أيام الحج في الأدب العالمي

د. نعيم محمد عبد الغني

[email protected]

لقد نالت أيام الحج وشعائره حظا في الآداب العالمية، فمنهم من صور رحلة الحج، ومنهم من صور منظر الحجاج وأماكن الشعائر، ومنهم من حركته الجموع الغفيرة في صلاة العيد فقام بتصويرها في أبيات راقية، ومنهم من نظر لمقصد الشعيرة من الوحدة والمساواة.

وبنظرة سريعة لهذا التصوير فإننا نلحظ أن أبرز الدارسين العرب الذين اهتموا بهذه القضية من خلال بحوثهم في الأدب الإسلامي الدكتور حسين مجيب المصري – رحمه الله- الذي جمع بعضاً من هذه الآثار العالمية في كتابه "المسجد بين شعراء العربية والفارسية والتركية والأوردية – دراسة في الأدب الإسلامي المقارن".

فنقل الدكتور المصري صورة لمشقة السفر في رحلة الحج مستأنساً بقصة طريفة للشاعر التركي محمد عاكف المعروف بشاعر الإسلام المتوفى عام 1936م في رسالة قال فيها: (قيل لنملة تسعى إلى أين؟ قالت إلى الحج، قيل: كيف تخرجين إلى الحج على ضعف سوقك؟ فقالت: إن حالَ ضعفي بيني وبين بلوغ بيت الله فليكن في السبيل إلى موتي)

وهذه القصة على طرافتها تبين أن كل الكائنات  تتمنى هذه الرحلة، ولا تبالي بالضعف تجاه المشقة الكبرى  التي  يجدها من يسافر في هذه الرحلة.

ويترجم لنا الدكتور المصري شعرا لشاعر الإسلام محمد إقبال في رباعياته التي يصور فيها شعور المؤمن وهو يذهب إلى هذه الرحلة فيقول: واصفاً سفرة طالت به، ومناجياً ناقته التي تحمله إلى البيت العتيق:

أَشِبْ فَرَحاً بأحزان الطريق

وكُن مجنونَه غيرَ المُفيق

طريقاً طالَ يا حادي لِتَسلك

وآلام المُفارقِ من حَريق 

أما الدكتور ظهور أحمد أظهر برابطة الأدب الإسلامي بباكستان فيترجم لنا قول إقبال وهو يشبه الحاج المؤمن بطائر الحرم الذي يهم بالطيران: «أيها الطائر من طيور الحرم المقدس أما ترى أن حواصلك وأجنحتك قد تلوثت واتسخت بأدناس الفوارق من اللون والجنس والعنصرية، إذن، فيجب عليك أن تنظف الحواصل والأجنحة وتطهرها من الأدناس قبل أن تعتزم على الطيران والسفر إلى بيت الله الحرام".

ورغم أن شاعر الإسلام محمد إقبال لم يتح له الحج إلى بيت الله الحرام، ولكن هذه الشعيرة عاشت في فكره ووجدانه، ليعرف نفسه بقوله: "إن جسدي زهرة في حبة كشمير وقلبي من حرم الحجاز وأنشودتي من شيراز".

ولينطلق بعد إلى الحديث عن مقاصد الحج الكبرى التي منها وحدة المسلمين، فأراد أن تكون فريضة الحج نقطة تحول في حياة المسلم بصفة خاصة وحياة المسلمين بصفة عامة، وله قصيدتان شعريتان من روائع شعره، وقد تركتا أثراً بالغاً للغاية، ليس في الآداب الأردية فحسب بل في الآداب العالمية على أوسع نطاق، وقد شغلت الناس في الهند وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، وقد سمى الشاعر إحداهما «الشكوى» والثانية «جواب الشكوى» وقد ترجمهما إلى العربية شعراً الشيخ الصاوي شعلان المصري ـ رحمه الله ـ وسمى ترجمته "حديث الروح" وهي ترجمة رائعة تعبر عن الأصل الأردي تعبيراً صادقاً وجميلاً، ومطلعها:

