السعودية بعيون فلسطينية

جميل السلحوت

[email protected]

عندما اتصل بي الأخ نبيل النوباني نائب مدير العمل الأهلي في وزارة الثقافة في التاسع من شهر تشرين أول -اكتوبر- الماضي، ليخبرني بأنني سأكون في الثالث عشر من نفس الشهر ضمن الوفد الفلسطيني الذي سيشارك في احتفالات أيام فلسطين الثقافية في العاصمة السعودية الرياض ،لم أتردد في قبول ذلك، مع أنه كان المفروض أن أسافر في الخامس عشر من نفس الشهر الى الولايات المتحدة الأمريكية لزيارة شقيقيّ داوود وراتب هناك، فأنا مشتاق اليهما، ومشتاق الى أطفالهما الذين لهم مكانة خاصة في قلبي، فزيارة المملكة العربية السعودية حلم يراود كل عربي ومسلم، خصوصاً وأنها الحاضنة لبيت الله الحرام في مكة المكرمة، وللمسجد النبوي في المدينة المنورة، وهما مسجدان تُشد إليهما الرحال، مقرون بهما المسجد الأقصى في مدينتي القدس الشريف التي تتآكل كل يوم أمام ناظري، وأعيش عذاباتها ومعاناتها اليومية، فالرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه يقول " لا تشد الرحال الى لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا -اشارة الى المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة- " فقلت في نفسي بأن سعادتي ستكون كبيرة إذا ما اكتحلت عيناي برؤية المسجدين العظيمين، غير أن الأخ نبيل ما لبث أن اخبرني بأن زيارة السعودية ستكون في شهر تشرين ثاني-نوفمبر- وليس تشرين الأول-اكتوبر- ففرحت لذلك، وسافرت الى شيكاغو في الثامن عشر من تشرين الأول، لأستبق البرد القارس جداً في شتاء شيكاغو، حيث تصل درجات الحرارة الى ما فوق ثلاثين درجة تحت الصفر، على أن اعود في الخامس من تشرين الثاني-نوفمبر- للمشاركة في وفد وزارة الثقافة الفلسطينية الى السعودية، وحرصاً مني على أن لا تفوتني زيارة السعودية، فقد كنت دائم الاتصال مع أسرتي لتخبرني عن أيّ جديد بخصوص زيارة السعودية.

 وقد كانت فرحتي كبيرة بأن أيام فلسطين الثقافية ستكون مابين الخامس عشر والعشرين من تشرين الثاني –نوفمبر- حيث أن عيد الأضحى سيكون في السابع والعشرين من نفس الشهر،وحلمت بأنني وطمعاً مني بكرم الاخوة السعوديون ربما سأحظى بتأدية فريضة الحج.

وبدأت أحلامي تدور في مخيلتي حول المملكة العربية السعودية وشعبها وحضارتها ومقدساتها وثرواتها، ومدى تقدمها، وأصدقكم القول أن معلوماتي عن هذا البلد العربي وعن مدى تطوره كانت قليلة جداً، أو مشوهة، لكنني وجدت أعذاراً لنفسي لتبرئة نفسي من القصور والتقصير، فما أن تفتحت عيناي على الحياة، وفي ذكري ميلادي الثامن عشر بالتمام والكمال، نشبت حرب حزيران 1967 العدوانية، فسقطت مدينتي الحبيبة ووطني الغالي تحت احتلال لم يرحم أحداً، فقد استهدف البشر والشجر والحجر، غير آخذ بعين الإعتبار أيّ حسابات لأبناء شعبي وأمتي، وغير سائل عن الأعراف والقوانين الدولية.

فوقعت وأبناء شعبي الذي بقوا يعضون على تراب ما يتاح لهم من وطن بالنواجذ ، وقعنا تحت حصار قطعنا عن امتدادنا العربي والإسلامي، بل عن العالم أجمع ،ـ فأصبحنا سجناء في وطن ذبيح مستباح، فما عاد تواصل ولا اتصال مع عالمنا العربي .

ولم تعد تصلنا المطبوعات بأنواعها المختلفة، وها هو الإحتلال الظالم يتواصل إلى أكثر من اثنين وأربعين عاماً وبضعة شهور، دون أن يرف جفن لمن يتشدقون بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية، فهل عذري لتبرير جهلي عن طبيعة الحياة في السعودية وغيرها من الدول العربية مقبول أنا الذي ضاع شبابي تحت الإحتلال، ودخلت الشيخوخة برأسي ولحيتي اللذين يكسوهما البياض لا من غبار الزمن، بل من الويلات التي أعانيها وأبناء شعبي .

