اضربوا لي معكم بسهم

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

انطلق رهط من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفرة سافروها ، فلما قاربت الشمس للمغيب أسرعوا الخطا ، فقد كان على مرمى نظرهم حيٌّ من أحياء العرب ، وخير لهم أن يقضوا ليلتهم في أرض مأهولة ، من أن يقضوها في مكان مقفر موحش ، لا يدرون في هذا الليل البهيم ما يجري حولهم ، كما أنّ بإمكانهم زيارة القوم ، يتعرّفون إليهم ويدعونهم إلى الإسلام ، فإنْ كتب الله الهداية لأحدهم أو لهم جميعاً كما حدث لقبيلة عبدالقيس غمرهم من الله الخير والفيض الرباني من الحسنات إلى يوم القيامة .

ووصل الرهط إلى مضارب القبيلة وسألوا أوّل واحد لقـُوه :

أين شيخكم ؟ فدلوهم عليه ، فلما وصلوا إليه وسلموا عليه لقيهم بوجه جاف ، ولم يسألهم النزول عليه !! أمْرُهُمْ عجيب . . إنهم جميعاً كانوا بخلاء أصحاب شحٍّ وعهدهم بالعرب أهل كرم وضيافة . . ألم يقل الشاعر في مدح قبيلته :

يُغشَوْن حتى ما تهرُّ كلابُهم                لا يَسألون عن السواد المقبل

وهذا طرفة لا يسكن التلال مخافة الضيفان ، بل ينصب خيمته أسفل الطريق ، ليسهل قدوم المسافر إليه :

ولست بحلّال التلاع مخافة                         ولكنْ متى يسترفدِ القومُ أرفدِ

وآب الرهط راضين من الغنيمة بالإياب وضربوا خيامهم قريباً من هؤلاء .

ولُدغ سيّدُ الحي ، فسعى له الناس بكل حيلةٍ ، فلم تنفعه حيلة ، إن الحمّى تشتد ، الزّبَدُ يخرج من فمه ، فما هم فاعلون !؟

قال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الغرباء الذين قد نزلوا بكم ، لعله أن يكون عند بعضهم دواء أو ترياق فننقذ صاحبنا .

فأتوهم ، وقالوا : أيها الرهط إن سيدّنا لُدغ ، فسعينا له بكل شيء ينفعه ، فلم يُشفَ ، فهل عندكم ما تداوونه به ؟.

قال أحد الرهط : نعم والله ، إن عندنا ما ينفع .

نظر أحدهم إلى صاحبه . . إنّه يعلم أنْ ليس معهم شيء ، وما منهم طبيب . .

إلا أن القائل أردف : ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيّفونا ، وما أنا لكم راقياً حتى نأخذ أجرتنا ، فإن فعلتم رقيناه .

قالوا لكم ذلك .

قال الراقي : نذهب معكم على أن يكون لنا قطيع من الغنم ،

 قال القوم : نعم ، فهلمّوا . .

فانطلق الجميع حتى وصلوا إلى سيّد القوم الذي جفاهم وطردهم فرأوه يتلوّى من الألم ، فقرأ عليه الفاتحة مرّات كثيرة ، وكان كلما قرأ مرة يتفل عليه وينفخ حتى أبرأه الله تعالى فكأنما نشط من عقال ، يمشي ليس يشعر بألم . فأوفوهم ما اتفقوا عليه .

قال بعضهم : اقسموا بيننا هذا الرزق ، فهو حلال .

قال الراقي : لا تفعلوا ذلك حتى نأتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنقصَّ عليه ما فعلنا . قالوا : نعم فلعلها رُقْيَةٌ لا تجوز لنا ، فلما قدموا عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبروه بما كان .

فقال : وما يدريك أنها رُقيةٌ ؟ أصبتُم ، اقسموا ، واضربوا لي معكم بسهم .