 حديث الروح للأرواح يسري

 فتدركه القلوب بلا عناء

هتفت به فطار بلا جناح

وشق أنينه صدر الفضاء

ثم يقول إقبال عاقدا مقارنة بين ماضي المسلمين المشرق، وبين واقعهم الأليم، فيقول مثلا بعد تصويره ساعة الصفاء التي يدعو فيها الله سبحانه:

شكواي أم نجواي في هذا الدجى

ونجوم ليلى حسدي أم عودي

قد صرت في الماضي أعيش كأنما

قطع الزمان طريق أمسى عن غدي

ويختمها بالتمسك بالإيمان بالله فهو سر النجاة فيقول في أبيات شهيرة:

إذا الإيمان ضاع فلا أمان

ولا دنيا لمن لم يحي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين

فقد جعل الفناء لها قرينا

 

وفي قصيدة أخرى يؤكد على وحدة المسلمين من خلال وحدة البيت الحرام فيقول في قصيدة الشكوى:

الصــين لنا

والعُــرب لنا

والهند لنا، والكل لنا

أضحى الإسلام لنا دينا

وجميع الكون لنا وطنا

توحيد اللـه لنا نورٌ ..

أعددنا الروح له سكنا

الكون يزول ولا تُمحى ....

في الكون صحائف سؤددنا

بُنيت في الأرض معابدنا ....

والبيت الأول كعبتنا

هو أول بيتٍ نحفظهُ ....

بحياة الروح ويحفظنا

ويطالعنا تأثر الشاعر التركي يحيى كمال بمنظر الناس في صلاة العيد فيقول:

"يزيد قلبي نورا على نور في دوام...في تلك اللحظة تحت قبة سمائنا يبدو ما كان في تسعة قرون ببلادنا وعبادنا، إنها صورة بنفسجية الألوان، في كل حين يرتفع عنها الأغبر من سدول الزمان"

وفي الشعر الأردي نقرأ ترجمة الدكتور المصري للشاعر الأوردي القديم لي الدكني الذي يصفه بالميل إلى المحسنات البديعية فيقول:

(في الكعبة يا ولي دعوة النصر تستجاب، والدعوة للحسام هيئة المحراب)

ويعلق الدكتور المصري بقوله: "إنه كغيره من شعراء الأردية يذكر الكعبة مريدا بذلك المسجد الحرام، ولا غرو فهو المسجد الأعظم والأقرب للقبلة"

ولا يفوتنا أن نذكر أن أدبنا العربي كان أغزر عطاء وأعمق تصويراً لهذه الأيام، في الشعر والنثر، فمثلا نقرأ حديثاً ما كتبه الدكتور محمد حسين هيكل عن هذه الشعيرة المباركة عندما كان يحج لبيت الله الحرام "في منزل الوحي" الذي صور تصويراً بارعاً مكة والمدينة، وكانت العبارات تخرج من كمه؛ ليكون مرجعاً مهماً في أدب الرحلات.

ونقرأ قول الشاعر وهو يصور الحجاج بقوله:

ما بين زمزم والحطيم تراهم.

والركن والجبل الأشم حراء

وهناك في عرفات كل خاشع

هيمان بين ضراعة ونداء

وقد تناول الباحثون أيضا هذه الرحلة في الآداب العالمية كالدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم الذي كتب بحثين بعنوان: "الحج في أدب شبه القارة الهندية"، وذلك سنة 2001م، والثاني  بعنوان "أثر مكة والحج في ثقافة وأدب شبه القارة الهندية" سنة 2002 وقدمهما في الندوتين عن الحج في مكة المكرمة.

وستظل أيام الحج بما فيها من شعائر ومشاعر تحرك القلوب، وتهز الأفئدة، ليقرأ الناس على مختلف ألسنتهم وألوانهم أدبا يكون سجلاً على مدى العصور، بالكلمة الصادقة والصورة الجميلة، لنردد ذلك النداء الذي قاله أحد الشعراء للحجاج:

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد

سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا

ومن أقام على عذر فقد راحا