لكنها فرصتي للخروج من سجني الكبير إلى أرض عربية ذات تاريخ عريق، علّني أجد فيها كرامتي وحريتي الضائعة، فهل سأجد ضالتي في السعودية، وقبلها في الأردن طريق عبوري إلى السعودية ؟؟.

وهل ستكتحل عيناي برؤية الحرمين الشريفين، كي أدعو ربي أن يخلصنا مما نحن فيه؟ وهل سأقف على عتبات الكعبة المشرفة مخلصا النية لله تعالى شاكياً لربي عذاباتي وعذابات شعبي، وعذابات مدينتي المقدسة ومسجدها الأقصى الذي عرج منه الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه إلى السماوات العليا، هذه المدينة وهذا المسجد العظيم الذي هو ركن من أركان العقيدة الإسلامية مصداقا لقوله تعالى: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"وهل سيتقبل الله تعالى صلواتي ودعواتي في القبلة الثانية والدائمة بتحرير القبلة الأولى ومهد الديانات ،ويحرر شعبي من احتلال طال أمده؟؟ وهل سأجد أذناً صاغية تسمع أنين أبناء شعبي وأجدادي المجبولة دماؤهم بتراب مدينتي المقدسة.

على كل حال مثلما تقول والدتي – أطال الله بقاءها – (المية – الماء – سيكذب الغطاس) ومع أنني لا أجيد الغوص في الماء، بل إن شعبي يعاني من العطش لأن المحتلين يسرقون مياهنا الجوفية، تماماً مثلما سرقوا أرضنا الزراعية، ومنعونا من الوصول إليها، فالأبواب مفتوحة أمامي وأنا الآن في طريقي إلى المملكة العربية السعودية .

ولقد تعمدت أن أسبق الوفد إلى عمان بثلاثة أيام، لأشاهد أخي الأكبر محمد المغترب في أمريكا منذ العام 1960 والذي جاء إلى عمان ليخطب فتاة لحفيده محمد كمال، الذي توفي والده في شهر كانون أول الماضي غريبا في أمريكا ودفن فيها قبل أن ينهي عامه الخمسين ودون أن يرانا أو نراه، ودون أن يتمكن والده من احضار جثمانه كي يُدفن في أرض وطن عشقناه، وتشتتنا في أرجاء المعمورة، غير أنني لم أشاهد أخي ولا حفيده، فقد عادا إلى أمريكا بعد اتصال هاتفي من احد أبنائه يفيد بأن جدة العريس التي هي زوجة أخي قد أصيبت بجلطة دماغية أورثتها شللاً نصفياً ، فزرت ابنة أخي المتزوجة من احد الأقارب في عمان، ووجدتها تبكي أمّها المريضة، فهل هذا هو قدر الفلسطيني ؟؟ وهل السعادة ولو لبضعة أيام لا نصيب لنا فيها؟؟ يا إلهي ما هذا القدر؟؟ ومع ذلك حمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه .

لكن لطف المعاملة في مركز العبور الأردني أشعرني باعتزاز لن يمحي من ذاكرتي، ورغم حرية التنقل في عمان وانبهاري بالتقدم العمراني فيها، وتوسع المدينة المذهل واحساسي بكرامتي المهدورة في وطني، إلا أن كابوس حصار مدينتي القدس بجدران التوسع الإحتلالي نغص عليّ عيشتي كلما مرّ بخاطري، كما أن عدم مشاهدتي لأخي ولحفيده وما جرى لزوجته قد أحزنني .

ما علينا... جاء بقية أعضاء الوفد برئاسة عطوفة الأخ موسى أبو غربية الوكيل المساعد في وزارة الثقافة، وعضوية الشاعرة والروائية الدكتورة وداد البرغوثي، والفنانين التشكيليين نبيل العناني وحسني رضوان، والشاعر المبدع مازن دويكات والشاعر الشعبي المتميز موسى حافظ، والأخوين أنور ريان ونبيل النوباني العاملين في وزارة الثقافة، وخمسة عشر عضواً من فرقة أصايل الفلسطينية برئاسة الفنان الرائع ناجي أبو شخيدم، وعضوية سبعة شبان رائعين، وثماني زهرات من بناتنا، وصلوا عمان يوم الخميس فالتقينا لقاء الغرباء، نعم لقاء الغرباء... فالشاعرة والأديبة وداد البرغوثي ابنة رام الله، والشاعر مازن دويكات ابن قرية بلاطة قرب نابلس، والشاعر موسى حافظ ابن مخيم جنين لم ألتقهم منذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً إلا ذلك اليوم في عمان، فالحواجز العسكرية الإحتلالية وجدران التوسع الإحتلالي قسمت وطني إلى كانتونات "متباعدة"، والتواصل ما بين المدن الفلسطينية مشقة لا يتحملها شيخ في مثل عمري هدّه الزمن .

وبعد صلاة يوم الجمعة 15 تشرين الثاني-اكتوبر- ذكرى اعلان استقلال فلسطين الذي أعلنه الرمز الراحل ياسر عرفات في دورة المجلس الوطني في الجزائر العاصمة في مثل هذا اليوم من العام 1988 استقلينا طائرة من الخطوط الجوية السعودية، من مطار عمان في طريقنا إلى الرياض، وها أنا في هذه الذكرى أحلق في أجواء مدينتين عربيتين حرتين، فشعرت بسعادة أورثتني يقينا بأن الإحتلال زائل، وأن شعبي سيحقق حقه في تقرير مصيره،وسيبني دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، لكنني استعجلت الأمور وتساءلت متى سيتحول حلم التحرر والإستقلال وبناء الدولة إلى واقع؟؟ فنحن أجدر الناس بالحرية، ونتمنى أن لا يقع شعب تحت الإحتلال الأجنبي.... كنت أمد نظري من نافذة الطائرة، وكأنني أريد أن أشبع ناظري من ارض العروبة، لكن الغيوم كانت تحجب عنا الرؤية، فالطائرة تحلق على ارتفاع تسعة وثلاثين ألف قدم كما أخبرنا قبطانها، وبعد مرور حوالي الساعة والنصف بدت لنا جوانب من مدينة الرياض، فخفق قلبي من رهبة وجلال الموقف .

نزلنا أرض المطار... وكان في استقبالنا سعادة السفير الفلسطيني جمال الشوبكي بقوامه الطويل وشموخه وتواضعه وابتسامته الحييّة، وكان بجانبه سمو الأمير السعودي سعود بن مساعد مدير دائرة المسرح في وزارة الثقافة السعودية، وبعض موظفي الوزارة فلفت انتباهي هدوء الأمير وتواضعه وسمار بشرته التي اكتسبها من جزيرة العرب، واصطحبونا إلى صالة كبار الضيوف حيث احتسينا القهوة العربية (السادة) المشبعة بالهيل ذات اللون الأصفر المائل إلى الإخضرار.

ومن هناك توجهنا إلى فندق (الهوليدي إن) الذي أعده مضيفونا لاستضافتنا فيه، وعلى مدخل الفندق كان في استقبالنا سعادة وكيل وزارة الثقافة السعودية الدكتور عبد العزيز بن محمد السبيّل، بابتسامته العريضة الحييّة ، وبتواضعه ونبل أخلاقه.

واصطحبنا إلى بهو الفندق حيث تنتصب لافتات مكتوب عليها ( أيام فلسطين الثقافية من 15-20 تشرين الثاني 2009

مساء الجمعه وصباح السبت كانت لنا لقاءات مع موظفين كبار من وزاره الثقافه السعودية ومنها لقاءات مع سعاده وكيل الوزارة الدكتور عبدالعزيز بن محمد السبيّل الذي غمرنا بلطفه، وحسن حديثه وحسن اصغائه أيضاً، واستعداده لتلبية جميع طلباتنا بما في ذلك تعديل البرنامج الذي وضعته وزارته، يعاونه في ذلك عدد من كبار موظفي وزارته منهم الأساتذة : عبدالرحمن الرقراق، دخيل بن عبدالله الراقي ، وعبدالهادي القرني، وليعذرني الآخرون لأن ذاكرتي لم تسعفني في حفظ أسمائهم، لكنهم جميعهم غمرونا بدفء محبتهم ونبل اخلاقهم، وقد وضعوا تحت تصرفنا عددا من السيارات مع سائقيها جاهزة لنقلنا الى أيّ مكان نريده، وفي أيّ زمان نريد ولقد لفت انتباهنا الاخلاق العالية التي يتحلى بها السائقون أيضا الذين التزموا الصمت، فلا يتحدثون إلا اجابة على سؤال أو تلبية لطلب وباختصار شديد .ومن الملاحظ أن الاخوة السعوديين يتكلمون اللغة الفصحى مع العرب الزائرين، لأنها لغة التفاهم بين العرب، ويتخلون عن لهجاتهم المحلية كي يستطيع الآخرون فهمهم، وهم لايسرفون في الكلام حتى في المزاح فجملهم قصيرة ومفيدة .

وفي بحر يوم السبت خرجنا جماعات الى بعض الأسواق الشعبية و(المولات) الحديثة التي تضاهي مثيلاتها في دول اوروبا وأمريكا، بل تزيد، ولفت انتباهنا أن مساحة مدينة الرياض وحدها تصل الى عشرة الاف كيلو متر مربع، ويزيد مواطنوها عن الستة ملايين شخص حتى انها امتدت الى مناطق البدو الذين يسكنون البيوت الحديثة، ويركبون السيارات الحديثة وتركوا ماشيتهم وإبلهم في البادية مع رعاة من دول عربية كالسودان وغيرها،-على فكرة تمّ توطين جميع البدو في السعودية- ومما يلفت الانتباه اتساع شوارع المدينة ذات الاتجاهين، والتي يزيد كل اتجاه فيها عن ستة مسارات، ويفصل الاتجاهين في غالبية الشوارع جزيرة مزروعة بالنخيل والأشجار الاخرى غير المثمرة، كما لفت الانتباه ان امتداد المدينة واتساعها بطريقة أفقية، ويبدو ان اتساع مساحة ملكية الارض له دور في ذلك،والتوسع الأفقي لا يعني عدم وجود ابراج ،فهناك ابراج مكونة من عشرات الطوابق وبأشكال هندسية رائعة، فإحدى الأبراج مبني على شكل قلم ضخم عظيم، واحداها على شكل سفينة، والعمل في تطوير المدينة قائم بشكل متسارع،ففي الطريق من الفندق الى مطار الرياض هناك غابة من الرافعات (الونشات) المقامة بجانب ابنية قيد الانشاء .

ومن اللافت ايضا ً أن غالبية العاملين في المحلات التجارية هم من الوافدين الأسيويين مثل الباكستان، بنغلادش ، الهند ، تايلند ، الفلبين .... الخ . وفي اسواق الرياض الشعبية يجد المرء كل مايجول في خاطره وبأسعار مقبولة .

 أيام فلسطين الثقافية : -

 تم الافتتاح في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، وهو بناء حديث محاط بالحدائق، وطريقة ترتيب حدائقه وشوارعه لافت، وفيه بهو فسيح جدا بجوانبه عدد من القاعات والصالونات ومسجد وصالتان للمسرح ويقام فيه استقبال المعارض الفنية والثقافية، وقد عرض في احدى جوانبه الفنانان التشكيليان الفلسطينيان نبيل العناني وحسني رضوان تسع عشرة لوحة لهما وللفنان سليمان منصور على هامش الاحتفالات، كما شاهدنا فيه يوم الاربعاء 18/11/2009 م مهرجانا للأطفال يأتي في نطاق احتفالات المملكة بيوم الطفل العالمي .

وكان على رأس حفل افتتاح مهرجان"أيام فلسطين الثقافية" معالي الدكتور: عبدالعزيز بن محي الدين خوجه وزير الثقافة السعودية، الذي افتتح المهرجان بصحبة سعادة السفير الفلسطيني جمال عبداللطيف الشوبكي، وسعادة الدكتور عبدالعزيز بن محمد السبيل، وسمو الأمير سعود بن مساع،د وعطوفة الأستاذ موسى أبو غربية الوكيل المساعد في وزارة الثقافة الفلسطينية، واصحاب السعادة سفراء الأردن ومصر وتونس والمغرب وقطر ولبنان والسودان وايرلندا والنمسا وعدد من الدبلوماسيين الاخرين، وجمهور كبير من الجالية الفلسطينية والمواطنين السعوديين بينهم اكاديميون ومبدعون .

وجرى حفل الافتتاح مساء الأحد 15تشرين الثاني-اكتوبر- في قاعة المسرح الصغير، حيث القى معالي وزير الثقافة العودية وسعادة السفير الفلسطيني كلمتين قصيرتين أكدا فيهما أن القدس حاضرة في وجدان كل مسلم وكل عربي .

