غزة انتصرت... ولكن !!
تضخيم الانتصار على هذا النحو قد يصيبنا بالاحباط
وليد رباح /الولايات المتحدة الأمريكية
من يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت العربية عموما والفلسطينية تخصيصا .. يرسخ في يقينه ان فلسطين قد عادت بكاملها.. ولا اعني هنا تثبيط الهمم والتقليل من الانتصار الذي حققته المقاومة .. ولكن ضبط النفس يعيدنا الى حقيقة مؤداها ان الحرب سجال .. فمرة هي لك والاخرى عليك .. ويبدو ان تكرار الهزائم التي اصابتنا فيما سبق .. قد جعل هذا الانتصار امثولة نتغنى بها وكأننا امتلكنا ناصية القول والفعل واصبح التحرير قاب قوسين او ادنى .. مع ان عقولنا تقول لنا : ان كسب معركة لا يعني كسب الحرب .. ونكسة اخرى قد تعيدنا الى الاحباط والى عدم الثقة بانفسنا اولا .. وبالمقاومة ثانيا. ومن هنا تكون ردة الفعل اكثر وقعا على نفوسنا وعقولنا ..
واكبر مثال على ذلك ما جرى في الحرب العالمية الثانية .. فقد اجتاح سيىء الذكر هتلر الكثير من دول العالم .. وكانت فرحة الحزب النازي بالانتصار في المعارك قد افرزت العديد من العقد النفسية للالمان .. عندما بدأ الحلفاء باغراق برلين بالقنابل ووصل الامر الى عقر بيت زعيمهم الذي وعدهم بالنصر فاذا به بين ليلة وضحاها قد مات منتحرا .
وامثولة اخرى فقد صور لنا الاعلام عام سبعة وستين .. ان طائرات اسرائيل قد غدت في الابواق طائرات ورقية تسقط بالعشرات والمئات .. كان ذلك صبحا .. واذا بالمساء يأتي وقد ضاعت الضفة وغزة والجولان وسيناء .. ومن هنا الكارثة التي بدأت ولم تنته بعد .. فاصبح الاحباط وعدم الثقة بالنفس زادنا .. وادركنا بعد ذلك قوة اسرائيل وجبروتها .. كما ادركنا كم كنا متفائلين عندما قاتلنا ( بالطبلة والربابة) كما قال الشاعر المرحوم نزار قباني .. وهكذا خسرنا .. ولم نزل نخسر حتى اليوم .
أمر آخر يحزنني .. لماذا التركيز على غزة وحماس بالذات مع انها جزء من فلسطين .. وكان اولى بمواقع التواصل ومن يدشون الكلام على عواهنه ان يجير النصر لفلسطين وليس لمدينة فلسطينية .. ( تماما مثل اولئك الذين يرون في الاقصى فلسطين بكاملها .. فالاقصى جزء من فلسطين ..) فلم تقاتل حماس وحدها في الحرب التي نشبت .. وانما كانت هناك كل الفصائل المسلحة التي شاركت بهذا الانتصار .. صحيح ان حماس كانت في المقدمه .. ولكن الشهداء كانوا من كافة الفصائل .. واكثر من ضحى ليس حماس او الفصائل الاخرى .. وانما هو الشعب الفلسطيني الذي خسر اكثر من الفي شهيد .. وما ينوف على عشرة الاف من الجرحى الكثير منهم معوقون .. ودمرت منازله واحرقت وسائل الحياة التي كانت سائدة .. ورضينا بالامر فاصبحت اغانينا تعيدنا الى مرحلة النكبة الاولى ونحن نغني ( على النجده هيا يا رجال .. ويا فلسطين جينالك)
واكثر ما انتشر على مواقع التواصل صورا تظهر المقاتلين وقد هددوا وتوعدوا وحملوا السلاح ( شب انظريني يا امرأه ) مع ان اسرائيل لم تظهر جنديا واحدا وهو يقصف غزة .. عوضا عن صور الدبابات والمدرعات والمدفعية والطيران وهويقصف .. ولكننا لم نر جنديا واحدا يفتخر ويتفشخر ويعرض عضلاته ونفسه على مواقع التواصل او المواقع التي تصب في خانته .
وكما قلت في المقدمه.. لست ممن يقللون من انتصارالمقاومه .. فهذا فخر للفلسطينيين اولا وللعرب ثانيا .. حتى اولئك الذين يطلبون ود اسرائيل منهم .. افقدتهم وقفة المقاومة البطولية توازنهم.. ولكننا يجب ان نكون حذرين حتى لا نصاب بالاحباط مستقبلا ..
