نفاق المنافقين الجدد أشد على الإسلام من نفاق أسلافهم في صدره الأول

نفاق المنافقين الجدد أشد على الإسلام

من نفاق أسلافهم في صدره الأول

محمد شركي

[email protected]

ما توعد الله عز وجل بشديد عذابه من خلقه ما توعد به المنافقين حتى جعلهم في الدرك الأسفل من النار بعد الكفار والمشركين وغيرهم ممن يلج نار جهنم . ومعلوم أن خطورة النفاق تكمن في كون أصحابه يظهرون ما لا يبطنون وهو ما ينخذع به الناس خلاف الذين يظهرون ما يبطنون فيحترز منهم الناس. فالكافر واضح الكفر، والمشرك واضح الشرك ، وعدو الإسلام واضح العداوة بينما المنافق غامض الكفر والشرك والعداوة للإسلام .... وخطورة النفاق على الإسلام تأتي من كون المنافقين يدعون الانتساب له خلاف براءة الكفار والمشركين والأعداء منه صراحة وعلانية . وانتساب المنافقين للإسلام يهدف إلى النيل منه بطريقة ماكرة خبيثة يخفى مكرها وخبثها على الناس . ولقد بنى المنافقون في صدر الإسلام وتحديدا في عصر النبوة مسجدا سماه الله عز وجل مسجد ضرار وذمه وذم أصحابه في الذكر الحكيم . وبناء المسجد من طرف المنافقين هو تظاهر بالانتماء للإسلام مع أنهم كانوا أشد خصومه ، وكانوا يتربصون به الدوائر . ولقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يصلي على أحد منه مات أبدا ، وألا يقم على قبره ، وألا يستغفر لهم، ولن يغفر الله لهم حتى لو استغفر لهم الرسول سبعين مرة وما فوق السبعين . ولقد وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمين سر الأمة حذيفة بن اليمان سر المنافقين وأطلعه على لائحة بأسمائهم من أجل احتراز المسلمين من كيدهم الخبيث . ولو وجد في عصرنا من يسد مسد حذيفة لصارت لائحة المنافقين طويلة عريضة عما كانت عليه في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تكاثر المنافقون الجدد في بلاد الإسلام تكاثر الجراثيم . وإذا كان أمر المنافقين مفتضحا والوحي ينزل فقد خفي أمرهم بعد انقطاع الوحي ، وصاروا لا يعرفون إلا من خلال علامات تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أثر عنه . ومعلوم أن المنافقين يجتهدون في ربط الصلات والتحالفات المادية والمعنوية مع أعداء الإسلام و يتوددون إليهم كما فعل رعيل المنافقين الأول حين تحالفوا مع اليهود ، وصاروا أشد حقدا على الإسلام من اليهود أنفسهم . ومما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقين أن آية نفاقهم الكذب إذا حدثوا . وربما يحقر المؤمنون عبادتهم وحديثهم وفكرهم إذا ما قورن بعبادة وحديث وفكر المنافقين لما في تصرفاتهم من تمويه والتواء ومراوغة وتضليل عن بواطنهم . وعلى غرار المنافقين في عهد النبوة يظهر المنافقون الجدد في عصرنا ، وهم من بني جلدتنا حرصهم على الانتماء للإسلام ويبنون فكرا ضرارا وضارا على غرار مسجد ضرار، وتجدهم يحرصون على إثبات هويتهم الإسلامية حرصا شديدا ومبالغا فيه ، بل يحرصون على أن يظهروا بأنهم من خالص المسلمين أومن أشرفهم نسبا ، ويدعون تخرجهم من معاهد الفكر الإسلامي الأصيلة ، وينتسبون إلى هذا الفكر ، ويدعون العلم والخبرة به وزيادة على طريقة وبأسلوب المستشرقين الحاقدين الذين ناصبوا الإسلام العداوة بحقد أسود مرجعه حقد الكنائس . ومن أساليب منافقي هذا العصرالجدد خداع عموم المسلمين بأن مرجعيتهم إسلامية صافية النبع ، وأن فهمهم للإسلام هو أصح وأوثق الفهوم ، وأن غيرهم جامد ومتحجر وظلامي .... وما لا نهاية له من النعوت القدحية المشينة . ويحرص منافقو هذا الزمان على التدليس على أمة الإسلام من خلال تمرير الفكر الغريب عن دينها والمشبوه في لبوس إسلامية واضحة التهافت ، ويزعمون أنهم يجددون أمر هذا الدين من خلال الاقتباس من فكر الغير الذي لا تربطه صلة بالفكر الإسلامي . ومن حيلهم أنهم يشيدون بأعلام الفكر الإسلامي ممن يحتمل فكرهم التأويل المساير لأهوائهم ، ويجعلونهم من شيعتهم وينتسبون إليهم ادعاء وباطلا وزورا، وفي المقابل يذمون البعض الآخر ويجعلونهم من عدوهم ومرادهم تضليل الأمة والتدليس عليها ، وصرفها عن بعض مفكريها لتسهيل تمرير ما يردون من فكر هدام يقوض الإسلام من الداخل ، ويكفي أعداءه عناء ذلك . وإن المنافقين الجدد في عصرنا ليمرقون من الدين مروق السهام من أقواسها ولكنهم يموهون على مروقهم بشعارات مدغدغة للمشاعر منها الفكر التنويري المقابل لما يسمونه الفكر الظلامي ، وهم في ظلمات بعضها فوق بعض . ويحتار عوام الناس من هذه الأمة في بعض كلامهم حين يسمعونه بحيث لا يدرون ما هم فاعلون حين يمجد هؤلاء المنافقون الجدد على سبيل المثال لا الحصر فيلسوفا ، ويذمون فقيها ، مع العلم أن مضمار هذا ليس مضمار الآخر ، ولكن المنافقين الجدد يأبون إلا الجمع بين حابل ونابل ودارع وحاسر من أجل التشويش على هؤلاء العوام ، وهكذا يجعلون الفيلسوف رمزا لأهوائهم ، ويجعلون الفقيه عدوا لها . ومن علامات المنافقين الجدد أيضا التعالم والتبجح بسعة العلم والمعرفة مع استعراض العضلات الفكرية الجوفاء الغثائية بحيث يحشرون في أحاديثهم أخلاطا من القضايا والمعلومات التي لا يربط بينها رابط ، ويتمحلون ويلفقون ويتقعرون وهم عند تدقيق النظر إنما يخبطون خبط عشواء أو يسلحون ويخلطون كما يقول العوام حين يسمعون الكلام المتهافت ، وتثير مرقعات أحاديثهم العوام ليقولوا عنهم إنهم أصحاب تبحر وسعة علم وإطلاع ، والحقيقة أن ما يدعونه من علم ومعرفة لا يجاوز حناجرهم . ومن علامات المنافقين الجدد أيضا يضامجاراة أعداء الإسلام في الحرص على تشويهه بشتى الطرق كما يحصل على سبيل المثال لا الحصر في نسبة الإرهاب والقتل والإجرام للإسلام من خلال نسبة عصابات إجرامية له وهي في الحقيقة من صنع مخابرات الأعداء وتأجيرها للنيل منه كما هو شأن ما يسمى داعش . وعلى غرار أهداف أعداء الإسلام يساير المنافقون الجدد هؤلاء في الخلط بين عصابات الإجرام والفئات المؤمنة الصادقة الإيمان ليسري على الجميع نفس الحكم ، وذلك من أجل استئصالها لتخلو الأجواء لأعداء الإسلام في بلاده . ومن علامات المنافقين الجدد كثرة الحديث عن العصابات الإجرامية بشكل مثير للانتباه نكاية في الإسلام ، وهم يتظاهرون بأنهم يدافعون عنه ، ويغتنمون الفرصة لنسبة التطرف والإرهاب لبعض فقهاء الأمة ،وما كان فقهاء الأمة إرهابيين ولا ظلاميين بل كانوا يمتحون من سنة سيد المرسلين عليه السلام ، ويجتهدون في فهمها وتطبيقها حسب ما تيسر من فهم في عصرعم ، ولم يلزموا أحدا بالتعصب لاجتهادهم ، ولا يتحملون مسؤولية من يتعصب لهم من متعصبي هذا العصر الذين يظنون أنهم يخدمون الإسلام ، والحقيقة أنهم يعملون في هدمه معاولهم بجهلهم وجمودهم وسوء فهمهم ، وتشبثهم بقشور ليست من الدين في شيء ، و لا تسمن ولا تغني من جوع لفهم الإسلام . ومما يفضح المنافقين الجدد أنهم من خلال أحاديثهم يسوقون للدعاية والإشهار اللذين يخدمان فكرهم المنحرف بشعارات من قبيل " الحداثة " التي يساء توظيفها ، والخلط بين مفهومها في المجالات المادية الصرفة والمجالات القيمية والأخلاقية . وتحت هذه الشعارات يتم الإجهاز على القيم الإسلامية بذريعة تقادمها وكأنها مجرد قيم من وضع البشر ، وليست قيما من وضع خالق البشر جل وعلا . وفي اعتقادي أن عصرنا في أمس الحاجة إلى أمثال حذيفة بن اليمان لتتبع أحوال المنافقين الجدد ، و حصر لوائحهم من أجل تنبيه الأمة إلى مكائدهم و التحذير منها ، وهي مسؤولية أهل العلم الذين لا يجدر بهم الصمت في هذا الظرف بالذات ، والذي تحاك فيه أخبث المؤامرات ضد الإسلام من أعدائه الذين يوظفون طابورا خامسا من المنافقين الجدد وهم كثر لتدميره من الداخل وليسهل الإجهاز عليه ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، وسيعلم المنافقون الجدد أي منقلب سينقلبون.