أما قاعة المسرح الكبرى في مركز الملك فهد الثقافي فهي قاعة تتسع لأكثر من ثلاثة الآف شخص، وهي كبقية المركز الثقافي مجهزة بآخر ما ابتكر العلم الحديث من ديكورات وأثاث، ولا اخفي عليكم أن هذه القاعة قد شكلت لي صدمة حضارية ايجابية، تفوق دهشتي عندما رأيت في صيف العام 1984 مسرح (البولشوي) الروسي الذي يعتبر أفضل مسرح عالمي .

وكان للقصائد التي القاها الشاعران الفلسطيني مازن دويكات والسعودي عبدالله الزيد عن القدس وفلسطين وقع لدى الحضور، أما فرقة اصايل الفلسطينية بقيادة الفنان المتميز ناجي ابو شخيدم فقد الهبت جمهور الحاضرين بروعة أدائها للرقصات والدبكات الشعبية الفلسطينية، وكان مسك الختام مع الشاعر الشعبي الفلسطيني الزجال موسى حافظ الذي سيطر على عاطفة ووجدان الحضور بأغانيه وأناشيده عن القدس وفلسطين ومايجري فيها .

وفي اليوم الثاني الاثنين كان النشاط النسوي في قاعة المسرح الكبرى، وبحضور نسائي فقط من الجالية الفلسطينية ومواطنات سعوديات وعربيات، وكان الحضور النسوي مكثفا مما استدعى فتح هذه القاعة، وقد افتتحت المهرجان النسوي احدى الأميرات السعوديات والقت الشاعرة والروائية الأدبية وداد البرغوثي عددا من القاصد، كما تواصلت في عدة لقاءات على طيلة ايام المهرجان مع مبدعات وأكاديميات سعوديات .

 أما اعضاء الوفد الفلسطيني فقد كانوا ضيوفا على سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيّل وكيل وزارة الثقافة السعودية، وبصحبته عدد من كبار موظفي الوزارة، وعدد من الأكاديميين والمبدعين السعوديين في المبني التراثي السعودي في العاذرية، حيث كانت فرقة الفنون الشعبية التابعة لوزارة الثقافة السعودية تتواجد تلك الليلة، فقدمت رقصة (العرضة) السعودية الشهيرة، وهي رقصة حماسية تراثية يرقصها السعوديون بالسيوف، عندما تدق طبول الحرب، وعلمنا ان جميع ملوك السعودية وأمرائها يمارسون هذه الرقصة، كما قدمت الفرقة رقصة السيف والعزاوي المعروفة في منطقة جيزان في جنوب المملكة العربية السعودية .

وعلمنا أن هذه الفرقة التي جابت العالم حاملة التراث الشعبي السعودي لها مثيلات في مختلف منطاق المملكة وترعاها وزارة الثقافة السعودية فغبطناهم على ذلك .

كما قدمت الفرقة السامري الدوسري السعودي، وقدم أحد افرادها عزفاً على الربابة، وآخر قدم عزفا على العود، وأعقب الحفل عشاء متنوع الأطعمة الشعبية وغيرها، وجرت على طاولاتها أحاديث عن القدس وفلسطين، حقا لقد كانت ليلة تأسر القلوب. وفي يوم الثلاثاء زار الوفد جامعة الملك سعود في الرياض، هذه الجامعة التي تشكل بأبنيتها الحديثة والجميلة مدينة صغيرة قائمة بذاتها، والتقى الوفد عميد كلية اللغة العربية الدكتور صالح الغامدي هذا الانسان الرائع الذي استضاف الوفد في قاعة، وبحضور عدد من المدرسين في القسم ومنهم الكتور حسين المناصرة ابن بني نعيم قرب الخليل .

وتحدث رئيس الوفد الفلسطيني موسى أبو غربية، وجميل السلحوت ومازن دويكات وموسى الحافظ عن القدس وفلسطين، وكان عدد من الأكاديميات السعوديات في قاعة اخرى يستمعن الى مايجري عبر دائرة صوتية، وجرى بعد ذلك حوار شارك فيه الحضور والحاضرات، كما تجول الوفد في مكتبة الجامعة التي تحوي حوالي مليونين ونصف المليون كتاب ومخطوطة وفيها قسم لترميم المخطوطات .