ان عرض صور مقاتلي القسام وصور السلاح الذي يحملونه جهل مطبق .. اضافة الى عرض صور الانفاق وكيفية بنائها .. فاسرائيل تستفيد من هذه الصور عسكريا اولا .. واعلاميا ثانيا .. واني لاذكر صديقا لي في المانيا هاتفني قائلا .. ان اسرائيل كانت تعرض وقت الحرب اعلاما تظهر فيه المدنيين الاسرائيليين وهم يركضون في الشوارع خائفين مذعورين من الصواريخ التي كانت تطلق .. ونسي العالم عدة الحرب الاسرائيلية الضخمه .. كما نسي المنازل المهدمة والشهداء الذين سقطوا والاطفال الذين تمزقت احشاؤهم وركزت اجهزة الاعلام التي تدور في فلكها على ( الاسرائيليين المساكين ) الذين يختبئون خوف الموت .. فكسبت بذلك الكثير من التعاطف من شعوب العالم .
هذا أمر .. اما الامر الاخر الذي يحزنني ايضا .. ان الساسة من معظم الفصائل المقاتلة كانوا (يفقعون) التصريحات التي تظهر لنا ان ( الزحف ) قد بدأ .. وان اسرائيل قد اصبحت صندوقا من الكرتون يمكن ان ينهار بين أونة واخرى .. مع ان اسرائيل كانت تعتمد فقط على المتحدث العسكري الذي كان يمرر ماتريدة القيادة الى كل هذا العالم .. ولم يظهر في الصور سوى نتنياهو ووزير الدفاع وذلك المتحدث .. مما يعني اننا لا نتعلم ولم نتعلم من عدونا الذي يكسب ود العالم بمسكنته واصطناعه الخوف والرعب .. وان الجيش الاسرائيلي يحمي المدنيين الاسرائيليين فقط ..
واكثر ما كان يفري اكبادنا.. ان الحرب غير السلام .. وان معاداة الكثير من الدول العربية اثنا الحرب يجب ان يتوقف .. فانتقاد هذا وذاك يعني خسران الكثير ممن يقفون الى جانبنا .. حتى وان كانوا كذلك .. فاننا نفتح بابا لا نستطيع اغلاقه بعد الحرب .. ولا يغيب عن بالنا ان نتنياهو كان يقول اثناء الحرب انه كسب الكثير من تعاطف العرب الذين يقفون الى جانبه.. وما ذلك الا لاننا خاصمنا هذا ومالآنا ذاك .. وهو أمر لا يجوز وقت المحنة .. وهذا يعني بمفهوم السياسة انك يجب ان تكسب من يعاديك من العرب سياسيا .
ان تضخيم النصر في معركة تدور رحاها يعتبر نقصا سياسيا وعسكريا .. واني لاعتقد ان ذلك التضخيم العسكري بهدف سياسي .. هو الخطأ بعينه .. فاسرائيل قادرة على تعويض خسائرها بسهولة.. فخزائن السلاح مفتوحة لها على مصراعيها .. اما نحن .. لا نستطيع تعويض الخسارة الا بصعوبة بالغه.. لذا فان من الحكمة ان نظهر احتياجنا لما ندافع به عن انفسنا ..
لقد حقق الفلسطينيون في هذه المعركة جولة ايجابية .. ويجب على قيادات الفصائل ان لا تسمح لعسكرييها بالتصوير واظهار انفسهم وهم يحملون السلاح .. فهذه قطعة تسمى الغول واخرى الماحقة وتلك المزلزلة واسماء اخرى نريدها ان تبقى سرا .. وكما حافظت المقاومة على اسرار الانفاق رغم تجوال الطائرات الاسرائيلية صبحا ومساء فوق القطاع.. فاننا يجب ان نحافظ على اسرار السلاح الذي بايدينا .. والا فنحن مثل النعامة التي تخفي رأسها في الرمال عندما يأتي الخطر .. فمهما امتلكنا من قوة عسكرية يجب ان يبقى طي الكتمان ..
ان نقد النفس الموضوعي يزيدنا قوة .. واظهار قوتنا على النحو الذي نرى يزيدنا ضعفا .. فالعالم والمتغيرات فيه اصبح ينظر الى الانسان على انه المثل وليس السلاح .. ورغم ان السياسات الغربية عموما تقف الى جانب اسرائيل .. فان الشعوب في معظمها قد رأت الحق الفلسطيني كوضوح الشمس في رابعة النهار.. فدعونا نتوازن في طرحنا وفي عدم اظهار قوتنا لاسباب تدعو الى القلق .. واكثرها للكسب الفصائلي والتأييد لها .. فلا تدعونا نهبا للاحباط ..
ويقينا ان النصر اذا ما حافظنا عليه سوف يأتي .. فقليل الكلام ما قل ودل .. وقد قال رسولنا الكريم .. استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ..