر

[email protected]

"عبيد"..  ليس من المهم أن تعرف متى ولد ولكن بالتأكيد عليك أن تسأل: كيف عاش؟

بقلم لقمان اسكندر

هو جرحكم الغائر.. هو منكمُ وإنْ كان طاهرا.... فشكرا لكم يا سادتي هو ليس يرجو مُنْكَرا.

حسنا، دعونا من الشعارات والأشعار وحب الهوية .. والانتصار لها - لا سمح الله -  فليس هناك الكثير من الكلمات التي يمكن الحديث بها عن الحياة القصيرة لشاب كان يدعى "محمود عبيد".

"عبيد" في المناسبة أصبح شهيدا، وكان حتى يوم 21 شباط الجاري مسؤول الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في جنين بشمال الضفة الغربية.

ليس من المهم كثيرا أنْ نعرفَ في أيِّ المستشفيات وُلِدَ .. يكفي أن مثله وُلِدَ.. .. وليس مهما أنْ نعرف في أيِّ يومٍ بدأ، فالمهم أنه بدأ، وليس من المهم أنْ نعرف كيف عاش، يكفي أنه عاش عزيزا، ومات شهيدا.. نحسب ولا نزكيه على الله.

"عبيد" لم يدم على وجه هذه الارض كثيرا .. هي مجرد 24 عاما عاشها وهو يسمع تواطؤ العالم بأسره ضد قضيته ..

في المناسبة عندما نقول "العالم بأسره" .. دعونا نحمّل الكلمات ما تحمله في لسان العرب دون أن نجري في ذلك مجرى المبالغة، فكل المبالغات في هذا السياق أقل مما يحمله الواقع.

في صباح يوم أربعاء جميل ستقوم وحدة خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي باغتياله بعد محاولات اغتيال واعتقال دامت طويلا.

لـ "عبيد" 24 سنة فقط، ولكن ماذا تصنع السنون في حياة المعمّرين الذين يولدون ويعيشون طويلا .. هكذا مثل كائنات دودية زائدة عن الحاجة، ثم يموتون بعد أن تحولوا الى عبء حتى على أبنائهم .. وهم الذين كانوا يحرصون على الاحتفال بيوم ميلادهم كل عام.. وكأن شيئا مهما للغاية قد وقع في ذلك اليوم.

هو جرحكم الغائر..

هو منكمُ وإنْ كان طاهرا....

فشكرا لكم يا سادتي هو ليس يرجو مُنْكَرا.

في حقبة ما عندما تمكّنت المخططات الاسرائيلية من إبعاد المقاومة الفلسطينية بعيدا عن الحدود ولد محمود قاسم عبيدة.

وبعد يوم واحد من اللقاء الثلاثي بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية الامريكية كوندليزا رايس استشهد.

كانت اسرائيل في حقبة اجتياح بيروت عام 1982 منتشية لأنها استطاعت ان تطرد المقاومة الفلسطينية الرابضين شمال فلسطين الى شتات الارض.. تونس تحديدا كانت وجهة القيادة. إلا أن المخططين الاستراتيجيين للسياسة الاسرائيلية لم يعلموا وقتها أنهم بذلك إنما ينقلون المقاومة الى داخل الوطن. فكان "محمود عبيد" ورفاق له سبقوه في الدرب وآخرين ما زالوا ينتظرون اللحاق بالركب.

"إننا في سرايا القدس نزف إلى جماهير شعبنا وأمتنا استهاد القائد المجاهد محمود إبراهيم عبيد، ونقول ان الجرائم الصهيونية ضد قادة وكوادر المقاومة، وكافة أبناء شعبنا، والانتهاكات المتواصلة بحق الأسرى وتدنيس المسجد الأقصى المبارك وغير ذلك من الجرائم لن تثنينا وسيدفع العدو ثمن جرائمه التي يرتكبها على مرأى ومسمع من صمت العالم أجمع". هذا ما جاء في نص بيان لسريا القدس الذي صدر يوم الاربعاء 21/2/2007م سيمر على وكالات الانباء كأي خبر اخر وسيدمجه التقارير الصحفية مع الاحداث الاخرى التي جرت في فلسطين "أمس".

ولكن هل كان "عبيد" ينتظر من وسائل الاعلام أن تسّود له صفحاتها، وتوقف الفضائيات الخلاعية برامجها المعتادة فجأة لتبثّ على مدار ثلاثة أيام "آيات من الذكر الحكيم"؟

هو منّا وإنْ كان طاهرا.

"عبيد" نجا سابقا من محاولات اغتيال قبل عدة شهور أصيب خلالها بشكل بالغ برصاص الاحتلال في قدميه.. ونجا اليوم.

عندما علم بما تواجهه العائلة كان يقول: قد قطعت العهود على سمع أنين مآذني لأثأرن لسواد عيون الباكيات "وانخوتاه".

في العشرة أيام الأخيرة كان والده البالغ من العمر 55 عاما والذي يعاني من جسد متعب يقول: إن قوات الاحتلال صعّدتْ من جرائمها بحق أسرته للوصول الى "الولد" الذي كان مّدْرَجا على رأس قائمة المطلوبين للتصفية لاجهزة الامن العسكرية.

في العشرة أيام الأخيرة لاحظت عائلة عبيد تكرار عمليات الدهم والتفتيش لمنزلها واعتقال افرادها لعدة ساعات والتهديد بتدمير منزلها إذا لم يسلم "عبيد" نفسه.

"كان ذلك شبه يومي" يقول الوالد الفخور بأبنه. ولكن "عبيد" كحال كل المجاهدين المقاتلين الطالبين للشهادة سيكون عليه ان يستريح من تعب هذه الدنيا، ويرتقي الى السماء، فقد نجح أخيرا في كافة الاختبارات الايمانية وكتب على قلبه "شهيد" - نحسبه ولا نزكيه على الله.

قبل عشرة أيام من موعد ارتقائه ستداهم أكثر من عشرين آلية عسكرية توغلت في مخيم جنين فجرا تساندها جرافة إسرائيلية لمحاصرة الحي الذي يقع فيه منزل "عبيد".

وفي يوم الاربعاء 21 شباط الجاري سيسقط "الولد" .. فلا نامت أعين "الأمر الواقع"، و99% من الحل بيد واشنطن تلك التي قالها السادات غائرا.