وفي المساء كانت الحفلة الساهرة في المسرح الصغير في مركز الملك فهد الثقافي، وبحضور الكتور عبدالعزيز السبيل والسفير جمال الشوبكي اللذين حضرا جميع النشاطات، وكان الشعر مع مازن دويكات والزجل مع موسى حافظ، والرقصات الشعبية مع فرقة أصايل وهكذا كان حفلة مساء الاربعاء .

وفي مساء يوم الاربعاء أيضا وفي النادي الأدبي الذي لفت انتباهنا بجمال واتساع مقره وحديقته، تحدث عطوفة الاستاذ موسى ابو غربية رئيس الوفد الفلسطيني، وجميل السلحوت عن تهويد مدينة القدس الذي يتم بشكل متسارع، وحضر الأمسية اضافة الى سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل وكبار موظفي الوزارة وسعادة السفير جمال الشوبكي ادارة النادي وعدد من الاكاديميين السعوديين والفلسطينيين . ويوم الخميس زار الوفد المتحف الوطني السعودي هذا المتحف المقام بجوار الدار التي كان يسكنها مؤسس المملكة الراحل الملك عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله-وأصبحت جزء من المتحف ، وهو متحف بأبنية مصممة حسب طراز المتاحف العالمية ،ويحوي موجودات سعودية من العصر الجاهلي حتى ايامنا هذه، كما فيه جناح خاص يروي قصة ومراحل قيام المملكة العربية السعودية منذ قرون طويلة ويروي تاريخ الامام محمد بن سعود الذي اعدمه العثمانيون عام 1816 وقصة توحيد الملك عبدالعزيز للسعودية وبناء المملكة تحت سيطرته بشكلها الحالي، وليتوالى أبناؤه من بعده على ملكها .

وفي المساء كان الحفل في السفارة الفلسطينية حيث قدمت فرقة اصايل والشاعر الشعبي موسى الحافظ لوحات فنية رائعة .

 

 ولوحظ أن سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة السعودي دائم الحضور في كل النشاطات، وكان متابعاً ساعة بساعة لاعضاء الوفد الفلسطيني، ساهرا على راحتهم وفاعلاً لانجاح هذه النشاطات، يساعده في ذلك نخبة من موظفي الوزارة، وقد استجاب معالي وزير الثقافة السعودية الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة الى طلب الوفد بأن يؤدي خمسة من أعضائه مناسك الحج - برغم ضيق الوقت فالعيد على الابواب- وتابع الوكيل الدكتور السبيل هذه القضية الى أن اخرجها الى حيز التنفيذ .

 ولن ينسى الوفد مدى تأثرهم بلطف مرافقيهم السعوديين ولا مبالغة اذا قلنا اننا كنا في بيوتنا ووسط أهلنا وفي وطننا الثاني .

أما السفير جمال الشوبكي فهو مناضل فلسطيني معروف بنبل أخلاقه عرف السجون وذاق مرارة الحصار، عرفناه وزيراً كفؤا للحكم المحلي في سلطتنا الوطنية، فقد أفنى عمره في خدمة شعبه، وها هو يواصل المسيرة، فقد قدم لنا كافة التسهيلات وكافة الرعاية، لقد قدم لنا اكثر مما توقعناه، وقد شاهدنا بعيوننا كيف أن السفارة مفتوحة لأبناء الجالية الفلسطينية في السعودية، فهي بيتهم الثاني، ولن ننسى مشاركة الدكتور ماهر الكركي المستشار الاول للسفير الفلسطيني، والذي كان حضوره مميزاً في كافة القضايا البارزة، اضافة الى بقية موظفي السفارة الذين لم اتشرف بمعرفتهم . .

 فلسطين في السعودية : -

 

 ومن الضروري الحديث على أن القدس وفلسطين كانت حاضرة في كافة أرجاء المملكة العربية السعودية، فعلى هامش احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 جرت طيلة أيام السنة احتفالات وأمسيات أدبية وثقافية في مختلف المدن السعودية، ولا غرابة في ذلك، فالقضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، وهموم القدس راسخة في وجدان كل عربي ومسلم كونها جزء من العقيدة الاسلامية، ولايحتاج المرء الى كثير من الأنتباه ليرى ويسمع مدى اهتمام عامة الشعب السعودي بفلسطين وقضيتها، وشعبها المجبولة دماؤه بتراب فلسطين عبر الأجيال، فعروس المدائن هي أرض الرباط والجهاد .

