عام بنكهة الحرب

يسري الغول

[email protected]

كنت في طريقي إلى العمل، حين واجهتني يافطة كبيرة كتب عليها: "إن حربنا مع المحتل هي حرب عقول؛ فأنيروا دربنا بإبداعاتكم".

هذه هي الرسالة التي جاءت مع بداية العام الدراسي الجديد في غزة، بعد عدوان غاشم طال كافة مناحي الحياة حتى أهلك الزرع والحرث والنسل ومسح أسماء عوائل بأكملها من السجل المدني، لكنه ورغم ذلك لم يفت من عضد المقاومة وصمود أهل هذه الديار. بل إنه أعطاهم أملاً بأن طريق التحرير قصير وقريب، وبأن إسرائيل كيان هش، قام على أنقاض خيانات الأنظمة العربية، وسيزول حتماً طالماً أن هناك أصحاب حق يدافعون عن حقوقهم. ولطالما كانت نصوص وقصائد أدباءنا وشعرائنا تدق جدران الخزان لتعلن الثورة ضد هذا المحتل.

يأتي العام الدراسي الجديد، وكلنا أمل ببارقة إبداع غزي تبهر العالم بقدرتها على التميز رغم الحصار؛ فلم يعد هناك متاريس وحواجز أمام من يصنع الأغنية والبندقية لعبة بين يديه ليحرك بها العالم رغم كل المؤامرات الداخلية والخارجية. لذلك فإننا بحاجة لمكتبة في كل مدرسة وبيت، وبحاجة لمزيد من المبدعين في شتى المجالات والأنشطة، الأدبية والفكرية والسياسية والسينمائية والفنية والصناعية، حتى نتحرك معاً وبخطوات ثابتة نحو القدس. فمن صنعوا طائرة أبابيل وقناصة الغول قادرون على صناعة الطائرات ذات التأثير الأقوى والأعظم، ومن قام بكتابة الروايات العالمية كرجال في الشمس والبحث عن وليد مسعود وبينما ينام العالم والمتشائل ونجران تحت الصفر قادرون أيضاً على كتابات روايات أخرى ذات عمق ثقافي وتاريخي مميز لتوثيق الحالة الفلسطينية ولإيصال الصوت في زمن العولمة.

إن فلسطين استطاعت أن تجتاح العالم بعلمائها ومفكريها وأدباءها وهي اليوم أحوج ما تكون لهؤلاء المبدعين في ظل حالة القهر والضغط الذي تعانيه بالداخل، وفي ظل الاعتداءات المتكررة على الأرض وساكنيها ورغم ذلك فهي لا تستطيع أن تجدهم بعد أن هاجروا وتركوها منذ عقود. لذلك فقد وجب على الجميع أن يتكاتف من أجل توفير البيئة المناسبة للشباب وتحديداً الطلاب كي يبدعوا في عوالمهم، فهم بحاجة لحاضنة حقيقية لصناعة التغيير من خلال ثقافة واعية وواعدة، وهو ما يمكن تحقيقه في ظل وجود مؤسسات رسمية وأهلية تسعى لتحقيق ذلك الهدف. بخلاف من يرغب بإفشال غزة بمن فيها وعليها.

إن العام الدراسي الجديد هو حالة ثقافية علمية بنّاءة، فيها بوابة المعرفة. وهي رسالة نبرقها لكل معلم ومعلمة أن يحفظوا العهد الذي بينهم وبين الله بأنهم رعاة ومؤتمنون على أبنائنا، وهم عند حسن الظن، رغم ما يحيق بكثير منهم من ظلم، بسبب عدم إعطائهم حقهم في الراتب. لأنهم أكبر من الطغاة والظلمة، فبارك الله فيهم وإلى الأمام..