الزي الشعبي : -

 يفرض المناخ على الشعوب أن تختار ملابسها التي تتلاءم مع طبيعة البلاد وثقافة شعوبها،وقد فرض المناخ الصحراوي على شعوب الجزيرة العربية عامة، والشعب السعودي خاصة ارتداء (الدشداشة) البيضاء، وهذا ما يرتديه غالبية الذكور من الشعب السعودي اطفالاً وشباباً وشيوخاً، ومن اللافت أن هذا الزيّ الشعبي التقليدي يكسر الفوارق الطبقية والاجتماعية بين أبناء الشعب، فيرتديه الأمير والفقير ومابينهما، ولا يستطيع الزائر أن يميز بين المسؤول والرعية الا من خلال الهيبة والوقار . .

الوضع الاقتصادي:

وبما أن الله - سبحانه وتعالي- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فإن ثراء السعودية التي وهبها الله ثروة بترولية هائلة ظاهر للعيان، فالسعوديون يقتنون آخر موديلات السيارات العالمية، ومختلف الأدوات الكهربائية والصناعية الاخرى في متناول المواطن السعودي العادي، فالمداخيل مرتفعه والجمارك والضرائب تكاد تكون معدومة .

ويلاحظ أن المواطنين السعوديين نتيجة لتوفر فرص العلم والعمل لهم قد وصلوا مراتب متقدمة علميا وعملياً، يلاحظ ذلك من خلال المدارس المجهزة بكافة وسائل التعليم الحديث والمجهزة على طرق علمية حديثة، والجامعات ايضاً لها دور بارز في دفع آلاف من ابناء الشعب السعودي الى التحصيل العلمي، وفي مختلف التخصصات، بل إن فيها مبعوثين- تتكفل بهم الحكومة السعودية - من مختلف الدول العربية والصديقة،اضافة الى آلاف المبعوثين السعوديين الى مختلق جامعات العالم، وهذا جعل المواطنين السعوديين يترفعون عن الاعمال السوداء التي يقوم بها الوافدون العرب والاسيويون والافارقة .

 المرأة السعودية : -

 مع أننا عرب جميعنا إلا أن هناك تفاوت في العادات والتقاليد تختلف من شعب الى الأخر حسب الظروف المحلية والبيئة في كل قطر عربي . ومما يلفت الانتباه أن النساء السعوديات في غالبيتهن يرتدين العباءة السوداء و(الملاية) التي تغطي الرأس والوجه بالكامل، أو تكون بعض النساء منهن منقبات لا تظهر منهن الا العيون، لكن المرأة السعودية نالت حظها من التعليم أيضاً، وفي مختلف التخصصات، ولهفتها لمواكبة العصر واضحة، فقد كان الحضور النسوي في الليلة الثانية لأيام فلسطين الثقافية المخصصة للنساء لا فتاً ومتفوقاًُ على عدد الرجال في الامسيات الاخرى، مما اضطر مشرفي المهرجان الى فتح قاعة المسرح الكبرى في مركز الملك فهد الثقافي .

فضل ذوي الفضل : -

 واذا كان من حق ذوي الفضل علينا أن نذكر افضالهم فإن اخواننا السعوديين العاملين في وزارة الثقافة السعودية قد غمرونا ببحر حبهم الذي لا ينضب، فسعادة وكيل الوزارة الدكتور عبدالعزيز السبيل وطاقم وكالته بمن فيهم سمو الامير سعود بن مساعد كانوا دائمي الحضور في كافة النشاطات، وكانوا دائمي التواصل معنا ساهرين على راحتنا، حتى أن سعادة الوكيل السبيل كان يحرضنا كي نطلب منه مانريد، بعد أن هيأ لنا الأجواء كي نشعر أننا في بيتنا ووسط أهلنا وربعنا .

ولا يفوتنا هنا أن نتقدم بجزيل الشكر له ولكافة الطاقم العامل معه .

 أما سفيرنا جمال الشوبكي فهو غني عن التعريف يتاريخه الكفاحي وسيرته العطره، فهو منا ونحن منه، وكان معنا أخا كريما لا نملك الا أن نحييه ونشكره هو وطاقم السفارة، وسنواصل رحلتنا في السعودية بأداء مناسك الحج التي يسرها لنا اخواننا في وزارة الثقافة السعودية فجزاهم الله عنا خيراً.